ما أُوصيكُم بِه هو : أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً (يو 15 /17)
الزوج الصالح - دير القديس العظيم أنبا مقار
الزوج الصالح
+«ويكون الاثنان جسداً واحداً.» (مت 19: 5)
في أولويات الزوج الصالح، رأينا أولوية محبة الله، ثم محبة الزوج لزوجته. ورأينا أن محبة الله فوق كل شيء آخر هي الوصية العظمى في ناموس العهد الجديد
(مر 12: 30)، وهي تُعتبر بمثابة الأساس لحياتنا كأفراد وكأزواج. ثم رأينا أيضاً أن محبة الزوج لزوجته يجب أن تكون بنفس الطريقة التي أحب ويحب بها المسيح الكنيسة، أي من خلال بذل الذات. وهنا في هذا المقال نتأمل في ثلاث أولويات تالية لدى الزوج الصالح.
الأولوية الثالثة: حُسن تدبير الأسرة (رسالة أفسس - أصحاح 6):
الوالدان مدعوَّان أن يربيا أبناءهما «بتأديب الرب وإنذاره». وفي سفر التثنية يوصي الرب شعبه هكذا: «ولتكن هذه الكلمات التي أنا أُوصيك بها اليوم على قلبك، وقُصَّها على أولادك، وتكلَّم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام، وحين تقوم» (تث 6: 6و7). وهذه الوصية القديمة هي تقليد قبطي، حيث كان آباؤنا وأُمهاتنا يُعلِّموننا منذ الصغر، ويُحفِّظوننا آيات الكتاب المقدس والمزامير. والآباء والأُمهات مُطالَبون أن يربُّوا أبناءهم في طريق الرب: «وأنتم أيها الآباء، لا تُغِيظُوا (وأحياناً تُترجم: لا تُصعِّبوا الأمر على) أولادكم، بل ربُّوهم بتأديب الرب وإنذاره.» (أف 6: 4)
وهذه الآية الأخيرة تضع أمامنا تضادة هامة: تُغيظوا ربُّوهم بتأديب الرب. والأبناء مُفتَرَض أنهم طبعاً يطيعون والديهم: «أيها الأولاد، أطيعوا والديكم في الرب...» (أف 6: 1-3). ولكن هذه الطاعة للوالدين لا تعني تسلُّط الوالدين: «لا تُغِيظوا (أو لا تجعلوا هذه الطاعة صعبة عليهم)» (أف 6: 4). الآباء الصالحون لا يتصرفون في بيوتهم كطغاة (ديكتاتوريين) يريدون أن يثبتوا سلطتهم فحسب، فيلقون الأوامر والوصايا ويضعون القواعد والتحديدات.
الآباء الصالحون يضعون نُصب أعينهم أن يساعدوا أبناءهم على معرفة مَن هو الرب: «ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب» (مز 34: 8)، من خلال محبتهم وطول أناتهم ودوام تعليمهم وتربيتهم على أن ما يأمرون به أطفالهم هو لمصلحتهم، فيصيرون صورة صحيحة لله الآب طويل الأناة وكثير الرحمة وجزيل التحنُّن.
وهذه بعض الخطوات العملية:
+ من حيث أن الله هو الآب الحقيقي، فلابد أن يتعرَّف أب الأسرة على الله تعرُّفاً صحيحاً؛ ما هي صفات الآب السماوي، وكيف يتعامل معنا حينما نخطئ؟ وكيف يتجاوب معنا باعتبارنا أبناءه؟ فإذا تقدَّمنا في معرفة مَن هو الله الآب وكيف يجعلنا أبناءه، فسوف نتقدَّم بالتالي في فهم رسالتنا كآباء لأطفالنا.
+ خطوة ثانية هي أن نلتمس المشورة مِمَّن سبقونا. ولابد أن يكون أب اعترافنا أو مرشدنا الروحي هو نفسه أباً ناجحاً، وفي الوقت نفسه يقدر أن يجعلنا آباء ناجحين. إن العثور على مرشد روحي يتحلَّى بالحكمة الروحية والنصيحة الواجبة هو أمرٌ على أعلى قدر من الأهمية.
الأولوية الرابعة: أن تدبِّر بيتك حسناً(2تس 3: 10-12):
لا يجب أن يتغاضى أحد عن أهمية تدبير احتياجات الأسرة، كما يوصي القديس بولس الرسول: «فإننا أيضاً حين كُنَّا عندكم، أوصيناكم بهذا: أنه إن كان أحدٌ لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً. لأننا نسمع أن قوماً يسلكون بينكم بلا ترتيب، لا يشتغلون شيئاً بل هم فضوليون».
