أمَّا أَنَّا فكالزَّيتونةِ الغَضَّةِ في بَيتِ الله على رَحمَةِ اللهِ توكَّلتُ مدى الدَّهرِ و للأَبد. ( مز 52 /10)
احد الشعانين 2007 - البطريرك بشارة الراعي
احد الشعانين
ملوكية يسوع خلاص وفداء
من انجيل القديس يوحنا الرسول 12/12-22
لما سمع الجمع الكثير، الذي أتى الى العيد، أن يسوع آتٍ الى أورشليم، حملوا سعف النخل، وخرجوا الى ملاقاته وهم يصرخون: " هوشعنا! مبارك الآتي باسم الرب، ملك إسرائيل". ووجد يسوع جحشاً فركب عليه، كما هو مكتوب: " لا تخافي، يا ابنة صهيون، هوذا ملكك يأتي راكباً على جحشٍ ابن أتان". وما فهم تلاميذه ذلك، اول الامر، ولكنهم تذكروا، حين دعا لعازر من القبر وأقامه من بين الاموات، كان يشهد له. من أجل هذا أيضاً لاقاه الجمع، لانهم سمعوا أنه صنع تلك الآية. فقال الفريسيون بعضهم لبعض: " انظروا: انكم لا تنفعون شيئاً! ها هو العالم قد ذهب وراءه!". وكان بين الصاعدين ليسجدوا في العيد، بعض اليونانيين. فدنا هؤلاء من فيليبس الذي من بيت صيدا الجليل، وسألوه قائلين: " يا سيد، نريد أن نرى يسوع". فجاء فيليبس وقال لاندراوس، وجاء اندراوس وفيليبس وقالا ليسوع.
***
بدخوله الى اورشليم يختتم الرب يسوع حياته العامة التي اعلن خلالها رسالته الخلاصية، تعليماً وافعالاً. ونحن نختتم مسيرة الصوم التي ادخلتنا في عمق العمل الخلاصي، فكانت عودة الى الذات بافعال التقشف والاماتة، تكفيراً عن خطايانا وتدريباً للارادة والسيطرة على الذات؛ وعودة الى الله بالاصغاء الى كلامه الحي، والتوبة عن الحياة السابقة، والمصالحة معه بالمسيح وبدء حياة جديدة؛ وعودة الى الاخوة بترميم روابط الاخوّة من خلال افعال المحبة والرحمة، وبالمصالحة بين المتنازعين. وبذلك " نصل الى الميناء" الروحي لندخل مع الرب يسوع اسبوع آلام الفداء لنموت معه ونقوم قيامة القلوب، فنحقق فصحنا بالعبور الى الحياة الجديدة، ونباشر بناء مدينة الله في مدينة الارض.
***
اولاً، مفهوم حدث الشعانين
1. ملوكية يسوع للخلاص والفداء
يسوع يدخل اورشليم لآخر مرة ليشارك في عيد الفصح اليهودي، وكان مدركاً اقتراب ساعة آلامه وموته. وخلافاً لكل المرات، لم يمنع الشعب من اعلانه ملكاً، وارتضى دخول المدينة بهتافهم: " هوشعنا? لابن داود مبارك الآتي باسم الرب، ملك اسرائيل". دخل اورشليم ليموت فيها ملكاً فادياً البشر اجمعين، وليقوم من بين الاموات ملكاً الى الابد من اجل بعث الحياة فيهم. هذا يعني انه اسلم نفسه للموت بارادته الحرّة.
علامتان سبقتا هذا الحدث الخلاصي وكلمات بيّنته. اقام لعازر من الموت فاعطى البرهان على ما سبق وانبأ عنه غير مرة: " انه يتألم ويصلب ويموت وفي اليوم الثالث يقوم". واثناء الوليمة التي اقيمت له قبل اسبوع في بيت لعازر، دهنت اخته مريم رجلي يسوع بالطيب الغالي الثمن، فتنبأ يسوع ان ذلك كان استباقاً لدفنه ( يو12/3-7) أما الكلمات فكانت: ويوم دخوله اورشليم اعلن لبعض اليونانيين الذين جاؤوا الى العيد ان ساعة موته اتت، وهي ساعة انكسار الشيطان وتحقيق خلاص الجنس البشري؛ وشبّه سرّ موته وقيامته وولادة الحياة الجديدة في المؤمنين بحبة الحنطة التي، اذا ماتت في الارض، أعطت ثمراً كثيراً؛ وأكّد انه، بارتفاعه على الصليب وبقيامته وصعوده، يرفع البشرية الى مجد قيامة القلوب استباقاً لمجد السماء (يو12/24-32).
