يُجازونَني عنِ الخَيرِ شرَّا فتُمْسي حَياتي عقيمة ( مز 35 /12)
احد الشعانين 2008 - البطريرك بشارة الراعي
الاحد 16 اذار 2008
احد الشعانين
ملوكية المسيح ومشاركتنا فيها
من انجيل القديس يوحنا الرسول 12/12-22
لَمَّا سَمِعَ الـجَمْعُ الكَثِير، الَّذي أَتَى إِلى العِيد، أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلى أُورَشَليم، حَمَلُوا سَعَفَ النَّخْلِ، وخَرَجُوا إِلى مُلاقَاتِهِ وهُمْ يَصْرُخُون: "هُوشَعْنَا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبّ، مَلِكُ إِسرائِيل". ووَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَرَكِبَ عَلَيْه، كَمَا هُوَ مَكْتُوب: "لا تَخَافِي، يَا ابْنَةَ صِهْيُون، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي رَاكِبًا عَلى جَحْشٍ ابْنِ أَتَان". ومَا فَهِمَ تَلامِيذُهُ ذـلِكَ، أَوَّلَ الأَمْر، ولـكِنَّهُم تَذَكَّرُوا، حِينَ مُجِّدَ يَسُوع، أَنَّ ذـلِكَ كُتِبَ عَنْهُ، وأَنَّهُم صَنَعُوهُ لَهُ. والـجَمْعُ الَّذي كَانَ مَعَ يَسُوع، حِينَ دَعَا لَعَازَرَ مِنَ القَبْرِ وأَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، كَانَ يَشْهَدُ لَهُ. مِنْ أَجْلِ هـذَا أَيْضًا لاقَاهُ الـجَمْع، لأَنَّهُم سَمِعُوا أَنَّهُ صَنَعَ تِلْكَ الآيَة. فَقَالَ الفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُم لِبَعْض: "أُنْظُرُوا: إِنَّكُم لا تَنْفَعُونَ شَيْئًا! هَا هُوَ العَالَمُ قَدْ ذَهَبَ ورَاءَهُ!". وكَانَ بَينَ الصَّاعِدِينَ لِيَسْجُدُوا في العِيد، بَعْضُ اليُونَانِيِّين. فَدَنَا هـؤُلاءِ مِنْ فِيلِبُّسَ الَّذي مِنْ بَيْتَ صَيْدَا الـجَلِيل، وسَأَلُوهُ قَائِلين:"يَا سَيِّد، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوع". َجَاءَ فِيلِبُّسُ وقَالَ لأَنْدرَاوُس، وأَنْدرَاوُسُ وفِيلِبُّسُ وقَالا لِيَسُوع.
يسوع يدخل مدينة اورشليم في مناسبة عيد تحريرها على يد المكابيين واسترداد الهيكل وتطهيره، واقامة مذبح آخر وتقديم الذبيحة (1 مكابيين10/1-9). يتزامن العيد مع بداية ايام الفصح اليهودي، فكانت شعوب كثيرة، من مواطنين واجانب، قد توافدت الى اورشليم للعيد، ومن بينهم يسوع وتلاميذه.
الاستقبال الملوكي العفوي ليسوع والهتافات كانت علامة انه هو الملك الحقيقي، محرر المدينة والعالم بموته وقيامته، ومطهّر الهيكل وصانع ذبيحة الفداء الجديدة. بهذا وضع الاساس لممارسة السلطة والعمل السياسي
اولاً، شرح نص الانجيل
1. يسوع الملك فادي الانسان
" مبارك الآتي باسم الرب ملك اسرائيل". هكذا هتف الشبان عندما راوا يسوع داخلاً المدينة، راكباً جحشاً. فحملوا اغصان النخل، علامة النصر والتحرير ( 1 مكابيين13/50-53)، واغصان الزيتون، علامة السلام، وطرحوها على الارض مع اردية الكثيرين حيث مرّ يسوع ( متى21/8). وكانوا يرددون " هوشعنا" اي خلصنا، يا رب خلّص، يا رب أنجح (مز117/25). وكصدى لنشيد الملائكة ليلة الميلاد، راحوا يهتفون: "السلام في الارض والمجد في العلى" (لوقا19/38). ثم حيّوا المملكة الجديدة التي ينشئها يسوع: " مباركة المملكة الآتية من ابينا داود، هوشعنا في الاعالي" ( مرقس11/10). ملوكية يسوع ومملكته تتصفان باربع مزايا:
التواضع: لم يدخل يسوع فاتحاً منتصراً بقوة السلاح والعنف، بل بالتواضع راكباً جحشاً، وهو مطية اصحاب سلطة منذ عهد بلعلم (عدد22/12). فجعل من نفسه قدوة: " تعالوا اليّ وتعلموا مني، اني وديع ومتواضع القلب: فتجدوا راحة لنفوسكم" (متى11/29).
