ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، أما من قال على الروح القدس، فلن يغفر له لا في هذه الدنيا و لا في الآخرة ( مت 12 /32)
زمن القيامة - التنشئة المسيحية 2008 - البطريرك بشارة الراعي
زمن القيامة
التنشئة المسيحية
2008
عيد الفصح
الله يهب ذاته لحياة العالم
فصح الرب يسوع هو تذكار موته وقيامته من بين الاموات لفداء العالم وحياته الجديدة. وهو تحقيقها الدائم وتأوينهما في سرّ الافخارستيا. هذا الاسبوع يسمى عظيماً، لان فيه تمّت عظائم الله لخلاص الجنس البشري، ويسمى الوصول الى الميناء، بعد اربعين يوماً من الجهاد الجسدي والروحي والصلاة والتصدّق والتوبة، لنعبر مع الفصح الى حياة جديدة.
لفظة "فصح" تعني قديماً عبور الله على بيوت العبرانيين في مصر وانقاذها، في الوقت الذي ضرب فيه بيوت المصريين (خروج 12/27،23،13). وعبورهم، على يد الله القديرة بقيادة موسى، البحر الاحمر، وهو عبور من عبودية مصر الى حرية ارض الميعاد (خروج23/15). فكان عيد الفصح في العهد القديم.
في العهد الجديد، لفظة فصح تعني عبور الرب يسوع من هذا العالم الى الآب بموته وقيامته (يو13/1)، وعبور شعب الله من حال الخطيئة الى حال النعمة مع المسيح (روم6/3-11؛ كولسي 2/12). فكان الفصح المسيحي، وهو احتفال يتميز بثلاثة: التذكار والتأوين والانتظار.
نحتفل بذكرى التحرير من الخطيئة والموت، ونتّحد بالمسيح المصلوب والقائم من بين الاموات بنعمة الاسرار المقدسة ، فنموت معه عن الخطيئة ونقوم معه لحياة جديدة، ونسعى الى ان نشاركه في مجد الحياة الالهية في السماء، منتظرين بالرجاء مجيئه الثاني بالمجد. هذا هو سرّ الفصح المؤلف من عظائم خميس الاسرار والجمعة العظيمة واحد القيامة.
اولا، فصح الرب
1. خميس الاسرار: استباق الموت والقيامة واستمراريتهما بتأسيس سرّي القربان والكهنوت.
من انجيل القديس لوقا 22/7-20
وحَلَّ يَوْمُ الفَطِير، الَّذي يَجِبُ أَنْ يُذبَحَ حَمَلُ الفِصْحِ فِيه، فَأَرْسَلَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلاً: "إِذْهَبَا فَأَعِدَّا لَنَا عَشَاءَ الفِصْحِ لِنَأْكُلَهُ". فقَالا لَهُ: "أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّهُ؟". فقَالَ لَهُمَا: "مَا إِنْ تَدْخُلا الـمَدِينَةَ حَتَّى يَلْقَاكُمَا رَجُلٌ يَحْمِلُ جَرَّةَ مَاء، فاتْبَعَاهُ إِلى البَيْتِ الَّذي يَدْخُلُهُ.وَقُولا لِرَبِّ البَيْت: أَلْمُعَلِّمُ يَقُولُ لَكَ: أَيْنَ القَاعَةُ الَّتي آكُلُ فِيهَا عَشَاءَ الفِصْحِ مَعَ تَلامِيذِي؟ وَهُوَ يُريكُمَا عِلِّيَةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَة، فَأَعِدَّاهُ هُنَاك". فذَهَبَا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا، وأَعَدَّا عَشَاءَ الفِصْح. ولَمَّا حَانَتِ السَّاعَة، اتَّكَأَ يَسُوعُ وَمَعَهُ الرُّسُل، فقَالَ لَهُم: "شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هـذَا الفِصْحَ مَعَكُم قَبْلَ آلامي! فَإِنِّي أَقُولُ لَكُم: لَنْ آكُلَهُ بَعْدَ اليَومِ إِلَى أَنْ يَتِمَّ في مَلَكُوتِ الله". ثمَّ أَخَذَ كَأْسًا، وَشَكَرَ، وَقَال: "خُذُوا هـذِهِ الكَأْسَ واقتَسِمُوهَا بَيْنَكُم. فَإِنِّي أَقُولُ لَكُم: لَنْ أَشْرَبَ عَصِيرَ الكَرْمَة، مُنْذُ الآن، إِلى أَنْ يَأْتِيَ مَلَكُوتُ الله". ثُمَّ أَخَذَ خُبْزًا، وَشَكَرَ، وَكَسَرَ، وَنَاوَلَهُم قَائلاً: "هـذَا هُوَ جَسَدِي الَّذي يُبْذَلُ مِنْ أَجْلِكُم. إِصْنَعُوا هـذَا لِذِكْرِي". وكَذـلِكَ أَخَذَ الكَأْسَ بَعْدَ العَشَاءِ وَقَال: "هـذِهِ الكَأْسُ هِيَ العَهْدُ الـجَدِيدُ بِدَمِي، الَّذي يُهْرَقُ مِنْ أَجْلِكُم.