والقديس بولس هنا لا يقصد الذين - رغماً عنهم - قد توقَّفوا عن العمل لكسب لقمة العيش بسبب الظروف الحتمية، ولكنه يقصد بعض الأشخاص الذين هم كسالى لا يريدون أن يعملوا، أو إذا كانوا عاملين فعلاً فلا يحرصون على نعمة ربنا عليهم فيفقدون وظيفتهم. هذا الاستثناء وارد في حالات كثيرة، وهي تدل على أن الزوج غير أمين على بيته.
لكن تدبير احتياجات الأسرة يضع الأزواج أمام تحدِّيين مزدوجين: فمن ناحية، يجد البعض أن وظيفتهم أو عملهم الذي يؤدُّونه يُسبِّب لهم كدراً أو هو غير مُحبَّب إليهم؛ ومن ناحية أخرى عكسية، يحاول البعض أن يجعلوا من عملهم الأولوية الأهم من زوجاتهم وأسرهم وتربية أطفالهم، وحتى أهم من الله نفسه.
+ والتحدِّي الأول، لابد أن نواجهه بأن نعرف بأننا مدعوُّون من الله أن نكون خدَّاماً للمسيح أمناء على أية وظيفة أو عمل نؤديه. فحينما كتب القديس بولس لبعض المسيحيين الذين كانوا - بحسب الأوضاع السائدة في زمانهم - عبيداً، نصحهم هكذا: «خادمين (سادتكم) بنيَّة صالحة كما للرب، ليس للناس. عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب، عبداً كان أم حُرًّا» (أف 6: 7و8). فليس أصعب من خدمة العبد لسيده، لكن الوصية المسيحية تجعل من هذه الخدمة عملاً يؤديه الإنسان بطيبة قلب، إذ يُقدِّمه - لا للسيد - بل لله. فسواء كان العمل مُسِرًّا لنا أو غير مُسِرٍّ، فنحن نحتاج إلى أن نكون أمناء لله في العمل الذي قدَّمه لنا.
+ والتحدِّي الثاني المعاكس، حينما يكون العمل مُسِرًّا لنا، فإننا كثيراً ما نجعل له الأولوية الأهم من أسرتنا وحتى من الله. في هذه الحالة نحن نحتاج إلى توبة عن هذا الوضع. وقد يحتجُّ البعض بأنهم يسعون إلى تدبير معيشة أُسرهم، لكن فليحذر مثل هؤلاء أنهم يقعون في فخ وخطأ من واقع عقلهم الباطن أنهم من خلال انهماكهم غير الصحيح في أشغالهم، إنما يُغذُّون أنانيتهم وطموحهم الكاذب، من خلال تأدية عملهم بزيادة غير لازمة على حساب زوجاتهم وأطفالهم وعلاقتهم بالله وهذا سيكون له عواقب وخيمة قد لا يفلح الزوج في معالجتها بعد فوات الأوان. وينطبق هذا على الذين يهاجرون مؤقتاً ويتركون بيوتهم سنين كثيرة لزيادة دخلهم.
الأولوية الخامسة: احرص على تعميق علاقتك بالله مع أسرتك:
إن حياة الشركة مع الله من خلال الأسرة كلها لهي صمام الأمان لحياتك العائلية على المدى القصير وعلى المدى البعيد. فعلى المدى القصير، سيكون لعلاقتك مع الله الأولوية الأهم، ما سيمنع طغيان العمل على علاقتك بأسرتك، وما سيجعل السلام والمحبة يحلاَّن على الجو العام في البيت. أما على المدى الطويل، فستؤدِّي حياتكم العائلية القائمة على الصلاة والتأمُّل في كلمة الله ووصاياه إلى رسوخ بيتكم العائلي على صخرة مشيئة الله، ما سيظهر أثره في مستقبل أبنائكم حينما يكبرون ويواجهون مهمة اختيار مستقبلهم الأُسري هم أيضاً، كما سيشيع التفاهم والمودة أكثر فأكثر بمرور الزمن بينكما أنتما الوالدَيْن، وكذلك بينكما وبين أبنائكما. وكل هذا نتيجة حلول بركة الرب في وسطكم بسبب الصلاة وكلمة الله.
+ وتأتي العبادة الكنسية كمصدر أساسي في شركتكم العائلية مع الله من خلال التناول من جسد الرب ودمه، ومن خلال مداومتكم على حضور الاجتماعات الروحية في الكنيسة سواء تلك الدورية أو أثناء النهضات الروحية والمواسم والأعياد المقدسة.
والرب يُبارك بيتكم ويجعله بحق بيت صلاة وبيت طهارة وبيت بركة يرتفع منه بخور تقدمة حياتكم لله.