أُنصُرْني أيّها الرَّبُ إلهي و بِحَسَبِ رَحمَتِك خَلِّصْنِي (مز 109 /26)
جسد المسيح في أقوال الآباء - من كتاب حتمية التجسد الالهي
جسد المسيح في أقوال الآباء
من كتاب حتمية التجسد الالهي
ولماذا كل هذا الانزعاج والآباء قد أوضحوا لنا الحقيقة كاملة، فهيا إلى حديقة الآباء لنتذوق ثمارها الحلوة:
القديس أثناسيوس: قال " لأنهم (الهراطقة) يطلقون على جسد المسيح أوصافاً مثل " غير مخلوق " و" سمائي " وأحياناً يقولون أن الجسد " من ذات جوهر اللاهوت"..
لكن كل ما قالوه ليس إلاَّ سفسطة فارغة وآراء عاطلة..
من أي مصدر أخذتم البشارة التي تجعلكم تقولون أن الجسد " غير مخلوق " ألا يجعلكم هذا تتخيلون أمرين لا ثالث لهما !
أما إن لاهوت الكلمة قد تحوَّل إلى جسد، وإما أنكم تعتقدون بأن تدبير الآلام والموت والقيامة خيال لم يحدث،
وهذان التصوران كلاهما خطأ، لأن جوهر الثالوث هو وحده غير المخلوق، والأبدي، وغير المتألم، وغير المتغيّر.
أما المسيح حسب الجسد (رو 9:5) فقد وُلِد من الناس الذين قيل عنهم " أخوته " بل تغيَّر بقيامته فصار بعد قيامته " باكورة الراقدين " (كو 1: 18)..
فكيف تسمون الناسوت الذي تغيَّر من الموت إلى الحياة " غير مخلوق "؟...
عندما تصفون الجسد المتغيّر المكوَّن من عظام ودماء ونفس إنسانية، أي كل مكونات أجسادنا. والذي صار ظاهراً ومحسوساً مثل أجسادنا، عندما يصفون كل هذا بانه " غير مخلوق " تسقطون سقوطاً شنيعاً في خطأين:
أولهما أنكم تفترضون أن الآلام التي احتملها هي مجرد خيال، وهذا تجديف المانويين، وأنكم تعتبرون أن اللاهوت له طبيعة ظاهرة محسوسة، رغم انه جوهر غير مخلوق..
وهذا التصوُّر الأخير يضعكم مع الذين يتصوَّرون أن الله كائن في شكل بشري جسداني، فما هو اختلافكم عن هؤلاء، مادام لكم نفس الاعتقاد؟ " (1).
القديس كيرلس الكبير: قال عن السيد المسيح " هو هو واحد مع أبيه، جسده كله مخلوق بلا خطية، في بطن العذراء كطبيعة واحدة لاهوتية غير مدركة، وهي التي ولدته بالجسد.. هو أيضاً الذي شرب اللبن من ثدي العذراء، وهو أيضاً الإله بلا تغيير لعلوه ومجده، وتسجد له المجوس كالإله، وتمجده الملائكة، وتأتي إليه المجوس بالقرابين كالإله " (2).
وقال أيضاً " غير ممكن أن يتغير شئ من المخلوقات إلى طبيعة اللاهوت، لأن الجسد مخلوق والكلمة غير مخلوق " (3).
القديس باسيليوس أسقف قيسارية: قال " ويجب أن تقال هذه المعاني على ناسوت المخلص أنه خُلِق، وليس على لاهوته"(4).
وقال أيضاً " ولما رأى الإبن أن الخطية قد كثرت، تنازل وسكن في العذراء مريم بمثال لا ينطق به، ولا يبحث عنه، وصار فيها تسعة أشهر، وأخذ منها جسداً تاماً، وبناه هو فيها بإرادته ومشيئة أبيه " (5).
القديس غريغوريوس أسقف نيصص: قال " المسيح غير مخلوق (اللاهوت) ومخلوق (الناسوت) اجتمعتا في موضع واحد معاً، أما الغير مخلوق، فنقول لأجله أنه أزلي قبل كل الدهور، وانه دائم إلى الأبد، وهو خالق كل شئ كائن، فإما المخلوق (الناسوت) فهو المشاركة التي صار فيها مع جسد تواضعنا بالتدبير (التجسد) " (6).
وقال أيضاً " جوهر واحد ليس أثنين، لم ينقل لاهوته الخالق فيجعله مخلوقاً، ولا نقل المخلوق فجعله غير مخلوق، هو هو واحد ليس أثنين " (1).
القديس بوليدس أسقف روما: قال " لانجعل اللاهوت مخلوقاً ولا عبداً، لأنه غير مخلوق، ولا نجعل أيضاً الجسد غير مخلوق..
بالفعل نوافق ونعترف به باتفاق واحد، إن الجسد هو من العذراء مريم، وإن اللاهوت من السماء، وإن الجسد مخلوق من البطن، واللاهوت غير مخلوق في خاصته بل هو موجود في كل حين " (2).
وقال أيضاً " هكذا نعترف بالمخلوق بإتحاد الخالق لما اجتمع بالمخلوق، طبيعة واحدة قائمة ثابتة من الجهتين " (3).
