ما من أحد يستطيع أن يقبل إلي إلا إذا اجتذبه الآب الذي أرسلني و أنا أقيمه في اليوم الأخير (يو 6 /44)
تأملات شهر ايار - 19- إنتقال مريم إلى السماء /1 - رعية مار شربل الارن
١٩ أيار |
((إنّ مريم أمّ الله قد رُفِعَتْ إلى السماء نفساً وجسداً))
وأؤمن بأن مريم انتقلت إلى السماء بالنفس والجسد.
هذه العقيدة كانت، عبّر العصور، تتثبَّت في الكنيسة جمعاء، إلى حدِّ أنّ آباء المجمع الفاتيكاني الأول "1869 – 1870" كانوا يعتقدون أنّها أصبحت من البلوغ بحيث يقتضي الأمر تحديداً عقائدّياً... إلى أن كان الأول من تشرين الثاني ـ نوفمبر 1950، لمّا البابا بيوس الثاني عشر، بعد استشارة جميع المسؤولين في العالم الكاثوليكيّ، أعلن العقيدة في دستوره ألرسوليّ Munificentissimus Deus، بقوله إنّ الإيمان "بأنّ مريم أُمّ الله البريئة من الخطيئة الأصليّة، والدائمة البتولية، لما بلغت نهايةَ مطافها الأرضي، قد رُفِعَتْ إلى السماء نفساً وجسداً، في المجد السماويّ، هو عقيدةٌ مُوحى بها من الله." إلامَ تستند هذه العقيدة؟ إلى ما تحتويه ضِمناً بعض النصوص الكتابيّة مثل كلام الملاك لمريم: "يا ممتلئة نعمة" (عدم التعرّض لفساد القبر مُحتوى في هذا الامتلاء)... وكلام أليصابات: "مباركة أنت في النساء" (مريم أم الله كليّة البركة. فهل تُعاقَب مِثلَ غيرها بفساد القبر؟)... وكلام الربّ للحيّة الجهنميّة: "والمرأة تستحق رأسكِ" (هل يُستطاع القول إنّ مريم سحقت رأس الشيطان الذي به كان الموت وفساد القبر، إن هي نال منها فساد القبر؟). هذا، طبعاً، لا يؤلّف وحده إثباتاً قاطعاً لانتقال العذراء مريم إلى السماء بالنفس والجسد. هناك أيضاً الاستناد إلى التقليد... لا بدّ هنا من شرح لهذه الكلمة ولهذا المستَنَد. كلمة "تقليد" لا تعني، كما في لغة الشعب. التشبُّه أو التمثُّل. التقليد يؤخذ هنا بالمعنى الأصليّ للكلمة: قلّد، يقلِّد، يعني سلَّم، يسلِّمُ المِقلاد. والمِقلاد هو المفتاح، هنا مفتاح المعرفة الدينيّة. هذا المفتاح، سلّمه المسيح إلى الرسل، والرسل سلّموه إلى خلفائهم في الكنيسة من بعدهم. فالوحيُ الإلهي هو ما جاء في الكتب وما جاء في التقليد كتابةً كان أم شفهياً. هذا وإنّ الكنيسة الجامعة الرسوليّة تنعم، منذ العنصرة، بحضور الروح القدس ومؤازرته. فهي لا يسعُها أن ترتكب، في مُجْملِها، خطأً عقائديّاً. فعندما ينبثق المعتقد من أعماق حسَّها الجماعيّ، وعندما يُصاغ المعتقَد هذا في صلوات وعبادات يُصادَق عليها رسميّاً، فإنّ ذلك يتوافق بلا ريب مع الحقيقة الوحَى بها، حتى من قَبلِ أن تَضمنَه عصمةُ حبرٍ أعظم أو مجمعٍ متَّحدٍ بالحبر الأعظم... وبعد، ما هي أبعاد سر الانتقال، أولاً بالنسبة إلى مريم؟ يقول يوحنا بولس الثاني:" في سرّ الفداء يتجدّد ملكوت الله، ذلك الملكوت الذي انطلق بالخلق نفسه، ثمَ أٌصيب بالخطيئة في قلب الإنسان. مريم، أُمّ الفادي، هي أوّل من اشترك في ملكوت المجد والاتِّحاد باله في الأبدّية...، بفضل استحقاقات المسيح الفادي. والحال، إنّ سرّ الفداء هو أساس تجدُّدِ التاريخ في ملكوت الله. هذا هو معنى انتقالها إلى السماء: ولادتُها في السماء، نفساً وجسداً." فأبعاد هذا السرّ هي بالنسبة إلى مريم:
التقاء واتّحاد.
