أزيلوا الفاسد من بينكم (1كور 5 /13)
الإجهـاض - د. حسَّان بهنا أخصائي في التوليد و الجراحة النسائية - كنيسة السريان الكاثوليك
الإجهـاض
د. حسَّان بهنا
أخصائي في التوليد والجراحة النسائية
سيتم إعطاء فكرة عن الإجهاض من وجهة نظر طبية وكنسية وقانونية.
أولاً: الإجهاض من الناحية الطبية
يعرّف الإجهاض بأنه خروج أو إخراج محصول الحمل قبل بلوغ الجنين مرحلة قابلية الحياة أي قبل نهاية أسبوعه العشرين أو قبل بلوغ وزن الجنين (500 غرام).
ولا زال موضوع إباحة الإجهاض أو عدمه موضع نقاش مستمر من محبذ له ومن مستهجن ولكل فريق منهم حجة يستند إليها، فحجة المحبذين له تتلخص بأن الحمل ما هو إلا جزء من جسم الحامل أو المرأة حرة في جسمها فكما أنها حرّة في شعرها تفعل به ما تشاء تطيله أو تقصره كذلك هي حرّة في بطنها تفرغه أو تتركه كما يتراءى لها، وأما حجة المستهجنين له فتتركز على الأسس الدينية والشرائع السماوية التي تحرم ذلك وتنهي عنه.
والإجهاض له نوعين:
1. إجهاض دوائي أو علاجي.
2. إجهاض جنائي.
1. إجهاض دوائي أو علاجي: هو إجهاض يتم إجراؤه باعتباره الطريق الوحيد لنجاة الأم الحامل أو نجاة الطفل عند عدم وجود أمل في حياة أمه، ولكن يجب توفر ثلاثة شروط للقيام به وهذه الشروط هي:
أ. مرض شديد.
ب. حصل هذا المرض أثناء الحمل.
ج. يزول هذا المرض بزوال الحمل.
والأمراض التي تشكل خطرًا على حياة الأم إذا استمر الحمل هي:
أ. الأمراض القلبية الشديدة.
ب. أمراض كلوية.
ت. السل.
ث. موت الجنين.
ج. تشوهات الجنين الخلقية التي لا تتلاءم مع الحياة.
ح. سرطان عنق الرحم.
ويتم إجراء الإجهاض بطرق عديدة منها تحريض باطن الرحم الآلي أو باستعمال أعواد اللاميناريا المصنوعة من الخشب أو الممص الكهربائي أو باستعمال البوستاغلاندين كتحاميل مهبلية أو هلام، والإجهاض الدوائي قليل الخطورة إذا أجري قبل الأسبوع الثامن ولكن تزداد الخطورة بعد الأسبوع العاشر للحمل.
2. إجهاض جنائي: هو إجهاض مفتعل تقوم به الحامل نفسها تخلصًا من عار وفضيحة أو بسبب ضيق كسب العيش من نساء متزوجات أو لسبب آخر كحصول خلاف بين الزوجين فتعمد المرأة إلى إجهاض نفسها، أو قد يحدث الإجهاض الجنائي بسب رض أو عنف أو شدة تتعرض له المرأة.
ويتميز الإجهاض الجنائي بأنه إجهاض نتن بسبب تميزه الخمج الشديد واختلاطات عديدة من أهمها:
أ. قصور الكليتين.
ب. خراجات حوضية.
ت. التهاب الوريد.
ث. انثقاب الرحم.
ج. صدمة ذيفانية قد تؤدي للموت.
لذلك عند إجراء الإجهاض مهما كان نوعه يجب تناول المضادات الحيوية بإنتظام وتعويض الدم الضائع والشوارد واخذ المسكنات عد الضرورة وبهذه الإجراءات نمنع حدوث الإختلاطات.
ثانيًا: موقف الكنيسة الكاثوليكية من الإجهاض
الوصية الخامسة (لا تقتل) تبقى القيمة الأخلاقية الثابتة والوحيدة التي تبرزها الكنيسة ضد الإجهاض، وتذكر الكنيسة أن الله هو سيد الحياة، ولا يحق للإنسان أن ينصب نفسه سيد هذا الكون بفعل ما يشاء وكأنه مصدر كل شيء؛ ويقول البابا يوحنا بولس الثاني: "لا أحد بإمكانه أن يسَّوغ قتل كائن بشري بريء، أنطفة كان أم جينيًا"؛ و "الإجهاض المفتعل قتل معتمد مباشر أيًا كانت طريقته يستهدف كائن بشري لا يزال في الطور الأول من وجوده في الفترة ما بين الحمل والإنجاب".
ورسالة البابا تُحمل المسؤولية للذين يحرضون المرأة على القيام بمثل هذا العمل وخصوصًا والدا الطفل الذي غالبًا ما يدفع المرأة للإجهاض لأغراض شخصية رخيصة منتهكًا كل الأعراف والقيم الأدبية.
