Skip to Content

العادلة الانتقامية والعدالة الالهية - حول انجيل الابن الشاطر

العادلة الانتقامية والعدالة الالهية

(حول انجيل الابن الشاطر )


Click to view full size image

 

ايها الاحباء: هذا الاحد الثاني من فترة التريودي المهيئة للصوم الكبير ، احد التوبة.

هو على بعد تسعة اسابيع من الفصح . ايضا في هذا اليوم تقرأ الكنسية المثل الابن الشاطر او الأب الرحيم ، فقد اعطت الكنيسة اسماء كثيرة لهذا النص الانجيلي الذي سمعناه الآن .

 

يُعتبر هذا النص من روائع الادب العالمي من حيث قيمته الادبية والروحية ، التي لا يشبهها اي شي آخر او نص آخر على وجه الارض.

 

اذ يصور لنا انجيل اليوم، رحمة الله نحو الانسان الخاطئ ، وايضا يذكرنا بمراحل التوبة التي يجب ان يمر بها كل مؤمن لينال نعمة الغفران عن الخطايا .

 لذلك فكل سنة يعود الينا هذا المثل ليعطينا رجاءً واملاً وبريقا من النور يمسح عنا كل بأس وكل ظلمة ، ويُنهض بنا من عتمات وظلمات نفوسنا .

 

ايضا لكي نفهم اكثر واكثر العلاقة بين الله والانسان ونميز بين العدالة الانسانية والعدالة الالهية التي هي الرحمة والغفران والمحبة ، والتي تأتي عن طريق التوبة .

 

اذ بدون التوبة والاعتراف لايستطيع احد ان يخلص ، وان كانت لديه فضائل كثيرة ، لانه لايمكن ان يوجد انسان ما خطئ ابدا . كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم .

 

الاعتراف المتواضع بخطايانا هو مرضي جدا لدى الرب ، لو كان آدم بعد سقوطه قد اعترف بخطأه تائبا لوجد سماحا وغفرانا من الله .

 

لذلك معظمنا يُهمل وينسى ممارسة سر التوبة والاعتراف ، وبمقدار تراجعنا عن ممارستنا لسر التوبة والاعتراف بمقدار ما نبتعد عن الله وعن محبة الانسان الاخر. 

 

فما اجمل يا احبتي العودة الى الله فمهما كنا خطأة ملطخين بالاثام يجب ان نعود الى الله ، خير لنا من بقاء في مستنقع الخطيئة ، لنقول مع داود النبي : " ان يوما في ديارك يارب خيرٌ لي من الف ( يوما ) .

 

في مثل الابن الشاطر : موقفان اساسيان للأب ، موقفان يكشفان صورة الله الرحومة العادلة وهما ، موقف الابن الاصغر وموقف الابن الاكبر .

وهناك ماهو مركزي بينهما هو رحمة الله الممثلة (بموقف الأب) الواسعة للخلاص عبر الغفران والشفاء الداخلي .

 

من قراءتنا لهذا النص نراجع حياتنا ايَ نحن في هذا المثل ؟ من الذي يمثلنا ؟ هل الاخ الاكبر ام الاصغر ؟ .

 

هذا المثل يعطينا صورة عن محبة الله الفائقة للانسان والتي جعلت الله يتجسد بيسوع المسيح ويأتي على الارض ، ليبحث عن الخاطئ ويخلصه بشرط ان يقبل الخاطئ خلاص الله بان يتوب ويرجع الى الله .

 

ان الله يفرح فرحا عظيما عند رجوع الانسان اليه فيخصله ويتعامل معه بحرارة حب الله.

 

لماذا يفرح الله بخلاص الانسان الخاطئ؟  ذلك بالرغم من خطيئة شوهت الانسان وجعلت عداوة بين الله والانسان ، ولكن الانسان ظل محبوبا من الله ولا يريد له الهلاك .

 

الابن الاصغر اخطأ مرتين ،

الاولى: عندما اراد ان يبتعد عن ابيه ، فكان لا يعرف مقدار محبة الأب له ولا يدرك قيمة وجوده في بيت ابيه، وقيمة قربه منه . فاراد ان يبتعد وينعزل عن ابيه بان طلب الميراث .