مريم تلتقي بابنها من جديد وتتّحد به إلى الأبد، دون ظلالٍ ولا غموض. كانت تعرف ابنها من خلال علامات غامضة ومحدودة: كلمة، حركة، تصرُّف. فهي الآن تعرفه وجهاً لوجه، بطريقةٍ ساطعة. كانت، كما يقول الأب لورنتين، "تعرف لاهوتّه من خلال ناسوتِه، فها هي الآن تعرف ناسوتَه من خلال لاهوتِه."
مشاهدة طوباويّة.
لمّا كانت شدّة المشاهدة الطوباويّة، كما يقول توما الأكويني، تتناسب ومقدارَ المحبة المبرَّرة ساعةَ الموت، ولمّا كانت مريم قد بلغت في المحبة، ساعةَ موتها، ما يفوق محبةَ جميع الملائكة والقديسين، فإنّ المشاهدة الطوباويّة قد بلغت فيها، من الشدّة والكثافة، ما يفوق بكثير ما قد بلغتْه في جميع الملائكة والقديسين. هذا لا يعني أنّها تعرف، مثل الله، جميعَ الممكنات (ينبغي لذلك أن تُدرك تماماً جوهر الله، وهذا مستحيل)، إنما هي تعلم تماماً كلَّ ما شاركتْ فيه على الأرض، أي كلَّ ما يتعلّق ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، بالبشريّة التي افتداها ابنها يسوع.
هالة المجد.
لمّا كانت مريم على الأرض في كمال البُتولة، ولمّا ساعدت الرسل والمؤمنين الأوّلين بأنوارها ونصائحها، ولمّا تحمّلتْ ما تحمّلتْه أَثناء آلام ابنها إلى حدِّ أنها، لولا العونُ الإلهيّ، لكان يُقضَى عليها...، فإنّها تتمتّع الآن بهالةٍ من المجد مُثلَّثة: هالةِ البُتولة، وهالة التعليم، وهالة الاستشهاد. إلى ذلك، فهي تتمتّع بهالةٍ رابعة هي هالةُ المَلَكيّة على مجموع المختارين، لأنّها أُمُّهم جميعاً. هذه المَلَكيّة ليست شرفيّة، بل فعليّة. هذا هو معنى عبارتَين تستعملهما اللغة اللاهوتيّة، كما واستعملها بيوس التاسع في براءته Ineffabilis Deus (٨ / ١٢ / ١٨٥٤) المكرَّسة لعقيدة الحبل بلا دنس: "مريم تعتلي عرشاً إلى يمين ابنها الإلهيّ"، "مريم تؤلِّف نظاماً خاصاً يفوق بكثير نظام الملائكة وسائر القديسين". وأمّا الهالة الأجمل والأبهى فهي المنبثقة من كونها أُمَّ الله. هذه الأُمومة تستحقّ لها مجداً فريداً يميّزها عن جميع الملائكة والمختارين، وتشهد لامتيازاتها الفائقة، كما ولتفوّقها السامي على عالم الملائكة والبشر.
التعليقات
إن مريم أم الله قد رفعت إلى السماء نفسا وجسدا
يا مريم البريئة من كل عيب , أنت أم الله , أنت أم الكنيسة , أنت أمنا ورجاء الغارقين في التجارب
نسألك نحن جنودك أن تقودينا في موكب النصر ضد جميع قوى الشر ( إبليس وأعوانه ) فنسحق رأسه تحت أقدامنا آمين
( والمجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة )