إِذا تَقَدَّمَ علَيَّ الأَشْرارُ لِيأكلُوا لَحْمي مُضايِقِيَّ و أَعْدائي، فإِنَّهم يَعثُرونَ و يَسقُطون ( مز 27 /2)
مكانة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه - لنيافة الأنبا بيشوى
سلسلة محاضرات تبسيط الإيمان
لنيافة الأنبا بيشوى
مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى
ورئيس دير القديسة دميانة
وسكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية بمصر
مكانة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه
الكتاب المقدس كتاب واحد
إن الكتاب المقدس بجزئيه العهد القديم والـعهد الجديد هو كتاب واحد. فلا يمكن أن نفـصل كلام الله حتى وإن كان مقسماً إلى أسفار، والأسفار مقسمة إلى إصحاحات. ونتكلم عن العهد القديم والعهد الجديد.
إن وحدة الكتاب المقدس يستطيع أن يشعر بها كل إنسان تعمل نعمة الله فى حياته، ويعمل الروح القدس فى قلبه. وقد قال القديس بولس الرسول "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى فى البر لكى يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2تى3: 16، 17).
إن عبارة "كل الكتاب هو موحى به من الله" تؤكد وحدة أسفار الكتاب المقدس. وكذلك قال معلمنا بطرس الرسول "عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 20-21). إن الكتاب المقدس يمثل ذخيرة أو كنزاً، وأمانة قد تسلمناها لابد أن نحافظ عليها. فكيف نجعل الكتاب المقدس يعيش فى داخلنا، وكيف نحافظ عليه كوديعة مقدسة تسلمناها؟
الكتاب المقدس هو سر قوة المسيحية
قال القديس بولس الرسول "فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بى أنا أسيره بل اشترك فى احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله الذى خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تى1: 8-10).
فكما أن السيد المسيح قد داس الموت بالموت، وانتصر عليه وقام من بين الأموات. فقد أرسل تلاميذه إلى العالم لكى يبشروا بالقيامة. وهذا هو سر قوة المسيحية لذلك يـقول "الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل". ويقول معلمنا بولس الرسول "الذى جُعِلت أنا له كارزاً ورسولاً ومعلماً للأمم. لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضاً لكننى لست أخجل لأننى عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتى إلى ذلك اليوم" (2تى1: 11-12). فهو يقول إذا وضعت فى السجن لا أخجل لأننى عالم بمن آمنت وأيضاً يقول "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو8: 28).
كلمة الله لا تقيد
وكذلك وهــو فى الســجن يقـول "إن أمـورى قد آلت إلى تقدم الإنجيل حتى أن وثقى صارت ظاهرة فى المسيح فى كل دار الولاية وفى باقى الأماكن أجمع" (فى1: 12، 13). أى أنه عندما وضعونى فى السجن، وذهبوا بى إلى دار الولاية كانت هذه فرصة أن يسمع جميع الشعب الذى فى دار الولاية أخبار الإنجيل. وبذلك تقدم الإنجيل ولم يتأخر.
فمن الممكن أن بولس الرسول يُسجن ويُقيد. ولكن كلمة الله لا تُسجن أو تُقيد، ويقول لتلميذه تيموثاوس "تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا" (2تى1: 13-14).
وهنا يطالبنا بولس الرسول. أن نتمسك بصورة الكلام الصحيح فى التعليم، وبحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا. فهناك وديعة صالحة قد تسلمت على مدى الأجيال من جيل إلى جيل.. من الأنبياء.. من الرسل.. وتسلمت للكنيسة.
الروح القدس حارس للكتاب المقدس
إن هناك حارس للكتاب المقدس وهو الروح القدس. فنلاحظ أنه لم يقل "الروح القدس الساكن فيك" بل قال "الروح القدس الساكن فينا" أى أن الروح القدس يعمل فى الجماعة، من أجل حراسة التعليم الصحيح، وحراسة الإنجيل. ولكن هذا يحدث فى جماعة القديسين وليس جماعة الهراطقة.