كما تتوجه للأطباء والأجهزة الصحية مسؤولية الإجهاض فانحراف الطب عن هدفه الأساسي يقود الإنسان إلى ارتكاب جرائم مروعة، أيضًا هنالك مسؤولية أكثر جسامة على مشرعين قوانين الإجهاض، كما أن للإباحة الجنسية وازدراء الأمومة، وكل تبرير للإجهاض، حتى في الأيام الأولى من تكوين الجنين، يُعَد جرمًا فظيعًا في نظر الكنيسة الكاثوليكية فالحياة البشرية تبدأ منذ اللحظة الأولى، حيث يؤكد البابا أنه فور تلقيح البيضة تنشأ حياة كائن بشري جديد ينمو بذاته.
ثمة معضلة أخرى تنصبٌّ في سياق موضوع التشخيص السابق للولادة بالإيكوغرافي، فهذه الوسيلة في عالم الطب وعلى الرغم من فوائدها في مراقبة الجنين وتطوره فقد تنحرف عن هدفها الأساسي وتستخدم لأغراض انتقائية.
فتقضي على الآلاف من الأجنة الذين أصيبوا بعاهات جسدية أو عقلية بعد تشخيصها عبر الإيكوغرافي، وهذا الإجهاض بسبب عاهة جسدية هو من منظار أناني ورفاهي فحسب؛ إن موقف الكنيسة الكاثوليكية من هذه المسألة واضح للغاية، "فالحياة الإنسانية سليمة كانت أم مشوهة تبقى على صورة الله ومثاله، ولا يُسوَّغ لأحد أن يتعرف بها وكأنه المرصد والغاية"، وتبرر الكنيسة رأيها بذلك أنه لا أحد يستطيع سبر سرّ المعاق إلا الله وحده، إنَّ وجود مثل هؤلاء الأشخاص في المجتمع قد يوقظ الضمير الإنساني وينبهه إلى مواقف الظلم والأنانية والاستغلال السائدة في المجتمعات، وإن الكنيسة هي إلى جانب الأزواج الذين يتقبلون وإن بكثير من القلق والألم الأولاد المصابين بإعاقات خطيرة وهي تشكر أيضًا لكل العائلات بما تقوم به من تبني واستقبال للأولاد الذين تخلى عنهم ذووهم بسبب ما يشكون منه من علل وأمراض.
ثالثًا: موقف القانون السوري من الإجهاض
سوريا سنت عدة قوانين رادعة تعاقب فيها فاعل الإجهاض ومسببه ومن أقدم عليه فنصت المواد 527 و 528 و 529 على ما يلي:
المادة 528
1. من أقدم بأي وسيلة كانت على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها برضاها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
2. إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة من 4- 7 سنوات.
3. تكون العقوبة من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا تسبب الموت عن وسائل أشد خطرًا من الوسائل التي رضيت بها المرأة.
المادة 529
1. إذا ارتكبت إحدى الجنح المنصوص عليها في هذا الفعل طبيب أو جراح أو قابلة أو عطار أو صيدلي أو أحد مستخدميهم فاعلين كانوا أو محرضين أم متدخلين شددت العقوبة وفقًا للمادة: (247).
2. ويستهدف المجرم فضلاً عن ذلك للمنع من مزاولة مهنته أو عمله إن لم يكن منوطًا بإذن السلطة أو نيل شهادة.
3. ويمكن الحكم أيضاًً بإقفال المحل.
المادة 536
تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها يستفيد من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين 528، 529 للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية (وهذا معارض لموقف الكنيسة).
ملاحظة: لتكون هناك جريمة إجهاض يجب بأن تتوفر لها أربعة شروط هي
1. لا بد أن يكون هنالك حمل ولا أهمية لمدته، كما أنه لا يؤثر سبب الحمل على قيام المسؤولية في كثير من الحكومات.
2. يجب أن يستعمل الجاني وسيلة للإجهاض سواء أكانت دواء تشربه الحامل أو حقنة أو وسيلة ميكانيكية، ولا يشترط أن يكون المتهم طبيبًا أو غير طبيب قد تدخل فعلاً في عملية الإجهاض أو قدم الدواء الذي يؤدي إلى الإجهاض بل يكفي أن يدل عليه.
3. يجب أن تؤدي هذه الوسيلة إلى الإجهاض فعلاً، فالقانون لا يتدخل ولا يعاقب إذا لم تفلح أو لم تتم عملية الإجهاض حتى ولو كان الذي يتولى الإجهاض طبيبًا.
4. لا بد من توفر ركن العمد أي أن الجاني يأتي بالأفعال المادية التي أدت إلى الإجهاض وهو يريد منها تلك النتيجة، أما إذا حصل الإجهاض من غير قصد فلا مسؤولية جنائية على الحامل ولا على الشخص الذي كان له يد ولذلك إذا أجهضت الحامل وكان كذلك نتيجة إجهاض شاق أو اصطدام أو نشأ عن تناول شراب أو دواء وصفه لها الطبيب لمعالجة مرض تشكو منه فلا مسؤولية على الطبيب ولا على الحامل لأنه حصل من غير قصد.