لماذا صُلِبَ يسوع؟ مَن صَلَبَ يسوع؟ وما معنى صليب يسوع؟
ما يعني لنا رفض القرآن واخوتنا الأسلام لصلب يسوع؟ ليس ما يعني لهم بل ما يعني لنا نحن كمسيحيّين.
نطرح السؤال، ونحاول التفتيش في الإنجيل: لماذا صُلِبَ يسوع؟
نلاحظ: أن عند الإنجيلييّن الأربعة سببين لصلب يسوع.
1- إرادة الآب، ونتذكر كم تكلّمنا عن الآب الذي يقبل أن يُصلَب ابنه.
2- والناس. يسوع يذهب عكس التيار، ورؤساء الكهنة والفريسيون وبعض الكتبة وكل الذين لم يناسبهم تعليم يسوع المسيح، أو بنظرهم هيَ إدّعاءات يسوع المسيح، قرّروا أن يصلبوه.
في الأناجيل الثلاثة الأولى، أي الإزائيّة عند متى مرقس ولوقا، يسوع يعمل مشوار واحد إلى أورشليم ويُصلَب، وفي هذا المشوار ثلاث مرّات يقول لتلاميذه أن ابن الإنسان سيعاني كلّ هذه الآلام ويجلدونه ويبصقون في وجهه ويموت ويقوم، وموقف التلاميذ في كل هذه الأحوال كان موقفاً أو سلبيّاً أو متسائلاً. إذاً التلاميذ أمام واقع الصليب، أو رفضوا هذا الواقع أو لم يفهموا. ولآخر لحظة في بستان الزيتون، في مرحلة نعسوا وناموا وفي مرحلة ثانية رحلوا? وبقيَ يسوع وحده يواجه الموت على الصليب. صحيح سيعود يلتقي بأمّه والتلميذ الحبيب تحت أقدام الصليب؛ نعود إلى هذا لاحقاً.
إذاً لماذا صلبوه؟ : إرادة الآب وحقد البشر.
مَن صلَبَه؟ - عمليّا الإنسانيّة، يعَبَّر عن هذه الحقيقة في الأناجيل: أن اليهود يريدون قتله والرومانيين هم الذين حكموا عليه بالموت.
الرومانيون كانوا يُعتَبَرون أنّهم تقريباً كل الدنيا.
واليهود كانوا يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار.
أمام الصليب تساوى في الخطيئة، اليهود والوثنيون. الإثنين صلبوه.
أتوقف عند الجملة التي كُتبَت على صليبه، علّه موته ولماذا حُكِمَ عليه بالموت.
يسوع الناصري ملك اليهود.
نتذكّر كيف بالأناجيل احتجّ الناس ورفضوا ما كُتِبَ وقالوا هوَ الذي قال، فأجاب بيلاطس كُتبَ ما كُتِبَ فلننتبه هذه الكتابة كُتبَت بالعبريّة واليونانية واللاتينية.
العبريّة تمثّل لغة الإيمان أو الدين.
اليونانية تمثلّ لغة الحكمة أو الفلسفة.
اللاتينيّة تمثّل لغة الحقوق والسياسة.
لأن الأمبراطوريّة الرومانية مسيطرة واللغة الرسميّة هي اللاتينية. إذا البشريّة بقطاعها الديني والفكري والسياسي حكمت على يسوع وبنفس الوقت اعترفت بيسوع. فما كان الصليب؟
الصليب إذاً كشف بعدَين مهمّين.
كشف خطيئة الإنسانية التي صلبت يسوع والتي أنا وأنتَ وأنتِ منها، لا أحد منّا خارج اللعبة. خطيئة الإنسانية التي قتلت الربّ، وبذات الفعل كشفت عظمة الحبّ الإلهي الذي يشمل هذه الإنسانية التي قتلته. هذا شيء مهمّ جدّاً.
الصليب هو في آن معاً: دينونةٌ للإنسان، وخلاصٌ للإنسان.
كلّ مرّة أنتَ تقف أمام الصليب ستعرف أنّكَ القاتل، وتعرف في نفس الوقت أنّكَ بذات الفعل الذي قتلت فيه، ربّنا كشف فيه حبّه.
ما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه.