 

الخطأ الثاني : اذاً هو طلب الميراث وهذا معناه الخروج عن سلطة الأب ، وعدم احترامه كرأس للعائلة ، حيث كان هذا جرح للأب ، لان الميراث يُقسم عادة بعد وفاة الأب او بموافقته في حياته ، وبهذا يعلن الابن الاصغر موت الأب وهو لا يزال على قيد الحياة .

بعبارة اخرى كأن يقول له : انت ميت بالنسبة لي فاعطيني نصيبي من الميراث.

 

فانقطعت العلاقة بين الابن الاصغر وابيه ، حيث ابتعد بعيدا عنه  فضيَع الابن الميراث فاحسَ بالحاجة ، فذهب الى شخص في تلك البلاد وارسله لكي يرعى الخنازير .

 

وكان احقر عمل يقوم به الانسان هو رعاية الخنازير ، مَن يصدق فالابن قد سقط في الحضيض .

 

نتيجة خطيئة الابن الاصغر هي الانحدار من الشبع الى العوز ، ومن دسم في بيت ابيه الى خرنوب الخنازير .

خطيئة الابن الاصغر جعلته يحس بالمذلة والمرارة وبالحرمان فتذكر العبيد عند ابيه كم هم يتمتعون بالعيش الكريم اكثر منه .

 

احسَ بحب ابيه ومتذكرا حالة بيت ابيه ، فتحول راجعا الى ابيه ( فرجع الى نفسه ) وهذه هي التوبة  . كان يتوقع من ابيه التوبيخ أو الغضب حين يلقاه بهذه الحالة. فقرر ان يقول له : اخطأت الى السماء واليك .

 

لكن تفاجأ بابيه وردة فعله ، يقول لنا الانجيل ، اذ كان اي ( الابن ) بعيدا رآه ابوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله وقال ابني كان ضالا فوجد .

 

ان الأب شعر بالخسارة حينما تركه ابنه وغادر ، وعند اللقاء من الجديد ، لم يعط الأب بان يكمل الابن قوله بان يكون خادما يعيش مثل العبيد عند ابيه ، فقاطعه وقال للخدام ان يخرجوا له احلى الثياب.

 

ان مجرد اعتراف الابن الاصغر بخطأه نحو ابيه واخيه نال غفران ، لذلك وقع الاب على عنقه وقبله ، فقبلة الأب لا تدل فقط على محبته القلبية لابنه ، بل مبادرة للمصالحة .

فعندما يرى الله اصرار الخاطئ على ترك الماضي والذهاب اليه يتدخل فيغيره ويجدده ، وهذه هي الولادة الجديدة التي تسمى التوبة الحقيقية .

 

اذاً القرار الذي اتخذه الابن الاصغر بالعودة الى ابيه وضعه في موضع التنفيذ ( فقام ومضى) كما يقول الانجيل . ان فعل قام هو نفس الفعل الذي يرتبط بقيامة المسيح من بين الاموات .

 

اذا لقد تمم هذا الابن في حياته قيامة يسوع المسيح بطريقة شخصية وروحية ، تغلب على الشر وعلى خطيئة واختار الخلاص والعودة الى بيت ابيه .

 

ما هي نتائج العودة او الولادة الجديدة اي التوبة؟

 

غير قبلات حب بحضن الله الابدي .لبس افضل ثياب ، الثوب الاول . معنى الثوب هو رمز للكرامة الملوكية وايضا كلمة الثوب الاول تشير الى رغبة الأب باعادة الابن الى المقام الاول الذي كان يملكه اي اعادته الى مكانه الاول . صار ابنا من جديد ولم يعد متمردا او غريبا .

 

ثانيا: الباسه خاتم . والخاتم هو رمز للسلطة ، فهو اشارة لانتماء الابن الى العائلة والمشاركة في السلطة الابوية . فالخاتم هو الختم ، به كان يصار الى ختم كل الرسائل والمعاملات في العالم القديم . بهذا اشرك الأب ابنه بادارة بيته .

 

ثالثا : ارتداء الحذاء: الحذاء يرتديه المواطن الحر ، اما العبد فيسير حافي القدمين. وايضا يشير الى عودة الحرية الى الابن بعودته الى ابيه .

