مرتا، مرتا، إنك في هم و ارتباك بأمور كثيرة مع أن الحاجة إلى أمر واحد فقد اختارت مريم النصيب الأفضل و لن ينزع منها (لو 10 /41-42)
عيد الدنح او الغطاس الاحد الاول بعد الغطاس - 2010 - يسوع ابن الله وفادي العالم - المطران بشارة الراعي
عيد الدنح او الغطاس
الاحد الاول بعد الغطاس
لوقا 3: 15-22
يوحنا 1: 29-34
يسوع ابن الله وفادي العالم
نضمّ معاً عيد الغطاس او الدنح والاحد الاول الذي يليه. فنحيي ذكرى اعتماد الرب يسوع في نهر الاردن من يوحنا المعمدان، وفيه ظهوره العلني للعالم، واعتلان سرّ الثالوث الاقدس. وفي الاحد الذي يلي نحتفل باعتلان الرب يسوع، بشهادة يوحنا، فادياً يحمل خطيئة العالم، ويزيلها بموته على الصليب وقيامته منتصراً على الخطيئة والموت.
اولاً، نصوص الانجيل
انجيل القديس لوقا 3: 15-22، معمودية يسوع
وفيمَا كانَ الشَّعْبُ يَنتَظِر، والـجَمِيعُ يَتَسَاءَلُونَ في قُلُوبِهِم عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ هُوَ الـمَسِيح، أَجَابَ يُوحَنَّا قَائِلاً لَهُم أَجْمَعِين: "أَنَا أُعَمِّدُكُم بِالـمَاء، ويَأْتي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، مَنْ لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ. هُوَ يُعَمِّدُكُم بِالرُّوحِ القُدُسِ والنَّار. في يَدِهِ الـمِذْرَى يُنَقِّي بِهَا بَيْدَرَهُ، فيَجْمَعُ القَمْحَ في أَهْرَائِهِ، وأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لا تُطْفَأ". وبِأَقْوَالٍ أُخْرَى كَثيرَةٍ كانَ يُوحَنَّا يَعِظُ الشَّعْبَ ويُبَشِّرُهُم. لـكِنَّ هِيرُودُسَ رئِيسَ الرُّبْع، وقَد كانَ يُوحَنَّا يُوَبِّخُهُ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ أَخِيه، ومِنْ أَجْلِ كُلِّ الشُّرُورِ الَّتي صَنَعَها، زَادَ على تِلْكَ الشُّرُورِ كُلِّهَا أَنَّهُ أَلقَى يُوحَنَّا في السِّجْن. ولـمَّا اعْتَمَدَ الشَّعْبُ كُلُّهُ، اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا. واذ كانَ يُصَلِّي، انفَتَحَتِ السَّمَاء، ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ في صُورَةٍ جَسَديَّةٍ مِثْلِ حَمَامَة، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: "أَنْتَ هُوَ ابْنِي الـحَبِيب، بِكَ رَضِيت".
تنبأ يوحنا المعمدان، بفعل الروح القدس الذي كان يملاءه، عن الفرق بين معموديته ومعمودية يسوع المسيح العتيدة. معمودية يوحنا " بالماء"، كرمز للتوبة الداخلية من دون ان تغسل النفس من الخطايا، ومن دون ان تملأها بالحياة الجديدة، خلافاً لمعمودية يسوع العتيدة التي ستتم " بالروح القدس والنار". ما يعني ان الروح القدس ينقي النفس ويطهّرها من خطاياها، كما تفعل النار؛ ويعطي الحياة الجديدة بحلوله على المعمّد. عن هذه المعمودية تكلّم يسوع عندما قال: " جئت ألقي على الارض ناراً، واودّ ان تكون اشتعلت" ( لو12: 49). ويوم معمودية الكنيسة في العنصرة، ظهر الروح القدس على الكنيسة الناشئة " بألسنة من نار وملأ الحاضرين" ( اعمال 2: 3-4).
اراد الرب يسوع ان يعتمد من يوحنا، لا لانه خاطىء ويلتمس التوبة لغفران خطاياه، بل لكي يتضامن مع كل الخطأة، ليحمل خطاياهم، فيكفّر عنها بموته على الصليب، ويجري المصالحة مع الله، ويستحق الغفران لكل انسان يتوب. بهذه المبادرة اراد ان يخضع بالكلية لارادة ابيه الخلاصية، قابلاً معمودية موته لمغفرة خطايانا. فكان حلول الروح القدس عليه، بشكل حمامة، ليعضد بشريته في عملية الفداء، وكان صوت الآب، جواباً على قبوله لارادته: " انت هو ابني الحبيب، بك رضيت" (لو3: 22).
وهكذا كان " الدنح" او ظهور يسوع المسيح للعالم على انه ابن الله وفادي الانسان، وظهور الآب الذي ارسله لتحقيق تصميم الخلاص، وظهور الروح القدس قدرة الله التي مكنت يسوع الانسان من تتميم عمل الفداء بموته على الصليب.
واتسّع هذا " الظهور" ليشمل حقائق اخرى. فالمسيح الممتلىء من الروح القدس سيصبح ينبوع عطية هذا الروح للجنس البشري باسره. و"انفتاح السماوات" عند اعتماده يعني ان يسوع فتحها للشركة الكاملة بين الله والبشر بطاعته، من بعد ان اغلقها آدم بمعصيته. و" نزول يسوع في الماء وحلول الروح القدس" يعلنان الخلق الجديد [1].
***
2. انجيل القديس يوحنا 1: 92-34، يسوع حمل الله
في الغَدِ رأَى يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَال: "هَا هُوَ حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرْفَعُ خَطِيئَةَ العَالَم. هـذَا هُوَ الَّذي قُلْتُ فِيه: يَأْتِي ورَائِي رَجُلٌ قَدْ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلي. وأَنَا مَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ، لـكِنِّي جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالـمَاء ِ لِكَي يَظْهَرَ هُوَ لإِسْرَائِيل". وشَهِدَ يُوحَنَّا قَائِلاً: "رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً كَحَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاء، ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَيْه. وأَنَا مَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ، لـكِنَّ الَّذي أَرْسَلَنِي أُعَمِّدُ بِالـمَاءِ هُوَ قَالَ لي: مَنْ تَرَى الرُّوحَ يَنْزِلُ ويَسْتَقِرُّ عَلَيْه، هُوَ الَّذي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ القُدُس. وأَنَا رَأَيْتُ وشَهِدْتُ أَنَّ هـذَا هُوَ ابْنُ الله".
هي شهادة ثانية ليوحنا المعمدان يعلن فيها سرّ المسيح انه " حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم" ( يو1: 29)، بعد شهادته الاولى عن معمودية يسوع بالروح القدس والنار (لو3: 16). ويرفقها بشهادة ثالثة ان يسوع هو "ابن الله" ( يو1: 34).
المسيح حمل الله
بوحي من الروح القدس غداة اعتماد يسوع في نهر الاردن، حيا المعمدان يسوع بأنه " حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم" ( يو1: 29). بيسوع تكتمل المعمودية التي كان يمارسها يوحنا للتوبة، كعلامة خارجية وممارسة تقوية، لانه " سيعمّد بالروح القدس" ( يو1: 33) لمغفرة الخطايا والولادة الجديدة.
المسيح " حمل الله" هو الذي يكفّر عن خطايا الجنس البشري برمّته، بقبول صليب الفداء، وكأنه الخاطىء بامتنياز ( انظر 2 كور 5: 21). لقد حمل خطايا جميع البشر مع صليبه، ومحاها بدمه، وصالح الآب مع البشرية باسرها، وأفاض بقيامته الروح القدس الذي يحقق ثمار الفداء في التائبين، فيمنحهم الحياة الجديدة بقيامة القلوب. والكل بواسطة خدمة الكهنة التي تسلّمتها الكنيسة يوم احد قيامة الرب من بين الاموات: " ظهر على التلاميذ في مساء الاحد، ونفخ فيهم وقال: خذوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم غُفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم اُمسكت عليهم" ( يو 20: 19 و22 و23).