إن ذلك يذكرنا بعهد الله الذى قاله على فم أرميا النبى عن وضع الكتاب المقدس فى العهد الجديد. "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذى قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدى فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذى أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتى فى داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً" (أر31: 31-33). فالمقصود بالعهد القديم هنا؛ هو موقف الإنسان فى العهد مع الله. وليس كتاب العهد القديم.
أجعل شريعتى فى داخلهم
قديماً كانت الشريعة مكتوبة على ألواح من حجارة، وعندما أخذ موسى النبى الوصايا العشـرة كانت مكتوبة بإصبع الله على لوحين؛ أربعة على اللوح الأول، وستة على اللوح الثانى. ولكن الله وعد فى هذه المرة بأن تكون مكتوبة على قلوبنا.
إن الكتاب المقدس مكتوب على قلوبنا. وقد وعد السيد المسيح وقال "أما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26). وأيضاً "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو16: 13).
وقد تحقق هذا الوعد عندما بدأ التلاميذ فى كتابة الأناجيل. فقد تذكروا كلام السيد المسيح. ومثال لذلك عندما كتب معلمنا متى البشير الموعظة على الجبل. فالروح القدس هو الذى أوحى إليه بهذه الكلمات وذكره بها. فعندما نقرأ الكتاب المقدس ونحن مصلون وخاشعون، وفى حالة اتصال حقيقى مع الله. نشعر أن ما نقرأه موجود فى داخلنا، وليس غريباً عنا. كما إننا نعيش فيه، والله ينطق به فى داخلنا بقوة الروح القدس الساكن فينا. لذلك نستطيع أن نميز إن كان ما نقرأه هو كلام الله، أم كلام شخص آخر. ولذلك إذا فُرض أن شخصاً إدّعى أن لديه إنجيلاً، أو سفراً من أسفار الكتاب المقدس، وقال إن هذا السـفر ينسب إلى أسفار العهد الجديد أو أسفار العهد القديم. فإذا قرأنا هذا الكتاب بالروح نستطيع أن نكتشف إن كان هذا إنجيلاً حقيقياً أم لا بدون أن نشعر بالاحتياج إلى الدراسة أو التعمق فى التاريخ واللغات والعلوم.
إن الصغير مثل الكبير يستطيع أن يميّز كلام الله كما قال الكتاب "ولا يعلِّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفوننى من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب لأنى أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد" (أر31: 34).
ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون
إن إسرائيل بالمعنى الروحى هو شعب الله، ونحن ككنيسة الذين آمنّا بالسيد المسيح أصبحنا شعب الله، أما إسرائيل من ناحية الجسد فليس لأنهم من نسل إبراهيم واسحق ويعقوب هم إسرائيل. لأن إسرائيل الحقيقى هو الذى يؤمن بصلب وقيامة السيد المسيح من بين الأموات.
لذلك يقول الكتاب "لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم جميعاً أولاد. بل بإسحق يدعى لك نسل، أى ليس أولاد الجسد هم أولاد الله بل أولاد الموعد يحسبون نسلاً لأن كلمة الموعد هى هذه؛ أنا آتى نحو هذا الوقت ويكون لسارة ابن" (رو9: 6-9).
من هم أولاد الموعد؟
إن الوعد الذى قاله الله لإبراهيم "ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض" (تك22: 18) المقصود هنا؛ هو شخص الرب يسوع المسيح.. كما قال الرب فى الكتاب المقدس "التفتوا إلىَّ واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض" (أش45: 22).. فالخلاص هو للجميع.. فالإسرائيلى الذى يؤمن بالسيد المسيح يُحسب من شعب الله، أما الإسرئيلى الذى يرفض المسيح لا يُحسب من شــعب الله، والأممى الـذى يـقبل المسـيح يُحسـب من أولاد الموعد، ويكون هو الإسرائيلى الحقيقى.
