أجابهم يوحنا: أنا أعمد في الماء و بينكم من لا تعرفونه ذاك الآتي بعدي من لست أهلا لأن أفك رباط حذائه (يو 1 /26-27)
الابن الشاطر 2007 - البطريرك بشارة الراعي
الاحد11 اذار 2007
الاحد الرابع من الصوم
مثل الابن الشاطر
الخطيئة والتوبة والمصالحة
من انجيل القديس لوقا 15/11-32
" كان لرجل ابنان. فقال أصغرهما لابيه: يا ابي، اعطيني حصتي من الميراث. فقسم لهما ثروته. وبعد أيام قليلة، جمع الابن الأصغر كل حصته، وسافر الى بلدٍ بعيد. وهناك بدد ماله في حياة الطيش. ولما أنفق كل شيء، حدثت في ذلك البلد مجاعة شديدة، فبدأ يُحس بالعوز. فذهب ولجأ الى واحد من أهل ذلك البلد، فأرسله الى حقوله ليرعى الخنازير. وكان يشتهي أن يملأ جوفه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، ولا يعطيه منه أحد. فرجع الى نفسه وقال: كم من الأجراء عند أبي، يفضل الخبز عنهم، وأنا ههنا أهلك جوعاً! أقوم وأمضي الى أبي وأقول له: يا ابي، خطئت الى السماء وامامك. ولا استحق بعد ان ادعى لك ابناً. فاجعلني كأحد أجرئك! فقام وجاء الى أبيه. وفيما كان لا يزال بعيداً، رآه أبوه، فتحنن عليه، وأسرع فألقى بنفسه على عنقه وقبّله طويلاً. فقال له ابنه: يا أبي، خطئت الى السماء وأمامك. ولا استحق بعد أن أدعى لك ابناً... فقال الأب لعبيده: أسرعوا، اخرجوا الحلة وألبسوه، واجعلوا في يده خاتماً، وفي رجليه حذاء، وأتوا بالعجل المُسمن واذبحوه، ولنأكل ونتنعم! لأن ابني كان ميتاً فعاش، وضائعاً فوجد. وبدأوا يتنعمون. وكان ابنه الاكبر في الحقل. فلما جاء واقترب من البيت، سمع غناءً ورقصاً. فدعا واحداً من الغلمان وسأله: ما عسى أن يكون هذا؟ فقال له: جاء أخوك، فذبح أبوك العجل المسمن، لانه لقيه سالماً. فغضب ولم يرد ان يدخل. فخرج أبوه يتوسل اليه. فأجاب وقال لابيه: ها انا اخدمك كل هذه السنين، ولم أخالف لك يوماً أمراً، ولم تعطيني مرة جدياً، لاتنعم مع أصدقائي. ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل ثروتك مع الزواني، ذبحت له العجل المسمن! فقال له أبوه: يا ولدي، أنت معي في كل حين، وكل ما هو لي هو لك. ولكن كان ينبغي أن نتنعم ونفرح، لان أخاك هذا كان ميتاً فعاش، وضائعاً فوجد".
***
يسوع المسيح المعلم الالهي يكشف كرامة الشخص البشري، التي يفقدها الانسان بخطيئته مبتعداً عن الله مصدرها، ويستعيدها بعودته اليه بالتوبة، فيصالحه الله ويلبسه من جديد حلة البنين. انه انجيل الرحمة الالهية والمصالحة في اتجاهاتها الاربعة: مع الله، مع الذات، مع الاخوة، ومع الخليقة كلها (البابا يوحنا بولس الثاني: المصالحة والتوبة، 8).
اولاً، شرح المثل الانجيلي
1. مثل الابن الشاطر محور آحاد الصوم
هذا المثل هو انجيل الخطيئة والتوبة والمصالحة يأتي في الاحد الرابع من الصوم. يتمحور حوله ثلاثة آحاد سابقة، وثلاثة لاحقة. الاحد الاول، في مدخل الصوم، هو بمثابة مقدمة، وفيه تذكار تحويل الماء الى خمر في عرس قانا الجليل، للدلالة ان الصوم الكبير هو زمن التغيير. فالذي حوّل الماء الى خمر، وحوّل فيما بعد الخمر الى دم المسيح، انما يريد ان يحوّل باطن الانسان باعطائه الحياة الجديدة بالروح القدس. والاحد السابع، الشعانين، هو بمثابة هدف، وفيه الوصول الى الميناء بلقاء يسوع المسيح الخلاصي وبدء مسلك جديد، من خلال تذكار دخوله ملكاً فادياً الى مدينة اورشليم.
الاحدان الثاني والثالث قدّما آيتي التغيير: شفاء الابرص والمرأة النازفة. البرص رمز الخطيئة التي تشوّه صورة الله في الانسان، ونزيف الدم رمز انهيار القيم الروحية والخلقية والانسانية والاجتماعية من جراء الخطيئة.
والاحدان الخامس والسادس سيقدّمان آيتي المسلك الجديد: شفاء المخلع والاعمى. مَشْي المخلع يرمز الى التصرف الجديد، وبصر الاعمى يرمز الى الرؤية الجديدة. فالمخلع هو رمز الخاطىء الذي تنشل فيه قوى الخير، والاعمى رمز الخاطىء الذي يتخبط في ظلمة الشر.
هذه السلسلة المتكاملة من التغيير والانطلاق بفضل نعمة المسيح هي مسيرة طريق على مدى اربعين يوماً تهيئنا للفصح، هذا العبور من قديم الخطيئة الى جديد النعمة. هو طريق صوم وصلاة واعمال محبة، يتخلله جهاد ضد تجارب الشيطان على مثال الرب يسوع في البريّة، حيث صام اربعين يوماً وانتصر على تجارب ابليس ( متى 4/1-11). "الوصول الى الميناء" يعني " بلوغ الشخص البشري الى المعنى الحقيقي لوجوده: اي السلام والحب والفرح، عندما يتحرر من عبودية الكذب والخطيئة، بفعل طاعة الايمان التي تقوده الى الحقيقة" ( البابا بندكتوس السادس عشر، صلاة التبشير الملائكي في 5 اذار 2006). لوحة الابن الشاطر تعني اكتساب قلب جديد وروح جديدة، من خلال الاهتداء الى الله والتماس رحمته. لا تقف قيمة الصوم عند حدود ممارسات خارجية وطقوسية، بل تلج الى عمق القلب الذي يقترب من الله وبالتالي من الحق والبر والصلاح ( يوئيل 2/12-18).
الوصول الى الميناء يقتضي نضالاً روحياً بسلاح الصوم والصلاة والتوبة ضد الشر، وضد كل انانية وبغض بتواضع وصبر وثبات وسخاء. فيصبح المسيحيون شهوداً ورسلاً للسلام، وقادرين على اعطاء جواب مسيحي بوجه العنف الذي يهدد السلام في العالم. وهو جواب من يتبع المسيح على طريق الصليب والحب المتفاني، بحيث يلتزم بالمعركة ضد الشر بالخير، وضد الكذب بالحقيقة، وضد البغض بالحب" ( البابا بندكتوس السادس عشر، عظة بدء الصوم، اول اذار 2006).
2. فقدان الكرامة البشرية بالخطيئة
يصف السيد المسيح الحالة التي بلغ اليها الابن الاصغر عندما ابتعد عن ابيه وبيته الوالدي، وبذّر ما كان معه من مال، وافتقر، وجاع، وراح يشتهي ان " يملاء جوفه" مما تقع عليه يده، ولو " خرنوباً تأكله الخنازير" التي كان يرعاها لحساب احد ابناء ذلك البلد، ولم يتمكن منه. انه وصف للكرامة المهدورة، ولميراث النعمة والبرارة الاصلية الضائع (الرحمة الالهية،5).
