لا تُسلِمْني إِلى شَهوَةِ مُضايِقيَّ فإِنَّ شُهودَ زورٍ يَنفُثونَ العُنْفَ قد قاموا علَيَّ ( مز 27 /12)
وستعرفون الحق و الحق يحرركم الفصل(22) عيوب اللسان
وستعرفون الحق والحق يحرركم
الفصل الثاني والعشرون:
عيوب اللسان
وهناك عيوب اللسان، اللسان ينطق بما في القلب. ماذا يخرج من
اللسان؟ الكذب والكذب إبن الشيطان والشيطان أبو الكذّابين كما قال يسوع في الفصل
الثامن من إنجيل يوحنا، وهناك المراوغة والخداع والمكر وتلفيق الأقذار والطعن من
الظهر بالكلام والذمّ والنميمة والوشايات والإفتراءات والمكر والرياء والنفاق
وتزوير الوقائع والحقائق ومختلف ألوان مطاعن اللسان الجحيم، وأيّة جحيم هذه
الجحيم؟ إن كتب قد لا يبتغي الحقيقة وإن نطق قد لا يبتغي الحقيقة. تحت شعارات لا
تُعدّ ولا تحصى يخفِ الحقيقة ويزوّر الحقيقة.
والتزوير أنواع، التزوير باللسان والتزوير في الكتابات، وهناك الغشّ
باللسان والغشّ في المعاملات. من هو المستقيم الذي لا يخدع ولا يرواغ ولا يكذب ولا
يغشّ؟ أين هو المستقيم؟ اللسان قد ينطق بالروح القدس وقد يكون الناطق الرسمي بإسم
الشياطين ولكن ويا للأسف الشديد اللسان أداة للشر.
القلوب غير نظيفة وغير طاهرة ولذلك تجيش دائماً بالشتائم والمسبّات
والمطاعن. الكيد موجود في القلوب، هل نفرح كثيراً إذا إُمْتِدح إنساناً أمامنا؟
أما ننقّب بالمجاهر الإلكترونية لنجد مأخذاً عليه لنقول هذا صحيح ولكن لا نستطيع
أن نتصوّر إنساناً جيداً بسهولة، نعتبر ذلك طعناً فينا، إنها الغيرة والحسد إنها
الكراهية والعداوة إنها الحزازات الموجودة في صميم الإنسان. الإنسان موبوء
داخلياً، من هو الإنسان الذي يذوب عطفاً على الآخرين بقلبه ولسانه؟ إن سجّلنا
يومياً ما يقوله الناس فكم هو الصحيح منه وكم هو الكذب منه وكم هو البريء منه؟ لا
براءة في الألسنة إلا نادراً، الألسنة ملوّثة. قد يختفي الحقد باليد ليظهر في
اللسان أيّ أن تكون أفعالنا جيّدة ظاهرياً ولكن قد ينتقل السوء الى اللسان، وقد
يجود لساننا وأعمالنا وإنّما ينتقل السوء الى أفكارنا، فسوء الأفكار هو فيضان
المساوىء. الإنسان بفكره، وفكره هو الذي يسيّره، طبعاً الفكر خاضع بنسبة كبيرة
جداً لسيطرة العواطف والأهواء والميول وكل أنواع الإنحيازات. البراءة المطلقة
مفقودة، الحياد المطلق مفقود، النزاهة المطلقة مفقودة، الإنسان عاطفي في النهاية
وعواطفنا تؤثّر علينا، وعواطفنا ليست مصبوغةً كل حين بالروح القدس لتكون صافية مئة
بالمئة فهي ملوثة بالحزازات بالإنفعالات بالتأثرات. والحسّاسون يتأثرون بسرعة من
جهة ومعقّدون في اللاشعور تحت إسم اللُّطف والتهذيب والخجل والحياء، وعلى الحرص
على عدم جرح الآخرين وإيذائهم. فإذا ما جرحنا الحسّاس رأيناه يغلي في داخله في
لاشعوره كالمرجل يحاول أن يكبت إنفعالاته عبثاً أحياناً وقد ينجح أحياناً أخرى.
الإنسان في النتيجة معقّد جداً، ليس خاطئاً بعقله فقط بل هو خاطىءٌ بإرادته
وعواطفه وكلّ كيانه وجسده يجرّه الى جهنم والنار، وهكذا هو معلّق فوق باب الجحيم
يمشي على شعرة فوق أبواب الجحيم. فهناك عيوب عديدة في الإنسان وهذه العيوب تتكاثر
مع الزمن شيئاً فشيئاً، وهناك النسيان والكبت اللذان يحولان دون معرفة الإنسان
لذاته والإنسان حريص على معرفة ذاته فالمشكلة كبيرة.
