يا بُنيَّ، أَصغِ إِلى حِكمَتي وأَمل أُذُنَكَ إِلى فِطنَتي (ام 5 /1)
أحد الصوم الثالث - الأرشمندريت/ سلوان أونر
أحد الصوم الثالث
مرقس 34:8-1:9
بقلم الأرشمندريت/ سلوان أونر - اليونان
ها قد وصل انتصاف الصوم الكبير سريعاً، فلنسارع مجاهدين بالصوم والصلاة ولنقم بأعمال إنسانية خيرية مبتعدين عن الشر والخطيئة، لنعيش القيامة حقيقةً.
السمة الرئيسية لهذا الصوم هو الجهاد ضد أهواء الإنسان الشخصية وضد الخطيئة وكأنها معركة. هي ليست معركة لحظية أو مكانية محدودة بل هي ضد أرواح شريرة وضد أهواء الإنسان الشخصية، لا تقف أو تنتهي بل تكون مستمرة، ولا يمكن تحديد مكانٍ لها فهي يمكن أن تحدث حتى داخل الكنيسة.
يقوم أساس هذه الحرب على حرية الإنسان في خوضها أو عدمه، أما أسلوبها فله قواعد وأصول يرتكز على تعاليم السيد في الإنجيل المقدس وعلى خبرة مجاهدين سبقوا وخاضوها، يوضح إنجيل اليوم شيئاً من أسلوبها: "من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مر34:8).
إتّباع المسيح، كما في إنجيل اليوم، ليس بالأمر السهل ولا يمكن تنفيذه بسرعة، هو يتطلب خوض هذه المعركة ومثلاً بأسلوب إنجيل اليوم أي إنكار الذات وحمل الصليب، وهذه كلها صعبة وتحتاج العمر كله لتحقيقها.
في هذه المعركة يجب أن نفكر بالآخر وخلاصه، إذ ينبغي أن نساعده كي يعبر مجاهداً منتصراً في معركته، لا أن نكون عقبة وتجربة إضافية فوق تجاربه الخاصة، صحيح أن الخلاص شخصي ولكننا لا نستطيع أن نتجاهل أو أن لا نهتم لخلاص أخينا
فهذا يشير لنقص في المحبة، نحن كلنا أعضاء في جسد المسيح الواحد، ونحن كلنا إخوة بالنعمة، لذلك يهمنا ما يحدث لأخينا من خير أو ضرر لأنه يصير لجسد المسيح الذين نحن أعضائه.
عندما يطالبنا المسيح أن ننكر ذاتنا لا يعني أن نقوم بإذلالها أو تحقيرها بل أن نتخلص من كل المعوقات التي تعرقل إتباعنا له، وعندما نستطيع إنكار ذاتنا يمكننا أن نفكر ونهتم بإخوتنا لا فقط بأنفسنا.
يريد المسيح عندما يطالبنا أن نرفع صليبنا بأن يقول لنا أن حياتنا ستكون مليئة بالجهاد والتعب، وأن طريق الرب يحتاج في سلوكه إلى معونته وإلى تعب ومحاربة مستمرة للشر، ولهذا ليس لهذا النوع من الجهاد استراحة أو توقف لأن الشيطان لا يتوقف عن محاربتنا والجهاد يستمر ليل نهار.
في حال قررنا أن نكون مع المسيح فيجب أن نبقى معه دائماً، فلا نستطيع أن نكون معه وفي مكان آخر بآنٍ معاً، لا نستطيع أن نقول إننا مع المسيح وفي الوقت ذاته نبقى بقرب الشيطان، لأننا لا نستطيع أن نخدم سيدين كما قال المسيح.
هنا تكمن المشكلة عند الأكثرية منا. فنحن نريد أن نكون مع الله
ونحاول تطبيق وصاياه ولكن أهوائنا تدفعنا أن نقوم بخطايا وأحياناً نعرفها ونريدها وكأننا نريد الله ملطّخاً بضعفاتنا وخطايانا
أو نريده على مقياسنا وطبعاً هذا خطأ فالله كلّي الطهر والنقاء وهو الإله الذي يجب أن نسعى لنحقق مثاله لا أن نجعله على مثالنا الضعيف.
في التاريخ نعرف الكثير من الأشخاص الذين أنكروا ذاتهم وضحّوا بها، من أجل الوطن أو العائلة أو من أجل ممتلكات ما
نحن نحترمهم لتضحياتهم ونعتبرهم أبطالاً، ولكن كل هذا غير كاف ليتحقق الخلاص، لأن الهدف التي تمت من أجله التضحية ليس المسيح وإنجيله
وبالتالي لا يتحقق الجزء الثاني المطلوب بعد حمل الصليب بأن نتبع المسيح.
من جهة ثانية نحن ننكر ذاتنا ونحمل صليبنا كي نستطيع أن نتبع المسيح، أي علينا أن نسعى أن نتغلب على أهوائنا في مسيرتنا لحمل الصليب، لأنه يمكن أن ننكر ذاتنا وأن نحمل الصليب بدافع الكبرياء الشخصي
أي أن نظهر للآخرين أننا صالحين نتعب من أجل الخير،
فيتغير هدفنا الذي يجب أن نسعى إليه من المسيح إلى إرضاء الذات، بالتالي سيضيع تعبنا سداً لأننا استبدلنا المسيح بأنفسنا.
إخوتي، الذي ينكر ذاته، حاملاً صليبه أي يضحّي ويسعى لعمل الخير، مُنطلقاً لا من مبدأ التكبر أو العجب أو محبة الذات إنما محبة بالمسيح
هو وحده الذي سيضمن خلاص نفسه، و تضحيته هذه لها قيمة كبيرة، لأن كل التضحيات إن كانت من أجل الذات لا من أجل المسيح هي قشور لا جوهر،
وعلينا أن ننتبه كي نتجاوز هذه القشور حتى نتمكن من الوصول إلى الجوهر الذي هو السيد المسيح