فقالَ لَهم يسوع: الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِذا لم تَأكُلوا جَسدَ ابنِ الإِنسانِ وتَشرَبوا دَمَه فلَن تَكونَ فيكُمُ الحَياة (يو 6 /53)
وستعرفون الحق و الحق يحرركم الفصل(6) ديانة جديدة
وستعرفون الحق والحق يحرركم
الفصل السادس:
ديانةٌ جديدة
بولس الرسول في رسالته الى غلاطية عالج
مسألة العلاقة بين الناموس والمسيح فقال في الناموس أنّه كان مؤدِّبنا الى المسيح،
اللفظة اليونانية Pedagogue تُستعمل للعبيد
الذين كانوا يهتمّون بالأولاد.
إذاً الناموس طفلٌ إستعبدنا كما يقول
بولس ولكن في النهاية إنتهت أزمنة العبودية وحان الزمان الذي يجب ان يظهر فيه
المسيح. ويقول بولس في الفصل الرابع: "لما حان ملء الزمان أرسل الله إبنه مولوداً من امرأة تحت
الناموس ليفتدي الذين كانوا تحت الناموس"، فكانوا
مستعبدين للناموس، الناموس إستعبد الناس فأتى المسيح يحرّرهم من الناموس والخطيئة
والعبودية والموت والجحيم وكلّ أعدائهم حتى الموت.
فإذاً الديانة اليهودية أرشدتنا الى
المسيح، وهذا صحيح، نرى فيها جميع المؤشرات التي تدل على المسيح، ولكن لما حان ملء
الزمان وعبارة "أرسل الله إبنه" عبارة ملء الزمان
تتكرر في أفسس وسواه، ما هو هذا ملء الزمان؟
تطور التاريخ برمته نحو ظهور المسيح، هيأ الله
البشر والكون كلّه لظهور المسيح، فلما حان زمان ظهوره أرسل الله إبنه مولوداً من
إمراة، وجدت هذه المراة طاهرة التي نسميها مريم العذراء وكانت مستحقةً لقبول
البشارة الإلهية بأن تحمل الرب يسوع وتلده، فكانت مغناطيساً جذب الله الى الارض.
ظهر المسيح على الارض وعاش في الناصرة مع
مريم العذراء وخطيبها يوسف النجّار، وتعلّم النجارة وصار نجاراً في الناصرة، وعرفه
أهل الناصرة بالنجّار إبن النجّار وهذا لقبه، ورَبِيَ في الناصرة ولم يخرج منها
إلا لحضور الأعياد اليهودية في القدس وذلك بعد ان صار عمره 12 سنة،
فأهل الناصرة يعرفونه أنه لم يتعلّم ولم يتثقّف
ولم يذهب الى أورشليم ليدرس الديانة في مدارسها،
فعاش نجّاراً إبن نجّار معروفاً عند أهل الناصرة
والجوار وحتى معروفاً في أورشليم كما في الفصل السابع من إنجيل يوحنا: "إنه
ناصري لم يتعلم ولم يتلقن ولم يدرس الشريعة". ولكنه في السنة الثانية عشر من
عمره جلس علماء الشريعة في الهيكل وغالبهم بنجاح لأنه ممتلأٌ من النعمة الإلهية.
يسوع المسيح في الثلاثين من عمره أتى يوحنا
المعمدان وإعتمد منه وحلّ الروح القدس عليه وشهد الآب أنه هو إبن الآب وحلّ الروح
القدس عليه ليشهد هو أيضاً أن إبن الأب هو يسوع لا يوحنا المعمدان.
حياته وطفولته مرميتان في الأناجيل فلا
حاجة لي لأن أستعيدها هنا وأكررها، فليطالعها المؤمن وغير المؤمن. ولكن المعطيات
التي يعطينا إياها العهد الجديد بالنسبة الى يسوع المسيح هي أولاً أنه إلهٌ مساوٍ
للأب والروح القدس.
فالديانة الجديدة التي أعلنها يسوع
المسيح كسرت الديانة اليهودية القائلة بالتوحيد، أي أن الله واحدٌ، فأتى يسوع
ليعلن أن الله واحدٌ في ثلاثة أقانيم. لفظة إقنوم آرامية ترجمة للفظة اليونانية Hypostasis
التي إستعملها آباء الكنيسة للتعريف بشخص ربنا يسوع المسيح، وفي اليونانية لفظة
أخرى هي بروسوبون أيّ الشخص، إقنوم وشخص لفظتان مترادفتان. العهد الجديد كشف لنا
الثالوث القدوس.
العهد القديم كشف لنا الإله الواحد.