كيف يعلمنا الروح القدس ما فى الأسفار المقدسة؟
كان يوجد شابة من أسرة مسيحية. عاشت فى مدينة الإسكندرية فى القرون الأولى للمسيحية. وكانت تدعى مريم، وقد توفى والديها وكان عمرها حوالى اثنتى عشرة سنة، وقد سيطر الشيطان عليها وانحرفت وهى فى مرحلة المراهقة والشباب. وعاشت حياة خطية محزنة جداً.
وكان فى أيام الفصح يذهب عدد كبير من المسيحيين إلى القدس لحضور الأسبوع المقدس (أسبوع الآلام) وعيد القيامة هناك. وكانوا يأخذون السفن من ميناء الإسكندرية إلى ميناء حيفا، ثم يكملون إلى مدينة أورشليم. فجاءت لمريم فكرة الذهاب لممارسة الخطية فى هذه الأماكن السياحية، وعندما وصلت إلى أورشليم حيث كنيسة القيامة هناك حاولت الدخول ولكنها لم تستطع، وبدأت تبكى لأنها شعرت بغضب الله عليها. وذهبت إلى أيقونة السيدة العذراء وبدأت تبكى. فسمعت صوتاً من الأيقونة يقول لها }إن أردت أن تخلصى فاخرجى إلى البرية{ فذهبت إلى الصحراء المحيطة بنهر الأردن، القريبة من جبل التجربة الذى خرج إليه السيد المسيح بعد عماده من نهر الأردن.
وبعد أن عاشت القديسة مريم ما يقرب من خمسين سنة فى البرية، قابلها القديس زوسيما فى الأربعين المقدسة. رآها من بعيد فظن فى البداية أنها خيال، فقالت له لا تقترب لأنى امرأة عارية وكانت الشمس قد لوحت جسمها فاسمر لون جلدها. فطرح لها العباءة الخاصة به، ثم بدأت تتحدث معه، وحكت له قصتها واعترفت بخطاياها. وقد كانت أثناء حديثها معه تتكلم من الكتاب المقدس. فقال لها كيف وأنت فى البرية منذ شبابك المبكر عرفت كل هذه الآيات، وأنا لم أرَ معك أى كتاب؟!! فقالت له إن الروح القدس الذى أوحى للأنبيـاء والـرسـل ما كتبوه فى الكتـاب المقـدس هـو الـذى علمنى ما فى الكتاب المقدس.
ثم طلبت منه أن يأتى إليها فى العام القادم عندما يخرج إلى البرية فى الصوم الأربعينى، وأن يحضر معه الجســد المقدس لكى تتناول من الأسرار المقدسة. وفعلاً فى العام التالى ذهب إليها وناولها من الأسرار المقدسة، ثم انفصلت عنه بعض خطوات وبدأت تصلى. وقد وجدها وهى تصلى مرتفعة عن الأرض مسافة حوالى متر. وهذا يعنى أنها قد وصلت إلى درجة روحية عالية جداً. ثم ركعت وأسلمت الروح. فقام بدفن جسدها وكتب سيرتها.
وقد دعيت القديسة "مريم المصرية" لأنها كانت من مصر ولكنها لم تعش فى مصر فترة سياحتها فى البرية، بل قضتها فى برارى الأردن. وهذا يوضح لنا أنه لا يجب أن نشعر أن الكتاب المقدس خارج عنا أو غريب عنا. ولا نسـتطيع أن نقبل أى دعاوى تقول بتحريف الكتاب المقدس.
ما هو الكتاب المقدس؟
إن الكتاب المقدس هو كلام الله مثال لذلك "كـلام أرميا بن حلقيا من الكهنة الذين فى عناثوث فى أرض بنيامين الذى كانت كلمة الرب إليه فى أيام يوشيا بن آمون ملك يهوذا فى السنة الثالثة عشرة من ملكه.. فكانت كلمة الرب إلىَّ قائلاً قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبياً للشعوب" (أر1: 1-5).