قرر الدخول الى اورشليم لكي يموت فيها، وقد اعلن: " ينبغي الاّ يهلك نبي خارج اورشليم"
( لو13/33)، لانها العاصمة الدينية والسياسية للشعب اليهودي، ولان فيها قُتل جميع الانبياء، بسبب تسييس الدين المترجم بالنظام السياسي التيوقراطي. وقد انذرها بقوله: "اورشليم، اورشليم، با قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها. كم مرة اردت ان اجمع بنيكِ، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، فلم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خراباً. فاني اقول لكم: لا ترونني بعد اليوم حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب" ( متى23/37-39).
نادى الشعب به ملكاً يعطي الخلاص: هوشعنا، يا رب خلّص."هوشعنا لابن داود". هذا ما اغضب الفريسيين اذ قال بعضهم لبعض: " ترون انكم لا تستفيدون شيئاً. هوذا العالم قد تبعه" ( يو12/19). لقد جاء قولهم تأكيداً لقرار قتله الذي اتخذه عظماء الكهنة والفريسيون للسبب عينه بعد قيامة لعازر من القبر ( انظر يوحنا 12/46-52).
لكن ملوكية يسوع ليست سياسية زمنية بل روحية ابدية. والمدينة، اورشليم، ليست مدينة الارض بل مدينة الله اي الكنيسة، ابنة صهيون، اورشليم الجديدة. في ضوء موت يسوع وقيامته، اللذين يسميهما يوحنا الرسول " ساعة تمجيد يسوع"، قرأ هذا الرسول نبوءة زكريا وطبّقها على الحدث: " افرحي، لا تخافي با ابنة صهيون، هوذا ملككِ آتياً اليكِ باراً مخلصاً وضيعاً، يستأصل قوس القتال، ويكلم الامم بالسلام، ويكون سلطانه من البحر الى البحر، ومن النهر الى اقاصي الارض" (زكريا 9/10). ملوكيته هي شمولية الخلاص للبشرية جمعاء.
2. ملوكيته شهادة للحقيقة
سيقول يسوع امام بيلاطس " ان مملكتي ليست من هذا العالم". وعندما سأله اذا كان ملكاً، اجاب: " هو ما تقول، فأني ملك". وشرح ان ملوكيته في الكنيسة قائمة على اعلان الحقيقة التي تخلص: "انا ما ولدت واتيت الى العالم إلاّ لأشهد للحق. فكل من كان من الحق يصغي الى صوتي" ( يو18/36-37).
ابناء الكنيسة وبناتها هم الشهود للحقيقة التي اعلنها يسوع المسيح حقيقة الله والانسان والتاريخ. يشهدون لها بثقافة حياة. عندما يتكلم الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" عن الالتزام السياسي، يدعو المسيحيين لهذه الشهادة، للعيش بموجب هويتهم الجديدة، التي نالوها بالمعمودية، فاصبحوا بفضلها مشاركين في ملوكية يسوع المسيح، ليشهدوا باعمالهم ومواقفهم الصالحة للحقيقة والمحبة. عليهم ان يبثوا روح الانجيل في الشؤون الزمنية، بحيث يلتزمون بخدمة الشخص البشري والمجتمع، من خلال نشاطاتهم السياسية والاقتصادية والادارية والقضائية والثقافية. على هذا الاساس يتم انتخاب من يجب انتخابهم في المجالس البلدية والاختيارية والبرلمانية وفي النقابات والسلطات العليا. ولكي يشاركوا في ملوكية المسيح، ينبغي ان يتصفوا بالزهد الروحي والتجرد، وبتقدمة الذات والتفاني في خدمة المحبة والحرية والعدالة، وفي ارساء اسس السلام والاخوّة الاجتماعية (الفقرة 113).
هذا المفهوم لملوكية يسوع، ادركه الاطفال عفوياً وبوحي من الروح، اذ هتفوا في الهيكل: " هوشعنا لابن داود ( متى21/15)، كما تنبأ داود في المزمور: " على ألسنة الاطفال والرضّع اعددت لنفسك تسبيحاً" (مز8/3). و ?الصغار" في الكتاب رمز الشعب المؤمن الوضيع، المعروف "بفقراء الله"، الذين " بسطوا ارديتهم على الطريق، وقطعوا اغصان الشجر، وفرشوا بها الطريق امام يسوع، وهتفوا: "هوشعنا لابن داود، تبارك الآتي باسم الرب: هوشعنا في الاعالي" ( متى21/8-9). هذه الهتافات هي صدى لهتافات الملائكة ورعاة بيت لحم ليلة ميلاد يسوع. لهذا السبب جُعل الميلاد والشعانين عيد الاطفال، ومن تمثّل بايمانهم وعفويتهم وبساطتهم من الكبار، وهذا شرط لقبول سر المسيح: " ان لم ترجعوا فتصيروا مثل الاطفال، لن تدخلوا ملكوت السموات"
( متى18/3). ولهذا السبب ايضاً اختير عيد الشعانين اليوم العالمي للشبيبة.
3. صليب الفداء اساس الكنيسة
الكنيسة هي اورشليم الجديدة، مملكة المسيح، مدينة الله في العالم. انها " الشركة مع الله، والشركة بين الناس" المعبّر عنها بصلاة الابانا" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،2790). صليب المسيح، الذي تمّ به فداء العالم ووحدته، هو اساس الكنيسة. لهذا السبب تزامن اعلان مملكة يسوع وملوكيته يوم دخول اورشليم مع قرار قتله واعلانه الشخصي لسرّ موته، كما رأينا. هتاف " هوشعنا" اصبح " إصلبه"??Ị ولا عجب، فاذا ضممنا الكلمتين نقول: " يا رب خلّص بصلبك ?Ị ??????? ? ??".
عندما اشتدّ اضطهاد نيرون للكنيسة الناشئة في روما، تراجع بطرس واخذ طريق العودة الى فلسطين، عبر طريق Appia المؤدية الى الشرق. ظهر له يسوع في الطريق. فسأله بطرس: ؟ Quo vadis " الى اين تذهب يا رب؟" فاجابه يسوع: " ذاهب الى روما لاصُلب فيها من جديد!" فارتعد بطرس والتصقت قدماه على حجر الطريق الذي ما زال يحمل علامتهما، حسب التقليد المحفوظ الى اليوم، وأدرك ان عليه هو ان يُصلب، فرجع الى روما. واستشهد صلباً، طالباً ان يكون رأسه مكان قدمي يسوع.
أحد الشعانين، وهو اليوم الاول من اسبوع الآلام والفصح، قائم على ركيزتين: اغصان النخل والزيتون علامتي الانتصار وصليب الألم من جهة، وعلى " هوشعنا" و " اصلبه"من جهة اخرى. تبسّط اغسطينوس بهذا المفهوم فقال: " الكنيسة تسير نحو نهية الازمنة بين اضطهادات العالم وتعزيات الله". ولان المسيح واجه بحرية تامة الموت على الصليب، وبموته انتصر، تردد الكنيسة: " العالم يُطوى والصليب باقٍ"، مستلهمة ما كتب بولس الرسول في رسالته الى العبرانيين: "وأما في الابن فقال: " كرسيك يا الله الى أبد الدهور. صولجان استقامة صولجان ملكك. أحببت البّر، وأبغضت الإثم، لذلك مسحك الله إلهك بدهن الفرح أفضل من أصحابك". وقال أيضاً " أنت من البدء وضعت أساسات الارض، والسماوات هي صنع يديك. هي تزول وأنت باقٍ، وكلها كالثوب تبلى، وتطويها كالرداء هي تتغيّر وانت كما انت، وسنوك لا تنتهي". (عبر1/8-12).
بصليبه وطّد السيد المسيح السلام وحقق الخلاص في العالم وتحرير الشعوب، لا بالحرب والاقتتال والعنف والارهاب، بل بموته، فمحا خطايانا فادياً، وبقيامته، فكسب لنا الخلاص مبرراً. نستقبله في الشعانين بالعرفان والحب نحو الذي بذل نفسه من اجلنا. فلم يقاوم ولم يتراجع، بل قدّم ظهره للجلد، ولم يمل وجهه عن الاساءة والقتل ( اشعيا50/4-7).
4. الشعانين ترسم طريق السلام
ذهب يسوع الى اورشليم ليموت فيها ملكاً وفادياً، ويخلصها. قصة Quo vadis تتكرر اليوم. انه يذهب الى كل بلد ومدينة ومكان فيه قتل واضطهاد، وعنف وحرب وارهاب. لكنه يذهب من خلال ذوي الارادة الطيبة والملتزمين الذين يصمدون في مكانهم، ويتألمون في سبيل خلاص شعبهم ووطنهم.
طريق السلام يبدأ " بالثقة": " لا تخافي يا ابنة صهيون: ، ثقة بالرحمة الالهية، فيمتلىء القلب سلاماً، ومنه ينتشر في كل مكان. الثقة تنفي اليأس.
بطرس انكر يسوع خوفاً، لكنه تاب وبثقته بكى بكاء مراً. يهوذا الاسخريوطي خان يسوع بيعاً بثلاثين من الفضة، لكنه تاب وردّ المال لاصحابه على غير ثقة فيئس وشنق نفسه. الفرق بينهما ان بطرس وضع ثقته في رحمة الله اما يهوذا فلا.
قايين قتل اخاه هابيل، وداود قتل اوريا ليتزوج امرأته. لكن قايين يئس من رحمة الله معتبراً ان خطيئته اكبر من ان تُغتفر" ( تك4/13)؛ اما داود فتاب واضعاً ثقته في رحمة الله، وصرخ: " ارحمني يا الله كعظيم رحمتك، وبحسب كثرة رأفتك امحُ مآثمي" ( مز50/3).
اللصان اللذان صلبا مع يسوع ارتكبا الخطايا والجرائم فاستحقا عقوبة الصلب. واحد لعن واساء ويئس، والثاني حافظ على الثقة وتاب فصرخ:: " يا يسوع اذكرني متى اتيتَ في ملكوتك". فأجابه" الحق اقول لك: اليوم تكون معي في الفردوس"
( لو23/43).
في عيد الشعانين نجدد الثقة بالفادي الالهي "يسوع المسيح سلامنا" ( افسس 2/14)، ونلتمس منه السلام الآتي من العلى. اننا نلتزم بان نكون فاعلي السلام، ومدافعين عن كرامة الشخص البشري وحقوقه الاساسية، ومساهمين في تعزيز انسنة حقيقية شاملة للانسان والمجتمع. وهكذا ندرك ان " الشخص البشري هو قلب السلام" ( البابا بندكتوس السادس عشر).
***
ثانياً، اسبوع الآلام ودرب الصليب
مع اسبوع الآلام وفصح المسيح الذي هو عبوره من هذا العالم الى الآب بالموت والقيامة، يدخلنا درب الصليب في طريق الملء " لقد تمّ كل شيء" ( يو19/30). انه ملء الالم والحب اللامتناهي، ملء الحقد والشر وكمال الغفران والرحمة، ملء الاتضاع واخلاء الذات وسمو الارتفاع، ملء الصرخة العظيمة وافاضة الروح للحياة الجديدة ( مر 15/37). ساعة الظلمة وصمت المسكونة التي تبكي موت خالقها، وانبلاج فجر القيامة من بطن الارض. انه ملء الرجاء نحو " سماء جديدة وارض جديدة" ( رؤيا 21/1)، الرجاء الذي يعضد المسيحي في سيرة وراء المسيح، الشمس الحقيقي المنير كلَّ انسان، حاملاً صليبه كل يوم من مرحلة الى مرحلة، مؤمناً بالقيامة الى حياة جديدة، وبقيامة مجتمع أفضل.
في المرحلة الثانية عشرة، يسوع يموت فوق الصليب
" من الساعة السادسة الى التاسعة، وقع ظلام على الارض كلها. ونحو الساعة التاسعة، صرخ يسوع صرخة عظيمة وقال: إيل، إيل، لماذا تركتني. وسمع بعض الحاضرين هناك فقالوا: " هو ينادي إيليا. وللوقت أسرع واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاً، ووضعها على قصبة وسقاه. فقال الباقون: " دعوا للنظر، هل يأتي إيليا يخلصه". وصرخ يسوع ايضاً صرخة عظيمة ولفظ الروح".
"لقد تمّ كل شيء". تحقق تماماً سرُّ حب الله لنا. دُفع الثمن وافتُدينا. لقد اراد الآب بالثمن الغالي، ان نكون غالين في عينيه، فقيمة الشيء من ثمنه. والثمن هو موت ابن الله في طبيعتنا.
في المرحلة الثالثة عشرة، مريم تحتضن ابنها ميتاً منزلاً عن الصليب
مريم في البشارة "احتضنت" الكلمة واصبحت امّ يسوع التاريخي، ام الاله الذي صار انساناً. وعلى اقدام الصليب احتضنت جثمان يسوع واصبحت ام المسيح السرّي، ام جسده الذي هو الكنيسة. وهي امومة تسلمتها من ابنها المعلّق على الصليب: " يا امرأة هذا ابنك! يا يوحنا هذه امك" ( يو19/26-27).
في المرحلة الرابعة عشر، يسوع يُدفن في قبر
" ولما كان المساء، جاء رجل غني من الرامة، اسمه يوسف، وكان هو ايضاً قد تتلمذ ليسوع. فهذا قََدِمَ الى بيلاطس، وطلب جسد يسوع، فأمر بيلاطس أن يعطى له الجسد. فأخذ يوسف الجسد، ولّفه بكفن من كتان نظيب، ووضعه في قبر له جديد، منقور في صخرة، ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى. وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الاخرى، جالستين تجاه القبر".
يسوع في بطن الارض، مثل حبة الحنطة التي تموت في الارض وتعطي ثمراً كثيراً. يلج مثوى الاموات ويقيمهم في صمت سبت النور. ومن القبر بدأ عالم جديد من الحرية والحب والفرح من دون حدود.
***
ثالثاً، الخطة الراعوية
نختم اليوم تقبل القسم الاخير من النص الثالث، من نصوص المجمع االبطريركي الماروني، بعنوان: حضور الكنيسة المارونية في النطاق الانطاكي. وتحديداً افاق المستقبل في العلاقات المسيحية- الاسلامية (الفقرات 60-69).
تلتزم الكنيسة المارونية في لبنان والعالم العربي بالمبادرات التالية:
1. تعزيز الحوار المسيحي الاسلامي القائم على الصدق والصراحة المقرونين بالمحبة والتفهّم والاحترام المتبادل وافتراض حسن النيّة عند الآخر. والحوار موقف روحي قبل كل شيء، بحيث يكون عيشنا المشترك منطلقاً من صميم وقوفنا امام الله، الذي يضعنا على طريق بعضنا البعض. من اجل الحوار ينبغي قبول الله اولاً في حياتنا. عند ذلك يصبح الحوار التزاماً بخدمة الانسان (الفقرة60).
2. المحافظة على تلاقي المسيحية والاسلام في لبنان والعمل برجاء وطيد على مدّ هذا الاختبار الى كامل الشرق الانطاكي المعروف اليوم بالعالم العربي. هذا التلاقي ظهر في الثقافة والحياة اليومية والتعاون المشترك في الشأن الوطني (فقرة 62).
4. توفير ثقافة خاصة بالاسلام للاكليريكيين والكهنة والطلاب المسيحيين، وثقافة للمسلمين خاصة بالمسيحية، بالتعاون مع نخبة من اهل العلم والفضيلة في الديانتين (فقرة62).
5. الشهادة للمسيح واعلان بشارته الخلاصية لجميع البشر، بالتزامن مع الحوار المتواصل مع الاديان الاخرى. الغاية من هذا الاعلان ايصال حقيقة الانجيل من اجل التوبة الى الله التي تعني التغيير في القلب وتحوّل حركته نحو الله، من دون اقتناص احد الى الحظيرة المسيحية (فقرة 67).
6. صيانة النموذج اللبناني في العيش المشترك، المنظم دستورياً، وتعميم ايجابياته على كامل المنطقة العربية. ثم العمل الدؤوب على صيانة هذا النموذج من التعثّر او الضياع. الكل من اجل الوحدة في التنوع، وتعزيز الحريات العامة، وحفظ مقتضيات العدالة والسلام وحقوق الانسان، بما فيها حقوق المرأة، والتعامل الكريم مع الاقليات على اختلاف انواعها (فقرة 68).
***
صلاة
ايها الرب يسوع، أعطنا اليقين اننا:
عندما نكون في الضيق، نشعر بأننا أقرب اليك؛
عندما يسخر منا الناس، انت تشرّفنا؛
عندما يحتقرنا الناس، انت ستمجدنا؛
عندما ينسوننا، نشعر بانك تتذكرنا؛
عندما يهملوننا، نشعر بانك تقرّبنا اليك.
وانتِ يا مريم، اياكِ نعظّم، لانك قدّمتِ بين يديك للعالم الكلمة النور والهداية للعقول، واليوم تقدمينه للعالم قربان فداء وخبزاً للحياة الجديدة. للثالوث المجيد الذي اختارك كل مجد وشكر الى الابد آمين.