إِنِّي مَن أَحبَبتُه أُوَبِّخُه وأُؤَدِّبُه فكُنْ حَمِيًّا و تُبْ (رؤ 3 /19)
زمن الصوم - التنشئة المسيحية 2007 - 2008 - البطريرك بشارة الراعي
2007 - 2008
البطريرك بشارة الراعي
تقديم
يسعدني ان اقدّم العدد 17 من سلسلة التنشئة المسيحية لزمن الصوم الكبير 2008، وهو بعنوان: "الكلمة الخارجة من فم الله تحيي الانسان" ( متى 4/4).
يتبع هذا العدد منهجية الاقسام الثلاثة: في الاول، الشرح لنص الانجيل؛ في الثاني، مقومات السلام الاربعة كما حددها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للسلام ( اول كانون الثاني 2008)، بعنوان: " العائلة البشرية جماعة السلام"، ثم في الاحدين الاخرين نعرض مفهوم الرجاء المسيحي كما جاء في رسالة قداسته العامة " بالرجاء خُلصنا"؛ وفي القسم الثالث، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني بنصه السابع: " الكهنة في الكنيسة المارونية".
نتذكر في زمن الصوم الكبير كلمة الرب يسوع للمجرّب الذي حاول ان يغريه بالمادة ويثنيه عن صومه واستغراقه في كلام الله وتصميمه الخلاصي، فقال له: " ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" ( متى 4/4). هذه الكلمة الخارجة من فم المسيح الاله حوّلت الماء الى خمر، وطهّرت الابرص، واوقفت نزيف دم المرأة، واحيت الابن الشاطر من موت الخطيئة، وجعلت المخلع يمشي والاعمى يبصر، وأنارت اطفال اورشليم وشبابها وكبارها، فهتفوا لملوكيته الجديدة.
هذه الكلمة اياها تحيينا في هذا الزمن المقبول، آملين ان نخلع عنا، مثل الطبيعة، ثوب المسلك والعادات والمواقف العتيقة، ونلبس، مع الربيع، ثوب التجدد وازهار الفضائل، استعداداً لقيامة القلوب مع المسيح القائم من الموت.
وفي زمن المادّية والاستهلاكية، ندرك اكثر ان " ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" ( متى 4/4).
+ بشاره الراعي
مطران جبيل
****
الاحد 3 شباط 2008
احد مدخل الصوم
آية عرس قانا الجليل
الصوم زمن التجديد والتحويل
من انجيل القديس يوحنا 2/1-11.
قال يوحنا الرسول: في اليَوْمِ الثَّالِث، كَانَ عُرْسٌ في قَانَا الـجَلِيل، وكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاك. ودُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وتَلامِيذُهُ إِلى العُرْس. ونَفَدَ الـخَمْر، فَقَالَتْ لِيَسُوعَ أُمُّهُ: "لَيْسَ لَدَيْهِم خَمْر". فَقَالَ لَهَا يَسُوع: "مَا لِي ولَكِ، يَا امْرَأَة؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْد!". فقَالَتْ أُمُّهُ لِلْخَدَم: "مَهْمَا يَقُلْ لَكُم فَاْعَلُوه!". وكَانَ هُنَاكَ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حَجَر، مُعَدَّةٌ لِتَطْهيِر اليَهُود، يَسَعُ كُلٌّ مِنْهَا مِنْ ثَمَانِينَ إِلى مِئَةٍ وعِشْرينَ لِيترًا، فقَالَ يَسُوعُ لِلْخَدَم: "إِملأُوا الأَجْرَانَ مَاءً". فَمَلأُوهَا إِلى فَوْق. قَالَ لَهُم: "إِسْتَقُوا الآنَ، وقَدِّمُوا لِرَئِيسِ الوَلِيمَة". فَقَدَّمُوا. وذَاقَ الرَّئِيسُ الـمَاءَ، الَّذي صَارَ خَمْرًا - وكانَ لا يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، والـخَدَمُ الَّذينَ ا]سْتَقَوا يَعْلَمُون - فَدَعَا إِلَيْهِ العَرِيسَ وقَالَ لَهُ: "كُلُّ إِنْسَانٍ يُقَدِّمُ الـخَمْرَ الـجَيِّدَ أَوَّلاً، حَتَّى إِذَا سَكِرَ الـمَدعُوُّون، قَدَّمَ الأَقَلَّ جُودَة، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الـخَمْرَ الـجَيِّدَ إِلى الآن!". تِلْكَ كَانَتْ أُولَى آيَاتِ يَسُوع، صَنَعَهَا في قَانَا الـجَلِيل، فَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، وآمَنَ بِهِ تَلامِيذُهُ.
آية تحويل الماء الى خمر في عرس قانا الجليل، تتلوها الكنيسة في هذا الاحد المعروف بمدخل الصوم، كعلامة للتجدد الداخلي والتحوّل في القلب والنظرة والمسلك. هذا التحوّل يحققه فينا الرب يسوع بقوة الروح القدس وبتشفع السيدة العذراء، اذا التزمنا العيش بموجب ما يقول لنا. المسيح الذي يحوّل الماء الى خمر قادر ان يحوّل الانسان في داخله. زمن الصوم هو مناسبة وموعد لهذا التحول فينا. عرس قانا وآية تحويل الماء الى خمر استباق لعرس الفداء وتحويل الخمر والخبز الى دم المسيح وجسده لحياة العالم.
***
اولاً، شرح نص الانجيل
1. الصوم زمن التجديد والتحويل
زمن الصوم هو زمن التجديد والتحويل الداخلي والتعبير في الحياة الاجتماعية للمحبة التي يضعها الله في قلب من يؤمن. انه التجدد والتحول في علاقات ثلاث متلازمة ومتكاملة:
العلاقة مع الذات تتجدد بالصوم والاماتة والتقشف. فيجري تحريرها من عبودية الجسد والنزوة والشهوة، وتتم السيطرة على الذات وتًحمى بالعفة من فساد اللسان والعين واليد والقلب.
العلاقة مع الله تتجدد بسماع كلامه والتعمق فيه، من خلال مواعظ الصوم والرياضات في الرعايا والاديار، والبرامج الاذاعية والتلفزيونية، والمنشورات والمقالات الدينية. يجري تغيير في الذهنية والحكم على الامور والنظرة الى شؤون الدنيا والانسان. وندخل في حوار مع الله لاكتشاف ارادته وتحقيق تصاميم حبه الخلاصي: " كلامك مصباح لخطاي ونور لسبيلي". بين الصوم عن الطعام وسماع كلام الله رباط حياتي يكشف ان الانسان يحتاج، لكي يحيا ملء الحياة، الى طعام الخبز المادي وطعام الكلمة الروحي، كما اكدّ الرب يسوع عندما صام اربعين يوماً في الصحراء: "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" ( متى4/4).
العلاقة مع الانسان تتجدد بعيش المحبة على تنوعها: مساعدة الفقير، مصالحة المخاسم والمسيء، زيارة المريض، تعزية الحزين، صلاة من اجل الخاطىء. انه زمن المساعدة المادية والروحية والمعنوية، به تنفتح بقلبك ويدك ونفسك على الآخرين وكلهم إخوة في الانسانية. على هذا الاساس تقوم مبادرات مشاركة وتعاون ودعم للمؤسسات الخيرية، وفي مقدمتها رابطة كاريتاس لبنان التي هي جهاز الكنيسة الاجتماعي، وسواها من الاجهزة والهيئات والمؤسسات. بين الصوم واعمال الرحمة رباط عضوي: ان ما توفره في زمن الصوم من مال بالامتناع عن اكل وشرب وترفيه ونزهات، وبالتقشف في الصرف والبذخ، تخصصه لافعال المحبة والرحمة، بذاتك او بواسطة المؤسسات المذكورة او بشبكات تعاون.
2. عرس قانا مدخل لتجليات الروح القدس
سيظهر في انجيل يوحنا ان الروح هو صانع الولادة الجديدة في الانسان بمعمودية الماء والروح. أكّد يسوع لنيقوديموس: " ينبغي لكم ان تولدوا ثانية. لان المولود من الجسد هو جسد، والمولود من الروح هو روح" ( يو3/6-7).
الروح القدس هو نبع الماء الحي الذي تجري منه الحياة الالهية فينا، كما وعد الرب يسوع: "من يؤمن بي تجري من جوفه انهار ماء الحياة. هذا قاله عن الروح الذي سوف يقبله المؤمنون" (يو7/38-39).
الروح القدس، البارقليط المعزي وروح الحق ( يو14/16-17) يقودنا جميعاً الى الحقيقة كلها، ويقول لنا كل ما يسمع ويطلعنا على ما سيكون ( يو16/13).
الروح القدس جاد به الله على العالم كثمرة للفداء: " حنى يسوع رأسه وجاد بروحه" (يو19/30). عندما قام من الموت منحه لرسله اذ نفخ فيهم وقال: " خذوا الروح القدس" (يو20/22).
3. الروح يقود خطانا في زمن الصوم
كما اقتاد الروح القدس ربنا يسوع الى البرية ليصوم ويجرب من الشيطان (لو4/1-2)، وبذلك شهد يسوع لثقته الكاملة بارادة الآب، هكذا يقود الكنيسة في الزمن، ويقود خطانا في صحراء هذا العالم، وبخاصة في زمن الصوم، لنختبر مع المسيح معطوبية الخليقة. الروح يقرّبنا من الله، الذي يخلصنا: " أقودها الى البرية واخاطب قلبها" ( هوشع2/16).
زمن الصوم مسيرة ارتداد بالروح القدس، فنلاقي الله في حياتنا ونلتقي بعضنا بعضاً اخوة بالمسيح.
4. مريم بالروح القدس شريكة الفداء
آية عرس قانا، في بداية رسالة السيد المسيح العامة، هي فجر الافخارستيا والعنصرة مكوّني العهد الجديد. فمريم، بوحي من الروح القدس الذي يملاءها، دعت يسوع الى ابراز هذا الفجر. بتشفعها " ليس عندهم خمر"، وبايحائها للخدام " افعلوا ما يقوله لكم"، نالت اول آية- معجزة افتتح بها يسوع حياته العامة، وعليها اسس ايمان التلاميذ بحقيقة العهد الجديد: "هذه هي الآية الاولى، صنعها يسوع في قانا الجليل فاظهر مجده، وآمن به تلاميذه" (يو2/11).
هي المرأة، مريم شريكة الفداء، تقف على عتبة كل مرحلة من مراحل تاريخ الخلاص: في الميلاد والطفولة، في بداية الآيات لاعلان ملكوت الله الداخل في تاريخ البشر، على اقدام الصليب، امام قبر القيامة، على رأس الرسل في العلية يوم العنصرة، وفي انتقالها بالنفس والجسد الى مجد السماء.
هي بذلك مثال الكنيسة، شعب الله الجديد. بعد الدنح على نهر الاردن كان دنح المسيح ومريم والكنيسة: " في اليوم الثالث، كان عرس في قانا الجليل، وام يسوع كانت هناك، ويسوع وتلاميذه دعوا الى العرس ايضاً (يو2/1-2). انها الكنيسة، المسيح رأسها، التلاميذ اعضاؤها، الروح القدس مؤلف جماعاتها ومحييها، ومريم العذراء شفيعتها ومثالها، تدعو الى عرس الخلاص بخمرة دم الفادي، الحمل المذبوح على الجلجلة دموياً وفي الافخارستيا سرياً. هي الكنيسة اداة الخلاص الشامل وعلامته، والعلامة والاداة للاتحاد بالله ولوحدة الجنس البشري برمته ( نور الام 8، الارشاد الرسولي" رجاء جديد للبنان،19).
****
ثانياً، السلام في العائلة والوطن
نعرض تباعاً في زمن الصوم ما جاء في رسالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر ليوم السلام العالمي، اول كانون الثاني 2008، كبرنامج للعام الجديد، وهي بعنوان: " العائلة البشرية جماعة السلام".
الفكرة الرئيسية التي تقود الرسالة هي ان السلام، عطية الله العظمى للعالم التي تختصر كل الخيرات الروحية والزمنية، يولد في العائلة الطبيعية، وفيها يختبره الانسان ويتربى عليه، وان السلام يتحقق في العائلة الاجتماعية على الاسس وبالوسائل اياها لا التي يقوم عليها السلام في العائلة، اعني: العهد بكلمة " نعم"، والبيت-الارض، والاقتصاد لتوفير سبل العيش، والشريعة القانونية والخلقية.
السلام مهمة موكولة الى الناس ليحققوها، فيجدوا سعادتهم ويحققوا رقيّهم، ويمجدوا الله، اله السلام، كما انشد الملائكة ليلة ميلاد المخلص: " المجد لله في العلى، وعلى الارض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر" ( لو2/14).
العائلة الطبيعية موضع ميلاد السلام وتحقيقه. فلكونها جماعة حب وحياة بين رجل وامرأة، هي المكان الاول لانسنة الشخص البشري والمجتمع بفضل الحب المتجدد، والحياة التي تولد وتتواصل. وبما انها اول مجتمع طبيعي اسسه الله الخالق، فهي تشكّل الاساس لحياة الاشخاص، والنموذج لأي نظام اجتماعي، والخلية الاولى والحية لكل جماعة بشرية في الوطن والاسرة الدولية، وكتاب القواعد للعيش معاً بسلام. وبذلك تكون العائلة الطبيعية المربّية الاولى على السلام التي لا بديل عنها، لان فيها يتم اختبار مقومات السلام الاساسية اي العدالة، والحب بين الاخوة والاخوات، وممارسة السلطة المتمثلة في الاهل، وخدمة المحبة للافراد الاضعف كالصغار والمرضى والمسنين ( رسالة البابا 1-4).
3. العائلة الطبيعية هي الفاعلة الاساسية للسلام. لذلك، لها حق الحماية من المجتمع والدولة، لكي تؤمّن حقوق افرادها، وفقاً " للشرعة العالمية لحقوق الانسان" ( مادة 16/3)، ولشرعة حقوق العائلة (المقدمة،أ).
من يعرقل العائلة في حقوقها يجعل السلام سريع العطب في الجماعة العائلية والوطنية والدولية. هذا ما يحصل:
- اذا حُّدّ من جهوزيتها لقبول حياة بشرية بشكل مسؤول.
- اذا حرمت المسكن او العمل او حرم الاهل دورهم في البيت او المدرسة، اوحُرمت العناية الطبية الاساسية.
- اذا لم يلتزم المجتمع والسلطة السياسية في خدمة العائلة على هذه المستويات،
- اذا لم تعزز وسائل الاعلام احترام العائلة، او لا تعبّر عن انتظاراتها وحقوقها، او لا تبيّن جمالها ( رسالة البابا،5).
***
ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تتناول الخطة الراعوية، وفقاً لبرنامج الامانة العامة للمجمع البطريركي الماروني، النص المجمعي السابع وعنوانه: " الكهنة في الكنيسة المارونية: كهنوتهم وخدمتهم الراعوية، دعوتهم وتنشئتهم". نعني بالخطة الراعوية ان الهيكليات الرعائية والجماعات الديرية والمنظمات الرسولية والعائلة وكل جماعة منظمة تلتقي اسبوعياً لتقبّل النص ولاتخاذ مبادرات تطبيقية.
1. الكاهن انسان " اخذه الله من بين الناس، واقامه لديه، من اجل الناس" (عبرايين 5/1). جوهر كهنوته وهوية خدمته ينبعان من كهنوت المسيح، الكاهن الاوحد والاعظم، والوسيط الوحيد بين الله والناس ( فقرة1). منوط به " عمل النفوس وخدمة القداس وتقدمة الذبائح" (لفظة كاهن)، وكذلك " خدمة الشعب وترؤس الجماعة ( لفظة قسيس من السريانية قشيشو). يُمنح الكهنوت بوضع اليد، او الرسامة. هذا يعني الدعوة الالهية وعطية الروح القدس ووقف الذات على الله والكنيسة (الفقرة 2).
2. الكهنوت في طبيعته انشأه الكاهن الاوحد والابدي، يسوع المسيح، في شخصه لخدمة الشعب الكهنوتي الذي هو الكنيسة، بفضل المعمودية والميرون. يُسمى الكهنوت المسيحاني او البيعي. بدأه المسيح قبل الدهور، واظهره بالرمز في خلق الانسان الذي جبله الله ليرفع له التسبيح والشكر عن المخلوقات كلها، وسلّطه على الكون جاعلاً اياه كاهناً وحبراً وملكاً (الليتورجيا المارونية). انه الكهنوت الطبيعي. ثم تممه المسيح بتجسده وموته على الصليب، وقد اصبح فيه "تقدمة قربان او افخارستيا"، يقدّم ذاته قرباناً لابيه فداءً عن البشر، ويمنحها لهم خبز حياة لخلاصهم. انه الكهنوت الحق. يواصله، وهو عن يمين الآب، حيث يشفع لنا على الدوام (عبرانيين7/25). هذا الكهنوت وَكَلَه المسيح الى الكنيسة عروسته بقوة الروح القدس. وهو يستمر فيها عبر الرسل والاساقفة خلفائهم الذين ينقلونه جيلاً بعد جيل الى شمامسة وكهنة" (الفقرات3-5).
***
صلاة
ايها الرب يسوع في عرس قانا الجليل، حوّلت الماء الى خمر، بتشفع مريم امك الكلية القداسة، لتبيّن لنا انك عريس البشرية: تلتقيك فتتغيّر وتتجدد وتملأها السعادة والفرح، وتغنيها بعطاياك، بفضل الام السماوية الساهرة على ابنائها وبناتها المسافرين في بحر هذا العالم. اعطنا ان نفعل ما تقوله لنا في كلام الانجيل وتعليم الكنيسة والهامات الروح القدس. لقد استبقت عرس الخلاص بموتك فداءً عنا وبقيامتك لتبريرنا، وجعلته قائماً ابداً بتحويل الخبز والخمر الى جسدك ودمك، ذبيحة الفداء ووليمة الحياة الالهية فينا. نشكرك ربي، على نعمة الكهنوت الذي يقيم لنا هذا العرس الخلاصي مدى الدهور. لك المجد والشكر مع ابيك وروحك القدوس، الآن والى الابد. آمين.
****
الاحد 10 شباط 2008
آية شفاء الابرص
البرص رمز الخطيئة
من انجيل القديس مرقس 1/35-43
قالَ مَرقُسُ البَشِير: قَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْر، فخَرَجَ وذَهَبَ إِلى مَكَانٍ قَفْر، وأَخَذَ يُصَلِّي هُنَاك. ولَحِقَ بِهِ سِمْعَانُ وَالَّذين مَعَهُ، ووَجَدُوهُ فَقَالُوا لَهُ: "أَلْجَمِيعُ يَطْلُبُونَكَ". فقَالَ لَهُم: "لِنَذْهَبْ إِلى مَكَانٍ آخَر، إِلى القُرَى الـمُجَاوِرَة، لأُ}بَشِّرَ هُنَاكَ أَيْضًا، فَإِنِّي لِهـذَا خَرَجْتُ". وسَارَ في كُلِّ الـجَلِيل، وهُوَ يَكْرِزُ في مَجَامِعِهِم وَيَطْرُدُ الشَّيَاطِين. وأَتَاهُ أَبْرَصُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه، فجَثَا وقَالَ لَهُ: "إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!". فتَحَنَّنَ يَسُوعُ ومَدَّ يَدَهُ ولَمَسَهُ وقَالَ لَهُ: "قَدْ شِئْتُ، فَاطْهُرْ!". وفي الـحَالِ زَالَ عَنْهُ البَرَص، فَطَهُرَ. فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ وصَرَفَهُ حَالاً، وقالَ لَهُ: "أُنْظُرْ، لا تُخْبِرْ أَحَدًا بِشَيء، بَلِ اذْهَبْ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِن، وَقَدِّمْ عَنْ طُهْرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُم". أَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وبَدَأَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ ويُذِيعُ الـخَبَر، حَتَّى إِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا أَنْ يَدْخُلَ إِلى مَدِينَةٍ عَلانِيَة، بَلْ كانَ يُقِيمُ في الـخَارِج، في أَمَاكِنَ مُقْفِرَة، وكانَ النَّاسُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَان.
تفتتح الكنيسة زمن الصوم بكلام الله: " اذكر يا انسان انك تراب والى التراب تعود" (تك3/19)، داعية الى التوبة والارتفاع بالنفس الى الله. الابرص معزول عن الناس، ويسوع يعيده الى حياة المجتمع، هادماً الحواجز. البرص رمز الخطيئة التي تتآكل عقل الخاطىء وقلبه وارادته وضميره، كما يتآكل البرص جلد الانسان، ويشوهه بالقروح. وكما البرص مرض معدٍ، هكذا الخطيئة تتحوّل من افعال شخصية فردية الى حالة اجتماعية. ومثلما قضت الشريعة بان يُعزل الابرص عن محيطه لانه خاطىء، كذلك الخاطىء يعيش منفصلاً عن شركة الله والقديسين والحياة العائلية والاجتماعية والكنسية.
1. الابرص والمسيح
البرص مرض جلدي يكسو الجسم بالقروح ويتسبب بالعدوى. وبحسب الشريعة القديمة، البرص نجاسة معدية حسياً وروحياً. فالشريعة تقضي بان يُنبذ الابرص من الجماعة لحين شفائه وتطهيره فيقدم ذبيحة تكفير عن خطيئته على يد الكاهن ( احبار 14/19-20) الذي سبق واعلن نجاسته وفصله عن الجماعة ( أحبار،13/9-17). حكمت شريعة موسى، على الابرص ان " تكون ثيابه ممزقة وشعره مهدولاً. ينادي: نجِس، تجس، ويقيم منفرداً خارج المحلة" ( احبار 13/45-46). ذلك ان البرص قصاص من الله على الخطيئة: " ان لم تسمع لصوت الرب الهك، حافظاً وصاياه وفرائضه التي انا آمرك بها اليوم، ولم تعمل بها، تأتي عليك اللعنات كلها... فيضربك الرب بالبرص والجرب والحِكّة، فلا تستطيع مداواتها ( تثنية،28/15و27).
بحث يسوع عن الابرص في البرية حيث يقيم: " فقام باكراً جداً، وخرج الى مكان قفر، وكان هناك يصلي" ( مر1/35). تشجع الابرص واتى الى يسوع، ووقع على قدميه متوسلاً: " اذا شئت، فانت قادر ان تطهرني" ( مر1/40).
اتى الى يسوع بروح التوبة، وخرّ ساجداً امامه بالندامة وانسحاق القلب، لان يسوع اتاه اولاً، وصلى من اجله، ووضع نفسه على طريقه، وبثّ في قلبه الايمان وفي عقله المعرفة. الابرص يمثل كل انسان خاطىء من اجله اتى المسيح، وقال: " اني اريد رحمة لا ذبيحة، لاني ما اتيت لادعو الصديقين، بل الخطأة" ( متى9/13). طبّق بولس الرسول هذه الحقيقة على ذاته: " ان يسوع المسيح اتى الى العالم ليحيي الخطأة الذين اولهم انا. هذا قول صادق وجدير بالقبول" ( اتيمو1/15). ويمثل الابرص كل انسان متألم بمرض من اجله اتى المسيح، كما قال للتلاميذ عندما ارسلهم: "اشفوا المرضى الذين في المدينة، وقولوا لهم: ملكوت الله اقترب منكم" ( لو10/9).
حمل يسوع قروح الابرص وخطيئته عندما شفاه منها. لقد افتداه واضعاً نفسه مكانه مستبقاً جراح آلامه فداء عن البشر، وجاعلاً نفسه خطيئة، قابلاً عنه عقاب الصلب ليخلصه، كما تنبأ عنه آشعيا: " لقد حمل آلامنا واحتمل اوجاعنا، فحسبناه مصاباً ببرص، مضروباً من الله ومذللاً. طُعن بسبب معاصينا، وسُحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من اجل سلامنا، وبجرحه شفينا" ( اشعيا53/4-5). ذبيحة القداس تأوين لنبؤة اشعيا ولآية شفاء الابرص ولذبيحة الفداء على الصليب.
بحث يسوع عن الابرص في القفر، بحثاً عن انسان خاطىء ومتألم. قال خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني: "النقطة الجوهرية التي تميّز المسيحية عن سائر الاديان الساعية في طلب الله، هي ان في المسيحية لم يعد الانسان وحده يطلب الله، بل الله يأتي بذاته يحدّث الانسان عن نفسه، ويهديه سبيل البلوغ اليه. وهكذا الدين في المسيح لم يعد السعي في طلب الله على غير هدى ( اعمال 17/27)، بل هو جواب الايمان بالله الذي يعلن ذاته. جواب به يتكلم الانسان مع الله كخالقه وابيه (اطلالة الالف الثالث، 6). كشف للابرص عن نفسه بالبحث عنه، والابرص اجاب بصرخة الايمان: " اذا شئت انت قادر ان تطهرني".
" تحنن يسوع عليه، مدّ يده ولمسه، وقال له: شئت فاطهر، فزال برصه حالاً وطهر" (مر1/41-42). هذا هو انجيل يسوع المسيح، انجيل رحمة الله الذي يعلن: ان حب الله اقوى من خطيئة الانسان ومفاعيلها: الشر والألم والمرض والاعاقة والموت. انجيل يعلن ان الانسان، اياً كان وضعه او حالته، هو قيمة بحدّ ذاته، لان الله اراده عندما تكوّن في بطن امه، وهو مفتدى بدم المسيح، ومدعو ليكون هيكل الروح القدس، ومعاون الله في صنع التاريخ. ويعلن ان الله، بالمسيح يسعى في طلب كل انسان، لكي يحمله على الارتداد عن دروب الشر التي ينزع دوماً الى التوغل فيها، فيستعيد كرامته كمخلوق على صورة الله، وحرية ابناء الله ( اطلالة الالف الثالث،7).
لقد طهّر يسوع الابرص، نفساً وجسداً، واعاده الى الجماعة، حيث الشركه مع الله وبين الناس، وامره اظهار نفسه للكاهن ليعلن طهره واعادته الى جسم الجماعة. كما امره بتقديم قربان التكفير والشكر لله، حسب شريعة موسى ( مر1/44). فاصبح الابرص رسول يسوع المسيح (انظر مر1/45).
2. الابرص ونحن
يمثل الابرص كل متألم وكل خاطىء. كلنا نمرض فنبحث عن طبيب ودواء. وكلنا نخطأ، فهل نبحث عمن هو طبيب النفوس وحده يسوع المسيح بالعودة اليه بالتوبة: نهتدي بكلامه الذي ينير ظلال حياتنا، نسجد امام رحمته، مقرين بخطايانا، وملتمسين نعمة الغفران الشافية على يد الكاهن حامل سلطان الحلّ والربط باسم المسيح؟
الخطيئة برص النفس. لا يستطيع احد منا ان ينكر هذا البرص فيه، الذي يشوه العقل فيزيغ عن نور الحقيقة، والارادة فتنحرف عن فعل الخير والعدل والصلاح، والقلب فينغلق في الانانية والاميال الغريزية، والضمير فيصمّ الاذن الداخلية عن سماع صوت الله، الداعي الى فعل الخير والناهي عن الشر.
ولئن كانت الخطيئة جزءاً لا يتجزأ من حقيقة الانسان، فانها تواجه حقيقة المحبة الالهية، السخية، الامينة، التي تتجلى على الاخص بالفداء والمغفرة، شرط العودة الى الله والاقرار بالخطايا الشخصية، كما فعل الابرص، وكما هتف داود الملك: " اني عالم بمعاصيّ، وخطيئتي امامي في كل حين. اليك وحدك خطئت والشر امام عينيك صنعت"( مزمور 50/5-6). رسالة الكنيسة هي خدمة المصالحة الرامية الى حمل الانسان، كل انسان، على معرفة ذاته، والاقلاع عن الشر، واستعادة الصداقة مع الله، واحلال النظام الداخلي، والعودة الى حياة كنسية سليمة ( الارشاد الرسولي: المصالحة والتوبة،13).
كما البرص مرض معدٍ، كذلك الخطيئة انحراف يُعدي، فتصبح الخطيئة الشخصية خطيئة اجتماعية، لانها تؤثّر بطريقة ما على الآخرين، بقوة ما بين الناس من تضامن. كما في " شركة القديسين" كل نفس ترتفع، ترفع معها العالم، كذلك في " شركة الخطيئة" كل نفس تنحدر، تحدر معها الجماعة. هذا يعني ان كل خطيئة شخصية تصبح خطيئة اجتماعية، اي مجموعة خطايا يشارك فيها من دون ان يتوب كل من يقترف الشر ومن يسانده، ومن يستغله، ومن يهمل ازالته، ومن يختبىء وراء الادعاء باستحالة تغييره، ومن يتجنب المشقة او التضحية في سبيل اصلاح الفساد القائم (المرجع نفسه،16).
ان الافات التي تشكل نوعاً من " البرص" الشخصي والاجتماعي والعائلي والوطني هي على صعيد الشخص والمجتمع: الانجراف في الاباحية، تعاطي المخدرات، ادمان على القمار والكحول، الرشوة والغش والكذب والفساد؛ وعلى صعيد العائلة: اهمال تربية الاولاد على يد والديهم، فقدان القيم الموروثة، التعدي على الحياة البشرية في بطون الامهات، التلاعب بالاجنة، الاساءات الخلقية الى الاطفال والاولاد، جنسياً وتجارياً، تفكك الرابطة الزوجية والروابط العائلية بين الاهل واولادهم، تعديات بعض وسائل الاعلام على حرمة الضمائر وقدسية الجنس والحب؛ وعلى صعيد الوطن: غياب المصالحة الوطنية مع التشرذم والانقسام في الاحزاب السياسية والجماعات، عبء الديون الباهظة، تعاظم حالة الفقر، الهجرة الحسية والنفسية.
3. زمن الصوم، موسم العودة الى الله والذات والقريب
الصوم عودة الى الله بسماع كلامه والتوبة اليه. تقام الرياضات الروحية في الرعايا وتكثف البرامج الدينية في وسائل الاعلام، ولاسيما في اذاعة صوت المحبة، وتليلوميار. انها مناسبة لسماع كلام الله من اجل تسليط انواره على حياتنا فنكتشف ما اعتورها من شوائب، ومن اجل تثقيف عقولنا وضمائرنا بالمبادىء التي تنير سبيلنا ومسلكنا. انه زمن التوبة والاعتراف بخطايانا، لكي نعيش فصح الرب، بالعبور الى حياة جديدة بقيامة القلوب.
الصوم عودة الى الذات بترميم صورة الله فينا، اقتداء بيسوع المسيح الذي ترك لنا قدوة (1بطرس2/21) في شخصه وافعاله وكلامه. في زمن الصوم ننقطع عن الطعام واللحوم والحلوى وسواها تكفيراً عن خطايانا، وتدريباً لاراداتنا، وكبحاً لاهوائنا وغرائزنا. نحقق السيطرة على الانانية ونتحرر من العبوديات لشهوات العين والجسد وكبرياء الحياة ( 1يو2/16)، بفضيلة التجرد والطهارة والطاعة لله.
الصوم عودة الى القريب بافعال المحبة والرحمة تجاه الفقراء والمعوزين. بها نرمّم علاقات الاخوّة مع جميع الناس.
" الصوم هو الزمن المقبول الذي يستجيب الرب لنا فيه، ويعيننا في يوم الحياة" (2كور6/2)
*****
ثانياً، السلام في العائلة والوطن
نواصل الكلام عن السلام والتربية عليه والتزام المسؤولين السياسيين والمواطنين ببنائه، كما تبسط به قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في رسالة يوم السلام العالمي لسنة 2008وعنوانها: "العائلة البشرية جماعة السلام".
العائلة الطبيعية، القائمة على زواج رجل وامرأة، هي خلية العائلة الاجتماعية، على المستوى المحلي والوطني والدولي. كما العائلة الطبيعية تنطلق من كلمة " نعم"، كذلك العائلة الاجتماعية، المحلية والوطنية والدولية، تُبنى على كلمة " نعم" للعيش معاً وانشاء جماعة ذات ثقافة وتاريخ ومصير مشترك. السلام منوط بالامانة لهذه الكلمة (الرسالة فقرة 6).
1. العائلة الطبيعية تولد من كلمة " نعم"، يقولها اولاً الزوجان اذ يقبل الواحد ذات الآخر ويعطيه ذاته، من اجل الاسعاد المتبادل . يُنشآن معاً جماعة حب وحياة مدى العمر: حب زواجي انساني وشامل وخصب ، امين ودائم؛ وحياة تُحترم وتُكرّم وتُحمي وتُعزز، هي حياة كل واحد من الزوجين. ويقولان " نعم" لنقل الحياة البشرية بالانجاب، وفقاً لمقاصد الله والاتكال على عنايته، ولتربيتها حسياً واخلاقياً وروحياً.
ثم يقول الاولاد كلمة "نعم" لطاعة الوالدين واكرامهم. فالوالدون يحملون سلطة من الله للعناية باولادهم، اعالة وتربية وتوجيهاً، ويتمتعون بحق الاحترام من قبل اولادهم، والعناية بهم عند عُسرهم ومرضهم وفي شيخوختهم. ويقول الاخوة والاخوات كلمة "نعم" للالتزام بروابط الاخوة، تعاوناً ومحبة ، للمحافظة على الوحدة والتضامن.
2. كذلك العائلة الاجتماعية، المحلية والوطنية والدولية، تولد من كلمة " نعم". يقولها افرادها والمواطنون والمسؤولون السياسيون للدعوة التي كتبها الله في الطبيعة البشرية. فالناس لا يعيشون الواحد الى جانب الآخر، منعزلاً عنه او غير معني به وكأنه في جزيرة، بل يقطعون معاً طريقاً واحداً، ويكتبون تاريخاً واحداً، ويؤلفون ثقافة وحضارة مشتركة، ويواجهون مصيراً واحداً. كل ذلك بروح المسؤولية والتضامن.
يقولون "نعم" لعيش وجودهم المحلي والوطني والدولي بموقف مسؤول امام الله، ويعترفون ان في الله الينبوع الاصلي لوجودهم ووجود غيرهم. ما يشكل اقراراً بقيمة كل شخص بشري غير مشروطة. هذا هو اساس التضامن، الذي هو الفضيلة التي تشعرنا باننا كلنا مسؤولون عن كلنا، واننا مترابطون الواحد بالآخر. الميثاق الوطني والمعاهدات الدولية تعبير عن كلمة " نعم". التراجع عنها يُسمى في اللغة الزواجية " خيانة"، فيتهدد السلام.
***
ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبل النص المجمعي السابع: الكهنة في الكنيسة المارونية، وتحديداً حول هوية كهنوت الخدمة (الفقرات 6-9).
1. الخدمة الكهنوتية تأسيس الهي.
ان السيد المسيح الذي " قدّسه الآب وارسله الى العالم" (يوحنا10/36) ، وجاء "يخدم ويبذل نفسه فداً عن الكثرين" (متى 20/28) ، قد اشرك بكهنوته المؤمنين المنتمين بالمعمودية والميرون الى جسده السرّي. فاصبحوا شعباً كهنوتياً مقدساً وملوكياً. ثم اقام من بينهم خداماً يتمتعون بسلطان الكهنوت المقدس ،ليمارسوا باسمه وبشخصه رسالته الخلاصية بين البشر، تعليماً وتقديساً وتدبيراً. وهي مهام النبؤة والكهنوت والملوكية.
هذا الاشتراك في كهنوت المسيح يدخل الكهنة في شركة خاصة ومميزة مع الاب الذي اجتذبهم بمحبته، والابن الذي دعاهم لاتباعه واشركهم برسالته، والروح القدس الذي ينعشهم بالمحبة الراعوية ويلهم خدمتهم.
2. الخدمة الكهنوتية مثلثة
تصلي الليتورجيا المارونية من اجل الكهنة الذي " اختارهم المسيح وقدّسهم وزيّنهم وكملهم وائتمنهم على اسراره الالهية وعلى كنوز ملكوته، وسلّمهم مفاتيح تلك الكنوز ليوزعوها على المحتاجين".
الكاهن مؤتمن على ثلاث:
أ- وديعة " الكلمة" او خدمة الكرازة والتعليم. الكاهن معلم يقف حياته على درس كلمة الله، وتسليمها خالصة الى البشر، وعظاً وتعليماً وارشاداً. هذه الخدمة تهدف الى ايلاد الايمان وتثقيفه وتوجيهه ليصبح حضارة حياة ويدخل في عمق ثقافات الشعوب.
ب- وديعة " النعمة" او خدمة التقديس والاسرار الالهية. الكاهن وكيل اسرار الله، يقوم في الوسط، بوساطة المسيح الوحيدة، فيتوجه الى الله باسم الشعب، والى الشعب باسم الله. هو في بيت القدس، في سبيل الناس رجل التشفع، وتجاه الله رجل التسبيح. يكون مؤتمناً على قداسته وعلى قداسة ابناء رعيته، هو الذي وقف حياته لخدمة " الاقداس للقديسين".
ج- وديعة " المحبة" او خدمة رعاية شعب الله. الكاهن يرئس جماعة المؤمنين باسم المسيح الرأس، ويساهم بالتعاون مع الاسقف في بنيان الكنيسة وحفظها وتثبيتها. فهو " المدبر والراعي" الذي اوكل اليه المسيح الراعي الصالح رعاية خرافه الناطقة. وهو " المجاهد في سبيلها، وناطورها الذي سوف يحاسب عليها" ( الليتورجيا المارونية). لكن رعايته تشمل بنوع خاص " اخوة المسيح الصغار" اي الخطأة والمرضى والفقراء والاسرى والمظلومين والمنبوذين.
****
صلاة
ايها الرب يسوع، لقد قصدت الابرص في قفره وعزلته، فالتقاك وتطهّر. اعطنا ان نراك، وقد وضعت نفسك على دربنا، يا طبيب الاراواح والانفس والاجساد. انت حاضر بيننا في كلمة الانجيل هداية لنا اليك، وفي نعمة الاسرار شافياً خطايانا ومقدّساً آلامنا ومعزياً لنفوسنا، وفي هبة الروح القدس الذي يفيض في قلوبنا المحبة ويحيينا بسكنى الثالوث الالهي فينا. نشكرك على حضورك بيننا بشخص الكاهن. بارك خدمته المثلثة من أجل حياة العالم. لك ولابيك المبارك ولروحك الحي القدس كل مجد وشكر واكرام ، الآن والى الابد. آمين.
****
الاحد 17 شباط 2008
شفاء النازفة
الخطيئة نزيف القيم الشخصية والاجتماعية
من انجيل القديس لوقا 8/40-48
قالَ لُوقَا البَشٍير: لَمَّا عَادَ يَسُوع، اسْتَقْبَلَهُ الـجَمْع، لأَنَّهُم جَميعَهُم كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ. وَإِذَا بِرَجُلٍ اسْمُهُ يَائِيرُس، وكَانَ رَئِيسَ الـمَجْمَع، جَاءَ فارْتَمَى عَلَى قَدَمَي يَسُوع، وَأَخَذَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ،لأَنَّ لَهُ ابْنَةً وَحِيدَة، عُمْرُها نُحْوُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى الـمَوْت. وفِيمَا هُوَ ذَاهِب، كانَ الـجُمُوعُ يَزْحَمُونَهُ.وَكانَتِ امْرَأَةٌ مُصَابَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَشْفِيَهَا.دَنَتْ مِنْ وَرَاءِ يَسُوع، وَلَمَسَتْ طَرَفَ رِدَائِهِ، وَفَجأَةً وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا. فَقَالَ يَسُوع: "مَنْ لَمَسَنِي؟". وَأَنْكَرَ الـجَمِيع. فَقَالَ بُطْرُسُ وَمَنْ مَعَهُ: "يا مُعَلِّم، إِنَّ الـجُمُوعَ يَزْحَمُونَكَ وَيُضَايِقُونَكَ!". َقَالَ يَسُوع: "إِنَّ واحِدًا قَدْ لَمَسَنِي! فَإنِّي عَرَفْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي!".وَرَأَتِ الـمَرْأَةُ أَنَّ أَمْرَها لَمْ يَخْفَ عَلَيه، فَدَنَتْ مُرْتَعِدَةً وارْتَمَتْ عَلَى قَدَمَيه، وَأَعْلَنَتْ أَمَامَ الشَّعْبِ كُلِّهِ لِماذَا لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ شُفِيَتْ لِلْحَال. فَقَالَ لَهَا يَسُوع: "يا ابْنَتِي، إِيْمَانُكِ خَلَّصَكِ! إِذْهَبِي بِسَلام
آية شفاء النازفة تدل على حقيقتين: قدرة الايمان الذي امتدحه يسوع في المرأة: " ايمانك احياكِ"، وقدرة يسوع الاله على الشفاء من نزيف دام اثنتي عشرة سنة: " لمست طرف ردائه، فوقف حالاً نزف دمها". في زمن الصوم ترمز الآية الى خطيئة الانسان لانها اذا دامت كحالة تؤدي الى نزيف في القيم الروحية والانسانية والاجتماعية.
اولا، شرح نص الانجيل
1. الخطيئة جرح ينزف
تفتح الخطيئة جرحين في الخاطىء: جرحاً في داخله، وجرحاً في علاقته مع القريب. فهي في الاساس معصية تخالف رسوم الله ووصاياه، وقطيعة معه، ورفض للخضوع له. فيختل توازنه وتنشأ في داخله تناقضات وصراعات، يصبح معها ممزقاً على مستواه الشخصي. اما على مستوى علاقاته بسائر الناس، فتتقطع شيئاً فشيئاً روابط الحقيقة والعدالة، الاخوة والصداقة، الخير والجمال، الطاعة والاحترام، المحبة والتضامن، الخدمة والعطاء، المصالحة والسلام، الانصاف وحقوق الانسان. وهذا نزيف أخطر من نزيف الدم.
نتائج الخطيئة تؤدي الى اضعاف المناعة الروحية فالى الموت الروحي. انها تعطّل علاقة الخاطىء مع الله، اساس حياته، وتؤثر على عقله وارادته فتظلم بصيرته. وفوق ذلك، تتعدى هذه النتائج الشخص المرتكب للخطيئة الى الحياة الاجتماعية. يقول خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني: "كل خطيئة، كبر ام صغر حجمها، كثر ام قلّ اذاها، ينعكس اثرها على الجماعة الكنسية كلها، وعلى العائلة البشرية جمعاء. وبهذا المعنى يمكن اعتبار الخطيئة الشخصية خطيئة اجتماعية (الارشاد الرسولي: المصالحة والتوبة، 16).
الخطيئة الشخصية، التي لا نندم عنها، تؤدي بنا الى خطيئة اجتماعية: الاساءة الى القريب مثلاً هي في الاساس اهانة لله، لان الشريعة الاولى في الانجيل ان تحب الله من كل عقلك وقلبك وارادتك وقوتك، والثانية ان تحب قريبك كنفسك (متى22/39). تأخذ هذه الاساءة وجوهاً مختلفة في الحياة الاجتماعية، مثل: مخالفة العدل في العلاقات بين الاشخاص، وبين الشخص والمجتمع، وبين المجتمع والشخص؛ انتهاك حقوق الانسان ولاسيما الحق في الحياة والكرامة والمعتقد والتعبير؛ التعدي على الخير العام ومقتضياته وحقوق المواطنين من خلال افعال الحكام ورجال الاقتصاد والسياسة ومن خلال اهمالهم ما يترتب عليهم من واجبات في هذا المضمار لتحسين حالة المجتمع وتطويره، ومن خلال عمل المسؤولين والموظفين والعمال الذين يخلّون بواجب الحضور والعمل لتمكين المؤسسات من مواصلة تأمين خيرهم وخير عائلاتهم والمجتمع كله، والذين يربطون عملهم بالرشوة والسرقة وهدر المال العام؛ تعطيل حسن العلاقات بين مختلف الجماعات بانتهاك العدالة والحرية والسلام، وبقيام صراع الطبقات والتمادي بالخصومات والخلافات (المصالحة والتوبة،16).
هذا النزيف، الذي ينتشر انتشاراً واسعاً، ويتفشى في الاباحية والعنف، ويتزايد كواقع اجتماعي، انما يستحث ضمير الجميع على وضع حدّ له، بجديّة وجرأة، وعلى تبديل الاوضاع الفاسدة والاحوال التي لا تطاق. زمن الصوم دعوة ووسيلة لهذا الالتزام.
2. الايمان بحث عن المسيح الذي يشفي
كما المرأة النازفة بحثت عن يسوع، وفي قلبها اليقين التام والايمان الثابت انها اذا لمست، ولو طرف ردائه، تشفى، هكذا نحن اليوم مدعوون للبحث عن المسيح. نلتقيه في " ينابيع التجدد التي اشار اليها الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" وهي:
كلام الله الذي يجعلنا لابسي الروح، كما كلمة الله صار لابساً الجسد، ويشكّل فينا قوة ومناعة، ومعيناً لا ينضب لحياتنا الروحية، ويمكننا من الاغتذاء من جسد الرب ودمه في الافخارستيا (فقرة39).
والتقليد الرسولي الذي يستحثنا على اعلان سرّ المسيح في حياتنا وادائنا وثقافتنا وانظمتنا وحضارتنا، في كل زمان ومكان (فقرة40).
والليتورجيا والاسرار التي بواسطتها يتم فينا الخلاص بالنعمة الالهية، ونشفى من نزيف خطايانا وشرورنا. وبواسطتها يصبح الانسان سكنى الثالوث القدوس (فقرة42).
والصلاة الفردية والجماعية التي ترفعنا الى الله، وتحررنا من الداخل، وتحقق فينا سرّ التأليه (فقرة43).
جدير بنا اليوم ان نعيد قراءة ما جاء في مقدمة الارشاد الرسولي على لسان البابا يوحنا بولس الثاني، ونلتزم بما يدعو اليه: "عندما دعوت، في 12 حزيران 1991، سينودس الاساقفة الى جمعية خاصة من اجل لبنان، كان وضع البلاد مأساوياً، ولبنان مزعزعاً تماماً في كل مقوماته، فدعوت المقيمين على هذه الارض الى المباشرة بمسيرة صلاة وتوبة وارتداد، تتيح لهم ان يتساءلوا امام الرب عن امانتهم للانجيل وعن التزامهم الفعلي في اتباع المسيح. فكان الموضوع الذي قاد هذه المسيرة " المسيح رجاؤنا، بروحه نتجدد، ومعاً للمحبة نشهد" ( فقرة 2).
***
ثانيا، السلام في العائلة والوطن
نواصل اظهار عناصر السلام في العائلة الطبيعية وفي العائلة الاجتماعية، محلياً ووطنياً ودولياً، كما كشفها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في رسالته ليوم السلام العالمي في اول كانون الثاني 2008، وهي بعنوان: العائلة البشرية جماعة السلام.
العنصر الثاني، بعد كلمة " نعم"، هو البيت المشترك (الرسالة فقرة 7 و8).
1. لا تستطيع العائلة الطبيعية، القائمة على زواج رجل وامرأة، ان تعيش بسلام ما لم تمتلك بيتاً، فيه تُنسج العلاقات بين افرادها، وفيه يتوفر الدفء والاستقرار والطمأنينة. من اولى حقوق الانسان الاساسية الحق في المسكن.