لنوضح:
عندما نحن صلبنا إبن الله، ماذا فعلنا. قلنا له تنح عن طريقنا، نحن سنمشي في طريقنا ولن تضع لنا حدود. أنت حاجز زل. وفي النهاية وبطريقة أخرى أكلنا من شجرة معرفة الخير والشرّ. أي استغنينا عن الله، الغيناه. وعندها اكتشف الإنسان عُريَه وأُخرِجَ من الفردوس. ويسوع، وكأنّ الإنسانية تنتقم أخرجته من أورشليم وعلقته عاري على الصليب خارج أسوار أورشليم. وصوت الله في الفردوس اكّدَ للإنسانية أن نسل المرأة سيسحق رأس الحيّة، وصوت يسوع على الصليب اكّدَ للبشر أن رحمته أكبر من حقدهم إغفر لهم يا أبتي لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون.
لا يدرون ماذا يفعلون: نتوقف لنرى أهمية هذا الكلام.
نقول: هم يعرفون، رجل بار صدّيق، يعرفون ويصلبونه، لماذا؟ ألأنّه ليس من رأيك تصلبه. ألأنّهُ يجعلك تفكّرأكثر تصلبه؟ لماذا؟
هم يعرفون ماذا يعفلون. يعرفون أن مصالحهم يحققونها بصلبه، وبيلاطس أيضاً يعرف أنّه صلبه لأنّه خاف.
ولكن ما معنى كلمة يسوع : لا يدرون ماذا يفعلون.
صحيح لا يدرون ماذا يفعلون، لأنّهم يريدون لأنفسهم ما يريده الله لهم. لا يدرون ماذا يفعلون أي يظنّون أن ما يريدونه لأنفسهم لا يريده يسوع المسيح لهم. لهذا أزالوه.
وبهذا المعنى لا يدرون ماذا يفعلون، اي لا يعرفون انّهم لا يمكن أن يحقّقوا رغباتهم الأساسيّة بالانطلاق نحو المطلق إلاّ بيسوع المسيح. لا يعرفون، لهذا أزالوه من الطريق. ونحن في كلّ مرّة ندخل في الخطيئة نكون من الذين لا يدرون ماذا يفعلون بهذا المعنى.
إغفر لهم يا أبتاه، لأنّهم فعلاً لا يدرون ماذا يفعلون. يعرفون جيّداً أنّها جريمة، وأنّهم يقتلون إنساناً بريئاً، لكن الذي لا يعرفونه، أنّ بالنهاية هذا الإنسان الذي يقول أحب قريبك أحب عدوّك، والذي يقول أن الخطيئة ليست فقط بالفعل إنما بالتفكيرأيضاً، وهو يقول هذا ليجعلك تكون كاملاً مثل الله، وهذه ليست حدود. ونحن البشر لم نفهم بل صلبناه وأزحناه من الطريق.
إذاً أول فكرة لاهوتية هي أنّ الصليب دينونة وتجلّي الحبّ الإلهي.
ننتقل لنتكلّم عن الصليب علامة آدم الجديد.
أ- فلنعمل مقارنة بين آدم الأول والمصلوب. ببساطة.
1- آدم الأول مع إنّه إنسان عارٍ أراد أن يصل إلى الألوهة بدون الله، لا بل أكثر بمعصية الله.
2- يسوع، مع كونه في صورة الله ما اعتبر مساواته غنيمة له، بل أخلى ذاته واتخذ صورة العبد صار شبيهاً بالبشر فيليبي 2: 6-7.عمل العكس تماماً.
ماذا حلّ بآدم بعد الخطيئة: اكتشف عريَه وصار خارج المحبّة.
ماذا حلّ بيسوع: تواضعَ اطاعَ حتى الموت، الموت على الصليب. فرفعه الله أعطاه اسماً فوق كلّ اسم لتنحني لاسم يسوع كلّ ركبةٍ في السماء وفي الأرض وتحت الأرض ويشهدَ كلّ لسان أنّ يسوع المسيح هوَ الربّ تمجيداً لله الآب فيليبي 2: 8-11.
إذاً، الذي فعله يسوع هو تماماً عكس الذي فعله آدم الأول.
أولاً، آدم الأول الخالي ظنّ نفسه ممتلئاً ولم يرد أن يملّيه الله.
ويسوع الملآن، قبل أن يصير فارغ كي يقبل الملء من الآب.
ب- زوجة آدم الأول، أُخذت من جنبه المفتوح، من ضلعه. وعروس المسيح آدم الجديد، أُخِذت كذلك من الجنب المفتوح. بالماء والدم خرجت الكنيسة، الروح القدس الذي يرمز للماء والافخارستيا التي ترمز للدم، عروس المسيح من جنبه المطعون بالحربة.