الافخارستيا او سرّ القربان لفظة يونانية تعني " تقديم الشكر"، ومأخوذة من تأسيس السّر عندما أخذ يسوع الخبز والكأس وشكر وبارك وناول التلاميذ (متى26/26-27)، في عشائه الاخير مع تلاميذه ليلة آلامه وموته، الخميس 13 نيسان من تلك السنة، بمناسبة عشاء الفصح اليهودي، وقد حوّل فيه الخبز الى جسده والخمر الى دمه، مستبقاً ذبيحة موته على الصليب لفداء الجنس البشري، وقيامته من الموت لتبرير البشر من خطاياهم وتقديس نفوسهم بروحه القدوس. وقد أسس الكهنوت لاحياء تذكار هذا الحدث المزدوج ولجعل سرّ موته وقيامته متواصلاً بالحقيقة والفعل مدى الازمان، ولتحيق مفاعيل الفداء والمصالحة والتقديس في المؤمنين جيلاً بعد جيل. ثم اعلن مجيئه الثاني بالمجد في آخر الازمنة، من اجل اكتمال الفصح البشري في مجد السماء، كما اكتمل فصحه بالقيامة والصعود الى ابيه. فاذا بالبشرية تسير مسيرة حجّ الى الله وانتظار، من خلال الاحتفال بسرّ القربان في القداس كما اوصى الرب: " اصنعوا هذا لذكري" (لو22/19) واضاف بولس الرسول:" كلما اكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس، تذكرون موت ربنا حتى مجيئه" (1كور11/26). هذا ما درج عليه الرسل في الكنيسة الناشئة (اعمال الرسل2/46 ؛ 20/7 و11؛ 1كور10/16-17).
وبما ان سرّ الافخارستيا نبع الاسرار، والكهنوت صانعها وموزعها بفعل الثالوث القدوس، من فيض محبة الآب ونعمة الابن وحلول الروح القدس، نقول خميس الاسرار. نحتفل في هذا اليوم بعيد تأسيس سرّي القربان والكهنوت: فيُعرض القربان في كل الكنائس للعبادة والسجود للرب الحاضر في الافخارستيا ذبيحةَ فداء ووليمةَ خلاص، ولتذكار فصح الرب؛ ويزور المسيحيون سبع كنائس، اكراماً لاسرار الخلاص السبعة. ويحتفل الكهنة مع اسقفهم بتجديد عهود الكهنوت التي قطعوها في الرسامة.
نجد نصوص تأسيس سرّ الافخارستيا في انجيل متى ( 26/20-29) ومرقس (14/17-25)، ولوقا (26/14-20). في هذه النصوص المسيح يتناول مع تلاميذه عشاء الفصح اليهودي. ثم بعد العشاء يؤسس الافخارستيا، وينتقل من الفصح اليهودي الى فصح العهد الجديد. كان عشاء الفصح القديم يتم على ثلاث مراحل:
في الاولى، يبارك رب العائلة الخمر، يذوقه ثم يناول افراد عائلته ( الكأس الاولى). في الثانية، يوزع الخبز الفطير ويغمس كل واحد في صحن مشترك من صلصة الخروف. في هذا الوقت قام يسوع عن العشاء وغسل ارجل التلاميذ، ثم اعلن خيانة يهوذا الاسخريوطي، وغمس لقمة وناوله، عندها دخله الشيطان، فقال له يسوع: "افعل عاجلاً ما انت فاعل". فآخذ يهوذا اللقمة ولساعته خرج" (يو13/1-30). بعد ذلك تُوزع الخمرة ( الكأس الثانية). في المرحلة الثالثة، يلقي رب العائلة كلمة تذكير بالعبور والتحرير، ثم يُقدم حمل الفصح الذي يؤكل بارغفة من فطير بدون خمير، علامة للسرعة التي اجتاز بها الرب بيوت العبرانيين في مصر، ويأكلونه مع اعشاب مرّة تذكاراً لمرارة العبودية. اما الحمل فينبغي ان يكون بدون أي عيب، ذكراً، بعمر سنة، وان يؤكل مشوياً كما هو ولا يُكسر منه عظم (خروج12/1-46،14). بعد تناول حمل الفصح ينتهي العشاء.
ولكن درجت العادة ان بعد العشاء يأخذ رب العائلة قطعة من خبز الفطير، يكسره ويوزّعه، ثم توزع الكأس الثالثة. هذا ما فعله يسوع فبعد العشاء، أخذ خبز الفطير وشكر وبارك وكسر، محولاً اياه الى جسده، وناوله الى الرسل قائلاً: " خذوا كلوا منه كلكم، هذا هو جسدي الذي يبذل لاجلكم " ثم اخذ كأس الخمر وشكر وبارك، محوّلاً الخمر الى دمه، وناولها الى الرسل قائلاً: "خذوا اشربوا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك لاجلكم. اصنعوا هذا لذكري " (لو22/15-20). وهكذا اصبح يسوع الافخارستي فصح العهد الجديد "الذي ذُبح لاجلنا" (1كور5/7). تحققت فيه كلمة يوحنا المعمدان: " هذا هو حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم" ( يو1/29)، واليه رمزت ذبيحة ابراهيم، وقد استبدل الله ابنه اسحق بحمل ( تك22/14-19 )، فكان يسوع الكاهن والذبيحة.
***
2. الجمعة العظيمة: آلآم المسيح وموته على الصليب لفداء الجنس البشري
من انجيل القديس لوقا: 23/33-43
ولَمَّا وَصَلُوا إِلى الـمَكَانِ الـمُسَمَّى بالـجُمْجُمَة، صَلَبُوهُ هُنَاكَ هُوَ وَالـمُجْرِمَيْن، الوَاحِدَ عَنِ اليَمِينِ وَالآخَرَ عَنِ اليَسَار. وكانَ يَسُوعُ يَقُول: "أَبَتِ، إِغْفِرْ لَهُم، لأَنَّهُم لا يَدْرُونَ مَا يَفْعَلُون!". واقْتَسَمُوا بِالقُرْعَةِ ثِيَابَهُ. وكانَ الشَّعبُ وَاقِفًا يَنْظُر، أَمَّا الرُّؤَسَاءُ فَكَانُوا يَتَهَكَّمُونَ قَائِلِين: "خَلَّصَ آخَرِين، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ، إِنْ كانَ هُوَ مَسِيحَ اللهِ الـمُخْتَار!". وكَانَ الـجُنُودُ أَيْضًا يَسْخَرُون، وَهُم يَدْنُونَ مِنْهُ وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلاًّ، وَيَقُولُون: "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مَلِكَ اليَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ!". وكانَتْ أَيْضًا فَوْقَهُ لَوْحَةٌ كُتِبَ فِيهَا: "هـذَا هُوَ مَلِكُ اليَهُود". وكانَ أَحَدُ الـمُجْرِمَيْنِ الـمُعَلَّقَينِ عَلَى الصَّلِيبِ يُجَدِّفُ عَلَى يَسُوعَ قَائِلاً: "أَلَسْتَ أَنْتَ الـمَسِيح؟ خَلِّصْ نَفْسَكَ، وَخَلِّصْنَا!".َ أَجَابَ الآخَرُ وانْتَهَرَهُ قَائِلاً: "أَمَا تَخَافُ اللهَ وَأَنْتَ تَحْتَ هـذَا الـحُكْمِ نَفْسِهِ؟ فَنَحْنُ بِعَدْلٍ حُكِمَ عَلَيْنا، لأَنَّنَا نَلْقَى مَا تَسْتَوْجِبُهُ أَعْمَالُنَا، أَمَّا هـذَا الرَّجُلُ فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا سَيِّئًا!". ثُمَّ أَخَذَ يَقُول: "يا يَسُوع، أُذْكُرْنِي عِنْدَمَا تَأْتِي في مَلَكُوتِكَ!". فقَالَ لَهُ يَسُوع: "أَلـحَقَّ أَقُولُ لَكَ: أَليَومَ تَكُونُ مَعِي في الفِرْدَوس!".
في يوم الجمعة 14 نيسان من تلك السنة، صُلب يسوع بعد الظهر، قبل تناول عشاء الفصح اليهودي المألوف، لان عيد الفصح 15 نيسان كان يوم سبت، فيسمح بعشاء الفصح الخميس 13مساء كما فعل يسوع. ثمة ثلاث علامات نبوية ظهرت مع صلب يسوع: الاولى، ساعة صلب يسوع كذبيحة فداء، كانت حملان الفصح القديم تذبح في الهيكل. الثانية، عندما جاء الجند لانزال جثث المصلوبين قبل العشاء الفصحي وكسروا ساقي لص اليمين ولص الشمال، لم يكسروا ساقي يسوع لتتم شريعة حمل الفصح " لا يُكسر له عظم" (خروج12/46). الثالثة، طعن احد الجنود بحربة صدر يسوع "فجرى منه دم وماء "، للدلالة ان من دم الفداء والماء تولد الحياة الجديدة (القربان والمعمودية). وهكذا تمت نبوءة زكريا: "سينظرون الى من طعنوا" (زكريا12/10)، بمعنى ان البشرية تنظر الى المسيح المصلوب بروح الايمان والتوبة، لتنال الغفران والحياة الجديدة (انظر يو19/31-37).
من على الصليب ترك يسوع للبشرية سبع كلمات، بمثابة وصية ونهج لعيش حضارة الحب الذي "احبّ به البشر حتى النهاية " (يو13/1).وهي:
1)"الهي الهي، لماذا تركتني ؟ " (متى27/46): التضامن مع كل انسان في حمل صليب الفداء.
2) " يا ابتِ اغفر لهم لانهم لا يدرون ما يفعلون " (لو23/34): الغفران والمصالحة.
3) " اليوم تكون معي في الفردوس" (لو23/43)؛ الولادة الجديدة في الحياة الالهية.
4) " يا امرأة هذا ابنك?هذه امك " (يو9/26-27): امومة مريم للمفتدين وبنوتهم لها.
5) " انا عطشان" (يو19/28): العطش الى الخلاص وكل برّ.
6) " تمَّ كل شيء" (يو19/30): هبة الذات حتى النهاية.
7) " يا ابتِ بين يديك استودع روحي" (لو23/46): الاستراحة في كيان الله.
***
3. احد القيامة: قيامة المسيح لحياة العالم.
من انجيل القديس مرقس: 16/1-8
ولَمَّا انْقَضَى السَّبْت، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّة، ومَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوب، وسَالُومَة، طُيُوبًا لِيَأْتِينَ وَيُطَيِّبْنَ جَسَدَ يَسُوع. وفي يَوْمِ الأَحَدِ بَاكِرًا جِدًّا، أَتَيْنَ إِلى القَبْرِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْس. وكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: "مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الـحَجَرَ عَنْ بَابِ القَبْر؟". وتَفَرَّسْنَ فشَاهَدْنَ الـحَجَرَ قَدْ دُحْرِج، وكَانَ كَبِيرًا جِدًّا. ودَخَلْنَ القَبْر، فَرَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ اليَمِين، مُتَوَشِّحًا حُلَّةً بَيْضَاء، فَانْذَهَلْنَ.َفقَالَ لَهُنَّ: "لا تَنْذَهِلْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الـمَصْلُوب. إِنَّهُ قَام، وَهُوَ لَيْسَ هُنَا. وهَا هُوَ الـمَكَانُ الَّذي وَضَعُوهُ فِيه. أَلا اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلامِيذِهِ وَلِبُطْرُس: إِنَّهُ يَسْبِقُكُم إِلى الـجَلِيل. وهُنَاكَ تَرَوْنَهُ، كَمَا قَالَ لَكُم".َفخَرَجْنَ مِنَ القَبْرِ وَهَرَبْنَ مِنْ شِدَّةِ الرِّعْدَةِ والذُّهُول. وَمِنْ خَوْفِهِنَّ لَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا.
حقيقة قيامة المسيح ترتكز على اربعة براهين متلازمة ومتكاملة:
1) حقيقة موت المسيح: بشهادة قائد المئة المسؤول عن عملية الصلب (متى27/45-56؛ مر15/33-41و45) وبطعن صدر يسوع بحربة جندي (لو23/44-49؛ يو19/28 وما بعدها).
2) حقيقة دفن يسوع على يد يوسف الرامي: باستلام الجثة وانزالها عن الصليب ولفّها بكفن كتان، ودفنها في قبر منقور في صخرة، ودحرجة حجر كبير على باب القبر، على مرأى من بعض النساء (لو23/50-56؛ متى27/57-61)، ثم بحراسة القبر وختم الحجر بامر من بيلاطس (متى27/62-66).
3) اكتشاف القبر الفارغ من قبل النساء اللواتي أتين باكراً صباح الاحد لتحنيط جثمان يسوع ومعهم مريم المجدلية التي انفصلت عنهن لتخبر سمعان بطرس ويوحنا (يو20/1-2)، اما الباقيات فدخلن القبر ورأين ملاكاً اخبرهن ان يسوع قام وأمرهن بنقل الخبر الى التلاميذ (متى28/1-10؛ مر16/1-8)، ثم من قبل سمعان- بطرس ويوحنا مع تفاصيل ادق (يو20/3-8)، اللفائف الملقاة والكفن الذي كان على رأسه، وكلها تدل وكأن جسد الرب تبخر دون تحريك فرأيا اللفائف والكفن من مكانها ؛ بطرس "رأى ومضى متعجباً مما جرى" (لو24/12)، اما يوحنا " فرأى وآمن" (يو20/8).
4) ظهورات يسوع بعد القيامة اولاً للمجدلية (يو20/11-18)، ثم لبطرس (لو24/34)، فتلميذي عماوس (لو24/13-35)، وللتلاميذ مجتمعين (لو24/36-49؛ يو20/19-29)، ومن بعد ذلك على بحيرة طبريا. وتواصلت الظهورات اربعين يوماً حتى صعوده الى السماء.
قيامة يسوع هي اكتمال الفصح وملء الفداء. انه حي الى الابد. التذكار يصبح تحقيقاً آنياً، والتحقيق انتظاراً. وتتواصل ثمار الفداء في النفوس، حتى نهاية الازمنة، بقوة نعمة الاسرار الخلاصية السبعة التي تنطلق من القربان وتؤدي اليه. هذا ما عناه بولس الرسول بقوله: " ان كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا اذن باطل، وايمانكم باطل ايضاً. ونكون نحن ايضاً شهوداً كذبة لله، لاننا شهدنا لله انه أقام المسيح، وهو لم يقمه. وان كان المسيح لم يقم، فايمانكم باطل، وانتم الى الآن ما زلتم في خطاياكم. ولعل الذين رقدوا بالمسيح قد هلكوا. وان كنا نرجو المسيح في هذه الدنيا فقط، فنحن أتعس الناس جميعاً. لكن المسيح قام من بين الاموات، وصار بكر الراقدين. وكما ان الموت كان بانسان واحد، كذلك بانسان واحد تكون قيامة الاموات. وكما انه بآدم يموت جميع الناس، كذلك بالمسيح جميعهم يحيون" (1كور15/14-22).
***
***
صلاة
ايها الرب يسوع القائم من الموت، انت الراعي الصالح الذي افتديتنا بموتك على الصليب لتحررنا من الخطيئة والموت. انت الخبز الحقيقي الذي يمنحنا الحياة الجديدة ويقدسنا. كن لنا الغذاء الدائم واحرسنا. أرنا الخير الاسمى في هذه الدنيا، فانت غذاؤنا في هذه الفانية. خذنا اليك، يا رب، وأجلسنا الى مائدتك، واجعلنا ورثة في عائلة القديسين، حيث نمجد ونسبّح الآب والابن والروح القدس الى الابد، آمين ( صلاة المؤتمر القرباني).
المسيح قام! حقاً قام.!
***
الاحد 30 اذار 2008
الاحد الجديد
الازمنة الجديدة وحضارة القربان
انجيل القديس يوحنا 20/26-31
وبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّام، كَانَ تَلامِيذُ يَسُوعَ ثَانِيَةً في البَيْت، وتُومَا مَعَهُم. جَاءَ يَسُوع، والأَبْوَابُ مُغْلَقَة، فَوَقَفَ في الوَسَطِ وقَال: "أَلسَّلامُ لَكُم!". ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: "هَاتِ إِصْبَعَكَ إِلى هُنَا، وانْظُرْ يَدَيَّ. وهَاتِ يَدَكَ، وضَعْهَا في جَنْبِي. ولا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ كُنْ مُؤْمِنًا!". أَجَابَ تُومَا وقَالَ لَهُ: "رَبِّي وإِلـهِي!". قَالَ لَهُ يَسُوع: "لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْت؟ طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَوا وآمَنُوا!". وصَنَعَ يَسُوعُ أَمَامَ تَلامِيذِهِ آيَاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةً لَمْ تُدَوَّنْ في هـذَا الكِتَاب. وإِنَّمَا دُوِّنَتْ هـذِهِ لِكَي تُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الـمَسِيحُ ابْنُ الله، ولِكَي تَكُونَ لَكُم، إِذَا آمَنْتُم، الـحَيَاةُ بِاسْمِهِ.
انجيل اليوم تتمة لنص سابق ( يو20/19-25) الذي يخبر ان يسوع في مساء يوم قيامته وهو الاحد، وبينما التلاميذ مجتمعون، وتوما لم يكن معهم، والابواب موصدة، خوفاًُ من اليهود، جاء يسوع ووقف بينهم... واراهم يديه وجنبه... ونفخ فيهم وقال" خذوا الروح القدس". لقد افاض عليهم من جراح صلبه الروح القدس للحياة الجديدة، وبقيامته انشأ خلقأ جديدأ. هذا هو العهد الجديد، عهد افتداء العالم: " هكذا أحب الله العالم حتى انه جاد بابنه الوحيد" (يو3/16)، جاد به الآب بالتجسد، والابن جاد بنفسه على الصليب بالفداء، والروح القدس يجود بنفسه لتقديس الانسان بثمار التجسد والفداء.
في انجيل اليوم، يسوع القائم من الموت يظهر لتوما يديه وجنبه، اسوة بالتلاميذ الآخرين، وبدون كلام نفخ فيه الروح القدس، فرأى جراح الانسان وآمن بالاله، وهتف بما اصبح هتاف ايمان الكنيسة: " ربي والهي". وينهي يوحنا الانجيلي فعلياً ثمار هذا الايمان: " من يؤمن ان يسوع المسيح هو ابن الله، كانت له باسمه الحياة الالهية (يو20/31).
الاحد الجديد بداية الازمنة الجديدة وفيها ان محبة الله تفيض على البشرية والعالم من صليب المسيح، فحيث كثرت الخطيئة فاضت نعمة الغفران للذين "ينظرون الى الذي طعنوا" ( يو19/37). من هذا المطعون بحربة الخطيئة يفيض دم وماء: ماء المعمودية للولادة الجديدة، ودم الافخارستيا لفداء الكثيرين (يو19/23-34). ظهور الرب يسوع للرسل في احد قيامته، وظهوره لتوما في الاحد التالي هو قداسه بامتيازفي بُعديه: الذبيحة بعلامات الصلب في يديه وجنبه، ووليمة الحياة الجديدة بهبة الروح القدس.
اولاً، شرح نص الانجيل
1. الاحد الجديد بداية زمن الكنيسة
بقيامة الرب يسوع من الموت وظهوره للرسل ومنحهم الروح القدس ولدت الكنيسة مثل السنبلة من حبة القمح، وتقوّت بمواهب الروح القدس، واعتذت من جسد المسيح ودمه. فكانت اسرار النشأة المسيحية الثلاثة: المعمودية والميرون والقربان. الكنيسة هي سرّ الاتحاد بالله من خلال هذه الاسرار والوحدة بين المؤمنين. ان الذين تعمدوا في جسد واحد ومُسحوا بميرون الروح القدس، يلتقون اخوة في الاحتفال بالافخارستيا التي هي "سرّ التقوى وعلامة الوحدة ورباط المحبة" (القديس اغسطينوس).
تتألف الكنيسة من عنصرين، عنصر الهي هو شركة البشر مع الله الواحد والمثلث الاقانيم عامودياً، وعنصر بشري هو شركة البشر في ما بينهم افقياً بقوة وحلول الروح القدس، الحاضر في الكنيسة والعامل فيها، كما النفس في الجسد البشري ( نور الامم، 7). وبما ان الروح القدس هو عطية الآب وثمرة صليب الابن، فالثالوث هو الحاضر والعامل في الكنيسة.
الكنيسة، جماعة الايمان والرجاء والمحبة، هي مجتمع منظمّ في العالم، يسوسه خليفة بطرس والاساقفة المتحدون به (مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق7 البند2). الاتحاد الكامل بالكنيسة هو اتحاد في بنيتها المنظورة برباط حقائق الايمان واسرار الخلاص السبعة والسلطة الكنسية التشريعية والتنفيذية والقضائية ( ق 8). وبالتالي ابناء الكنيسة المتحدون معها والمنتمون الى شركتها هم الذين يتبعون بطاعة مسيحية ما يعلنه رعاة الكنيسة، ممثلو السيد المسيح كمعلمي الايمان، وما يقرّونه كرؤساء الكنيسة ( ق15 البند1). هذه الشركة تقتضي منهم الالتزام بالرسالة المسيحية: " كما ارسلني ابي ارسلكم انا ايضاً. خذوا الروح القدس" ( يو20/21-22).
2. قداس المسيح
ظهر المسيح للرسل ثم لتوما بجسده الممجّد القائم من الموت، واراهم آثار الصليب في يديه وجنبه للدلالة الى ذبيحة الفداء على الصليب، واعطاهم الروح القدس للحياة الجديدة والرسالة كوليمة روحية. هذان هما عنصرا سرّ الافخارستيا، القداس الالهي: ذبيحة الفداء والوليمة الروحية، ومعاً يؤلفان العبادة لله في العهد الجديد.
هذا الظهور هو تواصل وتأوين وتحقيق، الآن وهنا، لهبة حياته ذبيحة فداء من اجل تحرير البشرية من الخطيئة والموت، ووليمة تمنح النعمة والحياة الجديدة. قداس المسيح يتواصل ويتحقق في كل مرة تقيم الكنيسة قداسها بسلطان الكهنوت الذي تسلمته يوم تأسيسه: " اصنعوا هذا لذكري" (لو20/19). سرّ القربان، وهو عطية الله بامتياز، يجعل حاضراً وسط الجماعة وفي الكنيسة المسيح القائم من الموت بكل حياته وسرّه الفصحي، الآلام والموت والقيامة.
ذبيحة الفداء هي عطية الله الثالوث التي تصنع مصالحة العالم مع الله بتقدمة محبة الابن حتى الموت، وبقيامته التي تثبّت انتصار المحبة الثالوثية على الخطيئة والموت.
الوليمة الروحية هي تناول جسد الرب ودمه والشركة مع الروح القدس الذي يفيض المحبة في قلوبنا، كما رنّم القديس افرام السرياني: " سمّى ربنا الخبز جسده الحي، وملاءه من ذاته ومن الروح القدس. فمن يأكل منه، انما يأكل النار والروح. خذوا كلوا كلكم جسدي ومعه الروح القدس. هذا حقاً جسدي، من يأكله يعيش الى الابد" (راجع رسالة البابا يوحنا بولس الثاني: الكنيسة من الافخارستيا تحيا،17). بتناولنا جسد الرب ودمه، نتناول المسيح، فتمتلىء النفس من نعمة الروح القدس، المحبة والوحدة، عربون المجد الآتي" (الدستور المجمعي في الليتورجيا المقدسة،47).
عبادة الله في العهد الجديد هي ذبيحة المسيح بدمه يكفّر بها عن خطايا البشر اجمعين، ويحقق مصالحتهم مع الله. هذه العبادة الحقيقية لله اعلنها بولس الرسول: " جاء المسيح رئيس كهنةٍ للخيرات المستقبلة. فدخل قدس الاقداس مرة واحدة، لا بدم التيوس والعجول، بل بدمه، فكسب لنا الخلاص الابدي. لقد قدّم ذاته الى الله بالروح الازلي قرباناً لا عيب فيه، فطهّر ضمائرنا من الاعمال الميتة لنعبد الله الحي. لذلك هو وسيط العهد الجديد، ينال به المدعوون الميراث الابدي الموعود، لانه مات كفاّرة للمعاصي التي ارتكبها الشعب" ( عبرانيين9/11-15) ( اقتباس من الوثيقة التحضيرية للمؤتمر القرباني في كيبك بكندا، القسم الاول).
عن هذه العبادة عبّر توما الرسول بهتافه: " ربي والهي!"، وتعبّر الكنيسة بلسان الجماعة المصلية عن ايمانها: " نذكر موتك يا رب، ونعترف بقيامتك، وننتظر مجيئك الثاني، فلتشمل مراحمك كلنا" ( نافور القداس).
***
ثانياً، القربان، سرّ المحبة وعطية الله لحياة العالم
في زمن الفصح نخصص القسم الثاني من التنشئة المسيحية لموضوع القربان، سرّ المحبة وعطية الله لحياة العالم. نستمده من وثيقتين: الارشاد الرسولي " سرّ المحبة" الذي اصدره قداسة البابا بندكتوس السادس عشر بتاريخ 22 شباط 2007، في اعقاب الجمعية العادية لسينودس الاساقفة حول " الافخارستيا ينبوع وذروة حياة الكنيسة ورسالتها" ( 2-23 تشرين الاول 2005)، ووثيقة التحضير للمؤتمر القرباني الدولي التاسع والاربعين الذي سينعقد في كبيك ? بكندا من 15 الى 22 حزيران 2008، بعنوان: " الافخارستيا عطية الله لحياة العالم".
1. القربان عطية الله
القربان عطية الله بامتياز، لانه هبة ذاته بالمسيح، بشخصه وبشريته المقدسة وعمله الخلاصي (الكنيسة من الافخارستيا،11). ففي القداس، نتذكر هبة المسيح ذاته وقد اعطانا جسده ودمه، ذبيحة تفتدي البشرية من الخطيئة والموت، ووليمة روحية تنقل للبشر الحياة الابدية. بتأسيس سرّ القربان أعطي لنا الحب بشخص المسيح ابن الله المتجسد، أعطي لنا الله - محبة. وفي اثناء التأسيس غسل ارجل الرسل، كهنة العهد الجديد، لكي يكونوا بدورهم عطية محبة لكل انسان، ولكي يكون كل كاهن كاهناً وذبيحة، يؤدي الخدمة الكهنوتية ويجعل من نفسه ذبيحة عطاء وبذل. وهذا ما يدعى اليه كل مسيحي بحكم المعمودية والميرون، وقد اصبح شريكاً في كهنوت المسيح العام (الوثيقة لتحضير للمؤتمر القرباني، القسم الاول: الافخارستيا، عطية الله بامتياز).