هكذا العائلة الاجتماعية، الوطنية والدولية، تحتاج الى بيت هو الارض. لقد هيّأها الله الخالق لنا لنسكن فيها بشكل خلاّق ومسؤول. من دون ارض للوطن تنعم بالسلامة والسيادة وتُنتج للمواطنين ثماراً يعيشون منها، وتوفر لهم مناخاً سليماً وجواً آمناً، لا مجال للعيش بسلام. وعلى المستوى الدولي، اذا لم تكن خيرات الارض متوفرة لجميع الناس، وقد رتّبها الله لهم جميعاً، لا تنعم الشعوب بالسلام، ويبقى العنف والارهاب مستمرين، وكذلك النزاعات والحروب.
2. السلام يقتضي منا جميعاً، وبخاصة من المسؤولين السياسيين، ان نعتني بالبيئة ونحرسها ونحميها بحرية مسؤولة، وتطلّع دائم الى خير الجميع وخير الشخص البشري الذي يحتل الاولوية في قيم الخلق. كل هذه القيم موضوعة في تصرفه وتصرف من سيأتي من بعده، بحيث لا يُحرم الفقراء من خيرات الارض المعدة لهم بنوع خاص. يقتضي السلام تشديد روابط العهد بين الشخص البشري والارض التي هي مرآة حب الله. منه اتينا اليها، ومنها نذهب اليه. ولقد خص المجمع البطريركي الماروني هذا الموضوع بنص هو الثالث والعشرون عنوانه: الكنيسة المارونية والارض.
3. الارض هي " بيتنا المشترك"، تقتضي منا ومن المسؤولين السياسيين الخيار لادارتها وحسن استثمارها عن طريق الحوار والتعاون المسؤول، لا عن طريق التفرّد والاحادية في الخيارات المصيرية. تُطرح على المستوى الدولي مسألة ادارة موارد الطاقة التي تختزنها الكرة الارضية. من واجب الدول النامية والمتقدمة تكنولوجياً ان تعيد النظر في طريقة استهلاك هذه الموارد، بحيث تتجنّب الافراط، وان تحسن تثمير موارد الطاقة وطرق استخدامها، فلا يكون ذلك على حساب الدول الفقيرة. يقتضي السلام بعدم ارغام هذه الدول، بسبب النقص في بناها التحتية التكنولوجية على بيع مواردها بثمن منخفض، وبعدم اخضاع حريتها السياسية لنوع من " الوصاية" او لشروط مذلّة.
اين نحن والمسؤولون عندنا من حماية ارضنا وحسن ادارتها واستثمارها والدفاع عنها من اجل سلام اجتماعي ووطني عادل ودائم!
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبل النص المجمعي السابع: الكهنة في الكنيسة المارونية، واتخاذ مبادرات عملية لتطبيقه. فتتناول الخدمة الكهنوتية ومقتضياتها في الزمن الحاضر (الفقرات14-20).
1. بسبب التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرعائية التي طرأت، حصل نزوح سكاني من الجبل الى المدن فخلق اوضاعاً وانماط حياة جديدة، وحصلت هجرة كبيرة الى بلدان جديدة ادخلت المنتشرين في ثقافات وتقاليد وطرق عيش مختلفة. وكان تطور في الحياة الاجتماعية ادخلها في مجتمع متعدد الاديان والطوائف والثقافات والتيارات الفكرية. وكانت ظاهرة التطور الثقافي والعلمي والتكنولوجي، والعلمنة والعولمة ووسائل الاعلام والانترنيت والاقمار الاصطناعية، وتفشي الشيع والبدع. هذه كلها بدّلت واقع الرعية واقتضت تنشئة كهنوتية مستمرة واسعة، وخدمة راعوية باساليب وانماط ووسائل جديدة.
2. في خدمة الكرازة والتعليم باتت لازمة تنشئة اوسع واعمق في العلوم الانسانية واللاهوتية والبيبلية. فضلاً عن الوعظ في الكنيسة، تقتضي الحاجة الى احياء سهرات انجيلية في المنازل، وتعزيز الحركات والمنظمات الرسولية وارشادها، وانشاء مرشديات في المدارس والجامعات، والتعاون مع الرهبان والراهبات والعلمانيين في هذا المجال. ولا بد من الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة لنشر كلمة الانجيل وتعليم الكنيسة. ومن المفيد جداً لهذه الغاية التعاون بين الكهنة، وتبادل الخبرات من خلال لقاءات وتجمعات، خارج الاجتماعات الكهنوتية الشهرية المنظمة في الابرشية.
3. في خدمة التقديس، يحتاج الكهنة اولاً الى احياء حياتهم الروحية الشخصية من خلال رياضات ودورات. فيعمّقوا علاقتهم بيسوع المسيح الكاهن الاوحد والراعي الصالح، ويجددوا التزامهم بصلاة الساعات وعيش الاسرار ولاسيما سرّي التوبة والافخارستيا. ومن الاهمية بمكان الاحتفال بالقداس اليومي في الرعية والممارسات التقوية. ولا بد من تنشيط اللجان الليتورجية في الرعايا، والجوقات ولجان راعوية العائلة والشبيبة، وتفعيل المشاركة في الحياة الليتورجية والاسرار. ومن الضرورة انشاء لجان متخصصة لتحضير الاحتفال بالاسرار وبخاصة المعمودية والمناولة الاولى والزواج ومسحة المرضى ومناولتهم.
4. في خدمة التدبير او الرعاية، تحتاج الرعايا الى حضور الكهنة فيها بشكل أفعل. على هؤلاء ايجاد وسائل جديدة للتعرّف الى ابناء رعاياهم، وسماعهم ومتابعتهم في مختلف ظروف حياتهم. وفي الواقع الاقتصادي والمعيشي الراهن والصعب، من واجب الكهنة تنظيم خدمة المحبة للفقراء والمهمّشين والمظلومين والعاطلين عن العمل. وامام واقع الخلافات والنزاعات العائلية والاجتماعية، يبقى دور الكاهن اساسياً في تعزيز المصالحات وتقريب وجهات النظر واحلال روح التفاهم والغفران والتعاون. ويقتضي واقع الانتشار والمسافات اعتماد وسائل الاتصال الحديثة للاحصاء والمتابعة ونقل اخبار الرعية وحياتها ورسالتها.
5. يدعو المجمع البطريركي الماروني، كما الارشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان" الى احياء خدمة الشمامسة الدائمين لمساعدة كهنة الرعايا في خدمتهم المثلثة.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، لقد شئت ان تمتدح ايمان المرأة النازفة، لتؤكد لنا قدرة الايمان على تحريك محبتك التي اخرجت قوة شفت نزيف المرأة. اعطنا ان نقترب من اسرارك الخلاصية بايمان المرأة النازفة، لكي نشفى بقوة النعمة المتفجرة منها. ضع السلام في قلوبنا لكي نكون فاعلي سلام في عائلتنا الطبيعية والاجتماعية والوطنية. نشكرك على الكهنة وعلى الخدمة المثلثة التي اوكلتها اليهم. ضع في قلوبنا احترامهم، وحرّك ايماننا لنطلب خدمتهم، وقوّنا على موآزرتهم، نحن الذين اشركتنا ايضاً في رسالتك الكهنوتية المثلثة الابعاد بحكم معموديتنا والميرون. لك المجد ولابيك المبارك وروحك الحي القدوس، الآن والى الابد. آمين.
**************
الاحد 24 شباط 2008
الابن الشاطر
الخطيئة والتوبة والمصالحة
من انجيل القديس لوقا 15/11-32
قالَ الربُّ يَسُوع: كانَ لرجل َابنان. فَقالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيه: يَا أَبي، أَعْطِنِي حِصَّتِي مِنَ الـمِيرَاث. فَقَسَمَ لَهُمَا ثَرْوَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَة، جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ حِصَّتِهِ، وسَافَرَ إِلى بَلَدٍ بَعِيد. وَهُنَاكَ بَدَّدَ مَالَهُ في حَيَاةِ الطَّيْش. وَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيء، حَدَثَتْ في ذلِكَ البَلَدِ مَجَاعَةٌ شَدِيدَة، فَبَدَأَ يُحِسُّ بِالعَوَز. فَذَهَبَ وَلَجَأَ إِلى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذـلِكَ البَلَد، فَأَرْسَلَهُ إِلى حُقُولِهِ لِيَرْعَى الـخَنَازِير. وَكانَ يَشْتَهي أَنْ يَمْلأَ جَوْفَهُ مِنَ الـخَرُّوبِ الَّذي كَانَتِ الـخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، وَلا يُعْطِيهِ مِنْهُ أَحَد. فَرَجَعَ إِلى نَفْسِهِ وَقَال: كَمْ مِنَ الأُجَرَاءِ عِنْدَ أَبي، يَفْضُلُ الـخُبْزُ عَنْهُم، وَأَنا هـهُنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَمْضي إِلى أَبي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. فَاجْعَلْنِي كَأَحَدِ أُجَرَائِكَ! فَقَامَ وَجَاءَ إِلى أَبِيه. وفِيمَا كَانَ لا يَزَالُ بَعِيدًا، رَآهُ أَبُوه، فَتَحَنَّنَ عَلَيْه، وَأَسْرَعَ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ طَوِيلاً. فَقالَ لَهُ ابْنُهُ: يَا أَبي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. فَقالَ الأَبُ لِعَبيدِهِ: أَسْرِعُوا وَأَخْرِجُوا الـحُلَّةَ الفَاخِرَةَ وَأَلْبِسُوه، واجْعَلُوا في يَدِهِ خَاتَمًا، وفي رِجْلَيْهِ حِذَاء، وَأْتُوا بِالعِجْلِ الـمُسَمَّنِ واذْبَحُوه، وَلْنَأْكُلْ وَنَتَنَعَّمْ! لأَنَّ ابْنِيَ هـذَا كَانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد. وَبَدَأُوا يَتَنَعَّمُون. وكانَ ابْنُهُ الأَكْبَرُ في الـحَقْل. فَلَمَّا جَاءَ واقْتَرَبَ مِنَ البَيْت، سَمِعَ غِنَاءً وَرَقْصًا. فَدَعا وَاحِدًا مِنَ الغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هـذَا ؟ فَقالَ لَهُ: جَاءَ أَخُوك، فَذَبَحَ أَبُوكَ العِجْلَ الـمُسَمَّن، لأَنَّهُ لَقِيَهُ سَالِمًا. فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُل. فَخَرَجَ أَبُوهُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه. فَأَجَابَ وقَالَ لأَبِيه: هَا أَنا أَخْدُمُكَ كُلَّ هـذِهِ السِّنِين، وَلَمْ أُخَالِفْ لَكَ يَوْمًا أَمْرًا، وَلَمْ تُعْطِنِي مَرَّةً جَدْيًا، لأَتَنَعَّمَ مَعَ أَصْدِقَائِي. ولـكِنْ لَمَّا جَاءَ ابْنُكَ هـذَا الَّذي أَكَلَ ثَرْوَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ العِجْلَ الـمُسَمَّن! فَقالَ لَهُ أَبُوه: يَا وَلَدِي، أَنْتَ مَعِي في كُلِّ حِين، وَكُلُّ مَا هُوَ لِي هُوَ لَكَ. ولـكِنْ كانَ يَنْبَغِي أَنْ نَتَنَعَّمَ وَنَفْرَح، لأَنَّ أَخَاكَ هـذَا كانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد".
المعلم الالهي، يسوع المسيح، يفسّر في خبر الابن الشاطر معنى الخطيئة ونتائجها، والتوبة ومقوماتها، والمصالحة وثمارها. لفظة " شاطر" من فعل شطر اي قسّم ونزح عن اهله وتركهم. "الابن الشاطر" رمز لكل انسان انشطر عن الله بخطيئته وكسر العلاقة معه، وتناساه واضعاً قلبه وفكره في ما اعطاه الله من خيرات هذا الزمن. " الاب" هو الله الخالق والمعيل لكل انسان، الذي يوزع عطاياه على الناس، ليعرفوه ويحبوه، ويخدموه بنقل عطاياه للجميع، بحيث يتمكن كل واحد من ان يحقق ذاته التاريخية والابدية. لذلك يغمره بالحب والرحمة لكي لا يضلّ الطريق. " الابن الاكبر" يمثل كل انسان ظلّ وفياً لله، لكن قلبه لم ينفتح على اخيه الانسان بالحب والرحمة، لانه لم يعطه شيئاً في الاساس. فمن يعطي يحب ويرحم.
اولاً، شرح نص الانجيل
1. الخطيئة ونتائجها
ليست الخطيئة في ان الابن الاصغر اخذ حصته من ميراث ابيه، فهي حقه وعطية ابيه وعلامة حبه وعنايته. بل في انه كسر الشركة الحياتية معه، " سافر الى بلد بعيد" وبدد عطيته بالبذخ والاسراف، لا بالكرم على غيره والسخاء، ونسي اباه المعطي وراح يعيش بالطيش واللامبالاة وعدم التفكير وربما بالخلاعة، كما ادّعى الابن الاكبر.
هي عينها الخطيئة، في جوهرها كاستبعاد لله، وفي وجهيها كمعصية وقطيعة، بدت في خطيئة آدم وحواء في جنة عدن كمعصية، وفي خطيئة اناس برج بابل كقطيعة. وهي اياها ارتكبها الابن الشاطر ويرتكبها كل انسان.
الخطيئة معصية الله بمخالفة شريعته ووصاياه ورسومه وارادته، بفعل حرّ وواعٍ منا. قوامها عدم الاعتراف بسلطان الله علينا، والدخول في مزاحمة معه، والادعاء باطلاً اننا مثله: "وتصيران مثله، كآلهة، عارفي الخير والشر" ( تك3/5 و22)، وعدم التقيّد بالقاعدة الادبية التي اعطاها للانسان وكتبها في قلبه، ثم اثبتها وتممها بالوحي.
والخطيئة هي قطيعة مع الله، كما فعل اؤلئك الذين ارادوا ان يبنوا مدينة ويقيموا مجتمعاً، ويكونوا ذوي قدرة وسطوة، بمعزل عن الله، لا ضدّ الله، في برج بابل. هذه القطيعة تعني تناسي الله واهماله، وكأن ما من فائدة تُرجى منه، في ما عزم عليه الانسان من اقامة بناء ومجتمع.
في كلتا الحالتين كان استبعاد الله، وانقطاع العلاقة معه انقطاعاً عنيفاً وكانت النتيجة الانقسام المأساوي بين الاخوة. في جنة عدن انقطعت رابطة الصداقة في العائلة البشرية: الرجل والمرأة، آدم وحواء، يتبادلان اصبح الاتهام ( تك 3/12)، والاخ يناصب اخاه العداء، قايين وهابيل، ويقتله في النهاية؛ في برج بابل ( تك11-9) انقسام بين الناس وخلافات وفوضى و" بلبلة" (الرشاد الرسولي: المصالحة والتوبة 14-15).
نتائج الخطيئة فقر روحي وخلقي ومادي، من جراء البيئة التي يعيش فيها الخاطيء: "حدث في ذلك البلد جوع عظيم فابتدأ يفتقر"؛ وخسران الكرامة: " التحق برجل فأرسله الى مزرعة يرعى الخنازير"؛ وانحطاط في قيمته البشرية، والانسان قيمة بحدّ ذاتها، كما اراده الله خالقه وفاديه: " وكان يشتهي ان يملاء بطنه من ذلك الخروب الذي كانت الخنازير تأكله، فلا يعطيه منه أحد". هذه النتائج حتمية لكل خطيئة. ليست الخطيئة خلقية فحسب، ولا مجرد مخالفة لشريعة، ولا كسراً لقاعدة نظرية، بل هي خاصة وفي الاساس خروج على صلة البنوة التي تربط كل واحد منا بالله.