ولعل يا صديقي مازال أحد يتساءل:
أليس القول بأن جسد المسيح مخلوق يتعارض مع ما جاء في قانون الإيمان الذي يقول " مولود غير مخلوق "؟
فنجيبه بهدوء شديد قائلين إن قانون الإيمان يحدثنا عن طبيعتي المسيح، فتكلم أولاً عن لاهوت المسيح قائلاً :
"نؤمن برب واحد يسوع المسيح، إبن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر،
الذي به كان كل شئ "
فهذا ينطبق على اللاهوت الأزلي المولود من الآب والمساو له ولاينطبق على الناسوت، لذلك يكمل قانون الإيمان قائلاً " هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء. تأنس ..
" فالذي نزل من السماء هو اللاهوت وليس الناسوت، واتخذ جسداً من مريم العذراء، والروح القدس هو الذي هيأ أو أنشأ أو خلق هذا الجسد المقدس للإبن الكلمة.
ولكن لنحذر في التعبير، فقولنا أن "جسد المسيح مخلوق" فهذا قول أرثوذكسي صحيح. أما القول بأن "المسيح مخلوق" فهو هرطقة أريوسية في منتهى الخطورة يجرّمها الكتاب والآباء يحرمون من يقول بها.
وورد في مجلة الكرازة الغراء عدد يناير وفبراير 1967 سؤال من أحد الآباء يقول فيه " ما معنى قول قانون الإيمان {إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق}
وهل تنطبق هذه العبارة على المسيح أم على لاهوته أم على ناسوته؟
وأجاب القمص باخوم المحرقي (نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي،
قائلاً :
" أن المسيح له المجد مولود غير مخلوق أولاً من حيث لاهوته. على أنه لما كان لاهوته متحداً بناسوته إتحاداً تاماً فما يقال على اللاهوت قبل التجسد يقال على مخلصنا وفادينا يسوع المسيح من غير تفريق بين لاهوته وناسوته.
حيث أن فيه أتحد اللاهوت بالناسوت، إتحاداً كاملاً من غير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير..
إن السياق السابق واللاحق لعبارة " مولود غير مخلوق " يقتضي أن يكون معناها منصباً على الله الكلمة، الأقنوم الثاني قبل التجسد، من حيث لاهوته الأزلي الكائن قبل كل الوجود، وقبل كل الدهور.
وفي هذا التوطيد رد مباشر على البدعة الأريوسية والأريوسيين ومن يذهب مذهبهم من إنكار أزلية المسيح ووجود السابق على التجسد منذ الأزل من أمثال شهود يهوه وهم الأريوسية الجديدة.
وبديهي أن تعبير " مولود " مقصود به لا الميلاد الزمني من الروح القدس ومريم العذراء، وإنما المقصود به أولاً الميلاد الأزلي حيث أن الله الكلمة هو الإبن والإبن الوحيد لله الآب..
وأما قوله " غير مخلوق " فهو رد مباشر على أريوس الذي زعم إن الله قد خلق المسيح، وأنكر بذلك لا أزلية الإبن فقط بل أنكر عقيدة الثالوث أيضاً، وأراد أن يجعل من المسيح مخلوقاً مثل سائر الناس..
الأمر الذي رفضه آباء مجمع نيقية في شدة وحزم لأنه يخالف نصوص الكتب المقدسة وتعليم الرسل المستقرة بالتقليد في الكنيسة المقدسة.
وهنا نجيب على سؤال آخر:
هل جسد المسيح مخلوق؟
أقول نعم إن الجسد من حيث هو جسد، مخلوق، وقد تكوَّن بالروح القدس من مريم العذراء، ومن دمها ولحمها.. " فلذلك عند دخوله العالم ذبيحة وتقدمة لم تشأ لكنك هيأت لي جسداً " (عب 10: 5) 0
(أنظر يو 1: 14، عب 2: 14، 5: 7، 1 بط 2: 24).
ومع ذلك بعد التجسد لا نجرؤ على أن نفصل بين ناسوت المسيح ولاهوته، لإنهما منذ التجسد قد إتحدا بغير إفتراق ولا إنفصال. ولا يجوز بتاتاً أن نميز أو نفصل بين الناسوت واللاهوت أو نفرق بينهما.
وإذا فصلنا بين خصائص الناسوت وخصائص اللاهوت، فنفصل بين الخصائص فصلاً ذهنياً فقط لا فصلاً واقعياً، لأنه في الواقع لم يعد في الإمكان أن نفصل بينهما بعد الإتحاد، لأنه إتحاد كامل لا يقبل الإنفصال أو الإفتراق " (1)
تذكَّر
+ السيد المسيح = إله كامل + إنسان كامل (في إتحاد طبيعي إقنومي)
+ طبيعة السيد المسيح = طبيعة إلهية + طبيعة ناسوتية
جوهر اللاهوت جسد بشري + روح بشرية
+ من البدع والهرطقات التي ثارت بشأن طبيعة المسيح:
.1طعن أريوس في لاهوت الإبن وقال أنه مخلوق.
.2أنكر أبوليناريوس وجود الروح البشرية في السيد المسيح.
3.أعتقدت الغنوسية والمانوية بأن المادة شر، فلذلك قالوا أن السيد المسيح إتخذ جسداً خيالياً أو شبحيَّاً.
.4أنكر أوطيخا ناسوت المسيح وقال أنه ذاب مثل نقطة خل أُلقيت في محيط.
.5القول بأن السيد المسيح مخلوق قول أريوسي يستحق الحرم. أما القول بأن جسد السيد المسيح مخلوق فهو قول صحيح بإعتبار أن هذا الجسد ليس أزلياً مثل اللاهوت بل له بداءة ونشأة، وهذا ما أكده الآباء القديسين