فقد قال له الله "جعلتك نبياً للشعوب" هذه أذهـلت النبى فقال "آه يا سيد الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد فقال الرب لى لا تقل إنى ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأنى أنا معك لأنقذك يقول الرب. ومد الرب يده ولمس فمى وقال الرب لى ها قد جعلت كلامى فى فمك" (أر1: 6-9) جعلت كلامى فى فمك بمعنى أن ما سيقوله أرميا هو كلام الرب.. "انظر قد وكَّلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتـهلك وتنقض وتبنى وتغرس" (أر1: 10) لا يهدم ويهلك ويبنى ويغرس أرميا النبى بيده، بل يفعل هذا بالكلمة التى يقولها. فإذا قال ستنهدم المدينة، تنهدم بالفعل. وإذا قال سيذهب هذا الشعب للسبى، يذهب الشعب للسبى.. فالكلمة تخرج من فمه وكأنه يأمر المدينة بالانهدام أو يأمر الشعب بالذهاب إلى السبى.. "ثم صارت كلمة الرب إلىَّ قائلاً ماذا أنت راءٍ يا أرميا فقلت أنا راءٍ قضيب لوز فقال الرب لى أحسنت الرؤية لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها" (أر1: 11-12).
إن الكتاب المقدس هو كلام الله. فعندما يتعامل الإنسان مع الكتاب المقدس، يجب أن يتعامل معه بكل الاحترام. فلا يليق أن يحاول الإنسان أن ينتقد الكتاب المقدس كما هو موجود فى العالم الغربى الآن علماء يسمون }علماء نقد الكتاب المقدس{ فمن يستطيع أن يقف أمام كلام الله؟!! كلام الله ينير لنا الطريق كقول المرنم "مصباح لرجلىّ كلامك ونور لسبيلى" (مز118: 105).
وقد قال الله لموسى النبى ولشعب إسرائيل "ولتكن هذه الكلمات التى أنا أوصيك بها اليوم على قلـبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس فى بيتك، وحين تمشى فى الطريق، وحين تنام وحين تقوم، وأربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك" (تث6: 6-9). وعندما يقول ضعها على قلبك أى احفظها عن ظهر قلب، لذلك فإن هذه وصية إلهية بحفظ الأسفار المقدسة. وقداسة البابا شنودة الثالث دائماً يقول {احفظوا المزامير تحفظكم المزامير}.
الكتاب المقدس أساس الديانة المسيحية
إن الكتاب المقدس بعهديه يمثل أساساً راسخاً للديانة المسيحية. فالمسيحية لم تأتِ من فراغ ولكن توجد نبوات كثيرة ورموز عن السيد المسيح، وعن أمور أخرى كثيرة. فمثلاً تنبأ الكتاب المقدس عن ميلاد السيد المسيح "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (أش7: 14). وتنـبـأ عن ميـلاده فى بيت لحـم "أما أنت يا بيت لحـم إفـراتة وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يـهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا5: 2). وأيضاً تنبأ أشعياء وقال بفم الرب "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام" (أش9: 6).
وكذلك عن هروب السيد المسيح إلى مصر "لما كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابنى" (هو11: 1). وعن دخول السيد المسيح إلى أورشـليم "ابتهجى جداً يا ابنة صهيون اهتفى يا بنت أورشليم، هوذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زك9: 9).
وكذلك عن آلام السيد المسيح "ظُلِم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (أش53: 7). وكذلك من مزامير داود النبى "ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ، أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ. يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز22: 16-18).
سألنا مرة أحد المحامين اليهود (قابلناه خارج مصر بشأن قضية دير السلطان) كيف تنال الغفران؟ فقال نطلب الغفران من الله. فقلنا إن الكتاب المقدس يقول إن الغفران بالذبيحة، وأنتم لا يوجد لديكم ذبيحة. لأن الهيكل قد هُدم منذ ألفى عام تقريباً، ولا يوجد الآن ذبيحة لغفران الخطايا حسب الطقس اليهودى القديم لأن الذبيحة الحقيقية هى ذبيحة الصليب.. ثار وقال لا؛ لا يوجد شئ يسمى ذبيحة بشرية، والله لا يقبل ذبائح بشرية.