2. التوبة ومقوماتها
التوبة تذكّر ورجوع. " رجع الابن الى نفسه": بهذا الرجوع" في الفكر والاصغاء الى صوت الضمير، " تذكر" حالته الاولى عند ابيه، حالة البحبوحة " كم اجير في بيت ابي يفضل الخبز عنهم، وانا هنا اهلك لجوعي".
الرجوع الى النفس هو بداية الصحوة وطريق التوبة. انه رجوع الى الضمير الذي هو حضور الهي في الذات البشرية، تنيره الشريعة الالهية والوضعية وتصقله. الضمير هو اول شريعة مكتوبة في كيان كل انسان، لانه صوت الله فيه. تبدأ الخطيئة باسكات صوت الضمير الداخلي. لكن الضمير بحاجة الى استقامة ونقاء لكي يفهم الانسان ان الخطيئة تبعده عن القاعدة الخلقية المكتوبة في عمق كيانه. كل هذا نسميه في سرّ التوبة " فحص الضمير".
الرجوع الى الضمير الذاتي يولّد الندامة في القلب اي الاسف لحالة الخطيئة، ويؤدي الى رفضها رفضاً قاطعاً، واتخاذ القصد الثابت بعدم ارتكابها، والتغيير الجذري في الحياة، مع العزم على الخروج من ظروف الخطيئة واسبابها: " اقوم وامضي الى ابي". فلآن الرجوع الى الضمير اقتراب من قداسة الله، يكتشف الانسان حقيقته الداخلية الخاصة التي شوهتها الخطيئة، فيقصد التحرر.
الرجوع الى الضمير والندامة في القلب تؤديان الى موقف جديد: " فنهض ومضى الى ابيه" التذكّر ينتهي بالرجوع الى البيت الالهي، الى شركة الحياة مع الله الذي يعيد اليك البنوة المفقودة بالخطيئة. الروح القدس " الذي يبكّت على الخطيئة" ( يو16/17)، والذي قال لنا عنه السيد المسيح: " انتم تعرفونه، لانه مقيم عندكم وهو فيكم" ( يو14/17)، يعين الضمير البشري في جهاده، ويمهدّ امام الناس السبيل الى اهتداءات تحولّهم عن الخطيئة لكي يتجدد القلب بالحب والحق.
يبقى الاقرار بالخطيئة لله والتكفير عنها: " يا ابتِ، خطئت في السماء وامامك، ولست اهلاً لان ادعى لك ابناً". الاقرار بالذنوب هو الاهم، وقد سُمّي سرّ التوبة " بسرّ الاعتراف". انه ادراك للخطيئة بذكرها، وعلامة ندامة وانسحاق وتواضع.
3. المصالحة وثمارها
المصالحة هي جواب الله للتائب الراجع الى محبته الرحومة. الله يصالحنا لاننا اخطأنا اليه: "وفيما كان بعيداً، رآه ابوه، فتحنن عليه، وأسرع فألقى بنفسه على عنقه وقبّله". الرؤية مصالحة: لا سؤال ولا عتاب. هذا هو الحب الالهي المجاني الذي لا يطلب شيئاً لنفسه. الله يصالحك، اذا عدت اليه، لانه سبق وصالحك بموت المسيح ابنه وآلامه، وجعلك ملكاً في بيته: يُلبسك " حلة" النعمة فانت ابن الله، ويضع في اصبعك " خاتم" عهد الحب والسلطان على الشهادة له في حالة ملوكية، ويعطي رجلك " حذاءً" حرية ابناء الله، بدل حفاء العبودية، ويجلسك الى مائدة ذبيحة الخلاص". ثم يعلن قيامتك، قيامة القلب بالمسيح: " ان ابني كان ميتاً فعاش، وضالاً فوجد".
****
ثانياً، السلام في العائلة والوطن
ثقافة السلام عنصر اساسي في تربية الانسان. ما زلنا نستمد مقومات السلام من رسالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر ليوم السلام العالمي في اول كانون الثاني 2008، بعنوان: "العائلة البشرية جماعة السلام". عناصر السلام الذي يبدأ في العائلة الطبيعية هي اياها تُبنى عليها العائلة الاجتماعية، المحلية والوطنية والدولية. فبعد كلمة " نعم" والبيت-الارض، نتناول العنصر الثالث الذي هو الاقتصاد (الفقرات9 و10).
1. الشرط الاساسي للسلام في العائلة الطبيعية أن يتأمّن لكل فرد منها ما يحتاج اليه من مادّيات ليحقق ذاته، ويعيش بكرامة، ويهيء مستقبله ومستقبل اسرته. لكي يتوطّد السلام في العائلة، ينبغي ان يساس الارث العائلي والتراث بتعاون كل اعضائها، دونما تفريط او تبذير. ومعلوم ان التراث العائلي يتألف من ثمار عمل البعض، وادّخار آخرين، وتعاون الجميع. ولا بدّ ايضاً من توفر ادارة حسنة للخيرات المادّية، وتوطيد علاقات سليمة بين الاشخاص. اهمال هذه المقتضيات يزعزع الثقة المتبادلة، ويهدد مستقبل الخليّة العائلية وسلامتها.
2. كل هذه الشروط تُطبّق على العائلة البشرية التي تجمعها العولمة. فهي تحتاج الى اقتصاد يلبّي مقتضيات الخير العام على مستوى الكرة الارضية. هل تعيش الاسرة الوطنية او الاسرة البشرية من دون اقتصاد يؤمن اوضاعاً اقتصادية وثقافية وانسانية واجتماعية تمكّن كل مواطن من عيش كريم؟ وهل من سلام بمعزل عن هذه الاوضاع التي تؤلف الخير العام؟ العائلة البشرية تحتاج ايضاً الى علاقات عادلة وصادقة بين الافراد والشعوب ليتمكنّوا من التعاون بمساواة وعدل.
وتحتاج العائلة البشرية، لكي تنعم بالسلم والسلام، الى استعمال حكيم لطاقات الارض والدولة، والى توزيع منصف لثرواتها، والى مدّ المساعدات للبلدان الفقيرة باقتصاد رشيد، بعيداً عن البذخ والاستهلاك البيروقراطي. وفوق ذلك، لا يمكن اغفال المقتضى الخلقي في التنظيم الاقتصادي، بحيث لا تطبّق فيه فقط شريعة الربح المباشر الخالي من المشاعر الانسانية.
***
ثالثاً، الخطة التطبيقية للمجمع البطريركي الماروني
تتناول الخطة التطبيقية تقبّل النص المجمعي السابع: " الكهنة في الكنيسة المارونية"، واتخاذ مبادرات عملية في موضوع التطلعات المستقبلية والاقتراحات في حياة الكهنة ورسالتهم (الفقرات 22-24).
1. علاقة الكاهن بالمسيح والكنيسة
ثمة رباط جوهري يربط الكاهن بالمسيح من خلال الاسقف، وهو ان كهنوته ينبع من كهنوت المسيح، ويجعله صورة حقيقية له وممثّلاُ في رعاية شعب الله. فمن الضرورة الحياتية ان يشدد هذا الارتباط بالاتحاد الروحي بالمسيح وبالشركة الكنسية مع الاسقف. ما يجعله علامة لحضور المسيح في حياته وخدمته. فيوصيه المجمع:
أ- ان يعمّق حياته الروحية بالمثابرة على قراءة الكتب المقدسة والتأمل فيها، وعلى الصلاة الفردية والجماعية ولاسيما صلاة الساعات، وعلى الاحتفال اليومي بالقداس الالهي، وممارسة سرّ التوبة بتواتر.
ب- ان يعيش فضيلة الطهارة الظاهرة في هبة الذات كاملة لخدمة الله والمؤمنين.
ج- ان يختار عيش الفقر الانجيلي بروح البساطة والتجرد، وان يتحلّى بفضيلة القناعة وكبر النفس والسخاء وحسن الضيافة، وان يتصرف بلياقة وخلقية مع الناس، بروح المسالمة والتسامح والاحترام، الى جانب الاصغاء الى الجميع ومحاورة الجميع.
2. علاقة الكاهن بالاسقف واخوته الكهنة
وثمة رباط يربط الكاهن بالاسقف الذي نال بواسطته موهبة الروح القدس وكهنوت الخدمة. وقد اصبح معاوناً للاسقف في خدمته الراعوية المثلثة، وممثلاً له في الرعية الموكولة الى عنايته.
هذا الرباط يجعله عضواً في الجسم الكهنوتي الذي يؤلف حول الاسقف وبالشركة معه متحداً اخوياً يعمل بالاحترام والتفاهم والتعاضد على بنيان جسد المسيح في الكنيسة المحلية.
يوصي المجمع كلاً من الاسقف والكهنة على ايجاد الوسائل اللازمة لشدّ اواصر الشركة من اجل انعاش روح الاخوّة والتعاون. ويقترح انشاء بيوت للكهنة يعيشون فيها معاً، وتكثيف اللقاءات الروحية والتثقيفية والترفيهية، والانخراط تفضيلاً في الرابطة الكهنوتية، أو سواها من الجمعيات الكهنوتية المماثلة.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، لقد علمتنا في مثل الابن الشاطر حقيقة الخطيئة ونتائجها على شخص مرتكبها وعلى المجتمع، ومنحتنا وسيلة التغلب عليها والخروج من حالتها بالندامة والتوبة، وغفرتها لنا بفيض من الرحمة الالهية. نسألك، في هذا الصيام، ان تمنحنا نعمة التوبة لنعود الى الله بالندامة، ونرمم صورته فينا بالغفران، ونكون في مجتمعنا سفراء المسيح المؤتمنين على كلمة المصالحة. نشكرك على الكهنة خدام سرّ الرحمة والشفاء، وقد وكلت اليهم سلطان الحلّ والربط، ليعلنوا باسمك للتائبين غفران الله والحياة الجديدة. للآب والابن والروح القدس كل مجد واكرام الآن والى الابد، آمين.
********
الاحد 2 اذار 2008
شفاء المخلع
طاعة الايمان صلاة تشفّع
من انجيل القديس مرقس 2/1-12
قالَ مَرقُس البشِير: وبَعْدَ أَيَّامٍ عَادَ يَسُوعُ إِلى كَفَرْنَاحُوم. وسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيْت. فتَجَمَّعَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِنْهُم حَتَّى غَصَّ بِهِمِ الـمَكَان، ولَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لأَحَدٍ ولا عِنْدَ البَاب. وكانَ يُخَاطِبُهُم بِكَلِمَةِ الله. فأَتَوْهُ بِمُخَلَّعٍ يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةُ رِجَال. وبِسَبَبِ الـجَمْعِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الوُصُولَ بِهِ إِلى يَسُوع، فكَشَفُوا السَّقْفَ فَوْقَ يَسُوع، ونَبَشُوه، ودَلَّوا الفِرَاشَ الَّذي كانَ الـمُخَلَّعُ مَطْرُوحًا عَلَيْه. ورَأَى يَسُوعُ إِيْمَانَهُم، فقَالَ لِلْمُخَلَّع: "يَا ابْني، مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك!". وكانَ بَعْضُ الكَتَبَةِ جَالِسِينَ هُنَاكَ يُفَكِّرُونَ في قُلُوبِهِم: "لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هـذَا الرَّجُلُ هـكَذَا؟ إِنَّهُ يُجَدِّف! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ الـخَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟". في الـحَالِ عَرَفَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُم يُفَكِّرُونَ هـكَذَا في أَنْفُسِهِم فَقَالَ لَهُم: "لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهـذَا في قُلُوبِكُم؟ ما هُوَ الأَسْهَل؟ أَنْ يُقَالَ لِلْمُخَلَّع: مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك؟ أَمْ أَنْ يُقَال: قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَامْشِ؟ ولِكَي تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا أَنْ يَغْفِرَ الـخَطَايَا عَلَى الأَرْض"، قالَ لِلْمُخَلَّع: "لَكَ أَقُول: قُم، إِحْمِلْ فِرَاشَكَ، واذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ!". فقَامَ في الـحَالِ وحَمَلَ فِرَاشَهُ، وخَرَجَ أَمامَ الـجَمِيع، حَتَّى دَهِشُوا كُلُّهُم ومَجَّدُوا اللهَ قَائِلين: "مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هـذَا البَتَّة!".
آية شفاء المخلع نفساً وجسداً تؤكد ان يسوع فادي الانسان هو طبيب الارواح والاجساد. الكل ينبع من سماع كلام الله، الذي كان يلقيه يسوع على الجمع الكثير، ومن جواب الايمان والتشفع المتجلي في الرجال الاربعة الذين حملوا اليه المخلع. وفي الآية برهان عن سلطان مفغرة الخطايا المعطى من الله للكاهن الوسيط بوساطة يسوع المسيح الكاهن الابدي.
اولاً، تفسير نص الانجيل
1. سماع كلام الله
"سمع الناس انه في بيت فاجتمع الكثيرون... وكان يلقي عليهم الكلمة".
يسوع المسيح،كلمة الله المتجسّد، جاء الى البشر " ينطق بكلام الله" ( يو 3/34). فبشخصه واقواله وافعاله، الله يخاطب الناس، بكل حب وحنان، كاشفاً لهم ذاته، حقيقة كاملة ونهائية: "دعوتكم احبائي، لاني اطلعتكم على كل ما سمعته من ابي" ( يو15/15). جاء يجري عمل الخلاص الذي اعطاه الله ان يتممه (يو5/36؛17/4). انه وسيط كل الوحي وكماله: " كل شيء دُفع اليّ من ابي... ولا احد يعرف الأب الاّ الابن، ومن يريد الابن ان يظهر له" (متى11/17)؛ ووسيط الخلاص ومتممه: " لتعلموا ان ابن الانسان له سلطان على الارض ان يغفر الخطايا...لك اقول: "قم احمل سريرك واذهب الى بيتك" (مر2/10-11). في آية شفاء المخلع، ألقى الكلمة كوسيط للوحي، وشفى المخلع من اعاقته وخطاياه كوسيط للخلاص.
" يسوع هو هو امس واليوم والى الابد" ( عبرانيين13/8)، ما زال يلقي على انسان كل جيل كلام الله: في الكتب المقدسة وفي الكرازة وتعليم الكنيسة. بهذا الكلام يكشف الله ذاته للعالم، ويعلن للبشر ارادته بشأن خلاص الانسان، واشراكه في خيراته الالهية، ما يمكّن الانسان من ان يعرف الله معرفة راسخة (الدستور المجمعي: الوحي الالهي،6). يقول القديس ايرونيموس:"من جَهَل الكتب المقدسة جَهَل المسيح"، وبالتالي جَهَل الله، لان المسيح صورة جوهره (عبرانيين1/3): " من رأني رأى الآب" ( يو14/9)، وجَهَل ذاته والانسان. هذا ما يعلم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: " لا شك في ان سرّ الانسان لا يفسّره حقيقياً الاّ سرّ الكلمة المتجسد. فالسيد المسيح، آدم الجديد بيّن للانسان حقيقة الانسان في وضوح كامل، وكشف له عن سمو دعوته" ( الكنيسة في عالم اليوم، 22).
يوم الاحد نلتقي المسيح كما التقوه في كفرناحوم. فهو حاضر في سرّ القداس، والمؤمنون يجتمعون لسماع الكلمة. ونيل نعمة الشفاء. " انه حاضر باعلى درجة في الافخارستيا تحت اشكال الخبز والخمر، وفي الكتب المقدسة التي يتكلم فيها من خلال تلاوة الكنيسة لها، وفي نعمة اسراره الخلاصية، وفي الجماعة التي تصلي، وفي شخص الكاهن، خادمه المكرس، ليعلن كلام الله باسمه ويبني الجماعة المؤمنة ويحميها، وليقيم بشخصه الاسرار ويوزع النعم الخلاصية (دستور الليتورجية المقدسة،7). يوم الاحد يوم السماع والشفاء، يوم الانسان.