الصليب إذاً هوَ قمّه التعبير عن خلاص الإنسان.
نتوقف عند فكرة سائدة: نقول دائماً يسوع خلّصنا بصليبه. ليست غلط لكن فكرة ناقصة. إنّ الخلاص الذي حقّقه يسوع هوَ في حياته الإنسانية كلّها، وليس فقط في صليبه. فلا صليب بدون التجسّد، ولا تجسّد بدون الحبّ الثالوثي.
خبرة الحبّ المخلّصة الأساسيّة موجودة في الثالوث، فإذا يسوع أخلى ذاته، الثالوث هو الذي قَبِلَ أن يصل إلى هذه المرحلة.
إذاً عمليّة الخلاص هي عمليّة ثالوثيّة.
فما هوَ إذاً دور الصليب؟
وربَّ سائلٍ يسأل. أكان من الضروريّ أن يصلب يسوع؟
ما دام بكلمة يشفي المرضى، بكلمة يُقيم الموتى، هو قادربكلمة أن يخلّص الإنسان. ولكن إذا يسوع قبل أن يصل إلى الصليب فهذه معناه أن هذه هي أفضل طريقة، ومن المؤكّد، لا أنا ولا أنتم ولا كفانر ولا جاسبر الألماني، ولا كولمان الهولندي؛ لا أحد قادر أن يدخل في عمق السرّ. إنّما قادرين أن نحاول على الأقل أن نستكشف بعض مظاهر الصلب. يسوع ماذا عمل على الصليب؟ هنا اربط بعض الأحداث ببعضها البعض، لنفهم يسوع ماذا عمل بالتحديد على الصليب.
1- هوَ قال ما من حبّ أعظَم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه. وما اسطع من هكذا برهان على البذل، وهذا البرهان أكّدَهُ يسوع من خلال الذي حدث قبل صلبه بليلة خذوا كلوا هذا جسدي، خذوا اشربوا ها هو دمي: الصليب.
إذاً هذه الكلمات: ما من حبّ اعظم خذوا كلوا لم يكن لها معنى لولا الصليب. والصليب لم يكن ليُفهَم لولا هذه الكلمات، والقيامة تقول لكَ أن الذي قال هذه الكلمات وعاش واقع الصليب، هوَاليوم حيٌّ معكَ، لهذا شربل حيّ، وإلاّ من أين له الحياة. لهذا رفقا حيّة ونعمة الله وتريزا التي تجوب بلادنا حيّة لأنّ يسوع الذي ساروا معه، حيٌّ ولأنّهم اقتنعوا أن الذي كان أسطورة في الماضي بمعنى Mythe، وليس بمعنى خرافة، طموح الإنسانيّة، صار حقيقة وواقع بيسوع المسيح.
والعجائب التي تتحقق على يد القديسين هي ثمرة حضور المسيح الحيّ وليس شيءٌ آخر وليست هيَ الأساس.
فالأساس هوَ يسوع المسيح الحيّ.
يسوع يحبّكَ:
يسوع يحبّكَ، اين؟ في المكان الذي انت فيه محبوب، و في المكان الذي لست فيه محبوباً.
عندما تكون اكتر وقت مبشّع، لا صورة له ولا منظر تشتهيه، هناك ايضاً اتى يقول لكَ أن بشاعتك انا احملها وليس لوحدِكَ، الظلم الذي تُظلَم أنا أيضاً احمله وليس لوحدَك، الموت الذي تموته أنت، أنا احمله لست أنتَ تحمل شيئاً وحدَكَ.
واكبر برهان على كلمة يسوع الأخيرة في آخر إنجيل متى:
ها أنا معكم طوال الأيام إلى إنقضاء الدهر، اكبر برهان هو صليبه.
هو معكَ، حتى عندما تُصبح في القبر، حتى عندما تصير أنتَ لستَ مع نفسك، هوَ معكَ.
وإذا أخذنا كلماته على الصليب، أنا عطشان، صرخة ليست للماء، إنما للحبّ، صرخها معك، وفي وقت وجعكَ القويّ الكبير الذي تصرخ فيه أينَ انتَ يا الله، هو صرخَ إلهي إلهي لماذا تركتني، أيضاً كان معك. ما أجمل إنجيل يوحنا، كان معك في قانا الجليل، في أولّ المشوار، وفي آخر المشوار.
كان معك في فرحة الوجود، في وجع الخروخ من الوجود. قال لكَ هذا الخروج من الوجود هو خروج من وجود قادر على استعبادك إلى وجود أنتَ فيه حرّ.