وهناك السرقات، في ميزان العدالة الإلهية السرقات لا تعدّ ولا تحصى مهما
إتخذت من القوالب السليمة إجتماعياً وقانونياً بإسم القانون تُرتكب الجرائم
العديدة. لا ضمان على الأرض، الضمانة الوحيدة هي ربنا.
السرقة أنواع ويعرف العالم اليوم أفحش أنواع السرقات التي عرفها التاريخ وهناك
اللصوص البسطاء الذين يسرقون ليمونة أو فجلة أو أي شيء من الأشياء البسيطة ولكن
هناك اللصوص الذين يسرقون الأموال الطائلة، هناك المحتالون هناك المرتشون
المختلفون الذين يختلسون أموال الدولة والمؤسسات. مَنْ هو الأمين المنصف الذي
يحافظ على مال الغير ومال الدولة ومال الكنيسة ومال المؤسسات بأمانة مطلقة؟ طبعاً
هناك أُمناء لا شك ولكن هناك مَنْ يخونون الأمانة ويختلسون تحت ألف سبب وسبب وتحت
ألف ستار وستار، وهناك المزوّرون الذين يزوّرون الأسناد والمعاملات، هناك
المزيّفون الذين يزيّفون العملة، هناك المهرّبون هناك تجار المخدرات وتجار
الممنوعات، فإساءات الإستعمال في المجتمع الإقتصادي المعاصر عديدة جداً. هناك
معلومات لها طابع الشرعية والأصولية ولكن ماذا تختفي وراءها؟ تختفي وراءها سرقات
مبطّنة، السرقات المبطّنة أكثر من السرقات العلنية، تحت أسماءٍ لا تحصى تُرتكب
السرقات التي لا تُحصى، والناس ينظرون الى السرقات البسيطة، الناس يتحاملون على
المجرمين العاديين وينسون المجرمين الكبار الذين يبلعون الجمل من الإبرة فقط. في
هذا الباب أنواع السرقة لا تُعدّ ولا تحصى، في التجارة أنواع السرقات لا تعدّ ولا
تحصى، في كل الميادين. أمّا المنافسات الدولية على الأسواق الدولية، كم فيها من
الرشوة والسرقات والإحتيالات والغشّ في المعاملات في الديون في الحسابات؟ فضلاً عن
ذلك هناك خلافات بين الأهل على المال وعلى الميراث وعلى الثروات وهناك من ينتزع
رضوان والده ليحرم إخوته من حقوقهم وميراثهم.
والظلم[2] موجود على نطاق واسع والرب يسوع نفسه قال
إعملوا لكم أصدقاء من مال الظلم، المال لا يأتي بالحلال مئة بالمئة فالظلم كبير
جداً ولذلك نصحنا يسوع المسيح أن نتصدّق به. لولا المحاكم وأجهزة الدولة مَنْ كان
يستطيع أن يحمي البشر من العدوان المتبادل. الخوف من السلطة يضبط الناس، إن غابت
السلطة إنتشرت الفوضى وأكل الناس بعضهم بعضاً كما يأكل السمك الكبير السمك الصغير.
لست متفائلاً ولكن خلال عمرٍ طويل في المحاماة ومشاكل الحياة، خَبِرتُ ما
في المجتمع من مساوئ لا تُحصى، ووجدتُ أن الثقة كل الثقة لها محطّ واحد هو
الأتقياء الأفاضل الكاملين، ليس كلّ من رسم الصليب على وجهه هو كامل ولكن هناك
أناس كاملون حقيقة لا يتصرّفون إلاّ بضميرٍ حيّ شديد النفاذ، لا يلمسون حجراً إلا
بضمير نقي طاهر ومع ذلك لا أستطيع أن أجزم بأن هؤلاء كاملون مئة بالمئة لانّ الضعف
البشري محيطٌ بنا. ولذلك لا ضمان في الإنسان.