2. جواب الايمان
" لما رأى يسوع ايمانهم..."
رأى يسوع ايمان الرجال الاربعة في اعمالهم: حملوا المخلع، وثقبوا السقف، ودلوا المخلع الممدّد على سريره ووضعوه امام يسوع ليشفيه. هذا كان جواب الايمان على ما سمعوا من يسوع: " الايمان من السماع" (روم10/17). أمنوا بأن يسوع مقيم بينهم ليحررهم من كل ما يعيق حياتهم، من المرض والجوع والموت، وينهضهم الى حياة جديدة. جواب الايمان طاعة لما يوحي الله في كلامه (روم13/26)، وصلاة تُستمد من كلامه وافعاله وتصبح طلباً وتشفعاً. نقرأ في الدستور المجمعي " الوحي الالهي": إزاء الله الذي يوحي، يقوم واجب " طاعة الايمان". بهذه الطاعة يسلّم الانسان امره كله لله، حراً من اي قسر، ويُخضع عقله وارادته لله الذي يوحي، ويتقبل الوحي طوعاَ وما جاء فيه. هذا الايمان يلتمس نعمة من الله تتدارك الانسان وتعضده، وعوناً داخلياً، صادراً عن الروح القدس، ويحرّك القلب ويوجهه الى الله، وينير البصيرة ويمنح عذوبة في تقبّل حقائق الايمان والانقياد لها" (فقرة 5).
من بين الجماعة، التي كانت مجتمعة لسماع يسوع في كفرناحوم، خرج الرجال الاربعة وحملوا المخلع اليه ليشفيه، فكان له الشفاء المزدوج في النفس من خطاياه وفي الجسد من شلله. هذه صورة واستباق للجماعة الليتورجية، التي تلتئم حول الرب يسوع للاحتفال بالاسرار واشباهها. في هذه الجماعة يُعلن كلام الله الذي لا يقف عند حدّ التعليم، بل يستدعي جواب الايمان، كطاعة العقل بقبول الحقائق، والتزام الارادة بالعمل بموجب هذه الحقائق، وهكذا يقوم عهد الخلاص بين الله وشعبه، فكلامه الحي يغذي الايمان في قلب المؤمنين ويبني الشركة بين المسيحيين. هو الروح القدس الذي يعطي نعمة الايمان، ويقولها، وينميها في الجماعة الليتورجية، التي هي شركة في الايمان (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،2،11).
3. صلاة التشفع
" ثقبوا السقف ودلوا المخلع فوق الموضع حيث كان يسوع"
هذه كانت صلاة الرجال الاربعة الصامتة والفاعلة. الصلاة، قبل ان تكون كلمات، هي مسلك وموقف. والرب يحسن القراءة: " لما رأى ايمانهم". فقد وصّانا: " اطلبوا اولاً ملكوت الله وبره، والكل يزاد لكم" ( متى6/33). ونبّهنا: " ليس من يقول لي: يا رب يا رب، يدخل ملكوت السماء، بل من يعمل بمشيئة ابي الذي في السماء" ( متى 7/21). وحذّرنا: " متى صليتم، فلا تكثروا الكلام كالوثنيين، لانهم يظنون انه بكثرة الكلام يُستجاب لهم، فلا تتشبهوا بهم، لان اباكم عالم بما تحتاجون اليه من قبل ان تسألوه" (متى6/7-8). ورفض الصلاة من الشفاه: " هذا الشعب يكرمني بشفتيه، وقلبه بعيد عني كثيراً، فباطلاً يعبدونني" ( مرقس7/6-7).
صلاتهم صلاة تشفع: لم يطلبوا شيئاً لنفسهم، بل التمسوا الشفاء للمخلع الذي هو بينهم. صلاة التشفع هي صلاة التماس شبيهة بصلاة يسوع، الذي هو الشفيع الوحيد لدى الآب لجميع الناس، وبخاصة الخطأة: " "انه عن يمين الله يشفع لنا" ( روم8/34). من يتشفع مصلياً " لا يهتم بما هو لنفسه، بل بما هو لقريبه" (فيليبي2/4)، حتى بالذين يسيئون اليه على مثال يسوع متشفعاً لصالبيه: " يا ابتِ اغفر لهم لانهم لا يدرون ما يفعلون" ( لو23/34)، واسطفانوس لراجميه: "سجد وصاح بصوت عظيم: يا ربنا لا تُثبت عليهم هذه الخطيئة. قال هذا، وأسلم الروح" (اعمال7/60).
صلاة التشفع ميّزت الجماعات المسيحية الاولى، كما يشهد كتاب اعمال الرسل ورسائل بولس الرسول. هذه الصلاة لم تعرف حدوداً: انها من اجل جميع الناس، من اجل السلطات، من اجل المضطهدين، من اجل خلاص الذين يرفضون الانجيل (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،2636). انها صلاة العذراء مريم والقديسين في السماء: فهي وهم يشاهدون الله في سعادة السماء، ويمدحونه، ويشفعون بنا نحن المسافرين في هذا العالم حتى نبلغ ميناء الخلاص. ونحن اذ نصلي نكرمهم ونطلب شفاعتهم.
في نوافير القداس، التذكارات هي صلاة التشفع التي ترفعها جماعة الافخارستيا باسم الكنيسة جمعاء. انها موجهة الى الله، بشفاعة ام الاله والقديسين، من اجل جميع الناس، في مختلف مسؤولياتهم وحالاتهم، ومن اجل الموتى.
الى جانب صلاة التشفع، يوجد صلاة السجود والعبادة لله التي يعبّر بها الانسان عن خضوعه كخليقة لله خالقه، وصلاة المديح لله على ما هو عليه من حق وقداسة وصلاح، وعلى عجائب الخلق والفداء، وعلى افعال المحبة والرحمة للبشر، وصلاة الالتماس نطلب فيها من الله كل ما نحتاج اليه كخلائق وابناء لحياتنا الطبيعية ولحياتنا الفائقة الطبيعة، ونطلب خاصة الغفران عن خطايانا وشرورنا، وصلاة الشكر على ما يفيض الله علينا من نعم على صعيد الخلق والفداء والتدبير. قمة هذه الصلاة ذبيحة الافخارستيا.
4. السلطان لمغفرة الخطايا
" ما باله يجدّف؟ من يستطيع ان يغفر الخطايا غير الله وحده"؟
اعتراض الكتبة والفريسيين يتواصل اليوم في عقلية القائلين بالحصول على المغفرة من الله مباشرة، ولا حاجة لوساطة الكنيسة والكهنوت. يسوع الذي غفر للمخلع خطاياه، انما غفرها كإله وككاهن وسيط بين الله والناس. هذا ما يعنيه قوله: " لتعلموا ان ابن الانسان (ككاهن وسيط) له سلطان على الارض ان يغفر الخطايا، قال للمخلع: قم احمل سريرك واذهب الى بيتك. فقام لساعته وحمل سريره وخرج امام الجميع".
عندما سلّم يسوع هذا السلطان الى كهنة العهد الجديد، الرسل الاثني عشر، وهؤلاء سلّموه الى الاساقفة خلفائهم، وهؤلاء الى الكهنة معاونيهم، بقوله: " خذوا الروح القدس من غفرتم له خطاياه غفرت، ومن حفظتم عليه خطاياه حفظت" ( يو21/22-23)، فهموا وفهمت الكنيسة وجماعة المؤمنين ان الكاهن، خادم سرّ التوبة، يغفر الخطايا وحده بشخص المسيح، بفضل شركته مع الكنيسة.
مغفرة الخطايا تنبع من رحمة الآب، باستحقاقات آلام الابن وموته، بقوة الروح القدس، وبواسطة خدمة الكنيسة في الكهنوت. انها خلق جديد روحي: " قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدّد في احشائي" ( مز51)، كما كان شفاء المخلع بمثابة خلق جديد حسي وروحي معاً.
***
ثانياً، السلام في العائلة والوطن
ننهي التفكير في عناصر السلام في العائلة الوطنية والدولية انطلاقاً من العائلة الطبيعية القائمة على زواج رجل وامرأة، كما جاءت في رسالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر ليوم السلام العالمي ( اول كانون الثاني 2008)، بعنوان: " العائلة البشرية جماعة السلام".
كان العنصر الاول كلمة " نعم"، والثاني " البيت والارض"، والثالث " الاقتصاد"، والرابع موضوع اليوم " القانون والشريعة الخلقية" (الفقرتان 11 و12).
1. لكي تعيش العائلة الطبيعية بسلام، لا بدّ من التزام الزوجين والاولاد بالقانون الذي يحمي الحقوق ويدعو الى الواجبات، وبالشريعة الخلقية التي تحصّن الحياة المشتركة والعلاقة بين الاشخاص وتقاسم الخيرات. فالله الذي اسس الزواج والعائلة سنَّ لهما قوانين وشرائع، استكملتها السلطة الكنسية بشرائع وضعية، قانونية وخلقية. فالشريعة تُخرج افراد العائلة من الفردية والانانية، وتوطّد الروابط فيما بينهم بانسجام وتعاون.
هكذا العائلة الاجتماعية، المحلية والوطنية والدولية، لا تستطيع ان تعيش بسلام وعدل وانصاف من دون قوانين وشرائع خلقية. فهذه تجعل الحرية حرية حقّاً لا تحكّماً اعمى، وتحمي الضعيف من استغلال القوي. من دون قوانين وشريعة خلقية نرى الضعيف بنحني تحت وطأة من يملك الوسائل الاقوى، بدلاً من ان ينحني امام مقتضيات العدالة.
2. الشريعة القانونية تنظم العلاقات بين الاشخاص، وتهذب التصرفات الخارجية، وتعاقب المخالفات. والشريعة الخلقية المكتوبة أصلاً في طبيعة الاشياء، هي التي تحفظ للشريعة القانونية فعاليتها، فلا تكون خاضعة لتوافقات سريعة العطب والزوال، وهي التي تسمح للكائنات البشرية بالتفاهم فيما بينها حول ما هو خير وما هو شر، ما هو عدل وما هو ظلم. انها حاضرة، ولو جزئياً، في الاتفاقات الدولية وفي مبادىء حقوق الانسان المقبولة في تشريعات الدول وانظمة المنظمات الدولية. " فالبشرية ليست من دون شريعة".
****
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص السابع: " الكهنوت في الكنيسة المارونية" واتخاذ المبادرات التطبيقية. ننظر تحديداً في " التطلعات المستقبلية والاقتراحات للتجديد".
1. علاقة الكاهن بالعلمانيين والمكرسين ( الفقرتان 25 و26)
هذه العلاقة، التي هي امتداد لحضور المسيح، تقتضي من الكاهن:
· ان يعمل على تدعيم عمل العلمانيين والمكرسين في الكنيسة.
· ان يجنّد خدمته الكهنوتية ومحبته الراعوية.
· ان ينمّي روح المسؤولية المشتركة في خدمة رسالة المسيح الخلاصية، انطلاقاً من مواهب الروح القدس الموزّعة على المؤمنين والمكرسين.
يوصي المجمع لهذه الغاية:
1) بتعزيز الحركات والمنظمات والرابطات المسيحية، وتأمين التوجيه والارشاد لهم، بالاستعانة بكهنة ابرشيين ورهبان وراهبات وعلمانيين.
2) بتفعيل المجالس الرعوية وانشائها والتنسيق بينها، وبين لجان الوقف من اجل تأمين الوسائل والامكانيات المادية الضرورية لاعمال الرسالة.
3) بتأمين معيشة لائقة وكريمة للكاهن لقاء تفرغة للخدمة الكهنوتية والراعوية، وتحريراً له قدر المستطاع من الهموم المادية اليومية.
2. الشماسية الدائمة (الفقرة 28).
من اجل خدمة المذبح وخدمة المحبة، يدعو المجمع الاساقفة الى احياء الخدمة الشماسية الدائمة، والى وضع برنامج خاص بالشمامسة لتنشئتهم. كما يدعو الى تأمين معيشة لائقة لهم.
3. الرهبان الكهنة في الخدمة الراعوية (الفقرة 29)
يدعو المجمع الى تنسيق خدمة الرهبان للرعايا في النطاق البطريركي وبلدان الانتشار، بحيث يندمج الرهبان الكهنة في خدمة الرعايا وفي حياة الابرشية، من خلال التعليم والتقديس والتدبير. ويرتكز التنسيق على الوفاء لمتطلبات الخدمة الراعوية على مستوى الجسم الكهنوتي والعلاقة مع الاسقف.
4. توزيع الكهنة (الفقرة 30)
الكاهن مرتبط ليس فقط برعية ابرشيته بل وبحاجات الكنيسة. يوصي المجمع الاساقفة بالتعاون معاً على توزيع الكهنة بشكل يتناسب والحاجات الجديدة في ابرشياتهم وفي الكنيسة، وبتلبية نداءات ابرشيات الانتشار، وتوجيه من هم جديرون بالخدمة ومستعدون لها في رسالات الانتشار.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، انت طبيب الارواح والاجساد، جئت لتشفي البشرية من امراض النفس والروح والجسد، من الآلم الحسي والمعنوي ومن جرح الخطيئة والشر. نلجأ اليك في الزمن الصوم المقبول حاملين جراحاتنا ومتشفعّين لبعضنا بعض. نسألك نعمة الشفاء بكلمتك التي تنير دربنا، وباسرارك الخلاصية التي تعيدنا الى الاتحاد بك، ومن بهبة روحك القدوس التي تجدد فينا الحياة الالهية وتملأ قلوبنا محبة. اجعلنا فاعلي سلام، كما تدعونا شريعتك. نشكرك على الكهنة الذين سلّمتهم خدمة الشفاء في سرّي التوبة ومسحة المرضى، ووكّلتهم على كنوز اسرار الخلاص. وجّهنا اليهم لننعم من ثمار خدمتهم. لك الشكر والتمجيد ايها المسيح الكاهن الازلي، والى ابيك الذي ارسلك مخلصاً وفادياً، والى الروح القدس الذي يحقق فينا ثمار الفداء، الان والى الابد، آمين.
********
الاحد9 اذار 2008
شفاء الاعمى
المسيح نور العقول والقلوب
من انجيل القديس مرقس 10/46-52
قالَ مَرقُسُ البَشير: بَيْنَمَا يَسُوعُ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحا، هُوَ وتَلامِيذُهُ وجَمْعٌ غَفِير، كَانَ بَرْطِيمَا، أَي ابْنُ طِيمَا، وهُوَ شَحَّاذٌ أَعْمَى، جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّريق. فلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيّ، بَدَأَ يَصْرُخُ ويَقُول: "يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ ارْحَمْنِي!". فَانْتَهَرَهُ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ لِيَسْكُت، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَزْدَادُ صُرَاخًا: "يَا ابْنَ دَاوُدَ ارْحَمْنِي!".فوَقَفَ يَسُوعُ وقَال: "أُدْعُوه!". فَدَعَوا الأَعْمَى قَائِلِين لَهُ: "ثِقْ وانْهَضْ! إِنَّهُ يَدْعُوك". فطَرَحَ الأَعْمَى رِدَاءَهُ، ووَثَبَ وجَاءَ إِلى يَسُوع. فقَالَ لَهُ يَسُوع: "مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ لَكَ؟". قالَ لَهُ الأَعْمَى: "رَابُّونِي، أَنْ أُبْصِر!". فقَالَ لَهُ يَسُوع: "أبصِره! إِيْمَانُكَ خَلَّصَكَ".
انجيل الاحد الاخير من زمن الصوم قبل احد الشعانين، اختارته الكنيسة للدلالة ان مسيرة الصوم تبلغ بنا الى رؤية يسوع بعين الايمان لتصلح رؤيتنا للانسان والاشياء والعالم. بهذه الرؤية الجديدة ندخل اسبوع آلام الفداء وفصح الرب، على ان يتواصل عمل الفداء في آلامنا، وان يكون الفصح فصحنا نعبر به الى قيامة القلب، الى حياة جديدة.
