ما يَخافُه الشرَّير يَحِلُّ علَيه و مما يَبْتَغيه الأَبْرارُ يُعْطى لَهم (ام 10 /24)
اليأس من إمكانية التوبة - قداسة البابا شنودة
اليأس من إمكانية التوبة
** فى هذه المناسبة، أتذكر أننى منذ
حوالى أربعين عاماً وصلنى خطاب من أحد الشبان، قرأته فتأثرت كثيراً جداً... ثم
أرسلت له رداً قلت له في مقدمته :
"وصلنى خطابك يا أخى المحبوب، ويُخيلّ الىّ
أننى قرأته مراراً قبل أن أراه... إنه قصة قلوب كثيرة..".
** إن اليأس من التوبة هو أكثر خطورة
من السقوط في الخطيئة، لأن أى شخص يمكن أن يخطئ ثم يتوب. أما في حالة اليأس فإنه
قد يندمج في الخطيئة بالأكثر، ويتدرج من السئ إلى الأسوأ.
وربما تكون مقدمة اليأس
بعض سقطات متتالية يوقع فيها الشيطان ضحيته بلا هواده، حتى يصرخ الخاطئ قائلاً
"لا فائدة فىّ. فمن المستحيل أن أنجو مما أنا فيه"! وربما تكون مقدمة
اليأس سقطة كبيرة أو خطيرة، يُشعره الشيطان بعدها بأنه لا مغفرة..!
أو قد لا تكون
السقطة بهذه الدرجة، ولكن الشيطان من عادته أنه يضخمّ في الأخطاء ليوقع صاحبها في
اليأس...
إن الشيطان ماكر جداً في هذه
الناحية: فهو قبل السقوط يسّهل موضوع الخطية جداً حتى لتبدو شيئاً عادياً، ويضع
لها مبررات... أما بعد السقوط، فإما أن يستمر في سياسة التهوين حتى تتكرر. أو أنه
يدخل في اسلوب التهويل ليقع صاحبها في اليأس قائلاً له :
"هل من المعقول أن
يغفر الله كل هذا الجرم؟!".
** وقد يجرّه إلى اليأس بإشعاره أنه
لن يتوب... فيقول له: "هل من المعقول أنك ستترك الخطية؟! مستحيل. لقد صارت
تجرى في دمك. عزيمتك انتهت، وارادتك إنحلت. بل حتى مجرد الرغبة في التوبة لم تعد
موجودة عندك... كم مرة حاولت من قبل أن تتوب وفشلت؟ كم مرة ندمت على خطاياك، ثم
رجعت اليها وربما في حالة أسوأ مما كنت؟!".
وهكذا يحطم معنوياته، حتى يستسلم
له، ويتوقف عن المقاومة!!
يقول له: "قد صرت كلك في يدىّ، فكراً وقلباً وعملاً. بحيث أنى انقلك
من هذه اليد إلى الأخرى، بكل سهولة كما أشاء. فلا داعى اذن لصراع فاشل لا تكتسب
منه شيئاً..."
وطبعاً كل هذه تخاويف لا أساس لها،
وتهديدات زائفة.. فإن الله قادر أن يمنح الانسان التوبة، مهما كانت حالته سيئة.
والتاريخ يحكى لنا عن قصص كثيرة لتوبة أشخاص كانت سقطاتهم كثيرة ومريرة...
** يا أخى، لا تركز تفكيرك في عجزك
عن القيام من سقطاتك. بل تذكرّ أن نعمة الله قادرة على إقامتك. وحيث تعمل النعمة
فلا مجال لليأس. فاطلب إذن معونة من الله، وقل له في صلاتك :
"توّبنى يارب
فأتوب. انت يارب تريدنى أن أعيش حياة نقية بلا خطية. فامنحنى هذه الحياة.
واعطنى
الإرادة والعزيمة، وابعد عنى كل مجالات السقوط.
وامنحنى قوة لكى أسلك كما ينبغى،
وأصمد أمام كل الاغراءات"..
** ولعل الشيطان يحاربك قائلاً
"من غير الممكن أن تتوب وقد تعودت على الخطية وأصبح قلبك يحبها! وكيف ستعيش
طول عمرك بعيداً عن هذه الخطية التي تشتاق اليها؟!
فلو أنك تبت عنها إلى حين، لابد
سترجع اليها".. ولا شك أن هذه مغالطة من الشيطان لكى يلقيك في اليأس، زاعماً
انك ستعيش في التوبة بنفس القلب الذي يحب الخطية!! كلا، فإن الله سوف يعطيك قلباً
جديداً، وينزع منك محبة الخطية. وحينئذ لن تفكر أن ترجع اليها... بل على العكس سوف
يجعلك الله في توبتك تكره الخطية وتشمئز منها...
** ويستمر الشيطان في حربه، فيقول لك
"حتى أن تبت، ستبقى افكارك ملوثة بصور قديمة"! لا تخف، ففى التوبة سوف
ينقى الله فكرك ويمحو منه صور الماضى. وثق أن الخطاة الذين تابوا كانوا في حالة
اقوى بكثير وأنقى.
** وربما من حيل الشيطان أن يحاول
اقناعك بأنك لن تفلت مطلقاً من العدل الالهى، وان الله لن يغفر لك كل ما فعلته...!
كلا، فإن الله كثير المغفرة، ورحمته تشمل الكل. وكل جند السماء تفرح بخاطئ واحد
يتوب...
** لذلك لا تيأس مطلقاً. وتأكد أن
اليأس هو من حروب الشيطان. وإن كنت ماشياً في الطريق الروحى ووقعت، لا تظن أنك لا
تحسن السير، بل قم في رجاء المؤمن واكمل
مسيرتك.
إن الشيطان يحسد رغبتك في التوبة،
ويريد أن يعرقلها. ذلك لأنه هو نفسه لا يعرف التوبة ولا يؤمن بها. واعلم أنه لولا
صفاء نيتك، ما كان يحاربك. لأنه دائماً يحارب الراغبين في حياة البر، ويخاف جهادهم
ضده.
** لذلك كن قوى القلب ، مهما كانت
حروب الشيطان شديدة ومهما استمرت. كن راسخاً ولا تتزعزع ولا تقلق. ولا تيأس مهما
سقطت، ومهما فشلت في تنفيذ وصية الله.
بل شجّع نفسك، وقل: لابد أن اثبت
وارجع إلى الله مهما حاول الشيطان تعطيلى. سأسير نحو الله، حتى إن كنت أجرّ رجلىّ
جراً اليه. ومهما سقطت في الطريق، ساقوم مرة اخرى وأكمل طريقى، وسوف تسندنى نعمة
الله وقوته.
***********************************
**
**
********
********
**
**
**
**
**
التعليقات
التجارب
موضوع رائع في غاية الاهمية
raid