ب- بالمسيح تمت المصالحة مع الله
الانتماء الى الكنيسة يجعل المسيحيين، بحكم دعوتهم ورسالتهم، " سفراء المسيح للمصالحة" ( 2 كور 5: 20). انها مبادرة الهية حرة ومجانيّة يقوم بها الله تجاه البشر اجمعين، من اجل ترميم الشركة معهم، من بعد ان جرحتها الخطيئة وكسرتها وافسدتها. فكانت نتيجتها، على ما يقول بولس الرسول في رسالته هذا الاحد، الكبرياء الذي يحول دون معرفة الله وطاعة المسيح، والمعصية التي تنكر الطاعة لله ولوصاياه، والافكار الخاطئة (انظر 2 كور 10: 4-6).
المصالحة هي ثمرة الفداء الذي أجراه يسوع ابن الله بآلامه وموته على الصليب تكفيراً عن خطايا جميع الناس. وهي الغفران الجاري من صدر يسوع المطعون بالحربة، والمرموز اليه بالدم والماء، علامة الافخارستيا والمعمودية ( يو19/35)، وها يوحنا المعمدان الذي أعلن ان يسوع هو " حمل الله" الذي يرفع خطيئة العالم" ( يو1: 29)، عاد واضاف انه " ابن الله" ( يو1: 34). هكذا تكتمل بشريته بالوهيته. " فلو لم يأخذ المسيح الاله الطبيعة البشرية، لَما تمّ الخلاص لنا. فلا فائدة لنا من القول انه انسان بدون الالوهية، كما انه لا خلاص لنا، اذا فصلنا الطبيعة البشرية عن الالوهية" ( القديس كيرللس الاورشليمي، العظة 12، 1).
هذه المصالحة الالهية هي عمل الله الثالوث: فالآب ابو المراحم ارادها لانه امين لعهده الخلاصي ولذاته، والابن، المرسل من الآب، استحق بموته غفران الخطايا، والروح القدس، الذي أفاضه الآب، حققها في التائبين الآن وهنا. وقد سلّم الله كنيسته خدمة الكهنوت لتمنح الحلّ والغفران للتأئبين.
ان " ظهور" الله الثالوث عند معمودية يسوع من يوحنا في نهر الاردن، جعل المعمدان يشهد ان يسوع " هو الذي سيعمّد بالروح القدس" ( يو 1: 33)، ما يعني انه يجري، بقوة الروح القدس، ولادة الانسان الجديدة، بالموت عن الخطيئة والقيامة لحياة النعمة. هذا ما اكدّه بولس الرسول: " من كان في المسيح، فهو خليقة جديدة: لقد زال القديم، وصار كل شيء جديداً. والكل من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح، وأعطانا خدمة المصالحة" ( 2كور 5: 17-18).
من يختبر المصالحة يصبح أداتها وسفيرها. اختبرها الرسل اولاً يوم قيامة الرب يسوع، اذ اعطاهم " سلام" الخلاص ونفخ فيها الروح القدس، روح القيامة، مبدأ الحياة الجديدة (يو20/19 -21). ثم منحهم خدمة المصالحة ليوزّعوها كسفراء له ( 2 كور 5: 20). ومن ينالها من الله ملزم بمنحها للمسيء اليه شخصياً، كما علّمنا الرب يسوع في الصلاة الربيّة: " اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، كما نحن نغفر لمن خطىء الينا" ( متنى6: 12).
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
نبدأ اليوم بتقبّل النص المجمعي الثاني والعشرين: الكنيسة المارونية والاعلام. يتألف النص من مقدمة واربعة فصول. يتناول الفصل الاول تعليم الكنيسة بشأن وسائل الاعلام، والثاني تاريخ الاعلام في الكنيسة المارونية، والثالث واقع الاعلام الديني والزمني، والرابع الرؤية المستقبلية.
1. تحدد المقدمة التمهيدية وسائل الاعلام وانواعها واهميتها. الانواع الاربعة:
أ- الاعلام المكتوب: الصحافة وتشمل الجرائد والمجلات والدوريات.
