أَمَّا الكافِرون فسَيَنالُهمُ العِقابُ المُناسِبُ لأَفْكارهم فهُمُ الَّذينَ لم يبالوا بِالبارِّ و اْرتَدّوا عنِ الرَّبّ (حك 3 /10)
الفرق بين يسوع و "مؤسسي الأديان" الأخرى - الأب هنري ريردون
الفرق بين يسوع و"مؤسسي الأديان" الأخرى
الأب هنري ريردون
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
لم يكن تعليم يسوع منفصلاً عن شخصه. في الإنجيل، لا نجد سيدنا يدعو إلى حقائق موجودة في العالم تعجز عن حمل ذاتها فيما يستطيع الإنسان أن يصل إليها بمعزل عن تعليم السيّد، ولا حقائق تعيش إلى ما بعد موت مَن نطق بها.
من الأساسي أن نستوعب هذه الحقيقة، لأنها تشير إلى فرق جوهري بين يسوع و"مؤسسي الأديان" الآخرين.
لتصوير هذا الاختلاف نأخذ سيدرتا غوتاما كمثال يعود إلى ما قبل ستة آلاف عام. عندما جمع غوتاما تلاميذه ليستمعوا إلى عظته لجأ إلى خبرته "الإعلان" وأشار إلى استنارته تحت شجرة البودي وشرح لأتباعه معنى هذه الخبرة.
لقد حدّد السببية التابعة وشرح كيفية التخلّص منها. بعض مؤرخي الأديان المقارَنة يتبنون الرأي القائل بأن هذا ما فعله المسيح من حيث المبدأ.
مع أنهم يعترفون بوجود فارق في هدف محتوى كل من المجهودين، أنهم يتخيّلون أن العظة في غابة الأيل والعظة على الجبل تشتركان في أنّ الواعظ في كل منهما يشرح نظرياته الدينية وحسب.
بحسب هذه النظرة، الفرق بين المسيحي والبوذي هو فقط في القرار الذي يتّخذه في تحديد أي من المعلمَين عبّر بالشكل الأفضل.
المشكلة هنا هي أنّ لا غوتاما ولا يسوع يوافقان على هذا التقييم للمسألة. في ما يختص بغوتاما، من الضروري أن نلاحظ أنّه لم يقدّم نفسه مهماً في تعليمه.
بالواقع، لقد قال أن خبرته الدينية متاحة لكل مَن يتبع خطاه. لم يطلب من أحد أن يتبنّى تعليمه على الثقة فقط ولم يدّعِ اكتشاف حقائق لولاه لما توفّرَت ولم يطلب من أحد أن يؤمن بأنّه هو القناة الوحيدة إلى الإيمان.
بالمقابل، غوتاما كان مقتنعاً بأن الحقائق الأربعة الشريفة تبقى على نفس الدرجة من الصحة لو لم يكتشفها. كل ما قاله عن سلسلة السببية كان على نفس الدرجة من الشرعية حتى لو لم يحكِ عنه.
لقد أعلن غوتاما أنّه يعلّم حقائق مستقلّة عنه وأكثر رفعة من تعليمه عنها. باختصار، لم يدّعِ غوتاما أنّه الطريق والحق والحياة.
أما عند يسوع، فيواجهنا ما هو مختلف بشكل جوهري. كل الذين سمعوه أدركوا أنّه يعلّم "كَمَن له سلطان". لم يشرح يسوع أي حقائق أرفع من شخصه. ما علّمه كان مجهولاً وغير متاح من دونه.
بالحقيقة، كيف كنا معرفة أن عندنا آب سماوي يحبنا ويهتم بنا من دون شهادة يسوع؟
أهذه حقيقة جلية ومتاحة؟ أيضاً، لو لم يشِر يسوع إلى هذه الحقيقة، كيف كنا لنعرف أنّ شعرات رؤوسنا محصاة؟ هل اهتمام الله بكل عصفور هو حقيقة قائمة بذاتها؟
أم أن أزهار الحقل يلبسها آب محب هي حقيقة شائعة؟ كل هذه الأمور نعرفها لسبب واحد هو أن يسوع أخبرنا بها.
إذاً، رسالة يسوع الدينية لا تنفصل عن سلطة شخصه. هذه الـ"أنا" مركزية في رسالته ونافذة فيها. ميزة أساسية ينبغي الإشارة إليها حول تعليم يسوع هي أنّه قائم على الإعلان
"أمّا أنا فأقول لكم".
هذه الـ"أنا" هي المكوِّن الأساسي للرسالة لأن عقيدة ربنا تقوم أو تسقط مع شخصه. لم يعلّمنا يسوع فقط أن عندنا آب في السماء بل أنّه بشخصه هو المعبر الوحيد إلى ذلك الآب.
أعترف بأن هذا التلازم بين يسوع وتعليمه كان جزءاً رئيسياً من أزمة الجمعة والسبت العظيمين. فيما كان جسده مطروحاً في القبر، لم يكن شيء مما ذَكَره يقوم بذاته.
السلطة التي ادّعاها يسوع بدت بشرياً أنّها ماتت معه. لو أن الموت هو آخر كلمة عن حياة يسوع لأضحت عظة الجبل مجرّد نظرية دينية أو إيمان من الماضي.
هذا كان جزءاً من أزمة الصليب. تعليم يسوع، كما إيمان الذين آمنوا بهذا التعليم، بدا مخزياً بشكل جوهري بحدث الجلجلة. وقد أدرك الرسول بولس هذا الأمر بوضوح عندما كتب أنّه لو لم يقم المسيح لكنّا أكثر البشر إثارة للشفقة.