وبِرَحمَتِكَ تُدَمر أَعْدائي و تُهلِكُ جَميعَ الَّذينَ يُضايِقونَ نَفْسي لأَنِّي أَنا عَبدُكَ (مز 143 /12)
رؤيـة الله " وجهـك يا ربّ أنا ألتمس " - المتروبوليت بولـس
رؤيــة الله
"وجهـــك يــا ربّ أنــا ألتمــــس"
المتروبوليت بولــــس متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما
يروي النصّ الإنجيليّ لنا حواراً بين فيلبس ونثنائيل. موضوع هذا الحوار ومركزه هو المسيح، فيخبر فيليبس نثائيل أنّنا "قد وجدنا المُنتظر والمكتوب عنه في كتب موسى والأنبياء"، إنّه يسوع.
ما الذي يربط هذا النصّ بعيد رفع الأيقونات اليوم، أو كما يسمّى أحد الأرثوذكسيّة؟ لو أنّنا استبدلنا موضوع الحوار، أي "وجدنا يسوع"، بكلمة تكرّرت في النصّ أكثر وهي (نظرنا)، لأدركنا كيف تربط الكنيسة هذا النصّ بعيد رفع الأيقونات.
إنَّ أكثر فعل يمرّ بالنصّ هو ما يتعلّق بالرؤية والنظر، إنّه نصّ إنجيليّ يقدِّس العيون. فتتكرّر عبارة: "رأى" و"نظر" و"انظر" بمشتقاتها سبعَ مرّات.
"الله لم يرَه أحد قطّ"، ولكنّ هذه الرغبة برؤية الله كانت أبداً الشوق الإنسانـيّ الملتهب طيلة العهد القديم، ولكنّها رغبة لم تتحقّق. إنَّ أجلى تجليات الله لرجال العهد القديم كانت مع موسى وإيليا.
وعلى طلب موسى: "أرِني مجدك" أجابه الله: "أظلّلك بيدَيّ إبَّان اجتيازي أما وجهي فلا يُرى" (خروج 33، 18-23).
وأمَّا إيليا فســــمع صوتاً فقط (1 ملوك 19، 13). وهكذا راح الله يكشف ذاته للناس أكثر فأكثر بطرق مختلفة، إلى أن حان ملء الزمان واستطاع إنسانٌ كفيليبس أن يقول لنثنائيل:
"تعالَ وانظرْ (الله)" يسوع. ولهذا طوّب المسيح عيون التلاميذ التي رأت عن قرب ما "اشتهى أن يراه كثيرون من الأنبياء والصديقين، ولم يروه" (متى 13، 16-17 )؛ وإبراهيم رأى هذا اليوم وأنَّ هذه الرغبة البشريّة لرؤية الله قد تحقّقت ففرح وتهلّل (يوحنا8،56).
في العهد القديم، لم يكن الله قد ظهر للعيون، كان يظهر للناس بأفعاله وبتدخّلاته وقيادته للتاريخ الخلاصي، لذا حرّمت الوصايا العشر صنع أي رسم أو منحوت لله خوفاً من الوقوع في الصنمية والوثنيّة.
وما الوثنيّة إلاَّ تصنيم وتأليه لأهواء البشر، فيعبدون في الوثن أهواءهم أو مثالياتهم. الوثنيّة هي عبادة إله نحن خلقناه لذا يجوز فيها كلام الفيلسوف سارتر، أنَّ الله أكبر خدعة في حياة الإنسان، دون أن تصحّ تهمته هذه على المسيحيّة.
إله الكتاب المقدّس هو إله يكشف لنا ذاته كما هو وليس كما نظنُّه أو نريده. لذلك بعد تجسّد المسيح، الله الربّ ظهر لنا بالجسد، وصار ممكناً أن نرسم للابن أيقونة، لأنّنا قد رأيناه و"وجدناه" (يوحنا 1، 45).
لذا فالرسم الأرثوذكسي لا يُحَبِّذ رسم الآب. أما الروح فنراه بشكل حمامة (من المعموديّة) أو ألسنة ناريّة (من العنصرة) فقط.
الأيقونة هي وساطة، بمعنى أنّها أداة تصلنا بالله، الله الذي نُغيّبه عن أغلب ساعات يومنا، فتأتي الأيقونة لتُحضِرنا إلى حضرة الله وتذكّرنا بندائه: "أنا على الباب واقفٌ أقرع" (رؤيا 3، 20).
الأيقونة هي وسيط أيضاً أي في الوسط، لذلك نضعها وسط عملنا، وبيتنا، على الجدران في غرف النوم وفي غرف الجلوس، في المحفظة والكتاب وكيفما التفتنا تكون هي في الوسط. ويصير الله شيئاً فشيئاً ومن خلالها وسط الحياة.
هذا هو رباط انتصار الأرثوذكسيّة برفع الأيقونات. إنَّ الأرثوذكسيّة تعني "استقامة الرأي". والرأي هنا لا يعني المعلومات إنّما "الموقف" في الحياة. وبالتالي فالاستقامة هي استقامة المسلكيّة.
إنّها في أن نعرف الحقّ فيما نسلك وفيما نسعى إليه.
المسيحيّ الأرثوذكسيّ هو من "موقفه"، من "حياته" مستقيم وصحيح. وهذا الموقف الصحيح ما هو إلاَّ "طلب رؤية وجه يسوع".
المسيح، هو من نسعى إليه، ومن نشتهي أن نراه. هذا هو الموقف المسيحيّ للحياة. وحين ارتفعت صورة المسيح وصور قديسيه عالياً في المجمع السابع (842م)، ارتفع معها هذا الهدف واضحاً.
والأيقونات المرفوعة في المنازل والكنائس ما هي إلاَّ دفع لهذا الهدف نحو مساره القويم والصحيح.
ورؤية الأيقونة، رؤية المسيح، يجب أن تترافق مع "طهارة القلب" لأنّه "طوبى لأنقياء القلوب فهم يعاينون الله". لذا فإنَّ طهارة المسلك تجعلنا نرى الأيقونة فعلاً. كما أنَّ رؤية الأيقونة تهذب وتعففّ فينا المسلك. وهذا هو الإكرام والسجود الحقيقيّ للأيقونات.
فبأيقونتك الطاهرة لك نسجد أيّها الصالح
لأنّه "لله وحده تسجدْ وإياه وحده تعبدْ" (متى 4، 10).
آميــن