قالَ الرَّبُّ لِسَيِّدي: (( اِجلِسْ عن يَميني حتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ مَوطِئًا لِقَدَمَيكَ )) (مز 110 /1)
بمناسبة عيد النبي الياس الحي - نشرة رعيتي
بمناسبة عيد النبي الياس الحي
عن نشرة "رعيتي"
1. رسول التوحيد
يرد ذكر النبي الياس مرتين في القرآن، في سورتي الانعام والصافّات.
وهو من الأنبياء الخمسة والعشرين الذين يذكرهم القرآن بالاسم.
ولكن كتاب المسلمين لا يعطي تفاصيل وافية عن حياة النبي الياس، بل يقصر الحديث عنه على بضع آيات تختصر بدقة أهم مضامين رسالته إلى شعب العهد القديم.
وقد درجت عند المسيحيين تسمية أبنائهم باسم الياس، مع العلم أن اسمه في الكتاب المقدس "إيليا"، أي الله إلهي،
وكان آحاب الملك وزوجته إيزابيل هما من أدخلا عبادة البعل إلى إسرائيل فقام إيليا وواجههما، واتهمها بترك وصايا الرب واقتفائهما البعل (3 ملوك 18:18).
ثم واجه إيليا الجموع قائلاً لهم: "إلى متى أنتم تعرجون بين الجانبين؟ إن كان الرب هو الإله فاتبعوه وإن كان البعل إياه فاتبعوه. فلم يجبه القوم بكلمة" (21:18).
عندها طلب المباهلة، أي أن يبتهل كل طرف إلى إلهه وينتصر من يستجيب إليه إلهه. فانتصر إيليا وقتل كهنة البعل ذبحاً (40:18).
الياس النبي كان رسول التوحيد إلى بني إسرائيل في وجه الشرك الذي ارتضاه قومه وكل من يتمثل بهم، فأتى لهم نذيراً مبشراً وهادياً إلى الطريق المستقيم.
2. المــواجهــــة بين اللــــه وبعــــل
للنبي إيليا أهمية كبيرة في تراثنا الإيماني الشعبي وهو مثال يحتذى في التعبير عن الغيرة للرب والقدرة على مواجهة الأعداء والاستهزاء بهم.
ولئن كانت الأيقونة التقليدية تظهر النبي جالساً ومتلقفاً الطعام من الغراب، إلا أن الصورة المطبوعة في أذهان المؤمنين هي تلك التي يظهر فيها حاملاً السيف وقاتلاً أنبياء البعل.
من يقرأ قصة النبي بدقة يدرك أن محورها هو الله نفسه وليس شخص النبي الذي هو مجرد رسول يتمم أمر الله.
والغيرة هي غيرة الله نفسه.
تبدأ قصة إيليا النبي بإعلانه الجفاف لآخاب ملك إسرائيل ثم يذهب بأمر الله إلى مقابل نهر الأردن فيرسل الله الغربان لتقيته. بعد ذلك يذهب بأمر الله أيضاً إلى صرفة صيدا (صرفند الحالية جنوب صيدا) حيث تعيله أرملة فينيقية فيقيم ابنها من الموت.
بعد ثلاث سنين يواجه إيليا آخاب الملك ويدعو أنبياء البعل إلى مبارزة على جبل الكرمل (في الجليل على البحر الأبيض المتوسط) لمعرفة من هو الإله الحقيقي. تنتهي المبارزة بانتصار إيليا وقتله أنبياء البعل وإعلانه انتهاء الجفاف.
يهرب إيليا من وجه إيزابيل زوجة الملك إلى جبل حوريب (جبل سيناء) حيث يلتقي الله الذي يزوّده بمهام ثلاث يتمم أولها بمسح أليشاع نبياً بدلاً منه. يظهر إيليا مرة أخرى لآخاب في حادثة كرم نابوب الذي استولى عليه الملك بعد قتل صاحبه فيؤنبه إيليا ويعلن موته وسلالته كلها.
وأخيراً يخطف إيليا إلى السماء على مركبة نارية ويعطي وشاحه لأليشع الذي سيتمم المهمتين اللتين لم يتممهما إيليا.
في قصة إيليا محاور ثلاثة: الصراع بين الله وبعل، شخصية رجل الله، والعدالة الاجتماعية (1 ملوك 17-19 و21). والمحور الأساسي هو الصراع بين الله وبعل، ويبدأ الله بالمواجهة بإعلان الجفاف، إثباتاً لسلطته، بعدما تزوج آخاب ملك إسرائيل إيزابيل ابنة ملك صور التي أتت بعبادة البعل، إله المطر والخصوبة والعواصف الفينيقي، إلى أرض إسرائيل.
كان زوجها متساهلاً فاستطاعت فرض عبادة البعل وجاراها في ذلك وتبعه الشعب أيضاً (1 ملوك 18:18).
أراد الله أن يظهر أنه الإله الحقيقي وحده وليس بعل وذلك بمواجهته للبعل في اختصاصه، أي المطر والخصوبة فأعلن الجفاف ليس فقط في أرض إسرائيل إنما في فينيقية أيضاً التي تعتبر تحت سلطة بعل بامتياز.