قد تكون مثلاً ثقتي لبطرس كاملة مئة بالمئة، قد يقنع الشيطان أحدهم وهو
مقرّبٌ إليه، فيوحي إليه بأنّ في بطرس الشائبة الفلانية وأنا إنسان ضعيف لدي
إستعداد للإرتياب، فقد أرتاب بصديقي هذا وقد أخجل فلا أعاتبه. ولذلك الكمال على
الأرض مستحيل بسبب الضعف العام. ما من إنسان كامل، كلّ البشر مصابون بنوع من
الضعف. أنواع الضعف في البشر عديدة جداً جداً. قد تكون إمرأة وفية مئة بالمئة
ويقنعها الشيطان ويستغرب الزوج هذه المرأة الأمينة مئة بالمئة كيف خدعها الشيء
الآخر. الشيطان موجود والضعف البشري موجود. سنكسار كان كاهن صديق لعلمانيٍ صداقةً
متينةً جداً، إختلفا وتعرّض الكاهن للإستشهاد، ذهب العلمانيّ وراءه يطلب السماح،
رفض السماح، وصل الى منبر الإستشهاد أنكر الكاهن المسيح وإستشهد العلماني. لا مجال
لكي أروي ما أعرف من حوادث الغدر والخيانة والوشايات وما جرت وراءها من متاعب. روى
لي موظّف عتيق رواية عن وشاية غريبة، يتيم رَبِيَ في حجر عمّه فصار صهر عمّه
وساكناً لديه في البيت، وشى بعمه. هذا نموذج من نماذج عديدة أعرفها وهناك ما هو
أخطر منها بكثير.
ابتلاني الله بالمحاماة ولكن كانت فرصة لإختبار هذا العالم وهذا الكون
وإختبار البشر ودراسة أحوالهم وأوضاعهم والتعرّف الى الطبيعة البشرية في عظمتها
وفي ذلّها. أعود فأقول لستُ متشائماً وأنا أؤمن بأن الإنسان قادر على أن يصير
قديساً شريفاً وأن يوجّه كل طاقاته الى الله، ولكنّه لا يستطيع ذلك لأن حبّ العالم
أعماه. التجربة قاسية. هذا لا شك فيه التجربة قاسية. الجسد يميل الى الرفاهية يميل
الى البحبوحة يميل الى المال يميل الى الشهوات واللذات الباطلة فيقع فريسة
الشياطين ويصير إبن جهنم. من ينقذه؟ الله وحده. ينقذه ولكن الكنيسة المسيحية ساعدت
البشر على الإرتفاع أخلاقياً وحضارياً ومدنياً، فتاريخ الكنيسة هو تاريخ صراع مع
الشياطين مع الشر مع ذوات الشر، نَجَحَتْ في ميادين عديدة وستنجحْ في المستقبل
ولكن شريطة أن تعود الى الروحانية. الإلتزام بشؤون الأرض ممكن ولكن هذا الإلتزام
يورّطنا في أمورنا الأرضية. يجب أن نضع النبرة دائماً على الروحانية.
لا أنتفع شيئاً ولو نظّمت الكون برمته مادياً أفضل تنظيمٍ ممكن إن غابت
الروحانية عن ذلك. لستُ ضدّ الخدمات الإجتماعية ولست ضدّ المؤسسات الإجتماعية ولكن
بشرط أن تكون الروحانية هي الأساس. ولستُ ضدّ العلم فأنا مع العلم ولكن شريطة أن
لا يكون العلم أداة للإلحاد والكفر والزندقة والرزيلة وأن يكون الطب أداةً لإرتكاب
المخالفات ضدّ الدين. كل شيء يجب أن يكون محكوم بالأوامر الإلهية وأن يعود بالفائدة
على الإنسان روحياً. فالتطور البشري والحضاري جيّد بشرط أن يعود بالفائدة الروحية
على الإنسان.
ما الفائدة لو غزى البشر الكواكب جميعاً وصنعوا منها مساكن لهم ولحضاراتهم
إن ذهبوا الى جهنم؟ العلم الحضارة الطب الثقافة المركبات الفضائية العلوم الفضائية
كل هذا جيّد ولكن بدون الروحانية لا يجدي نفعاً. نُحسّن أوضاعنا في العالم وفي
الحياة اليومية ولكن هذا لا يفيدنا شيئاً إن لم نتقدم روحياً.
فالفصل في الغرب بين العيش اليومي وبين الكنيسة يُذهب الغرب نحو الحروب
والسلاح. العودة الى الله هي الأصحّ كما جرى في روسيا وفي رومانيا وفي بلغاريا وفي
يوغوسلافيا العودة الى الله هي أفضل شيء. حضارة بدون الله جهنم، بدون الله كلّ
الإختراعات قد تكون إنفجارات قد تكون مخاطر على الإنسان. وقد رأينا في القرن
الماضي ونرى الآن تطور الأبحاث الذريّة الى أيّ مخاطر سيوصل البشرية. فلذلك الإيمان
بيسوع المسيح رباً ومخلصاً وحده ينقذ العالم اليوم من الأخطار المحدق به. بدون
يسوع المسيح كل شيء باطل.