1. الاعمى المبصر
" ايمانك خلصك، أبصر" ( مر10/52).
اعمى اريحا كان مبصراً بايمانه، قبل ان يبصر بعينيه، هذا ما اراد يسوع ان يكشفه للجمع الغفير بشفائه. ادرك يسوع ان الاعمى كان مبصراً، عندما بدأ يصرخ صرخة الايمان، وقد سمع ان يسوع الناصري مارّ من هناك: " يا ابن داود ارحمني!" والناس الكثيرون الذين انتهروه ليسكت، لم يكونوا " مبصرين". فبالنسبة اليهم يسوع هو فقط الناصري، اما بالنسبة الى الاعمى فهو المسيح الملك الجديد، المنتظر، حامل الرحمة الالهية، ولهذا ازداد صراخاً، لشدة ايمانه المبصر: " يا ابن داود ارحمني!"
اجل، الاعمى كان مبصراً: فلقب " ابن داود" يعني ان يسوع الناصري رجل ارسله الله الى شعبه بمواعيد الخلاص المسيحانية. عندما شفى يسوع رجلاً كان اعمى واخرس، فتكلم وأبصر، دهش الجموع وقالوا: " لعل هذا هو ابن داود" ( متى12/23). وعندما دخل اورشليم لآخر مرة قبيل آلامه، هتف له الشعب بعفوية: "هوشعنا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب!" ( متى21/9). الملاك جبرائيل بشّر مريم بأن المولود منها " “يكون عظيماً وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب عرش داود ابيه" (لو1/32).
هذا الايمان عند الاعمى، بما له من اساس نبوي، استوقف يسوع، فطلب ان يدعوه ولما فعلوا، " خلع الاعمى رداءه ووثب آتياً الى يسوع"، منقاداً اليه ببصيرة قلبه وعقله. ولكي يعطي البرهان للجمع ان الاعمى وحده كان مبصراً حقاً بايمانه، سأله: " ماذا تريد ان اصنع لك؟" فاجاب: "يا معلمي ان ابصر". فقال له: " اذهب ايمانك خلصك!" وللحال أبصر وراح يتبع يسوع في الطريق" (مر10/49-52).
تكشف آية شفاء الاعمى ان البصر الحقيقي هو بصر الايمان النابع من عقل مستنير وقلب محب. كلنا عميان، طالما لا تنفتح لنا عين اخرى على العالم، غير عيننا الحسية، هي عين الايمان. هذه ترينا عالماً آخر يفوق العالم الذي نراه بأعين الجسد، هو عالم الله، عالم الحياة الابدية، عالم الانجيل، عالم لا ينتهي بنهاية العالم. الايمان نافذة تفتح امامنا افقاً لا حدود له، ولكن لا الايمان العمومي، بل الايمان بشخص ابن الله يسوع مسيح، المرسل من الله الذي يتكلم ويعمل باسمه، انه الحقيقة التي تنير "العميان" وكلنا منهم. ايماننا ايمان بحقيقة المسيح، بشخصه. نحن نؤمن لاننا التقينا شخصاً جديراً بالايمان، شخصاً يوحي ثقة. الايمان كالحب، فالحب لا يوجد اذا لم يكن حباً لشخص، كذلك الايمان لا يوجد ان لم يكن ايماناً بشخص. هذه عظمة ايمان طيما الاعمى، كان وحده مبصراً حقاً.
2. الايمان بالمسيح النور
ليس الايمان المسيحي في الاساس ايماناً باشياء، كوجود الله والآخرة وامثالها، بل ايمان بشخص. لا نجد في الانجيل كلاماً من الرب يسوع يدعو الى " الايمان بهذه او تلك من الحقائق"، بل دعوة: " آمنوا بالله، وآمنوا بي" ( يو14/1). المشكلة اليوم هي في قلة الممارسة الدينية، والانحطاط الخلقي، وممارسة التسلط والاستضعاف والظلم. اصحابها يدّعون انهم مؤمنون، فيما يعانون من ازمة الايمان بشخص يسوع المسيح الذي قال عن نفسه: " انا هو الطريق والحق والحياة" (يو14/6). بدونه ضياع وضلال وموت، اكدّه بقوله: " ان لم تؤمنوا اني انا هو، تموتوا في خطاياكم" (يو8/24). ذلك ان المسيح هو النور، كما قال عن نفسه: انا هو نور العالم. من يتبعني، لن يمشي في الظلام، بل يكون له نور الحياة" ( يو8/12). بهذا المعنى انهى مرقس الانجيلي رواية شفاء اعمى اريحا: " أبصر وراح يتبع يسوع في الطريق" (مر10/52). فكان أفضل التابعين له، لانه مشى بنور حقيقته التي تعطي الحياة.
آية شفاء الاعمى برهان على ان يسوع هو نور العالم. لقد قال ذلك صريحاً عندما شفى اعمى على طريق هيكل اورشليم: " ما دمتُ في العالم، انا نور العالم". ثم تفل في التراب وصنع طيناً ومسح به عيني الاعمى، وامره ان يغتسل في بركة شيلوح. فاغتسل وعاد مبصراً ( يو9/5-7). بهذه الحركة، استبق المعمودية، التي هي الاغتسال بالماء والروح، وكشف ان عين الايمان تنفتح في المعمودية، ولهذا كان الاقدمون يسمون المعمودية "الاستنارة"، والمعمدين "المستنيرين". ويقول بولس الرسول المعمودية في رسالته الى العبرانيين: " ان الذين استناروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية واشتركوا في الروح القدس، وسقطوا، فانهم يصلبون ابن الله مرة ثانية ويعرّضونه للعار" (عبر6/4-6). الايمان والمعمودية لا ينفصلان: اعلان كلام الله ينير عقول السامعين بالحقيقة الموحاة، ويولّد فيهم جواب الايمان، فيطلب المؤمن ان يعتمد. علّمت الكنيسة في التعليم المسيحي (فقرة 1253) ان " المعمودية سرّ الايمان"، اداته وعلامته، انطلاقاً من كلام الرب: "اذهبوا في الارض كلها، واكرزوا بالانجيل للخليقة جمعاء. فمن آمن واعتمد يخلص، ومن لا يؤمن يدان" (مر16/15-16).
3. المعرفة والمسلك الخلقي
" وللوقت أبصر وانطلق في الطريق".
أبصر الاعمى بعينيه بعد ان كان مبصراً بايمانه وعقله : آمن ففهم . كانت لديه المعرفة بالايمان والمعرفة بالعقل. " لم يكن يسوع الناصري عنده ابن يوسف النجار فقط، بل " ابن داود"، المسيح المنتظر الذي كتب عنه الانبياء. في رسالته العامة " الايمان والعقل " (14 ايلول1998)، كتب خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني في سياق شرحه لكلمة القديس انسلموس اؤمن لأفهم : " لا يمكن الفصل بين العقل والايمان من دون ان يفقد الانسان قدرته على معرفة ذاته ، والله والعالم، معرفة وافية . ان معرفة احوال العالم واحداث التاريخ معرفة راسخة لا تتم الاّ اذا رافقها اعلان ايماننا بالله الذي يعمل فيها. فالايمان يرهف النظر الباطن، ويتيح للعقل ان يكتشف، في سياق هذه الاحداث ، ملامح العناية الالهية وحضورها الفاعل" ( الايمان والعقل ،16).
بسبب معرفته ليسوع بالايمان والعقل ، بدأ الاعمى، الذي شفي، مسلكاً خلقياً جديداً، "فانطلق معه في الطريق. لقد وجد عند يسوع الجواب على الخير والشر. لا شك في انه طرح ذاك السؤال الاساسي الذي وجهه الشاب الغني الى المسيح : " ايها المعلم الصالح ماذا اصنع من الصلاح لتكون لي الحياة الابدية " (متى19/16).
كل لقاء مع المسيح يعطي الجواب الوحيد على هذا السؤال الذي يملاء رغبات قلب الانسان . ولذلك اقام الله كنيسته لكي يتمكن البشر من تحقيق مثل هذا اللقاء بالمسيح , لانها تسعى وتوجّه كل انسان الى ان يجد المسيح الذي يقطع معه مسيرة الحياة ( تألق الحقيقة ،7).
الصوم يتيح لنا ان نعرف بالايمان سر المسيح والتعليم الصحيح (2تيمو 4/3) وشرف حالتنا الجديدة كابناء الله " ، وان نسلك كما يليق ببشارة المسيح ( فيليبي1/27). اننا بقبولنا الاسرار وبالصلاة ننال نعمة المسيح ومواهب روحه التي تهيئنا لهذه الحياة الجديدة " ( تألق الحقيقة ، 5).
***
ثانياً، الرجاء المسيحي
وجّه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، بتاريخ 30 تشرين الثاني 2007، رسالة عامة بعنوان: "بالرجاء خُلّصنا". نخصص لها القسم الثاني من التنشئة المسيحية.
نبدأ اليوم بتحديد مفهوم الرجاء (الفقرتان 1 و2).
الرجاء ثمرة الايمان
الرجاء هو الصمود والثبات والاعتصام في ما نؤمن به ( عبر10/23)، يسمّيه بولس الرسول: "ثقة الايمان" ( عبر 10/22)، وبطرس هامة الرسل: " رجاء الايمان" ( 1 بطرس 3/15). في آية شفاء الاعمى على طريق اريحا، تبيّن رجاؤه في صرخة الاستغاثة بيسوع، بالرغم من نهي المارّة له ليسكت. اما هو فكان يزداد صراخاً حتى توقّف يسوع ودعاه.
الرجاء هو ثمرة الايمان بالمسيح، اذ لا رجاء من دون الايمان بالله. كتب بولس الرسول الى اهل افسس الذين كانوا وثنيين، وكانت لهم آلهتهم، لكنهم كانوا هائمين في عالم مظلم وامام مستقبل قائم، وقال انهم كانوا بدون رجاء: " كنتم بذاك الزمان، قبل ان يأتيكم المسيح، بعيدين عن تدبير شعب الله، غريبين عن عهد الخلاص، وكنتم من دون رجاء، ومن دون اله لكم في العالم" ( افسس2/12).
الرجاء ضمانة المستقبل
المؤمن الذي يرجو يدرك ان له مستقبلاً، ولو لم يعرف تفاصيل ما ينتظره. يعرف ان حياته لا تنتهي في العدم. ولذا دعانا بولس الرسول: " ايها الاخوة، لا تكونوا محبطين كالذين لا رجاء لهم" ( اتسا 4/12). لا يصبح حاضرنا قابلاً للحياة، ما لم يتأكد لنا المستقبل كواقع ايجابي. هذا يعني ان المسيحية ليست فقط " بشرى سارّة تنقل امراً مجهولاً. لكنها في أن اعلام ( information) واكمال ( performation). ليس الانجيل نقلاً فقط لعناصر يمكن معرفتها، بل هو انتاج لافعال من شأنها ان تغيّر مجرى الحياة وتجددها. ان من يرجو يعيش حياة جديدة اعطيت له. عودة البصر الى اعمى اريحا وسيره في الطريق الجديد مع يسوع يثبّت هذا القول.
الانجيل اعلان بشرى وانتاج افعال، كما جاء في انجيل لوقا، عندما قرأ يسوع في مجمع الناصرة ذات سبت من نبؤة اشعيا التي تحققت فيه: " روح الرب عليّ مسحني لابشر المساكين، وارسلني لاعلن للمأسورين تخلية سبيلهم، وللعميان عودة البصر اليهم، وافرّج عن المظلومين" (لو4/18). هذا الاعلان اصبح فيما بعد افعالاً في معجزاته اوردها الانجيليون الاربعة. " "الايمان جوهر الامور التي ترجى، وبرهان الحقائق التي لا ترى" ( عبرانيين 11/1). بفعل هذا الايمان، صرخ اعمى اريحا الى يسوع، وكان لديه اليقين انه سيعيد له البصر، لانه ابن داود. وبفضله مشى بطرس على سطح الماء، ومست النازفة طرف ثوب يسوع وشفيت (لو8/44).
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي السابع " الكهنة في الكنيسة المارونية"، وتحديداً الثوابت اللاهوتية في الاختيار والدعوة والتنشئة في الخدمة الكهنوتية (الفقرات32-35).
ان التقليد العائد الى الرسل والكنيسة الاولى يرتكز على الثوابت اللاهوتية التالية:
1. حاجة الكنيسة
الحاجة تحدد الخدمة الواجب ملؤها قبل تحديد المؤهلات المطلوبة ودعوة الشخص المناسب. فكل خدمة في الكنيسة تقتضيها حاجة، وفي ضوء الحاجة تحدد المؤهلات، ويُطلب اختيار الشخص المنسب. هكذا جرى عند اختيار متّيا ليتولى منصب يهوذا الاسخريوطي (اعمال1/20).
2. دور الشعب في الاختيار
للجماعة المسيحية دور هام في اختيار الشخص المناسب للخدمة المطلوبة، لانها تعرفه. وبالتالي تتحمل تبعة المسؤولية في تقديمه الى الاسقف ومرافقته بعد رسامته، وتسانده في خدمته وتؤمن له معيشة لائقة.
3. دعوة الاسقف
الاسقف يتخذ القرار في قبول من يختاره الشعب ويرسله للتنشئة. ثم يدعوه باسم النعمة الالهية، في الرسامة الكهنوتية، ليعبّر له عن دعوة الله التي تتم " اليوم" و" الآن"، ويمنحه الكهنوت بوضع اليد، داعياً الروح القدس ليحلّ عليه ويجعله اهلاً للخدمة التي توكل اليه، بمشاركة الجماعة المسيحية الملتئمة حول الليتورجيا الالهية.
3. رباط الخطبة
بالرسامة الكهنوتية ينشأ رباط بين المرتسم والجماعة المسيحية عبر " الخطبة" على المذبح التابع للابرشية. فهو يلتزم بالامانة للخدمة، والجماعة المسيحية بمسؤولية تأمين معيشته.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، النور الآتي الى العالم، ساعدنا لنستنير بك وبكلامك الحي والمحيي. لقد ملأ نورك عيني الاعمى المنطفئتين، فليملأ هذا النور عتمة العقول والضمائر والقلوب. اعطنا رؤية جديدة لحياتنا واحداثنا وللعالم، لنسير في طريق جديد، هو أنت. وكما وضع الاعمى رجاءه فيك فنال البصر، امنحنا نحن ايضاً ان نرى فيك رجاءنا الوحيد والاكيد، لنصمد في الحق والخير والجمال. نشكرك على اختيارك كهنة من بيننا يحملون الينا والى المجتمع نور انجيل الخلاص، ينير ثقافات كل جيل. لك المجد والتسبيح ايها المسيح الاله، مع ابيك المبارك، وروحك الحي القدوس، الآن والى الابد. آمين.
******
الاحد 16 اذار 2008
احد الشعانين
ملوكية المسيح ومشاركتنا فيها
من انجيل القديس يوحنا الرسول 12/12-22
لَمَّا سَمِعَ الـجَمْعُ الكَثِير، الَّذي أَتَى إِلى العِيد، أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلى أُورَشَليم، حَمَلُوا سَعَفَ النَّخْلِ، وخَرَجُوا إِلى مُلاقَاتِهِ وهُمْ يَصْرُخُون: "هُوشَعْنَا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبّ، مَلِكُ إِسرائِيل". ووَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَرَكِبَ عَلَيْه، كَمَا هُوَ مَكْتُوب: "لا تَخَافِي، يَا ابْنَةَ صِهْيُون، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي رَاكِبًا عَلى جَحْشٍ ابْنِ أَتَان". ومَا فَهِمَ تَلامِيذُهُ ذـلِكَ، أَوَّلَ الأَمْر، ولـكِنَّهُم تَذَكَّرُوا، حِينَ مُجِّدَ يَسُوع، أَنَّ ذـلِكَ كُتِبَ عَنْهُ، وأَنَّهُم صَنَعُوهُ لَهُ. والـجَمْعُ الَّذي كَانَ مَعَ يَسُوع، حِينَ دَعَا لَعَازَرَ مِنَ القَبْرِ وأَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، كَانَ يَشْهَدُ لَهُ. مِنْ أَجْلِ هـذَا أَيْضًا لاقَاهُ الـجَمْع، لأَنَّهُم سَمِعُوا أَنَّهُ صَنَعَ تِلْكَ الآيَة. فَقَالَ الفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُم لِبَعْض: "أُنْظُرُوا: إِنَّكُم لا تَنْفَعُونَ شَيْئًا! هَا هُوَ العَالَمُ قَدْ ذَهَبَ ورَاءَهُ!". وكَانَ بَينَ الصَّاعِدِينَ لِيَسْجُدُوا في العِيد، بَعْضُ اليُونَانِيِّين. فَدَنَا هـؤُلاءِ مِنْ فِيلِبُّسَ الَّذي مِنْ بَيْتَ صَيْدَا الـجَلِيل، وسَأَلُوهُ قَائِلين:"يَا سَيِّد، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوع". َجَاءَ فِيلِبُّسُ وقَالَ لأَنْدرَاوُس، وأَنْدرَاوُسُ وفِيلِبُّسُ وقَالا لِيَسُوع.
يسوع يدخل مدينة اورشليم في مناسبة عيد تحريرها على يد المكابيين واسترداد الهيكل وتطهيره، واقامة مذبح آخر وتقديم الذبيحة (1 مكابيين10/1-9). يتزامن العيد مع بداية ايام الفصح اليهودي، فكانت شعوب كثيرة، من مواطنين واجانب، قد توافدت الى اورشليم للعيد، ومن بينهم يسوع وتلاميذه.
الاستقبال الملوكي العفوي ليسوع والهتافات كانت علامة انه هو الملك الحقيقي، محرر المدينة والعالم بموته وقيامته، ومطهّر الهيكل وصانع ذبيحة الفداء الجديدة. بهذا وضع الاساس لممارسة السلطة والعمل السياسي
اولاً، شرح نص الانجيل
1. يسوع الملك فادي الانسان
" مبارك الآتي باسم الرب ملك اسرائيل". هكذا هتف الشبان عندما راوا يسوع داخلاً المدينة، راكباً جحشاً. فحملوا اغصان النخل، علامة النصر والتحرير ( 1 مكابيين13/50-53)، واغصان الزيتون، علامة السلام، وطرحوها على الارض مع اردية الكثيرين حيث مرّ يسوع ( متى21/8). وكانوا يرددون " هوشعنا" اي خلصنا، يا رب خلّص، يا رب أنجح (مز117/25). وكصدى لنشيد الملائكة ليلة الميلاد، راحوا يهتفون: "السلام في الارض والمجد في العلى" (لوقا19/38). ثم حيّوا المملكة الجديدة التي ينشئها يسوع: " مباركة المملكة الآتية من ابينا داود، هوشعنا في الاعالي" ( مرقس11/10). ملوكية يسوع ومملكته تتصفان باربع مزايا:
التواضع: لم يدخل يسوع فاتحاً منتصراً بقوة السلاح والعنف، بل بالتواضع راكباً جحشاً، وهو مطية اصحاب سلطة منذ عهد بلعلم (عدد22/12). فجعل من نفسه قدوة: " تعالوا اليّ وتعلموا مني، اني وديع ومتواضع القلب: فتجدوا راحة لنفوسكم" (متى11/29).
المحبة: يحمل الخلاص والتحرير ويبذل ذاته فدى عن الكثيرين بالموت على الصليب.
السلام الحقيقي: يتنزع به الخوف من القلوب: "لا تخافي يا ابنة صهيون". سلامه ليس سلام الاقوياء على الضعفاء، بل سلام المحبة والحنان واحترام الانسان والمدينة. سلامه سلام القلب بكلمته منيرة العقول، ونعمته شافية النفوس، ومحبته الغافرة والمعينة.
ارسال من الله: " مبارك الآتي باسم الرب" ( مز117/26). هو المسيح الآتي بارسال من الله وبسلطان منه: " لقد اعطيت كل سلطان في السماء والارض" ( متى28/18). هذا السلطان سيعطيه للكنيسة، المملكة الجديدة، القائمة على الكلمة والمعمودية والافخارستيا ( متى28/18-20).
لقد رأى فيه الشعب " ملك اسرائيل"، الشخص الذي يجمع السلطة الروحية والسلطة الزمنية، والذي يحقق تحرير المدينة. لكن يسوع أصلح آمال الشعب الخاطئة، بتحقيقه نبؤة زكريا: " هوذا ملككِ آتٍ، راكباً على جحش ابن اتان" ( زكريا9/9). ليس المسيح فاتحاً محارباً على جواد، بل هو امير السلام الذي ينهي كل حرب، ويؤسس مملكة السلم. لم يقبل يسوع ملوكيته من الناس، بل من الآب: " قال لي انت ابني انا اليوم ولدتك، سلني فاعطيك الامم ميراثاً لك، واقاصي الارض ملكاً لك. ترعاهم بعصا من حديد وكإناء من خزف تحطمهم" (مز2/7). وسيؤكد امام بيلاطس: " مملكتي ليست من هذا العالم" (بو18/36).
1. الاساس اللاهوتي لممارسة السلطة والعمل السياسي
دخول يسوع الى اورشليم، وما رافقه من اعلان ومعانٍ يشكلّ الاساس اللاهوتي لممارسة السلطة والعمل السياسي. فالارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" يدعو العلمانيين المؤمنين بالمسيح للالنزام والمشاركة في السياسة اي في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتشسريعي والاداري والثقافي المتنوع الاشكال. فالسياسة تهدف الى تعزيز الخير العام، واحلال العدالة والمحبة، وصيانة الحقيقة والحرية. هذه الاربع تضع اسس السلام بين الناس والامم.
المسيحيون ملتزمون بهذا العمل السياسي بحكم معموديتهم التي تشركهم في وظيفة المسيح المثلثة الابعاد:
بالعبد الكهنوتي يجعلون من نشاطهم في خدمة الخير العام تسبيحاً للخالق، واكمالاً لعمل الخلق.
بالبعد النبوي يجسّدون جدّة الانجيل وفعاليته تجسيداً يتألق في حياتهم اليومية والعائلية والاجتماعية. ويعبّرون بجرأة وشجاعة، وسط مشقات الزمن الحاضر، عن رجائهم بالمجد الآتي. ويسهمون في اجراء تحوّلات لا بدّ منها من اجل مستقبل افضل.
بالبعد الملوكي يتغلبون على مصالحهم الخاصة وحساباتهم الرخيصة، ويلتزمون سبيل الزهد والتجرد، ويعملون من اجل الخدمة العامة بتفانٍ وسخاء، من اجل العدالة والحقيقة والحرية والسلام (الارشاد الرسولي، 113).
يذكرنا الارشاد الرسولي "بالممارسة المسيحية لادارة الشؤون الزمنية. فشخص المسيح والانجيل ينيران هذه الشؤون المعدّة لخير الاسرة البشرية وسعادتها الابدية". ويضيف: " لا يمكن، ان يكون للمسيحيين حياتان متوازيتان: احداهما الحياة الروحية ولها قيمها ومقتضياتها، والاخرى الحياة العلمانية التي لها قيمها المختلفة عن الاولى او المضادة لها" (عدد112). بل يجب ان تكون حياة الانسان واحدة ببعديها الانساني والروحي، بحيث الروح يرفع الجسد الى القيم العليا. يخشى ان يقصد من العبارة التي تتكرر على مسامعنا من المسؤولين السياسيين "الدين لله والوطن للجميع" الفصل بين الحياتين. المطلوب هو انعاش النظام الزمني بالروح التي حملها المسيح للعالم، بحيث يكون النظام الزمني في خدمة الشخص والمجتمع، وفقاً للقواعد الخلقية والقيم الروحية والانسانية والاجتماعية.
2. الشباب قوة تجددية
عيد الشعانين، يوم دخل يسوع الى اورشليم واستقبله الشبان اصبح في ايامنا احتفلاً بيوم الشبيبة العالمي. فهم حرّكوا المدينة بهتافاتهم وحملوا اغصان النخل والزيتون، واعلنوا ملوكية يسوع. يومها طهّر المسيح الهيكل اذ طرد منه الباعة وقلب موائد الصيارفة وقال: " بيتي بيت الصلاة يُدعى" ( متى21/12-13). واعلن ذاته ذبيحة الفداء الجديدة: " حبة الحنطة اذا وقعت في الارض وماتت، اتت بثمار كثيرة" (يو12/24). واستبق ملوكيته الابدية على العالم التي ستتم يوم قيامته.
الارشاد الرسولي " رجاء جديد للببنان" يسمّي الشبيبة " قوة تجددية في الكنيسة ولبنان". منهم تنتظر الكنيسة ان يعطوا الحياة الكنسية والحياة الاجتماعية انطلاقة جديدة ( فقرة 51).
***
ثانياً، الرجاء المسيحي
في ضوء دخول المسيح مدينة الارض تورشليم ملكاً سماوياً زارعاً الرجاء في القلوب، نواصل التفكير في مقومات الرجاء المسيحي انطلاقاً من رسالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر " بالرجاء خُلصنا".
1. الرجاء هو الفداء بالمسيح الذي اجرى لنا اللقاء الحقيقي بالله الحي، اله يسوع المسيح. "فعند "المسيح ابن الله الحي كلام الحياة الابدية" ( يو6/68). الفداء يعني محبة الله النهائية لكل انسان. فمهما حصل له تبقى محبة الله تنتظره، وهو بدوره يعرف انه ابن الله المفتدى بدم مسيحه، ابنه الازلي الوحيد. فاذا عاش رجاء الفداء واختبره، سعى جاهداً الى اشراك غيره فيه. الرجاء لا يقف عند حدود الفرد وخلاصه بل يتصف بالطابع الجماعي الذي هو طابع الخلاص ايضاً: " لقد اقتربتم من مدينة الله الحي" (عبرانيين12/22). وفيما الخطيئة تهدم وحدة الجنس البشري بالتجزئة والتفرقة، الفداء يرمم روابط الوحدة، ويدعو اليى الخروج الدائم من الانطواء على الذات نحو الآخر (بالرجاء خُلصنا،3).
2. يعتبر العالم المعاصر، منذ الثورة الفرنسية وعصر التنوير في اوروبا، ان الرجاء هو ثمرة الترقي وانتصار العقل والحرية على المستوى السياسي. فالعقل والحرية هما بمثابة نجمين يجب اتباعهما على طريق الرجاء. وجاءت الماركسية لتحصر الرجاء –الترقي ضمن حدود العلم والتقنية من دون اي علاقة بالله (المرجع نفسه، 18-19).
لكن الكنيسة تعتبر ان الترقي يكون رجاء، عندما يشمل البعد الاخلاقي في الانسان، ونموّه الداخلي، على ما يقول بولس الرسول: " بحلول المسيح في انسانكم الباطن بالايمان، وفي قلوبكم بالمحبة، تعرفون محبة المسيح التي تفوق كل معرفة، وتمتلئون بكل ملء الله" ( افسس3/17-19). والترقي يكون رجاء، عندما يقوم على " تجدد الانسان الباطن يوماً فيوماً، فيما انساننا الظاهر آخذ بالفساد" ( 2كور4/16).
وتعتبر الكنيسة ان العقل يشكل مصدراً للرجاء، بمقدار ما يرتبط بالايمان، الذي هو مثله عطية من الله، فينتصر المنطق على اللامنطق، ويصمد الانسان في خياراته المرتكزة على الحقيقة المطلقة.
وتعنبر الحرية مصدراً للرجاء، عندما ترتبط الحرية بالله الذي هو اساسها وغايتها. فالانسان بحاجة الى الله، وإلاّ ظل من دون رجاء (افسس2/12).
*****
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية التفكير معاً في النص المجمعي السابع " الكهنة في الكنيسة المارونية"، وتحديداً صيغة الاختيار والدعوة والتنشئة في الممارسة.
بعد ان استعرض النص الصيغة المتبعة في الماضي (الفقرات 36-43)، نتناول نحن ما جاء فيه عن الصيغة المعتمدة في الزمن الحاضر.
1. الدعوة والاختيار (الفقرات 44-47).
الدعوة نداء من الله، الخفي الصامت والقوي في اعماق النفس البشرية، وتعبير عن صوت الله بطريقة بشرية حسّية بواسطة السلطة الكنسية. ولكن في النداء والتعبير، الله هو الذي يدعو. يبقى على المدعو ان يفهم ذلك الصوت، ويميّزه من خلال العلاقات التي تظهر فيها ارادة الله.
الدعوة الكهنوتية تدخل في اطار الدعوة المسيحية، ولا تعطى خارج الكنيسة وبمعزل عنها، فهي عطية مجانية وموهبة من دون مقابل. انها حوار بين محبة الله وحرية الانسان المدعو التي تنشّطها النعمة.
والاختيار اليوم في عهدة المدرسة الاكليريكية التي يعيش فيها المدعو ويتنشأ، ويتم التثّبت من مؤهلاته. فتقدمة الاكليريكية الى الاسقف الذي يعود اليه وحده قرار القبول ومنح سرّ الكهنوت وايكال الخدمة الراعوية الملائمة لحاجات الابرشية.
2. التنشئة الكهنوتية (الفقرات 48-50)
للكنيسة المارونية اربع مدارس اكليريكية يتنشأ فيها طلاب الكهنوت، هي: الاكليريكية البطريركية في غزير، واكليريكية مار انطونيوس البادواني في كرمسده التابعة لابرشية طرابلس، واكليريكية مار اغسطينوس في كفرا التابعة لابرشية بيروت، واكليريكية سيدة لبنان في واشنطن التابعة للابرشيتين المارونيتين في الولايات المتحدة الاميركية.
من واجب الاساقفة انتداب كهنة يتمتعون بقداسة السيرة والنضج الانساني والروحي والخبرة الراعوية والجدارة التربوية، لتحمّل مسؤولية تنشئة الاكليريكيين.
وتقتضي الحاجة بان تتعاون المدارس الاكليريكية وتعمل بالتسيق في ما بينها على وضع رؤية واحدة ومنهاج عام للتنشئة الكهنوتية وفقاً للقوانين والتوجيهات الكنسية، على ان تتلاءم مع الاوضاع الزمانية والمكانية.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، بدخولك مدينة اورشليم لخلاصها واعلان ملوكيتك في الارض بواسطة الكنيسة، ادخل الى كل مدينة في الارض، والى وطننا، لكي يستقر ملكوت الحق والعدالة والقداسة والمحبة، فيه وفي كل مجتمع بشري. اعطِ ابناء الكنيسة وبناتها ان يدركوا انها زرع ملكوت الله في العالم وبدايته لكي يجعلوها خميرة في عجين البشر، وملحاً في ثقافاتهم. قوِّ بروحك القدوس الشبيبة لتكون القوة التجددية في الكنيسة والمجتمع. اعطنا ان نعيش بالرجاء، الناتج عن عمل الفداء الذي اتممته، وان نجعل ترقي الشخص البشري والمجتمع، القائم على الحرية والعقل، مصدراً للرجاء المسيحي.
نشكرك على الذين اخترتهم لخدمة الكهنوت. ثبّتهم، ايها الكاهن الازلي، في تلبية الدعوة التي توجهها اليهم كل يوم من خلال نداءات المجتمع وحاجات الكنيسة. لك المجد والتسبيح ايها المسيح الاله، ولابيك المبارك، وروحك الحي القدوس، الآن والى الابد. آمين.