"جمع ابنه الاصغر كل ما اصابه، وسافر الى بلد بعيد".
الخطيئة هي قطع الانسان علاقته البنوية بالله ليعيش خارج نطاق الطاعة له. هذا نوع من انكار الله، وبالتأكيد عيش وكأن الله غير موجود، بل ازالته من الحياة اليومية. وهكذا يتضاءل مفهوم ابوّة الله وسلطانه على حياة الانسان والمجتمع، فيرفض الانسان كل علاقة بما يفوق الطبيعة البشرية، بحجة التوق الى الاستقلال الشخصي، وينحرف وراء امثلة مسلكية يفرضها التصرف العام وتعرضها وسائل الاعلام، ولو رذلها الضمير الشخصي، ويبرّر ذاته من اية مسؤولية عن خطيئته وسؤ مسلكه وشروره اذ يردّها الى الاحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية المأساوية الضاغطة، والى ما في المحيط الاجتماعي من اخطاء وذنوب. فيتلاشى تدريجياً الحسّ بالخطيئة ومعناها. والسبب الاساسي فقدان حسّ الله (المصالحة والتوبة، 18).
" هناك بدّد ماله، عائشاً مبذّراً.
تبدأ الخطيئة في حركة مسلكية وفكرية تتجاهل الله كلياً، وتحصر همها في العمل والانتاج، منجرفة في تياّر الاستهلاك والملذات، غير آبهة بخطر " هلاك النفس". هذه "الذهنية العلمانية" تضعف حسّ الخطيئة، وحسّ اهانة الله. فيصل الانسان الى فقر روحي وانساني وخلقي، يحطّ من كرامته امام الله وفي ميزان القيم الثابت، مهما علا شأنه المالي والاجتماعي، ومهما انتفخت جيوبه، او مهما سمح لنفسه من حرية يتخطى معها حدود الحقيقة والصلاح والخلقية: " افتقر... وراح يرعى الخنازير... ويشتهي مأكلهم".
من المؤسف ان " الذهنية العلمانية" تنتشر وتنمو، بسبب ثقافة اجتماعية تُخرج الحرية من حدود الحقيقة والصلاح، وترفض الاعتراف بأي نقص، وتنفي المسؤولية الشخصية عن اي شر وخطيئة، وترمي التبعية على المجتمع، معلنة البراءة الشخصية. من اسباب هذه "الذهنية" ما يسمّى بالنسبية التاريخية، وهي مسلكية تقول بأن القاعدة الادبية هي نسبية، ولا قيمة مطلقة لها، وبأنه لا يوجد افعال غير جائزة بحدّ ذاتها، بمعزل عن الظروف والحالات الشخصية التي تتم فيها. فتهتز القيم الخلقية وتنهار، وتكون الخطيئة موجودة لكن مرتكبها مجهول. اضف الى كل ذلك التربية الخاطئة المعطاة عبر وسائل الاعلام وفي العائلة بما فيها من عنف واباحية ولا انسانية (المرجع نفسه).
3.استيقاظ الضمير وطريق التوبة
رجع الى نفسه وقال: "كم الآن من الاجراء في بيت ابي، يفضل الخبز عنهم، وانا اهلك لجوعي". هو صوت الضمير، هذا المخدع الداخلي اي قرارة النفس العميقة. الضمير هو هذا الحس الادبي الذي يرشدنا الى تمييز ما هو خير وما هو شر. انه كعين باطنية واداة للنفس بصيرة تقود خطانا الى طريق الخير.
الضمير شريعة كتبها الله في قلب الانسان، اذا خضع لها وجد كرامته فيها. وهو الهيكل الذي ينفرد فيه الانسان الى الله، ويسمع صوته الذي يدعوه ابداً الى حب الخير وعمله والى تجنّب الشر، ويدوّي في اذن قلبه: " اعمل هذا وتجنّب ذلك". الانسان ملزم بطاعة هذا الصوت( الكنيسة في عالم اليوم،16).
