في الأمورِ الكبيرَةِ والصَّغيرَةِ لا تَخطأ ولا تَنْقَلِبْ مِن صَديقٍ إِلى عَدُوّ (سي 5/ 15)
الكاهن الزارع - المطران جاورجيوس
الكاهن الزارع
المطران جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
خرج الزارع ليزرع.
كل ما يعرفه الكاهن عن عمله انه يزرع. احيانا يرى الحصاد في نفس هذا وذاك. ولكن الحصاد في الرعية رؤيته صعبة. لا يوجد حصاد جماعي إلا في اليوم الأخير حتى تَصْدُق الكلمة:
واحد يزرع وآخر يحصد (يوحنا 37:4).
الحقيقة ان المسيح هو الحصّاد الكبير ونحن نعمل له. صاحب الصناعة وحده يعرف نتيجة عمله لأنه ملموس. الطبيب كذلك. اما الشاعر فلا يعرف شيئا لأن عمله غير ملموس. كذلك الكاهن الذي قبِل أن يأخذه الكهنوت. انه يعمل ولا يعرف أنه يغيّر الناس.
وفي افضل الأحوال الملموسات قليلة جدا. تعزية الكاهن في السماء وانه هنا فقط يزرع
انه يُسلم رعيته الى المسيح الذي يرعاها من فوق. ان سقوطنا الكبير يدلّ على ان السيّد وحده هو الراعي الصالح. غير انه هو القائل لتلاميذه: اذهبوا وتلمذوا اي اذا قبلتم الذهاب (او العمل) جعلتُكم انا قادرين ان تجعلوا لي تلاميذ.
هم ليسوا تلاميذ عندكم. انهم لي.
افرحوا ليس لأن بعض الناس يجتمعون حولكم، ولكن افرحوا اذا استطعتم ان تجعلوهم حولي فالكلمة ليـست لكـم. هـي لي. واذا قـدرتـم ان تُخْلصوا لي، اي أن تصبح كلمتكم هي اياها كلمتي، تكونون عندئذ زارعين اذ ان الزرع هو انا.
اذكروا انكم لا تزرعون الا اذا كان الزرع بين أيديكم وودعتموه في الأرض. يمكن ان تكونوا عظماء في المعرفة وتبقى فيكم كما يكون الحَب عند الفلاّح ولا يأخذه الى الحقل.
العارف يحتاج الى المحبة. هي التي تزرع وترمي الحبوب في أرض متقبلة. واذا لم يعمل الراعي شيئا وطلع حصاد، يكون الرب نفسه هو الزارع والحاصد، والراعي الأرضي يُدان.
هل انت، ايها الكاهن، زارع كبير؟ كل عمل تقوم به جيدا مثل خدمة إلهيّة متقنة هي زرع. قداس تقيمه بخشوع، بلفظ جيد، بانخطاف الى الله ينزل في القلوب.
هذا زرع. كل صلاة غير مسلوقة زرع. الصلاة المسلوقة تدمير للمؤمنين.
كل غضب على المؤمنين وإهمال لسماعهم اذا جاؤوك دمار. مرات تزرع، ومرات تبيد الزرع. ولكن خارج كل خدمة إلهيّة سلوكك الطاهر، الوديع، الذي لا عشق فيه للمال زرع جيد.
إذا رأيت نفسًا متقبّلة لعطائك ولم تلبّها، فأنت متلف للزرع. المشكلة انك لا تستطيع ان تنسحب من الخدمة. انت كاهن الى الأبد. اذا دُعي شاب الى خدمة العَلَم، لا يستطيع أن يهرب. عليه ان يتعلّم الحرب. رسموك وربما لم تكن مستحقا، او بعد أن كنت مستحقا سقطتَ.
لا تستطيع ان تهرب. تنمو من النقطة التي وصلت اليها. تُقوّم ما اعوجّ فيك. تحصل على ما كنت فاقده. تستعيد ما خسرته بسقطات متراكمة. الله وَضَع الرجاء لكي يخلّص كل انسان.
لا تضيّع الفرصة لخلاصك لئلا تدان بشدة. فهناك خطايا الارتكاب الفعلي، وهناك خطايا الغفلة. إن غفلت ما كان عليك ان تقوم به فتُحاسَب كما لو انك ارتكبت. اقرأ انجيلك كل يوم.
واذا آمنت بواحد من زملائك وعَرفتَ انه أفضل منك، فاذهب اليه واكشف له ضعفك فيعضدك ويحافظ عليك فتصير أحسن وتزرع من جديد. ولا مانع ان تكشف نفسك لرجل تقيّ وفهيم وناضج من رعيّتك او غيرها فتحصل لك قيامة كأنها معمودية جديدة.
لا حدود لحجم الزرع ولا حدود لخصب الأرض. معنى ذلك ان الجهاد مطلوب منك باستمرار. وتبقى غير شاهد للحصاد. تتعزى بالزرع لا بالحصاد لأن هذا سيُعرف في اليوم الأخير. سلّم نفسك ليسوع لتصير انسانا جديدا.