قدمنا له المزمور (22) ليقرأه إلى أن وصل إلى الآيات التى تقول "ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ، أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ. يقسـمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز22: 16-18) سألناه هل داود النبى كان يتكلم عن نفسه؟!! أى هل قد ثُقبت يداه ورجلاه؟ فقال لا، لأنه مات على فراشه. وهذا مكتوب فى أسفار الكتاب المقدس. فقلنا له متسائلين: إذن عمن يتحدث هذا المزمور الذى يقول "يبست مثل شقفة قوتى ولصق لسانى بحنكى وإلى تراب الموت تضعنى لأنه قد أحاطت بى كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتنى. ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون. أما أنت يا رب فلا تبعد. يا قوتى أسرع إلى نصرتى. أنقذ من السيف نفسى. من يد الكلب وحيدتى. خلصنى من فم الأسد ومن قرون بقر الوحش استجب لى. أُخبر باسمك إخوتى. فى وسط الجماعة أسبحك" (مز22: 15-22)؟!. وفى النهاية اعترف المحامى اليهودى وقال {هذا وصف دقيق لصلب السيد المسيح}!!
فالمسيحية لم تأتِ من فراغ، ولكنها بُنيت على أساس نبوات سبق فأنبأ بها أنبياء قديسون قبل مجيء السيد المسيح بآلاف السنين.. وقد قال السيد المسيح لليهود؛ موسى كتب عنى "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى" (يو5: 46).. وقال أيضاً "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح" (يو8: 56).
وقد امتلأ زكريا من الروح القدس فى يوم ميلاد يوحنا المعمدان "امتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه. كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدى جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا أن يعطينا إننا بلا خوف منقذين من أيدى أعدائنا نعبده بقداسة وبر قدامه جميع أيام حياتنا" (لو1: 67-75).
المسيحية بُنيت على أساس النبوات
قد بُنيت المسيحية على أساس نبوات كثيرة، فمنذ آلاف السنين والله يعد البشرية لمجيء المخلّص..
من أمثلة النبوات التى قيلت عن آلامه وصلبه "وعظماً لا تكسروا منه" (خر12: 46). وكذلك "رجل أوجاع ومختبر الحزن.. كشاة تساق إلى الذبح.. وجُعل مع الأشـرار قبره ومع غنىّ عـند مـوته على أنه لم يـعمل ظلـماً ولم يكن فى فمه غش" (أش53: 3، 7، 9).. "مع الأشرار قبره" حيث صُلب مع اللصوص وكان سيُوضع فى مقبرتهم، ولكن أسرع يوسف الرامى وأخذ الجسد من بيلاطس وتحققت النبوة "مع غنىّ عند موته".. "سكب للموت نفسه وأحصى مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (أش53: 12).
وكذلك قيل "لأنك لا تترك نفسى فى الجحيم، ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (مز15: 10). لأن جسده لم يفسد وقام منتصراً فى اليوم الثالث كقول المزمور "أنا اضطجعت ونمت؛ ثم استيقظت لأن الرب ناصرى" (مز3: 5).
وأيضاً نبوة عن قيامة السيد المسيح فى اليوم الثالث "فى اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه" (هو6: 2).
وعن التجسد "طأطأ السماوات ونزل وضباب تحت رجليه. ركب على كروب وطار وهفَّ على أجنحة الرياح" (مز18: 9-10).
وعن صعوده "صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق" (مز46: 5).
وعن حلول الروح القدس "ويكون بعد ذلك أنى أسكب روحى على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء أسكب روحى فى تلك الأيام" (يؤ2: 28-29)..
كل ما حدث فى العهد الجديد؛ سبق وتنبأ عنه الأنبياء فى العهد القديم. وهذه مجرد أمثلة أى قليل من كثير جداً من النبوات التى وردت فى الكتب المقدسة.
من هم الذين يتممون النبوات؟
إن المهم فى إتمام هذه النبوات؛ أن بعضها لم يقم بإتمامها أصدقاء للسيد المسيح، ولكن تممها الذين قتلوه وليس أصدقاؤه!! فقد تنبأ عن تلميذه الذى خانه "أيضاً رجل سلامتى الذى وثقت به آكِلُ خبزى رفع علىَّ عقبه" (مز41: 9). وأيضاً "فقال لى الرب ألقها إلى الفخارى الثمن الكريم الذى ثمنونى به فأخـذت الثلاثـين من الفضة وألقيتها إلى الفخارى فى بيت الرب" (زك11: 13) وهذا ما حدث بالفعل، فقد أخذوا الثلاثين من الفضة واشتروا بها حقل الفخارى..
إن رؤسـاء الكـهنة.. يهـوذا الإسخريـوطى.. بيلاطـس البنطى.. هيرودس الملك.. كل هؤلاء قد تمموا النــبوات مع أنهم كانوا أعداءً للسيد المسيح.
فقد تنبأ الكتاب عن قتل أطفال بيت لحم "هكذا قال الرب: صوت سمع فى الرامة، نوح بكاء مر، راحيل تبكى على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين" (أر31: 15) فعندما أرسل هيرودس وقتل كل أطفال بيت لحم من سن سنتين فما دون، هرب السيد المسيح إلى أرض مصر لكى يتمم لنا الفداء ويُصلب عنا.. لم يهرب من الخوف، بل من أجل أن يبدأ رسالته ويُعلِّم تعاليم العهد الجديد، ثم يقدّم نفسه ذبيحة فداءً عن حياة العالم كله.
حقاً "من الآكل خرج أكل ومن الجافى خرجت حلاوة" (قض14: 14). لأن أعداء المسيح قد حققوا جزءًا هاماً مـن النبوات التى كُتبت عنه.
يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر
تنبأ الكتاب المقدس بأمور لم يكن اليهود أنفسهم من الممكن أن يقبلوها. وبالرغم من ذلك فهى موجودة فى كتبهم إلى هذا اليوم مثل ما ورد فى سفر أشعياء النبى "فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها" (أش19: 19). فاليهود يرفضون تماماً إقامة أى مذبح خارج أورشليم. وأيضاً مكتوب "فيكون علامة وشهادة لرب الجنود فى أرض مصر لأنهم يصرخون إلى الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصاً ومحامياً وينقذهم فيُعرَف الرب فى مصر ويعرف المصريون الرب فى ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذراً ويوفون به" (أش19: 20-21) هذا هو مذبح الرب الذى للعهد الجديد.. فمَن الذى يقبل مِن اليهود أن يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر؟!! فهم مشتتين فى العالم كله إلى اليوم، ومع ذلك لم يقيموا أى مذبح خارج أورشليم، فهم يحاولون إعادة المذبح مكان هيكل سليمان مرة أخرى، ولكنهم لم يستطيعوا أن يعملوا هذا..
وتنبأ أيضاً عن مجيء العائلة المقدسة إلى أرض مصر "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها" (أش19: 1).
لا يمكن تحريف الكتاب المقدس لا فى العـهد القديم، ولا فى العهد الجديد. لأنه لو قمنا بتحريف أى آيات فى العهد القديم فحتمياً كــان اليهود سيحتجون ويهيجون علينا، ويقولون إننا نؤلف آيات لكى نثبت بها مسيحيتنا.. ولكن هذا بالطبع لم يحدث على الإطلاق ولم يحتج اليهود علينا ولم يقولوا إننا أضفنا آيات إلى سفر أشعياء أو إلى غيره من الأسفار.