انتقال من عبوديّة إلى عبادة، تقف أمام وجه الله، وتمجّده.
كل هذه المعاني في الصليب.
ويبقى سؤال، كيف ممكن أن تلتقي إرادة الخير مع إرادة الشرّ؟
الصليب هو علامة المصالحة، بين الإنسان الذي يريد أن يقتل الله، والله الذي يريد أن يحيي الإنسان. وكأن الله يقول للإنسان، إلى أينَ ستصل بالقتل، أنا أعطي الحياة وسأبقى دائماً، وسأبقى أعطيكَ الحياة أنتَ المجرم.
ولا مرّة سأعلّق لكَ مشنقتك رغم أنّكَ علقت لي مشنقتي. يمكن سأركع على رجليكَ وأقول لكَ، لا توجع قلبي وتنتحر في الخطيئة، أنا لن انتقم منك لا احاكمكَ بالعدل أني أترجّاكَ ويديَّ مفتوحتين على الصليب الذي علقتني عليه، وأقول لكَ لا تنتحر.
أما رفض الإسلام في القرآن لصلب يسوع، ماذا يعني بالنسبة لنا.
وما صلبوه وما قتلوه بل شبّه لهم بالنسبة إليهم هذا الإنسان الذي اسمه عيسى، الذي لا يعتبرونه حتى الله، وهو مجرّد نبيّ، ولأنّه رسول من قبل الله، ولأنّه إذا صلبوه فهذا يعني أنّهم انتصروا على الله، رفضوا أن يُصلَب. هذا يعني أنهم ليسوا قادرين أن يرهنوا حياتهم لإله مهزوم. ولا يقدروا أن يروا أن المحبّ لينتصر، عليه أن يعطي حبيبه كل حريّته، فإذا أخذ جزء من حريته لا يمكن أن ينتصر. أنت مقابل أنا. إنسان مقابل حرّ مثلي. لآ حبّ حقيقيّ إلا في التقاء حريتين. لهذا إلهنا يقبل أن يُهزَم لينتصر. هيهات أن يقدروا أن يختبروا إلهنا المحبّ، إلا إذا قبلوا يسوع المسيح.
شيء رائع، يوعينا عليه ألإسلام، أنّ حبّ الله للإنسان جدّي لهذه الدرجة، في الإسلام تبقى علاقة الله بالإنسان علاقة عبوديّة إلى أبعد حدود. أما في المسيحيّة فلا.
وفي النهاية من هوَ الأضعف ومَن هوَ الأقوى. لن أجيب على هذا السؤال.
أنتم طبعاً عندكم الجواب.
آمين. والله معكم.
اسئلة للحوار :
1- في حياتك، احياناً كثيرة تسمع أنّكَ انتَ مسيحيّ أي يجب أن تحمل الصليب. هل يا تُرى أنتَ تقدر أن تميّز بين صليب تحمله لأنّك لست قادر على غير هذا، وصليب تحمله لأنّك تحبّ.؟ بتعبير آخر، إذا مرضت هل تقول أمري لله، ماذا أقدر أن اعمل، أو تقول هذا صليب من اجلي ومن اجل الآخرين؟ وكيف.
2- ما الفرق بين الجبان الذي يُصلَب، ويسوع المسيح الذي صُلِبَ؟ هل بصليب يسوع قوّة تتجلّى عبر الصليب؟ وأي قوّة؟.
3- هل يا تُرى أساس الصليب الوجع؟ أُوضِح: هل يسوع بيديه ورجليه المسمّرين، كان موجوع أكثر؟ أم يسوع الذي تركه تلاميذه، وبقيَ وحده. مواجهة مصيرك وحدك. هل تعرّضتَ لهكذا اختبار، وما كان موقفك؟
4- عيلة مار شربل، انت طبعاً تعرف سيرة حياة شربل، وإذا لم تكن تعرفها فأسرع وإلا لا معنى لوجودك في هذه العيلة، وطبعاً لديك فكرة عن الحبساء الذين ملأوا التاريخ في الكنيسة الشرقيّة. كيف ترى عبر حياة مار شربل، وخاصة في المحبسة، كيف ترى عيشه للصليب؟
اختاروا من الأسئلة ما يلمس قلوبكم.
والله معكم.
الأربعاء 2 تشرين الأول 2002
لقاء مع الأب داود كوكباني
عيلة مار شربل - كنيسة مار شربل أدونيس