 

رابعا: امر الأب بذبح العجل المسمن . ما كان يذبح العجل الا في مناسبات بغاية الاهمية مثلا : عند ضرورة تقديم  ذبيحة للرب ، او لتكريم ضيف بغاية الاهمية . ( ضيافة ابراهيم )

 

اذا ذُبح العجل للفرح وللاحتفال ، وهذه صورة للفرح الرب بقيامة الابن الميت وعودته الى الحياة ومشاركته من جديد فرح البيت الوالدي .

 

ايها الاحباء: لماذا لم يفرح الاخ الاكبر لاخيه الاصغربعودته؟

 

في النصي الانجيلي كُشف لنا عن الحاجة الضرورية للابن الاكبر للشفاء والتطهير الداخلي من كل مشاكله النفسية التي تجلت وظهرت في غضبه ورفضه ان يدخل الى البيت ويشارك الجميع بفرحة عودة اخيه الضال .

 لام وعاتب ابيه فقال له : " خدمتك كل هذه السنين  وماعصيت لك امرا فما اعطيتني جديا لافرح به مع اصحابي" .

 

هذا الابن الاكبر حول علاقته مع ابيه ، علاقة عبد بخالقه وبالاحرى علاقة مرؤوس برب عمله ، الذي طالما اطاعه وخدمه ، وفي المقابل يطالب باستحقاقاته.

 

ومن المظاهر المرضية عند الابن الاكبر هي الغيرة من اخيه وعدم المغفرة له وايضا ادانته لاخيه .

 

الأب احترم حرية ابنه الاكبر فلم يجيره على الدخول ، بل بادر هو كعادته فخرج الى ابنه الصاخب ممتصا لغضبه ، راجيا اياه الدخول معه الى بيتهم .

 

كان الأب متفهما لموقف ابنه الاكبر مسامحا اياه بسبب جهله ، ومظهر له الكثير من الحب والاحتضان : " يا بني انت معي في كل حين ، وكل ما هو لي فهو لك "

 

الأب الحكيم هذا، يوجه دعوة ثانية للابن الاكبر لمشاركته فرحه بعودة اخيه الى البيت الوالدي ، هنا ينقل الأب الابن من المفهوم العدالة الانتقامية الى المنطق الالهي للعدالة التي تعانق السلام والمحبة والغفران .

 

هنا يصبح الابن الاكبر مدعوا لا لقبول عودة اخيه فقط بل للفرح لقيامة اخيه من بين الاموات ، فيصبح الابن الاكبر مشاركا لابيه في خلاص اخيه الاصغر .

 

ايها الاحباء :

 

بالحقيقة لم تكن المشكلة الابنين الطمع بميراث ابيهم ، بل بالتمركز والتموضع على الذات اي الانانية والكبرياء.

 الابن الاصغر كان يبحث عن حريته وتحقيق ذاته ، هو ليس خطأ لكن الخطأ انه ارادها بالاستغناء عن ابيه ، ولهذا فشل وسقط .

 

اما الابن الاكبر كان يبحث عن حب ابيه وعن مكانته عند ابيه ، وهذا ليس الخطأ لكن الخطأ انه ارادها بالاستغناء عن اخيه ، ولهذا لم ينظر الأب الى خطايا ولديه ليغفر لهما ، بل انه بدافع حبه النقي نظر الى حاجتهما وسدد هذا الاحتياج .

نظر لحاجة ابنه الاصغر للحب والاحتضان والقيمة عندما رجع اليه تائبا فاحتضنه, ونظر لحاجة الابن الاكبر في الشفاء الداخلي فرافقه .

 

اخيرا : ألا اعطانا الله ان نكون توَابين وتائبين وان نكون محبين وحاضنين اخينا الانسان الاخر ، وان نُشفى من خطايانا وامراضنا المتمثلة بكبريائنا و انانياتنا .

متذكرين اننا مهما ابتعدنا واخطانا انه هناك على باب القلب أبا رحوما شفوقا عادلا  يقرع وينادي :

" تعالوا ايها المتعبين والمثقلين لكي انا اريحكم " .

 

لذلك لا تنسوا يا احبتي بعد صلاة الغروب يوم احد الغفران ان تقولوا من كل القلب لكل اخ سامحيني يا اخي لاجل المسيح ، وفي هذا تواضع يفترض ان نكون قد تعلمناه من العشار الاسبوع الماضي. امين

 

 


عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +