إن سقطت في خطيئة الزنا لا تبقى واقعاً أسفل. ولا تزدرِ بطول أناة الله وصبره. تذكّر أنّ الموت لن يتأخّر (سيراخ 14 / 12 )
شفاء المخلع 2009 - البطريرك بشارة الراعي
شفاء مخلع كفرناحوم
1 تيموتاوس 5/24-6/1-5
مرقس2/1-12
المسيح شافي النفوس والاجساد
آية شفاء مخلع كفرناحوم، نفساً وجسداً، بمغفرة خطاياه وشفائه من شلله رمز لكل انسان يعاني من الشلل الروحي او الجسدي، او الاثنين معاً. وترمز الآية ايضاً الى ان النصف الثاني من الصوم الكبير هو زمن الشفاء من الشلل الروحي والسير في الطريق المستقيم.
رسالة القديس بولس لهذا الاحد تصف حالة الشلل الروحي، والانجيل يعرض طريقة الشفاء منه بقوة المسيح، طبيب الارواح والاجساد.
اولاً، يوبيل القديس بولس الرسول وشرح الرسالة والانجيل
4. رسالة القديس بولس الرسول الاولى الى تلميذه تيموتاوس: 5/24-6/1-5
مِنَ الـنَّاسِ مَنْ تَكُونُ خَطَايَاهُم وَاضِحَةً قَبْلَ الـحُكمِ فِيهَا، ومِنهُم مَنْ لا تَكُونُ واضِحَةً إِلاَّ بَعْدَهُ. كذـلِكَ فَإِنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ هِيَ أَيضًا وَاضِحَة، والَّتي هيَ غَيرُ واضِحَةٍ فَلا يُمْكِنُ أَنْ تَبْقَى خَفِيَّة. على جَمِيعِ الَّذِينَ تَحْتَ نِيرِ العُبُودِيَّةِ أَنْ يَحْسَبُوا أَسْيَادَهُم أَهْلاً لِكُلِّ كَرَامَة، لِئَلاَّ يُجَدَّفَ عَلى اسْمِ اللهِ وتَعْلِيمِهِ. أَمَّا الَّذِينَ لَهُم أَسْيَادٌ مُؤْمِنُونَ فلا يَسْتَهِينُوا بِهِم، لأَنَّهُم إِخْوَة، بَلْ بِالأَحْرَى فَلْيَخْدُمُوهُم، لأَنَّ الـمُسْتَفِيدِينَ مِن خَدْمَتِهِم الطَّيِّبَةِ هُم مُؤْمِنُونَ وأَحِبَّاء، ذـلِكَ مَا يَجِبُ أَنْ تُعَلِّمَهُ وتَعِظَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ أَحدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا مُخَالِفًا، ولا يَتَمَسَّكُ بالكَلامِ الصَّحِيح، كَلامِ ربِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح، وبِالتَّعْلِيمِ الـمُوَافِقِ للتَّقْوى، فهُوَ إِنسَانٌ أَعْمَتْهُ الكِبْرِيَاء، لا يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ مُصَابٌ بَمَرَضِ الـمُجادلاتِ والـمُمَاحَكَات، الَّتي يَنْشَأُ عَنْهَا الـحَسَدُ والـخِصَامُ والتَّجْدِيفُ وسُوءُ الظَّنّ، والـمُشَاجَرَاتُ بينَ أُنَاسٍ فَاسِدِي العَقْل، زَائِفِينَ عَنِ الـحَقّ، يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوى وَسيلَةٌ لِلرِّبْح.
يصف بولس الرسول في هذه الرسالة الشلل الروحي الذي هو من نتائج الخطيئة في الانسان. فيبدأ بالتأكيد ان الخطيئة باعمالها السيئة واضحة، مثلما الاستقامة بالاعمال الصالحة واضحة ايضاً.
من كان في حالة الخطيئة فانه يقول ويعلم ما يتنافى وتعليم المسيح، فتتبين حالته في مسلكه وتصرفاته على هذا المستوى: هو انسان تعميه الكبرياء والجهل، مصاب بمرض المجادلات والمماحكات. مواقفه وتعاطيه مع الغير تدل على شلل اخلاقي يعدده بولس الرسول في انواعه: الحسد والخصام والتجديف وسوء الظن والمشاجرة وفساد العقل والانحراف عن الحق.
يحثّ بولس تلميذه تيموتاوس على الكرازة والتعليم لكي يستنير المؤمنون ويشفوا من شلل العقل الذي يحول دون معرفة الحق، وشلل الارادة الذي يفسد اخلاقية التعاطي مع الناس: " ذلك ما يجب ان نعلّمه ونعظ به" (1تيم6/2). هذا التعليم والوعظ هو واجب رعاة الكنيسة، اساقفة وكهنة، لكي يواصل المسيح شفاء النفوس من جهل الحقيقة التي أوحاها عن الله والانسان والتاريخ، ومن سوء الاخلاق الاجتماعية.
السّر المسيحي هو الايمان الذي نعلنه، والذي نحتفل به في الليتورجيا والاسرار، نعمةًً تقدس النفوس بالحياة الالهية. ان حقيقة الايمان ونعمة الاسرار تنيران اعمال المؤمنين وتعضدانها بمواهب الروح القدس والفضائل الالهية والاخلاقية. هذا السّر المسيحي، بما فيه من ايمان ونعمة واعمال مزدانة بالفضائل، هو اساس الصلاة.
2. شفاء المخلّع وما ينطوي عليه من معانٍ: مرقس2/1-12
بالشلل الروحي والاخلاقي الذي تتسبب به حالة الخطيئة يفقد الانسان قواه التي هي الايمان والرجاء والمحبة والفضائل الاخرى والقيم الاخلاقية، مثلما الشلل الجسدي يُفقد المشلول قواه الحسية والعصبية. فينحرف عقله عن الحقيقة، وتضعف ارادته في فعل الخير وتجنّب الشر، ويتعطل ضميره عن سماع صوت الله، ويميل قلبه عن المحبة لله والناس، وتتلاشى القاعدة الاخلاقية، وتنهار القيم الروحية والانسانية والاجتماعية.
نال مخلّع كفرناحوم الشفاء الشامل من المسيح بقوة ايمانه وايمان الرجال الاربعة الذي حملوه وثقبوا السقف ودلّوه مع سريره امام يسوع. هي الكنيسة تلتف حول الرب يسوع في الكنيسة، مثلما التفّ حوله جمع كفرناحوم. وبايمان تحمل اليه الكنيسة ابناءها بصلاتها وكرازتها وخدمة الاسرار، ليشفيهم. في كفرناحوم انتظر الجمع من يسوع ان يشفي المخلع، فبادر بشفاء نفسه من خطاياه، للدلالة انه اتى ليشفي الخطأة. ثم شفاه جسدياً ليعطي البرهان على انه صاحب سلطان الهي ليغفر الخطايا.
آية شفاء المخلّع تبيّن ان الخطيئة، المتأصلة في نفس الانسان، تبقى تحت سيطرة قوة الفداء الخلاصية. فالمسيح، ابن الله ووسيطه، غفر لخاطي كفرناحوم، وبذبيحته على الصليب استحق الغفران لجميع افراد الجنس البشري، مصالحاً اياهم مع الآب، وسلّم الكنيسة خدمة هذه المصالحة بواسطة الكهنوت.
الكاهن، خادم التوبة، يعمل " بشخص المسيح". ما يعني ان المسيح يمنح، بواسطة خدمة الكاهن، مغفرة الخطايا، ويبدو اخاً للانسان، حبراً رحيماً، راعياً يسعى دائماً في البحث عن النعجة الضالة، طبيباً يشفي ويقوي، معلماً أوحد يعلم الحقيقة ويرشد الى سبل الله، قاضياً للاحياء والاموات، يحكم بالحق والواقع وليس بحسب الظواهر. هذا ما يمثلّه الكاهن، وهو في كرسي الاعتراف، ما يقتضي منه ان يتحلّى بصفات انسانية كالفطنة وقوة التمييز، والحزم واللطف؛ وان يكون ذا ثقافة كاملة ومتناسقة في اللاهوت والتربية وعلم النفس ومنهجية الحوار؛ وان يسلك امام التائبين طريق التوبة والمصالحة؛ وان يشهد لخبرة حقيقية في الصلاة والفضائل الانجيلية؛ وان يكون حاضراً في كرسي الاعتراف ليوزع كنوز الكنيسة على المؤمنين اي النعمة والحياة الحق والاشعاع الروحي
" مغفورة لك خطاياك". قالها يسوع لمخلع كفرناحوم، ويقولها بفم الكاهن لكل خاطىء تحت كل سماء. فالكاهن يرفع يمينه ويرسم اشارة الصليب على التائب ويقول: " انا بالسلطان المعطى لي أحلّك من جميع خطاياك باسم الاب والابن والروح القدس". في هذه اللحظة، لحظة الحلّة السرّية، يلتقي الخاطىء النادم قوة الله ورحمته، وينال من الآم يسوع وموته وقيامته قوة خلاصية، ورحمة اقوى من الاثم والاهانة
ثانياً، الوثيقة التعليمية " كرامة الشخص البشري"
الاخصاب في الانبوب واتلاف الاجنة المتعمد (الفقرات 14-16).
هو المعضلة الثانية المتعلقة بالانجاب.
الانجاب في الانبوب ينطوي على اتلاف مقصود ومتعّمد لعدد من الاجنة الناتجة من هذا الاخصاب. هذه التقنيات تتعاطى مع الجنين البشري وكأنه مجرد كتلة خلايا قيد الاستعمال والتصنيف او الالغاء.
معروف من احصاءات مراكز الاخصاب الاصطناعي، ان ثلث النساء اللواتي يلجأن الى الاخصاب الاصطناعي يحصلن على ولد، فيما عدد الاجنة التي يُضحى بها يبلغ نسبة 80٪. من المؤسف ان يقبل الاخصائيون في تقنيات الاخصاب في الانبوب هذه الخسارات كثمن يُدفع للحصول على نتائج مرضية. ومن المقلق حقاً ان الابحاث في هذا المجال لا تعير اهتماماً حقيقياً لحق كل جنين في الحياة، بل ترمي بنوع خاص الى الحصول على نتائج افضل في نسبة الاطفال الذين يولدون نظراً لعدد النساء اللواتي يبدأن علاجاً (فقرة14).
من ناحية اخرى، تُتلف فوراً الاجنة المتكوّنة في الانبوب عندما تحمل نقصاً ما. وثمة ازواج غير عقيمين يلجأون الى الاخصاب في الانبوب فقط بهدف اختيار نوعية الاولاد. في بلدان عديدة، يصار الى تفعيل المبيض للحصول على عدد كبير من البويضات للاخصاب. فينقل عدد الاجنة الحاصلة الى الرحم، فيما الاجنة الاخرى تجمّد لاستعمالها في اخصابات مستقبلية. الغاية من نقل عدد من الاجنة هو للحصول، بقدر ما يمكن، على تعشيش جنين واحد على الاقل، وبالتالي اتلاف اخرين وتجنّب الحمْل باكثر من واحد. وهكذا يكون التعاطي مع الاجنة البشرية كادوات في تقنية النقل. في تقنيات الاخصاب في الانبوب، لا يحظى الجنين بأي احترام امام تلبية رغبة الحصول على ولد.
في كل ذلك، ويا للاسف، نشهد في الواقع تعدّيات جديدة على الحياة (فقرة15).
ان الكنيسة لا تقبل اخلاقياً بالفصل بين الانجاب والفعل الزوجي الشخصي. فالانجاب البشري فعل شخصي يقوم به الثنائي رجل وامرأة، ولا يقبل اي نوع من التعويض الى آخر. والقبول الهادىء لنسبة الاجهاض المرتفعة جداً، الناتجة من الاخصاب في الانبوب، يبين بشكل ناطق ان استبدال الفعل الزوجي يساهم في اضعاف الاحترام الضميري الواجب لكل كائن بشري، وللانجاب الذي لا يمكن حصره في البعد الانتاجي فقط. ان هذا الاحترام المزدوج تعززه حميمية الزوجين، وينعشه حبهما الزوجي المتبادل.
تعترف الكنيسة بشرعية الرغبة في الحصول على ولد، وتتفهم وجع الازواج من مشاكل العقم. لكن هذه الرغبة لا تمرّ قبل كرامة الحياة البشرية، بدرجة تجاوزها. لا تستطيع الرغبة في الحصول على ولد تبرير " انتاجه"، وكذلك الرغبة في عدم الحصول على حَبَل لا تستطيع اهمال الجنين او اتلافه.
ان بعض الباحثين، الخالين من اي قاعدة اخلاقية، والمأخوذين بالتقدم التكنولوجي، ينقادون الى منطق الرغبات الشخصية فقط، والى الضغوط المالية الشديدة خاصة في هذا المجال.
لقد اعلنت السلطة التعليمية في الكنيسة باستمرار الصفة المقدسة وغير قابلة الانتهاك العائدة لكل حياة بشربة، من الحَبَل حتى نهايتها الطبيعية. فمحبة الله لا تميّز بين الجنين في بطن امه والولد او الشاب او الرجل الناضج والمسنّ (فقرة16).
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تنقل الخطة الراعوية من النص المجمعي 14: التعليم المسيحي، تعليم المجمع حول واقع التعليم المسيحي اليوم والمرتجى (الفقرات 11-18).
1. يتأمن التعليم المسيحي اليوم في المدرسة ضمن برنامج محدد ومنظم وفقاً للصفوف. والمدرسة تشكل الاطار الأوفر والاضمن. ويتأمن نوعاً ما في المنظمات والحركات الرسولية، وعبر وسائل الاعلام الكاثوليكية مثل المجلات التعليمية واذاعة صوت المحبة وتلفزيون تليلوميار ونورسات، وفي الوعظ والاحتفالات الليتورجية، وفي مراكز التثقيف الديني.
2. لكنه ضعف جداً في العائلة بسبب قلة ثقافة الاهل، وهمومهم المعيشية، وقلة الممارسة الدينية، والروح الاستهلاكية، والبرامج الاعلامية الهدّامة (الفقرات 11-13).
3. والرعية مدعوة لتحافظ على واجبها التعليمي عبر الوعظ والارشاد والتعليم المسيحي لمختلف الفئات والاعمار. هذا الواقع يختلف بين رعية واخرى. لكنه خفّ بوجه العموم في معظم الرعايا، حيث يقتصر العمل الراعوي على قداس الاحد وبعض الممارسات الليتورجية (الفقرة 14).
4. تبقى الحاجة الى تأمين تنشئة مستمرة للراشدين وفقاً لعاداتنا وتقاليدنا. ما يقتضي وجود منشّئين ذوي ثقافة متنوعة وكافية لتخاطب مختلف فئات شعبنا. ان لوسائل الاعلام دوراً كبيراً على هذا المستوى، ينبغي الاستفادة منها باكثر ما يمكن. ولا بدّ من نشر الوثائق لهذه الغاية.
في عالم اليوم ينبغي ان تتسع تنشئة الراشدين الى القطاع المسكوني والى الحوار مع الاديان، فالى الحوار الفاعل في سبيل بناء انسانية تقبل بالتعددية واحترام هوية كل شعب (الفقرات 14-18).
***
صلاة
ايها الرب يسوع، يا طبيب النفوس والاجساد، اليك نرفع عيوننا بايمان، طالبين الشفاء الروحي للخطأة بيننا، والشفاء الحسّي للمرضى. يحملهم ويحملنا اليك ايمان الكنيسة وصلاة ابنائها في هذا الزمن المقبول، زمن الصوم الكبير. نشكرك على انك سلمت كهنة العهد الجديد سلطان النفوس الروحي، يمارسونه باسمك، وانت من خلال خدمتهم تشفي النفوس من خطاياها، بفيض من محبة الآب، وبحلول الروح القدس، مانح الحياة الجديدة. ألهم الوالدين والاطباء على احترام النظام الطبيعي الذي رتّبه الخالق لنقل الحياة البشرية عبر اتحاد الزوجين روحاً وجسداً في هبة حب من شأنها ان تعطي الحياة لكائن بشري جديد، فلا يكون هذا الكائن وليد آلات تقنية بل وليد مشاعر عميقة تطبع حياته كلها. ساعد الجميع، كلاً من موقعه على نقل تعليمك الالهي، وتعليم الكنيسة، من خلال العائلة والرعية والمدرسة ووسائل الاعلام، لكي يبلغ كل انسان الى معرفة الحقيقة وينال الخلاص، فنرفع المجد والتسبيح والشكر للآب والابن والروح القدس، الآن والى ابد الآبدين، آمين.
البطريرك بشارة الراعي