كيف لكم أن تؤمنوا وأنتم تتلقون المجد بعضكم من بعض و أما المجد الذي يأتي من الله وحده فلا تطلبون ؟ (يو 5 /44)
الهيكل الطاهر - المتروبوليت بولس
الهيكل الطاهر
(المتروبوليت بولس متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما )
"أنتم هيكل الله الحيّ"
"أنتم هيكل الله الحيّ"، عبارة بديعة! ونحتاج بالحريّ إلى التأمّل بها بشكل كافٍ. طالما كان الإنسان أرادَ دائماً، ومن شعوره بوجود خالق أو قوى أعظم منه، أن يقدّم عبادةً لله.
لذلك، منذ البدء، حاول الإنسان تحديد مكان يلتقي فيه مع الله ويقدم فيه الذبائح. بنى الوثنيّون المعابد، ومنها الفخم ووضعوا آلهتهم المختلفة فيها. وكان الإنسان يواجه إلهه (من شاء من الآلهة)، ويسترضيه ويعبده، ولو في حجرٍ!
أما إله الكتاب المقدّس فقد رفض هذه العبادات. وأبى، بلغة الكتاب، أن يسكن في معابد من صنع البشر. فالفارق بينه وبين الآلهة الوثنيّة كلّها فارقٌ كبير. إن الله، هنا في الكتاب، غير مدرك من البشر، بل العكس، هو من يدرك كلَّ بشر! لذلك يحتاج في عبادته إلى شيء منظور فعلاً، ولو كان تعبيراً عن غير المنظورالله.
لذلك صار يمكن للإنسان أن يشيد المعابد والهياكل ليلاقي فيها الله، ولو باستخدام تعابير عن حضرته.
وللشعب، في العهد القديم، كان لوحا العهد، اللذان يحملان الوصايا، يمثّلان إرادة الله وعهده وبالتالي حضرته. فلما كان الشعب متنقّلاً وضع هذَين اللوحَين في خيمة العهد، وصار يحمل هذه الخيمة كهيكل معه أينما ذهب، يشعر بواسطتها بحضور الله ومرافقته وبركته، ويقدّم عبادته أمامه فيها.
وعندما استقرّ الشعب واقتنى ملوكــــاً وصار أمّة ومملكة بنى معبد سليمان، الذي لا يضاهيه معبد بالجمال والغنى. وهناك في قدس الأقداس داخله وضع لوحَي العهد، تعبيراً عن حضرة الله.
وصار الشعب يقدّم عباداته في هذا الهيكل الحجريّ أمام الله الحاضر بشريعته. إنه المكان المقدّس للقاء والعبادة، وهو العلامة الأساسيّة لحضور الله، حين يقف الإنسان تجاهها.
أما في العهد الجديد، فلقد أعلن الربّ للسامريّة أن العبادة الجديدة لا تتمّ "لا هنا ولا هناك" لا في هذا الجبل (السامرة) ولا في أورشليم، وإنّما "بالروح والحقّ"، ومعبد هذه العبادة ومكانها إذن هو "القلب"!
عندما سأل التلاميذ الربَّ يسوع عن ملكوتِ الله وحضوره، أجابهم بصراحة "ملكوت الله في داخلكم"، أي في قلبكم، هناك هو المعبد الحقيقيّ، كما يقول بولس اليوم في رسالته لأهل كورنثوس "أنتم هيكل الله".
القلب، في لغة الكتاب المقدّس، ذو معنى يتجاوز المعنى العاطفيّ الشعبيّ والمعنى الطبيّ البيولوجيّ. القلب هو مركز الشخصيّة الإنسانيّة حيث المشاعر والأفكار والقرارات والمواقف.
في القلب يتحاور الإنسان مع نفسه ويتحمّل مسؤوليّاته وينفتح على الله أو ينغلق دونه؛ إنّه مركز الشخصيّة الإنسانيّة الواعيّة.
القلب إذن، هو مركز العقل والشعور، في القلب تجتمع هاتان الطاقتان البشريّتان، وعندما تلتقي هذه الطاقات (داخل الإنسان) مع الله، هناك يتحقّق الملكوت، وهناك وهكذا يجب أن تتمّ العبادة.
لذلك العبادة بالروح والحقّ في القلب تشترط أمرَين. الأمر الأوّل هو العقل والثاني هو الشعور.
فلا صلاة مثلاً إذا كان عقلنا شارداً خارج كلمات صلواتنا، فبدون عقل وذهنٍ صاحٍ لا يمكننا أن نلاقي الربّ. وكما يقول فمّ الذهب: "كيف تريد أن يستجيب الربّ لك عندما لا تعي أنتَ ماذا تطلب"؟
فكيف يحمل الله طلبك بجديّة عندما توجهه أنتَ باستخفاف؟ الذهن المتابع والحاضر وغير الشارد هو الشرط الأوّل لتحقيق العبادة وللقاء الله، في القلب.
والأمر الثاني هو الشعور، أي حفظ الحبّ للربّ. فالله لا يُعبد بالعقل للحظة! الله يُحَبّ.
ألم يصرّح يسوع علناً "حيث كنـزكم هناك قلبكم". فإذا ما دخلنا المعبد ولكن كانت مشاعرُنا متعلّقة بأمور دنيويّة خارجه، فإنّه من المستحيل أن نضبط ذهننا في الهيكل والقلب، ما دام إنه سيطير إلى الكنـز (الأمر الذي نتعلّق به)!
لهذا في العبادة نعبّر عن أشواقنا لله بتعابير صريحة فيها ألوان الخشوع والشكر والتأثّر. ومن هذه التعابير السجدات ورفع الأيدي كالأرض العطشى للمطر والدموع.
لنجمع العقل والمشاعر في العبادة حتى تصير "عبادة نطقيّة"، كما نقول في صلواتنا، أي عبادة قلبيّة، فيها كلّ الذهن وكلّ القلب وكلّ القدرة "أحبب الربّ إلهك من كلّ نفسك وكلّ ذهنك وكلّ قدرتك ...".
الذبيحة لله روح منسحق، القلب المتخشّع والمتواضع لا يرذله الربّ،
آمين.