ما الفائدة من ناطحات السحاب والمعامل والمركبات الفضائية والأجهزة العلمية
والجامعات إن كانت أعداء ليسوع المسيح؟ ستكون يوماً أداةً لدمار العالم. يسوع تنبأ
على الخراب الذي سيلحق بالعالم في آخر الأيام. كيف ستفنى الأرض ومن عليها في معمعة
لم يرى التاريخ مثلها؟ وعلمنا أنه إن عاد في ذلك الزمان فهل يرى الإيمان على
الأرض؟ فإذاً في كلام يسوع المسيح خراب الدنيا وإنعدام الإيمان يكونان قائمين
معاً، إنعدام الإيمان دليل على أن الطوفان الأخير سيأخذ الكرة الأرضية وما عليها،
ولذلك إن أردنا إنقاذ الحضارة والمدنية الحاليتين علينا أن نعيد الناس الى الله
الى الإيمان بيسوع المسيح ليعيشوا بسلام بعضهم مع بعض، ليعودوا الى بعضهم بلهفة
ومحبة وولاء، بأمانة وإستقامة وإخلاص، آنذاك يسوع يحلّ فيما بيننا لينقذنا من
الطوفان الأخير. كلام الإنجيل كلامٌ حقّ لا يفتخر. هي إفادة هذا العالم بنفوذهم
بأسلحتهم، الطوفان سيأخذهم ويأخذنا كلّنا إن لم يعود الناس الى يسوع المسيح.
العودة الى يسوع المسيح هي التي تُبعد الطوفان الأخير عنّا. وإلّا فنحن
ذاهبون الى الطوفان. الإيمان وحده هو ينقذ العالم من الطوفان. لا ينخدع أحد من
ملذات هذه الدنيا الفانية سنموت ونترك هذه الدنيا. فماذا نعمل بعد ذلك؟ يصبح
مصيرنا برمّته بيد الله. الآن قسمٌ من مصيرنا هو أمانة بين أيدينا ولكن سيأتي يوم
يخرج مصيرنا من أيدينا ونصبح قاعاً صفصعاً. فقبل فوات الأوان ترتفع العقول الى
الله. الله وحده هو الهدف الصحيح، الله وحده هو الغاية الصحيحة، كل شيء ما عدا
الله باطل، المال والحال وكل شيء.
ما دام الجسد جسداً ترابياً فما المصير؟ إذاً علينا أن نتأمّل في هذا الجسد
الترابي ونُدرك أنّه لا يجدِ نفعاً وأنّ الروح وحدها تحيي الجسد وهي وحدها خالدة
في ملكوت الله الأبدي. هل إنتفع رجال المال بأموالهم حين الوفاة؟ لا. الطبّ تقدم
كثيراً وأطال حياة البشر ويساعدنا على الشفاء هذا مفيد ولكن، لماذا الشفاء إذا كنت
سأذهب الى جهنم؟ وما الفائدة من الحياة إذا كنت سأذهب الى جهنم؟ هذه الحياة
الباطلة، هذا العالم باطل، هذا العالم سيزول ويبقى ربنا والمؤمنون الصالحون الذين
يعيشون له ويكرّسون حياتهم له. أنا لست ضدّ الحضارة والثقافة والعلم والفلسفة
والمدنية والإختراعات وكلّ ما هو قائم على وجه الأرض، ولكنّي ضدّ الإلحاد والكفر
والزندقة والفرّيسين والنفاق والدّجل والإبتعاد عن الله. أنا مع كل الحضارة
والمدنية والثقافة إن كان الإيمان يعزّزه. بدون الإيمان كل شيء فارغ. الى أين
نذهب؟ بدون المحبة يكون قلبي حجراً وأكون إنساناً فاقداً الإنسانية، وبدون الرجاء
في ملكوت السماء وظهوره المجيد أكون إنساناً بلا رجاء في الحياة، تكون الطرق
مسدودة أمامي.
أرجو يسوع المسيح الذي سيظهر ليَدين البشر ويُحاسب كلّ واحداً على أعماله.
فإذاً أنا مطمئنّ مرتاح البال لأنّي أعرف انّه بيسوع المسيح سيكون لي الخلود ولكن
بدونه سيكون لي الهلاك. لا مهرب من مواجهة يسوع في يوم الدينونة ولذلك عليّ أن
أجهّز نفسي منذ الآن لذلك المصير الثاني. عالم الحيوان يذهب هباءً منثوراً، عالم
الإنسان مستمرٌ في ملكوت الله ولذلك بإيماني بالله سأُخضع جسدي لروحي وأعيش روحياً
قدر المستطاع مسبِّحاً الله وممجِّداً إيّاه في الليل والنهار في كلّ حين رافعاً
له آيات الشكر لأنه صنعني وحواني وإحتفظ بي وجعلني خادماً له وأهّلني لأن أعيش مع
الروح في ملكوتٍ أبديٍ لا يضمحلّ ولا يفنى. يسوع المسيح هو الأمل والرجاء.