المحبة: يحمل الخلاص والتحرير ويبذل ذاته فدى عن الكثيرين بالموت على الصليب.
السلام الحقيقي: يتنزع به الخوف من القلوب: "لا تخافي يا ابنة صهيون". سلامه ليس سلام الاقوياء على الضعفاء، بل سلام المحبة والحنان واحترام الانسان والمدينة. سلامه سلام القلب بكلمته منيرة العقول، ونعمته شافية النفوس، ومحبته الغافرة والمعينة.
ارسال من الله: " مبارك الآتي باسم الرب" ( مز117/26). هو المسيح الآتي بارسال من الله وبسلطان منه: " لقد اعطيت كل سلطان في السماء والارض" ( متى28/18). هذا السلطان سيعطيه للكنيسة، المملكة الجديدة، القائمة على الكلمة والمعمودية والافخارستيا ( متى28/18-20).
لقد رأى فيه الشعب " ملك اسرائيل"، الشخص الذي يجمع السلطة الروحية والسلطة الزمنية، والذي يحقق تحرير المدينة. لكن يسوع أصلح آمال الشعب الخاطئة، بتحقيقه نبؤة زكريا: " هوذا ملككِ آتٍ، راكباً على جحش ابن اتان" ( زكريا9/9). ليس المسيح فاتحاً محارباً على جواد، بل هو امير السلام الذي ينهي كل حرب، ويؤسس مملكة السلم. لم يقبل يسوع ملوكيته من الناس، بل من الآب: " قال لي انت ابني انا اليوم ولدتك، سلني فاعطيك الامم ميراثاً لك، واقاصي الارض ملكاً لك. ترعاهم بعصا من حديد وكإناء من خزف تحطمهم" (مز2/7). وسيؤكد امام بيلاطس: " مملكتي ليست من هذا العالم" (بو18/36).
1. الاساس اللاهوتي لممارسة السلطة والعمل السياسي
دخول يسوع الى اورشليم، وما رافقه من اعلان ومعانٍ يشكلّ الاساس اللاهوتي لممارسة السلطة والعمل السياسي. فالارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" يدعو العلمانيين المؤمنين بالمسيح للالنزام والمشاركة في السياسة اي في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتشسريعي والاداري والثقافي المتنوع الاشكال. فالسياسة تهدف الى تعزيز الخير العام، واحلال العدالة والمحبة، وصيانة الحقيقة والحرية. هذه الاربع تضع اسس السلام بين الناس والامم.
المسيحيون ملتزمون بهذا العمل السياسي بحكم معموديتهم التي تشركهم في وظيفة المسيح المثلثة الابعاد:
بالعبد الكهنوتي يجعلون من نشاطهم في خدمة الخير العام تسبيحاً للخالق، واكمالاً لعمل الخلق.
بالبعد النبوي يجسّدون جدّة الانجيل وفعاليته تجسيداً يتألق في حياتهم اليومية والعائلية والاجتماعية. ويعبّرون بجرأة وشجاعة، وسط مشقات الزمن الحاضر، عن رجائهم بالمجد الآتي. ويسهمون في اجراء تحوّلات لا بدّ منها من اجل مستقبل افضل.
بالبعد الملوكي يتغلبون على مصالحهم الخاصة وحساباتهم الرخيصة، ويلتزمون سبيل الزهد والتجرد، ويعملون من اجل الخدمة العامة بتفانٍ وسخاء، من اجل العدالة والحقيقة والحرية والسلام (الارشاد الرسولي، 113).
يذكرنا الارشاد الرسولي "بالممارسة المسيحية لادارة الشؤون الزمنية. فشخص المسيح والانجيل ينيران هذه الشؤون المعدّة لخير الاسرة البشرية وسعادتها الابدية". ويضيف: " لا يمكن، ان يكون للمسيحيين حياتان متوازيتان: احداهما الحياة الروحية ولها قيمها ومقتضياتها، والاخرى الحياة العلمانية التي لها قيمها المختلفة عن الاولى او المضادة لها" (عدد112). بل يجب ان تكون حياة الانسان واحدة ببعديها الانساني والروحي، بحيث الروح يرفع الجسد الى القيم العليا. يخشى ان يقصد من العبارة التي تتكرر على مسامعنا من المسؤولين السياسيين "الدين لله والوطن للجميع" الفصل بين الحياتين. المطلوب هو انعاش النظام الزمني بالروح التي حملها المسيح للعالم، بحيث يكون النظام الزمني في خدمة الشخص والمجتمع، وفقاً للقواعد الخلقية والقيم الروحية والانسانية والاجتماعية.
