أَخْرِجِ الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ أَوَّلاً، و عِندَئِذٍ تُبصِرُ فتُخرِجُ القَذى مِن عَينِ أَخيك ( مت 6 /5)
في بدء العام الجديد الغاية من الحياة على الأرض - للقديس باسبليوس الكبير
في بدء العام الجديد
الغاية من الحياة على الأرض
للقديس باسبليوس الكبير
تدعى الحياه على الأرض طريقاً لأن كل مولود مسرع إلي النهاية كما أن المسافرين في السفينة يحملون بواسطة الريح بلا عناء إلي الميناء وبحركة السفينة يقتربون من المكان المقصود دون أن يشعروا بذلك هكذا نحن بمرور الزمن في حياتنا الحاضرة وبتلك الحركة غير الملحوظة يقترب كل منا إلي أجله.
إن الرقاد يحسب في أيامنا وإن حياتنا تتناقص وإن كنا بالنوم نسترد قوتنا ونشاطنا فكل من يولد على الأرض سائر في الطريق كل منا مسرع في ميدان الحياة حتى يصل إلي نهايته كل شيء يمر من أمامنا وكل شيء يبقى وراءنا.
أيها الإنسان ! إنك ترى في طريقك النبات والكلأ والماء فكل ما يستلفت نظرك تتمتع به قليلاً تم تستأنف المسير إنك ترى الأودية والجبال والصخور الشامخة والوحوش المفترسة والحشرات والأشواك والمصاعب وغيرها من الأشياء القبيحة فتتأثر وتحزن قليلاً ثم تتركها هكذا الحياة:
مسراتها وقتية وأحزانها غير متصلة وهذا لا يخصك وحدك لأنك عابر طريق ولأن الحاضر ليس لك وحدك إن المسافرين يسرعون وراء متقدمهم إذا حث الخطى أمامهم
وإن حياتنا كذلك تشبه ما ذكر اليوم تحرث أرضك بيدك وغداً يحرثها سواك وبعد هذا سواه أترى الحقول والمباني الفخمة كم من مره تبدلت أسماؤها منذ وجد الكون؟
كانت تبدلت الحال إلي رجل أخر ثم أصبحت ملك أخر فاخر ...وهكذا حياتنا !
أليست كالطريق يجتازها أناس إثر أناس.؟ فما هو كنهها؟ إنه للروح التي لا تحتاج إلي أي تعب والجسد الذي أوجده الخالق ليكون مركبة الروح في هذه الحياة فإن كان هذا أو تلك فإن الرسام العظيم يكونها في أحشاء الأمهات ثم يظهرها إلي عالم الوجود بآلام المخاض أمام هذا
وتلك تفتح الحياه أبوابها كأنها معهد علمي للأعمال الصالحة لكل وضع نظام على قدر طاقته إننا نتمثل بالخالق ونجري المنظور في السماء وعلى الأرض فالروح والجسد يدعيان إلي الحياه وسوف ينتظرهما الحكم عند الذي دعاهما كليهما للسؤال وسيعطي لهما الإكليل عن الحياة الحاضرة.
أيها الإنسان ! عليك أن تلتفت إلي ذلك وعلى الأخص إلي نفسك إجتهد أن تبعد عنك كل ميل يلطخك بأدران الخطيئة ومل بكليتك إلي الأعمال الصالحة إمتحن نفسك بنفسك وأدرس حقيقة طبيعتك
إعلم أن جسدك فإن وروحك خالدة وأن زوال الحياة بديهي كالجسد خلافاً للروح التي لانهاية لها.
إنتبه لذلك إحتفظ بالحاضر وفكر بالآتي لا تدع الموجود يفر من يديك بإهمالك لا تتأمل ملذات الآتي كأنها موجودة لديك قبل أن تحصل عليها ! من عادة الملاحين أن ينظروا إلي السماء ويسيروا سفنهم إعتماداً على أجرامها
ففي النهار يهتدون بالشمس وفي الليل بالكواكب وهكذا يعرفون الطريق المستقيم لذلك وجه نظرك دائماً إلي السماء كما قال صاحب المزامير :
" إليك رفعت عيني يا ساكن السماء " ( مز132:1 )
أنظر إلي شمس العدل وإهتد بالوصايا الإلهية كالنجوم ودع عينك ساهرة:
" لا تعطي عيني نوماً ولا أجفاني نعاساً " ( مز131:4 )
حتى تجد لنفسك دليلاً في الوصايا الإلهية كما قيل :
" إن قولك سراج لقدمي ونوراً لسبيلي " ( مز 118: 108 )
فإذا لم تنم عن إرادة حياتك ما دمت في بحر الأعمال العالمية فإنك تحصل على مساعدة الروح الكلي قدسه الذي يسير أمامك حتى يصل بك دون خطر إلي الميناء الهادي وهو إرادة الله.