باسيلوس الكبير وكل تقليد الكنيسة الآبائي على رأي واحد، بدون الإيمان بالثالوث
القدوس لا يمكن أن يكون الإنسان مسيحياً، فالجديد الذي أتت به المسيحية هي الإيمان
بالثالوث القدوس، لم نخترع هذه العقيدة بل جاء بها العهد الجديد والعهد القديم
ضمناً، ونحن آمنا بالعهد الجديد وببشارة الرسل وبتعليم يسوع المسيح فقبلنا الإيمان
بالثالوث القدوس وإن كانت عقولنا عاجزة عن فهمه.
في كتابي "يهوه أمْ يسوع"
تركيز على لغة ربنا يسوع المسيح، لا أستطيع أن أسرد الكتاب برمته فليراجع في
مكانه، الكتاب مشهور.
الأب ميشال نجم عميد معهد اللاهوت في البلمند
سابقاً شهد بأنه لم يرى مثيلاً له لا في اليونانية ولا في العربية ولا في الفرنسية
ولا في الإنكليزية، ومع ذلك أعترف بأنه ليس كاملاً لأني لم أستطع أن أتوسع في
الموضوع مئة بالمئة، فإستشهدت بآيات عديدة في الحواشي، فلو عالجت هذه الحواشي بالتمام
لبلغ الكتاب ضعف ما هو عليه غالباً والحديث يطول.
فالأناجيل صراحة أو ضمناً تنطق بألوهة
ربنا يسوع المسيح، هذا حديث يطول، أحتاج الى شرح الأناجيل الاربعة شرحاً مطولاً
لكي أدلل منها فضلاً عن الرسائل، عن أماكن ظهور ألوهة ربنا يسوع المسيح، فهناك
مواضع عريضة جداً تبرز ألوهة ربنا يسوع المسيح، وأناجيل العهد الجديد وكل العهد
الجديد يبرز أيضاً إنسانية ربنا يسوع المسيح أي ما نسمي بالسريانية
"الناسوت" أي "طبيعة البشرية".
يسوع المسيح في الأناجيل وكل العهد
الجديد هو إبن الله، وهذه البنوّة ليست بنوّة جسدية أرضية، هي بنوّة إلهية بطريقة
إلهية. نقول روحية ولكن هي أعلى من كلمة روح، لا يفهمها الا الله نفسه. ويسوع هو
نفسه قال: "لا أحد يعرف الآب إلا الإبن ولا أحد يعرف الإبن إلا الأب"،
لذلك لا نستطيع أن نعرف كل شيء.
إستعمل العهد الجديد لفظة إبن لكي نفهم
أنه مساوٍ لأبيه وأن جوهره هو جوهر أبيه، فالولد سرّ أبيه ويشبهه، والى جانب ذلك
نقول أن هذه الولادة أزلية، فيسوع موجود قبل إبراهيم وقبل الأزل وقبل الملائكة
وقبل الكون والله صنع الكون برمته، وبه كانت الأشياء، إذاً هو موجود قبل الأشياء
كلّها، هو سرمدي لا بداية له ولا نهاية له مثل أبيه القدوس، وعلى العهد الجديد
الروح القدس إقنوما ثالثاً منبثقاً من الأب.
هذه العقيدة الثالوثية واضحة في العهد
الجديد وإذا عدنا الى فهرس الكتاب المقدّس وجدنا لفظة روح الله ترد عشرات المرات
العديدة في العهد القديم (المزمور 50 مثلاً: وروحك القدوس لا تنزعه مني)،
(المزمور 142: روحك الصالح يَهديني في أرض مستقيمة)،
(المزمور103: ترسل روحك فيخلقون). عبارة لفظة
روح في العهد القديم كثيرة جداً، في العهد الجديد هي واضحة إنها تدلّ على الثالوث
القدوس.
هذه العقيدة هي أساسية في المسيحية، لا
يمكن أن يكون الإنسان مسيحيً بدون الإيمان بالثالوث القدوس، لذلك لما أنكر آريوس
عقيدة الثالوث رفضته الكنيسة وحكمت عليه وشجبته، ولذلك فآريوس عندنا ليس هرطوقياً
فقط، هو كافرٌ وجاحدٌ، جحد الإيمان المسيحي،
لذلك الكشف الكبير إذاً هو الإيمان
بالثالوث القدوس الآب والإبن والروح القدس. آخر ما قاله يسوع لتلاميذه مسموعاً
بالأمم كلّه: " بإسم الآب والإبن والروح القدس". هذا كشف جديد إيماني
مهمّ جداً جداً، لا مسيحية بدون الإيمان بالثالوث القدوس.