ب- الاعلام المسموع: الاذاعات والموسيقى.
ج- الاعلام المرئي: التلفزيونات والسينما والمسرح والوسائل البصرية السمعية.
د- الاعلام الكتروني: الانترنت والمواقع الالكترونية.
اما اهميتها فكبيرة: انها تنشر الثقافة المسيحية، وتؤثر في انماط التفكير والانفعالات والمسلك، على كل من المستوى الشخصي والاجتماعي والسياسي والروحي والاخلاقي. انها اداة المعرفة والترفيه. بفضلها صار الكوكب الارضي قرية عالمية وفضاء مفتوحاً وتواصلاً بين الامم والشعوب. ولها الدور الاساس في تكوين الرأي العام، الوطني والعالمي، وفي دفعه باتجاهات مصيرية. كما انها تمارس دوراً اعلامياً ورقابياً على السلطات العامة في معظم الدول (التمهيد والمقدمة). انها عطية من الله والاريوباغوس الاول في الازمنة الحديثة (الفقرتان 4 و5).
2. ادركت الكنيسة هذا الدور المتعدد الوجوه، فأسس الكرسي الرسولي المجلس الحبري لوسائل الاعلام الاجتماعي، وخصص المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني سنة 1963 وثيقة عنوانها " وسائل الاعلام الاجتماعي". ودعا الى تكريس يوم عالمي سنوي للاعلام، تحدد في الاحد السابق لعيد العنصرة، ومنذ سنة 1967 درج البابوات على اصدار رسالة حبرية للمناسبة (الفقرتان 2 و3).
3. للكنيسة تعليم واسع بشأن الاعلام، صدر بعد وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني. فنذكر على التوالي: اتحاد وتقدم (1971)، الاباحية والعنف في وسائل الاعلام (6 ايار 1989)، قواعد التعاون المسكوني والتعاون بين الاديان على الصعيد الاعلامي ( 4 تشرين الاول 1989)، عهد جديد (22 شباط 1992)، اخلاقيات الاعلان (22 شباط 1997)، اخلاقيات الاعلام الاجتماعي (2 حزيران 2000)، اخلاقيات الانترنت ( 22 شباط 2002)، الكنيسة والانترنت ( 22 شباط 2002).
اعتبرت الكنيسة ان المسيحي لا يستطيع ان " يحسب نفسه وفياً لوصية المسيح، إن هو أهمل الاستعانة بهذه الوسائل لايصال العقيدة والتعاليم الانجيلية الى أكبر عدد ممكن من الناس" ( اتحاد وتقدم، 126).
في الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان"، أوصى البابا يوحنا بولس الثاني بتنشيط برامج البثّ الديني والبرامج الاعلامية التربوية، وبتهذيب الحسّ النقدي لدى الراشدين والشبان في استعمال وسائل الاعلام، وبضرورة تنشئة اشخاص من ذوي الكفاءة لادراك الرهانات التي تنطوي عليها وسائل الاعلام ( عدد111) (الفقرات 4-6).
***
صلاة
ايها الرب يسوع، بدنحك أعلنت بنوتك الالهية والوهيتك، واعتلن لنا سرّ الثالوث الاقدس، وبشهادة يوحنا المعمدان انكشفت لنا معموديتنا بالروح القدس والنار. نشكرك لانك اشركتنا في البنوة لله الآب وفي الحياة الالهية. ساعدنا لنعيش مقتضيات هذه البنوّة والحياة الجديدة. انت، يا رب، حمل الله الذي كفرّ عن خطايانا، اعطنا نعمة التوبة عنها، والسعي الدائم الى التماس المصالحة والغفران، واجعلنا شهوداً للمغفرة والمصالحة بممارستهما مع جميع الناس. بارك العاملين في شتىّ وسائل الاعلام، لكي يجعلوها اداة تقارب وتضامن، ومنبراً لاعلان سرّ الكلمة التي تنير كل انسان وتقود الى الحقيقة التي تجمع وتحرر. فنرفع المجد والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.