2. الشباب قوة تجددية
عيد الشعانين، يوم دخل يسوع الى اورشليم واستقبله الشبان اصبح في ايامنا احتفلاً بيوم الشبيبة العالمي. فهم حرّكوا المدينة بهتافاتهم وحملوا اغصان النخل والزيتون، واعلنوا ملوكية يسوع. يومها طهّر المسيح الهيكل اذ طرد منه الباعة وقلب موائد الصيارفة وقال: " بيتي بيت الصلاة يُدعى" ( متى21/12-13). واعلن ذاته ذبيحة الفداء الجديدة: " حبة الحنطة اذا وقعت في الارض وماتت، اتت بثمار كثيرة" (يو12/24). واستبق ملوكيته الابدية على العالم التي ستتم يوم قيامته.
الارشاد الرسولي " رجاء جديد للببنان" يسمّي الشبيبة " قوة تجددية في الكنيسة ولبنان". منهم تنتظر الكنيسة ان يعطوا الحياة الكنسية والحياة الاجتماعية انطلاقة جديدة ( فقرة 51).
***
ثانياً، الرجاء المسيحي
في ضوء دخول المسيح مدينة الارض تورشليم ملكاً سماوياً زارعاً الرجاء في القلوب، نواصل التفكير في مقومات الرجاء المسيحي انطلاقاً من رسالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر " بالرجاء خُلصنا".
1. الرجاء هو الفداء بالمسيح الذي اجرى لنا اللقاء الحقيقي بالله الحي، اله يسوع المسيح. "فعند "المسيح ابن الله الحي كلام الحياة الابدية" ( يو6/68). الفداء يعني محبة الله النهائية لكل انسان. فمهما حصل له تبقى محبة الله تنتظره، وهو بدوره يعرف انه ابن الله المفتدى بدم مسيحه، ابنه الازلي الوحيد. فاذا عاش رجاء الفداء واختبره، سعى جاهداً الى اشراك غيره فيه. الرجاء لا يقف عند حدود الفرد وخلاصه بل يتصف بالطابع الجماعي الذي هو طابع الخلاص ايضاً: " لقد اقتربتم من مدينة الله الحي" (عبرانيين12/22). وفيما الخطيئة تهدم وحدة الجنس البشري بالتجزئة والتفرقة، الفداء يرمم روابط الوحدة، ويدعو اليى الخروج الدائم من الانطواء على الذات نحو الآخر (بالرجاء خُلصنا،3).
2. يعتبر العالم المعاصر، منذ الثورة الفرنسية وعصر التنوير في اوروبا، ان الرجاء هو ثمرة الترقي وانتصار العقل والحرية على المستوى السياسي. فالعقل والحرية هما بمثابة نجمين يجب اتباعهما على طريق الرجاء. وجاءت الماركسية لتحصر الرجاء ?الترقي ضمن حدود العلم والتقنية من دون اي علاقة بالله (المرجع نفسه، 18-19).
لكن الكنيسة تعتبر ان الترقي يكون رجاء، عندما يشمل البعد الاخلاقي في الانسان، ونموّه الداخلي، على ما يقول بولس الرسول: " بحلول المسيح في انسانكم الباطن بالايمان، وفي قلوبكم بالمحبة، تعرفون محبة المسيح التي تفوق كل معرفة، وتمتلئون بكل ملء الله" ( افسس3/17-19). والترقي يكون رجاء، عندما يقوم على " تجدد الانسان الباطن يوماً فيوماً، فيما انساننا الظاهر آخذ بالفساد" ( 2كور4/16).
وتعتبر الكنيسة ان العقل يشكل مصدراً للرجاء، بمقدار ما يرتبط بالايمان، الذي هو مثله عطية من الله، فينتصر المنطق على اللامنطق، ويصمد الانسان في خياراته المرتكزة على الحقيقة المطلقة.
وتعنبر الحرية مصدراً للرجاء، عندما ترتبط الحرية بالله الذي هو اساسها وغايتها. فالانسان بحاجة الى الله، وإلاّ ظل من دون رجاء (افسس2/12).
*****
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية التفكير معاً في النص المجمعي السابع " الكهنة في الكنيسة المارونية"، وتحديداً صيغة الاختيار والدعوة والتنشئة في الممارسة.
بعد ان استعرض النص الصيغة المتبعة في الماضي (الفقرات 36-43)، نتناول نحن ما جاء فيه عن الصيغة المعتمدة في الزمن الحاضر.