سلطة الله في أرض بعل تتخطى الحياة والموت إذ أقام ابن أرملة صرفة صيدا من الموت.
لقد اعتقدت المرأة أن الله يعاقبها، إلا أن النبي يتوسط لها لدى الرب مستخدماً كلاماً بشرياً: "أيها الرب إلهي، لماذا أسأت إلى الأرملة التي أضافتني فأمتّ ابنها؟" (20:17)،
والله يستجيب (22:17; راجع يشوع :10 14). تعترف المرأة التي تعبد البعل بسلطة الله وتسلم بسلطة كلمات النبي الإلهية:
"هذا الوقت علمت أنك رجل الله وإن كلام الرب في فمك حقاً" (24:17).
المواجهة بين الله وبعل تبلغ أوجها في المبارزة بين الإلهين عبر إيليا وأنبياء البعل على جبل الكرمل، وعلى أثر انتصار الله الحاسم يعلن إيليا عودة المطر.
لقد عزا آخاب الجفاف إلى غضب بعل على الشعب بسبب عداء إيليا لبعل (17:18; 20:12) فرد إيليا مذكراً آخاب أن المشاكل حصلت بسبب معاضدته عبادة بعل (18:18) معلناً أن الله، وليس بعل هو من يتحكم بالخصب ويسيطر عليه.
يقع الشعب في حيرة: يريد التمسك بالإيمان التقليدي بالله لكنه يريد الإبقاء على عبادة بعل فيواجهه النبي بالخيار: أما الله إله العهد الموسوي وأما بعل إله العواصف والخصوبة الفينيقي: "إذا كان الرب هو الإله فاتبعوه وإن كان البعل هو الإله فاتبعوه" (21:18).
تحصل المبارزة ويعلن الله عن نفسه بالنار التي كانت في العهد القديم رمز حضوره أيضاً (العليقة الملتهبة) فيعترف به الشعب ويخرج عن صمته ويساعد إيليا في قتل أنبياء البعل
"فلما رأى ذلك جميع الشعب سقطوا على وجوههم وقالوا الرب هو الله، الرب هو الله" (39:18).
النار والدم (دم الأنبياء) برهنا للشعب عن سلطة الله، وعودة المطر برهنت للملك أن الله هو صاحب السلطان وليس بعل.
+ من صفات النبي انه يتكلم باسم الله، لكن إيليا يظهر للوهلة الأولى انه يتكلم بسلطانه الذاتي "لا يكون طلّ ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي" كونه خادم الله يظهر من خلاله طاعته للكلمة الإلهية، ويزوّده الله بالطعام بطريقة عجائبية كما فعل مع إسرائيل في البرية (6:17; راجع خروج 12.5:16).
يرسل الله إيليا إلى صرفة صيدا، وهي منطقة في فينيقية يعبد فيها البعل. سلطة الله تسبب الجفاف هناك أيضاً وهو يعطي الذين يعطف عليهم طعاماً كالمن (،12:17 ،14 16; راجع عدد 8:11).
يظهر أن النبي يتكلم حقاً كلاماً إلهياً ذا سلطة، والطاعة له تكسب عطف الله، فعندما تعمل المرأة وفق كلام إيليا تتحقق الكلمة الإلهية "حسب قول الرب الذي تكلم به عن يد إيليا" (16:17).
في مسيرة رجل الله الشخصية هناك شك وخوف (3:19) وشكوى أمام الله: "قد غرت غيرة للرب إله الجنود. لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف فبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" (10:19). إ
لا أن الله يدخله في البرية وهناك يطعمه ويعلن له أنه هو معطي الحياة (16:17; 6:19).
ثم يخرج النبي بمسيرة نحو جبل حوريب (سيناء) على مثال خروج الشعب الإسرائيلي من أرض مصر.
وعلى الجبل يظهر الله نفسه لإيليا كما فعل مع موسى سابقاً، إنما بطريقة مختلفة: في صوت نسيم خفيف.
+ في قصة كوم نابوت (الإصحاح 21) يظهر الصراع بين عبادة الله وعبادة بعل على صعيد العلاقات الاجتماعية.
بحسب العهد المقام بين الله وشعبه يقف كل إنسان أمام الله على قدم المساواة، غنياً كان أو فقيراً، ملكاً أو إنساناً عادياً.
وعندما تداس حقوق أحد الأفراد من قبل أصحاب السلطة والقدرة يتدخل الله لحماية الضعيف وإعادة النظام إلى الجمـاعــة. أمـا في جماعــة بعـل فالغلــبة للأقوى.
قصة إيليا تعلمنا أن الله يريدنا أن نختار بينه وبين الآلهة الأخرى التي نعبدها على مثال البعل (المال، السلطة، الذات...) والتي نعتقد انها هي التي تحيينا. الله هو وحده معطي الحياة ووحده "صاحب السلطان وهو غيور لا يقبل منافساً له على الإطلاق.