كُلُّ شَجَرةٍ طَيِّبَةٍ تُثمرُ ثِماراً طَيِّبَة، والشَّجَرَةُ الخَبيثَةُ تُثمِرُ ثِماراً خَبيثة ( مت 7 /17)
التسامح (المغفرة) و المصالحة - القمص ميخائيل جرجس صليب
التسامح (المغفرة) والمصالحة
بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب
علَّم المسـيح تلاميذه الصلاة الربانية وأهم نقطة فيها المغفرة قائلاً لهم
"اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا"(1)،ـ
ثم قال لهم "فإن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوى. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم فلا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم"(2).ـ
إذن هناك شرط لمغفرة الخطايا وهو أن نغفر نحن أولاً للناس زلاتهم أى نسامحهم على الإساءة التى بدرت منهم نحونا.
وحذرهم المسيح قائلاً لهم
"فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهـب أولاً اصطلح مـع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك"(3).ـ
أى لا تستطيع أن تتناول من الأسرار المقدسة إلا إذا كان قلبك نقياً مع كل أحد .. لكى لا تأخذ دينونة على نفسك وتتناول بدون استحقاق.
وبولس الرسول ينادى لأهل كورنثوس قائلاً لهم تصالحوا لأن المسيح صنع صلحاً بين الله والناس "إن الله كان فى المسيح مصالحاً لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة .. إذ نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا نطلب من المسيح تصالحوا مع الله.
لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه"(4).ـ
ويقول أيضاً لأهل كولوسى "وإذ كنتم أمواتاً فى الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا"(5).ـ
ولكى تكون متسامحاً للجميع ومصالحاً للكل حاول تطبيق التدريبات الآتية :
ـ1- تمثل بالسيد المسيح له المجد الذى طلب المغفرة لصالبيه وهو على الصليب قائلاً لهم
"يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون"(6).ـ
(1)- (مت6: 12). (2)- (مت6: 14، 15). (3)- (مت5: 23).
(4)- (2كو5: 18- 22). (5)- (كو2: 13). (6)- (لو23: 34). ـ
ـ2- قد تسأل سؤالاً قائلاً كم مرة أغفر لمن يسئ إلىّ ؟
هذا السؤال سأله القديس بطرس للسيد المسيح .. "حينئذ تقدم إليه بطرس
وقال يارب كم مرة يخطئ إلىّ أخى وأنا أغفر له. هل إلى سبع مرات، فقال له يسوع لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات"(1).
والسيد المسيح قال لتلاميذه مرة أخرى
"احترزوا لأنفسكم إن أخطأ إليك أخوك فوبخه وإن تاب فاغفر له وإن أخطأ إليك سبع مرات فى اليوم ورجع إليك سبع مرات فى اليوم قائلاً أنا تائب فاغفر له"(2).ـ
ـ3- هناك صلة بين المحبة والغفران فالسيد المسيح له المجد ضرب مثلاً عن هذه العلاقة قائلاً
"وأجاب يسوع وقال له يا سمعان(3) عندى شئ أقوله لك فقال قل يا معلم.
كان لمداين مديونان على الواحد خمس مئة دينار وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعاً فقل أيهما يكون أكثر حـباً له. فأجاب سمعان وقال أظن الذى سامحه بالأكثر فقال له بالصواب حكمت. ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان اتنظر هذه المرأة إنى دخلت بيتك ومـاء لأجـل رجلى لم تعط
وأما هى فقد غسلت رجلى بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها. قبلة لم تقبلنى
وأما هى فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلى. بزيت لم تدهن رأسـى وأما هى فقد دهنت بالطيب رجلى. من أجل ذلك أقول لكِ قـد غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً والذى يغفر له قليل يحب قليلاً"(4). ـ
ـ4- إذا أهنت من أحد وكانت الإهانة شديدة فلا ترد الإهانة بمثلها بل اترك الله هو الذى يدافع عنك، ويرد لك اعتبارك فقد قال فى الكتاب المقدس "لى النقمة والجزاء"(5).. ويقول أيضاً "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون"(6)..ـ
فاترك عمل الله يأخذ مجراه الطبيعى ولو بعد حين فإخوة يوسف تذكروا خطيتهم ضد أخيهم يوسف بعد مرور 14 سنة من هـذه الحادثة "وقالوا بعضهم
(1)- (مت18: 21). (2)- (لو17: 3، 4). (3)- سمعان الفريسى.
(4)- (لو7: 40- 47). (5)- (تث32: 35). (6)- (خر14:14).
لبعض حقا إننا مذنبون إلى أخينا الذى رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع لذلك جاءت علينا هذه الضيقة. فأجابهم رأوبين قائلاً
ألم أكلمكم قائلاً لا تأثمـوا بالولد وأنتم لم تسمعوا فهوذا دمه يطلب"(1).ـ
ـ5- إذا أهانك أحد واستفزك فلا ترد عليه بل إعط وقتاً لتمر الأمور بسلام .. فكوب الماء المعكر عندما نتركه قليلاً بدون أن تحركه تجد الماء قد راق والرواسب نزلت إلى أسفل .. هكذا المعاملات بينك وبين الآخرين يجب أن تكون بهدوء .. بعد أن تهدأ الأعصاب وبالتالى قد تكون الاستجابة نحو التسامح والمغفرة.
ـ6- قد تكون الإهانة شديدة وتقول لا أستطيع أن أنسى هذه الإساءة أو أغفر له.. فالتدريب يكون بإعطاء وقت مع نفسك حتى تهدأ الأمور ويستحسن أن تذكر المسئ إليك فى صلاتك ولو تقول فى سرك [ يارب إهدى فلان ..] فالصلاة هنا لها فائدتين :ـ
الأولى : أن الله سيستجيب لصلاتك.ـ
الثانية : إن نفسك ستهدأ بمرور الوقت وبعد ذلك يمكنك أن تسامحه.ـ
ـ7- تذكر فى كل مرة أن اللـه صالحنا بدم صليبه، فيجب علينا أن تصالح بعضنا البعض
وبولس الرسول يقول "لإنه وإن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته وليس ذلك فقط بل نفتخر بالله بربنا يسوع المسيح الذى به نلنا به الآن المصالحة"(2).ـ
ـ8- هناك صلة قوية بين التسامح والتواضع فالإنسان المتواضع يرى فى نفسه أنه أقل الناس، وبالتالى إذا شُتم يقبل الشتيمة بدون تذمر.. فداود النبى وهو ملك شتمه شمعى بن جيرا،
"فقال إبيشاى ابن صروية للملك لماذا يسب هذا الكلب الميت سيدى الملك. دعنى أعبر فاقطع رأسه فقال الملك مالى ولك يا ابنى صروية دعوه يسب لأن الرب قال له سـب داود.. لعل الرب ينظر إلى مذلتى
(1)- (تك42: 21). (2)- (رو5: 10، 11).
ويكافئنى الرب خيراً عوض مسبته بهذا اليوم"(1).ـ
وهذا يذكر بالسيد المسيح له المجد الذى يقول عنه القديس بطرس الرسول الذى قال "فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكى نتتبع خطواته الذى لم يفعل خطية ولا وُجد فى فمه مكر. الذى إذا شُتم لم يكن يشتم عوضاً وإذا تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضى بعدل"(2).ـ
ـ9- هناك صلة قوية بين المحبة والتسامح، فالإنسان الذى يحب إنساناً لا يمكن أن يهينه أو أن لا يتقبل إهانته فالمثل الشعبى يقول
[ حبيبك يبلع لك الظلط وعدوك يتمنى لك الغلط ].ـ
فالمعاملات الأسرية تحتاج منا أن نتغاضى عن الكلمات التى لا تعجبنا. وليس هناك كرامة بين الزوجين لأنهما جسداً واحداً فكرامتهما واحدة.
والقديس بولس الرسول يقول "فالبسوا كمختارى الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة محتملين بعضكم بعضاً
ومسامحين بعضكم بعضاً وإن كان لأحد على أحد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً. وعلى جميع هذه إلبسوا المحبة التى هى رباط الكمال"(3).ـ
ـ10- تمثل بالرب يسوع الذى قال "لا تدينوا لكى لا تدانوا لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليك اغفروا يغفر لكم"(4).ـ
وأيضاً قول بولس الرسول "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً فى المسيح"(5).ـ
(1)- (2صم16: 9- 12). (2)- (1بط 2: 21- 23). (3)- (كو3: ـ12- 14).ـ
(4)- (لو6: 37). (5)- (أف4: 32).