1. الدعوة والاختيار (الفقرات 44-47).
الدعوة نداء من الله، الخفي الصامت والقوي في اعماق النفس البشرية، وتعبير عن صوت الله بطريقة بشرية حسّية بواسطة السلطة الكنسية. ولكن في النداء والتعبير، الله هو الذي يدعو. يبقى على المدعو ان يفهم ذلك الصوت، ويميّزه من خلال العلاقات التي تظهر فيها ارادة الله.
الدعوة الكهنوتية تدخل في اطار الدعوة المسيحية، ولا تعطى خارج الكنيسة وبمعزل عنها، فهي عطية مجانية وموهبة من دون مقابل. انها حوار بين محبة الله وحرية الانسان المدعو التي تنشّطها النعمة.
والاختيار اليوم في عهدة المدرسة الاكليريكية التي يعيش فيها المدعو ويتنشأ، ويتم التثّبت من مؤهلاته. فتقدمة الاكليريكية الى الاسقف الذي يعود اليه وحده قرار القبول ومنح سرّ الكهنوت وايكال الخدمة الراعوية الملائمة لحاجات الابرشية.
2. التنشئة الكهنوتية (الفقرات 48-50)
للكنيسة المارونية اربع مدارس اكليريكية يتنشأ فيها طلاب الكهنوت، هي: الاكليريكية البطريركية في غزير، واكليريكية مار انطونيوس البادواني في كرمسده التابعة لابرشية طرابلس، واكليريكية مار اغسطينوس في كفرا التابعة لابرشية بيروت، واكليريكية سيدة لبنان في واشنطن التابعة للابرشيتين المارونيتين في الولايات المتحدة الاميركية.
من واجب الاساقفة انتداب كهنة يتمتعون بقداسة السيرة والنضج الانساني والروحي والخبرة الراعوية والجدارة التربوية، لتحمّل مسؤولية تنشئة الاكليريكيين.
وتقتضي الحاجة بان تتعاون المدارس الاكليريكية وتعمل بالتسيق في ما بينها على وضع رؤية واحدة ومنهاج عام للتنشئة الكهنوتية وفقاً للقوانين والتوجيهات الكنسية، على ان تتلاءم مع الاوضاع الزمانية والمكانية.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، بدخولك مدينة اورشليم لخلاصها واعلان ملوكيتك في الارض بواسطة الكنيسة، ادخل الى كل مدينة في الارض، والى وطننا، لكي يستقر ملكوت الحق والعدالة والقداسة والمحبة، فيه وفي كل مجتمع بشري. اعطِ ابناء الكنيسة وبناتها ان يدركوا انها زرع ملكوت الله في العالم وبدايته لكي يجعلوها خميرة في عجين البشر، وملحاً في ثقافاتهم. قوِّ بروحك القدوس الشبيبة لتكون القوة التجددية في الكنيسة والمجتمع. اعطنا ان نعيش بالرجاء، الناتج عن عمل الفداء الذي اتممته، وان نجعل ترقي الشخص البشري والمجتمع، القائم على الحرية والعقل، مصدراً للرجاء المسيحي.
نشكرك على الذين اخترتهم لخدمة الكهنوت. ثبّتهم، ايها الكاهن الازلي، في تلبية الدعوة التي توجهها اليهم كل يوم من خلال نداءات المجتمع وحاجات الكنيسة. لك المجد والتسبيح ايها المسيح الاله، ولابيك المبارك، وروحك الحي القدوس، الآن والى الابد. آمين.
البطريرك بشارة الراعي
التعليقات
الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
لوأن كل إنسان منا يقتدي بالرب المخلص ويعمل على توحيد حياته الجسدية والروحية حتى ترتقي الروح بالجسد وهكذا يتسنى للرب الواقف على الباب يقرع الدخول إلى وطننا وحياتنا كما دخل أورشليم لكي يستقرملكوت الحق والعدالة والقداسة والمحبة آمين
لوأن كل إنسان يقتدي برب المجد
لوأن كل إنسان يقتدي برب المجد ويعمل على توحيد حياته الإنسانية والروحية وهكذا ترتقي الروح بالجسد فيتثنى للرب يسوع الواقف على كل باب يقرع أن يدخل لوطننا وحياتنا كما دخل أورشليم قيستقر ملكوت الحق والعدالة والقداسة والمحبة آمين
مبارك الآتي باسم الرب هوشعنا
مبارك الآتي باسم الرب هوشعنا في الأعالي
الربّ نوري وخلاصي ممن أخاف. الربّ حصن حياتي ممن أرتعب