الابن الشاطر اطاع صوت ضميره. فكانت بداية التوبة، التي تعني حرفياً، حسب اللفظة اليونانية متانويا، انقلاب النفس بالندامة واتجاهها الى الله: رجع الى نفسه، وقال: " كم أجير في بيت ابي... اقوم وامضي الى ابي". عودة الى الذات وندامة على ما فعل، وقرار الرجوع الى ابيه. هذه هي شروط التوبة الحقيقية والمصالحة.
زمن الصوم يدعونا الى يقظة الضمير من خلال الاصوام والاماتات والصلوات وسماع المواعظ واعمال المحبة والرحمة. يدعونا الى " فحص الضمير"، الى مقارنة حياتي ومسلكي، مقارنة مخلصة صافية مع القيم الانجيلية والشريعة الادبية، مع المسيح عينه معلمنا ومثالنا في الحياة، ومع الآب السماوي الذي يدعونا الى الخير والكمال. صوت الضمير يحملني الى الاقرار بالخطيئة: " اني خطئت". بعد هذا الادراك اندم على ما فعلت وعلى الحالة التي بلغت اليها. الندامة تعني رفض الخطيئة المرتكبة والحالة التي اعيش فيها، رفضاً قاطعاً، جازماً، وتعني القصد الثابت بعدم الرجوع اليها، وبتغيير الاتجاه، مسلكاً وحياة.
4. المصالحة واستعادة الكرامة
" فنهض ومضى الى ابيه..."
هذا هو جوهر المصالحة: تنفيذ القرار بالعودة الى الله وتغيير الاتجاه. " عندما رأه ابوه، وكان بعيداً، رحمه، واسرع... وقبّله". في عمق الحب اللامتناهي " الذي يستر جماً من الخطايا" ( 1 بطرس4/8)، تعاظمت ثقة الابن، فاعترف بخطيئته: " يا ابتِ، خطئت في السماء وامامك". الاعتراف بالخطايا هو عمل امانة وشجاعة، وعمل تسليم الذات الى الرحمة الغافرة. اللقاء الحسي مع الله يتم في شخص الكاهن عبر وساطة الكنيسة، في سرّ التوبة، الذي هو الى جانب الافخارستيا تحفة الحب الالهي للانسان، كل انسان. هذا الاعتراف المدرك لشر الخطيئة ونتائجها جعل الابن التائب يفرض على نفسه التكفير عنها: " لست اهلاً لأن ادعى لك ابناً. فاجعلني كأحد اجرائك" ( لو15/19).
لكن اباه لم يدعه يتلفّظ بكامل هذا التكفير. بل قاطعه مغدقاً عليه بفرح كبير كرامة الابن، التي فقدها بخطيئته: " اخرجوا الحلّة الفاخرة وألبسوه، وضعوا خاتماً في يده، والبسوه الحذاء". كلام الاب هذا هو كلام الله من خلال الكاهن الذي يعطي بشخص المسيح الحلّة السرية. في سرّ المصالحة يعاد الينا ميراث النعمة والبرارة الذي كان قد اُعطي لنا بالمعمودية. فالتوبة معمودية ثانية وولادة جديدة في البنوة الالهية. ويعود الانسان المصالح فيصبح من جديد هيكل الروح القدس، ومستودع الحياة الالهية، التي يشهد لها في المجتمع وينعش بها النظام الزمني.
المصالحة مع الله هي في الوقت عينه مصالحة مع الذات باستعادة الكرامة المفقودة؛ ومصالحة مع الاخوة، الممثلين في الابن الاكبر، لان خطيئة أخيه اصابته هو ايضاً في الصميم كما اشار لابيه: اصابته في امانته على مدى السنين، وفي تضحياته، وفي كرامة البيت: " كم من السنين وأنا عابد لك، لا أخالف لك امراً، فلم تعطني جدياً أنعم به مع أصحابي. وابنك هذا، بعد ان بدّد مالك مع الزواني، وعاد، ذبحت له العجل المسمّن"؛ ومصالحة مع الخليقة كلها، المدعوة الى وليمة العجل المسمّن " لتنعم وتفرح". انها مصالحة مع الكنيسة التي تؤهل للمشاركة في وليمة القربان: جسد الرب ودمه الذي فيه كل الكنوز الروحية، وهو رباط الوحدة والمحبة بين اعضاء الجماعة.
ثانياً، زمن الصوم ومراحل درب الصليب
آلام المسيح هي سرّ الحب الاعظم والألم الاكبر. مراحل درب الصليب تقدّم جواباً على معضلاتنا وتساؤلاتنا العميقة، وتشجعنا على الثبات في حياتنا اليومية وظروفها الصعبة، وتشعل في القلب شعلة الفرح في الحب والعمل. فالتأمل امام كل مرحلة يكشف جانباً من تاريخ كل واحد منا، وكأن المسيح طبع فيه جزءاً من تاريخه (الكردينال جوفانّي كولومبو: درب المسيح طريق الانسان، ص 9 و11).
في المرحلة السادسة، فيرونيكا تمسح وجه يسوع بمنديل
بادل يسوع عمل محبة فيرونيكا بطبع وجهه على منديلها. فتعزّت عزاءً كبيراً. بهذه المبادرة بيّن يسوع ان آلامه متواصلة في آلام اي انسان يرفع نظره اليه. فاصبح لآلام الابرياء قيمة خلاصية شخصية تندرج في عملية الفداء العام: " اني اتمّ في جسدي ما نقص من آلام المسيح من اجل الكنيسة " (كول 1/24).
لذا، يريد ان تظل آلامه مطبوعة في قلوبنا، اينما كنا، لكي نشارك بوعي وايمان في سرّ موته وقيامته، ونقتدي بسخاء حبه الذي يتفانى ويثمر مثل حبة الحنطة.
في المرحلة الثامنة، نساء اورشليم يبكين على يسوع
" وكان يتبعه كثيرون من الشعب، ونساءً كنَّ يندبنه، وينحن عليه. فالتفت يسوع إليهن وقال: يا بنات اورشليم لا تبكين عليّ، بل آبكين على انفسكنّ، وعلى بنيكنّ لانه سيأتي أيام يقال فيها: طوبى للعواقر وللبطون التي لم تلد، وللثدي التي لم ترضع. وحينئذ تبدأون تقولون للجبال: "اسقطي علينا". وللتلال: " غطينا." فإن كان هذا فعلُهم بالغصن الرطيب، فما يكون باليابس".
بهذه الكلمات يؤكد الرب يسوع انه يسلم نفسه للموت طوعاً، من اجل اتمام ارادة الآب لخلاص جميع البشر، وان آلامه البريئة وموته على الصليب مسؤولية في اعناقنا: انها من اجل خلاص كل واحد منا بثمن دم كريم. وان كان لا بدّ من بكاء، فليكن على الذين لا يهتدون الى الخلاص بصليب المسيح: "لا تبكين عليّ، بل على انفسكن واولادكن". آلام المسيح دعوة الى بكاء التوبة عن الخطايا والشرور، لانها تتسبب بمظالم واعتداءات على الابرياء كما على الاشرار، فلا بدّ من توبة وغفران: " فان كان هذا فعلهم بالغصن الرطب، فما كان باليابس؟".
***
ثالثاً، الخطة الراعوية
نواصل التفكير معاً في النص الثالث من المجمع البطريركي الماروني بعنوان: "حضور الكنيسة المارونية في النطاق البطريركي"، وتحديداً في موقف الكنيسة من العلاقات المسيحية-الاسلامية وحاضرها (الفقرات 28-39).
1. المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني وضع الاسس للعلاقة الايجابية بين المسيحيين والمسلمين. فأبرز الاعلان المجمعي عن " علاقة الكنيسة بالاديان غير المسيحية" العناصر المشتركة على المستوى العقائدي بين الاسلام والمسيحية. ودعا الى نسيان ماضي المنازعات والعداوات، والانصراف باخلاص الى التفاهم المتبادل، والى تعزيز العدالة الاجتماعية والقيم الخلقية والسلام والحريات العامة لفائدة جميع الناس ( عدد3).
وفي الدستور العقائدي " في الكنيسة"، أحلّت الكنيسة الدين الاسلامي في مكانة متقدمة بين الاديان التوحيدية غير البيبلية، وأقرّت بخلاص الانسان المسلم بيسوع المسيح، اذا عاش بوحي ضميره المستنير واخلص العبادة لله الخالق ( عدد 16) ( الفقرات 28-30).
2. المجلس الحبري للحوار مع الاديان يعمل، مع لجنة خاصة بتعزيز العلاقة مع المسلمين، على ترسيخ الحوار والتفاهم بين الديانتين في المسائل المشتركة، كالسلام والعدالة والحرية وحقوق الانسان الاساسية. تجدر الاشارة الى الوثيقة التي وضعها هذا المجلس بالتعاون مع مجمع تبشير الشعوب، وهي بعنوان " حوار وبشارة"، تأملات وتوجيهات في سبيل الحوار بين الاديان والتبشير بالانجيل سنة 1991 (الفقرتان 31-32).
3. خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني دفع الى الامام بالعلاقات الطيبة بين المسيحيين والمسلمين بكثير من المبادرات: الزيارة الى المغرب ولقاؤه مع الشبان والشابات المسلمين ( 1985)، الزيارة الى مقام الازهر في القاهرة (2000)، الزيارة الى المسجد الاموي الكبير في دمشق (2001)، الجمعية الخاصة بسينودس الاساقفة من اجل لبنان ودعوة ممثلين عن الطوائف الاسلامية للمشاركة فيه ( 1995) واصدار الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" (1997)، تشجيع على الحوار المسيحي- الاسلامي في لبنان والشرق العربي (عدد93). عظته للشعب اللبناني في بيروت (11 ايار 1997)، وكشف فيها اهمية لبنان ورسالته التاريخية: على ارضه يعيش معاً مؤمنون من مختلف الطوائف في سلام وإخاء وتعاون، ما يبيّن انه من الممكن احترام حق كل انسان في الحرية الدينية، وما يمكّن الجميع من الاتحاد في محبتهم لهذا الوطن (الفقرتان 33-34).
4. تورد الفقرات 35 و36 و38 من النص المجمعي الثالث مواقف كل من البطريرك بولس المعوشي والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير بشأن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان من ناحية حوار الحياة وميثاق العيش المشترك والحرية الدينية والحقوق المدنية الاساسية، مع المحافظة على أغلى الاغليين: الايمان بالله، والحرية المسؤولة.
وتستشهد الفقرة 37 بكلام للمرحوم الامام محمد مهدي شمس الدين وللرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، يقرّ بنموذجية لبنان في علاقة الشركة بين المسيحيين والمسلمين، وبمركزية لبنان للحوار المسيحي-الاسلامي الذي ينطلق منه الى هذه المنطقة من العالم.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، اجعل وجهي مقبولاً دائماً لديك، ومرضياً لك. إن شوّهته الخطيئة، اغسلْه انت بدمك الثمينن واجعله منيراً. أملْ نظرنا اليك بشكل دائم، وارفقنا انت بنظرة منك كما نظرت الى بطرس، يوم خانك، فندم وبكى. اعطنا نعمة صليبك وآلامك المرّة، وعزّنا بالطريقة التي تعرفها وفي الساعة التي تريدها. آمين (الكردينال نيومان).
البطريرك بشارة الراعي