أنت صخر وعلى الصخر هذا سأبني كنيستي، فلن يقوى عليها سلطان الموت ( مت 16 /18)
تذكار الكهنة 2010 - الكاهن وكيل اسرار الله بالامانة والحكمة - المطران بشارة الراعي
تذكار الكهنة
1 طيموتاوس 4: 6-16
لوقا 12: 42-48
الكاهن وكيل اسرار الله بالامانة والحكمة
تبدأ مع هذا الاحد اسابيع التذكارات الثلاثة: نذكر على التوالي الكهنة والابرار والصديقين والموتى المؤمنين. انها اسابيع صلاة وقرابين روحية اي قداسات واعمال خير ورحمة من اجلهم، واكراماً لهم، وتشفعاً بهم ولهم. في هذا الاسبوع نصلي من اجل الكهنة المتوفين، ومن اجل الاحياء من اساقفة وكهنة، ليكونوا خداماً صالحين ليسوع المسيح لدى الجماعة المؤمنة، ووكلاء امناء على اسرار الله. ونصلي ايضاً من اجل الدعوات الكهنوتية لثباتها ونموها.
اولاً، القراءات المقدسة
انجيل القديس لوقا 12: 42-48
فَقَالَ الرَّبّ: "مَنْ تُرَاهُ الوَكِيلُ الأَمِينُ الـحَكِيمُ الَّذي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُم حِصَّتَهُم مِنَ الطَّعَامِ في حِينِهَا؟ طُوبَى لِذلِكَ العَبْدِ الَّذي، مَتَى جَاءَ سَيِّدُهُ، يَجِدُهُ فَاعِلاً هـكذَا! حَقًّا أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ مُقْتَنَياتِهِ. أَمَّا إِذَا قَالَ ذـلِكَ العَبْدُ في قَلْبِهِ: سَيَتَأَخَّرُ سَيِّدِي في مَجِيئِهِ، وَبَدأَ يَضْرِبُ الغِلْمَانَ وَالـجَوَارِي، يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَر، يَجِيءُ سَيِّدُ ذـلِكَ العَبْدِ في يَوْمٍ لا يَنْتَظِرُهُ، وَفي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُها، فَيَفْصِلُهُ، وَيَجْعلُ نَصِيبَهُ مَعَ الكَافِرين. فذـلِكَ العَبْدُ الَّذي عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَمَا أَعَدَّ شَيْئًا، وَلا عَمِلَ بِمَشيئَةِ سَيِّدِهِ، يُضْرَبُ ضَرْبًا كَثِيرًا. اما العَبْدُ الَّذي مَا عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَعَمِلَ مَا يَسْتَوجِبُ الضَّرْب، فَيُضْرَبُ ضَرْبًا قَلِيلاً. وَمَنْ أُعْطِيَ كَثيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ الكَثِير، وَمَنِ ائْتُمِنَ عَلَى الكَثِيرِ يُطالَبُ بِأَكْثَر.
يكشف لنا كلام الرب يسوع وجه الكاهن ورسالته. انه وكيل اسرار الله بالامانة والحكمة، وخادم مائدتي الكلمة وجسد المسيح ودمه.
الكاهن وكيل اسرار الله (1كور4: 1)
الكاهن " وكيل" اختاره الرب يسوع الكاهن الازلي، وأقامه لتختص خدمته " في ما هو لله"، فيقدم للناس عطايا الله التي حملها اليهم يسوع المسيح الوسيط الوحيد للخلاص: " لا أحد يصل الى الآب الاّ بي" (يو14/6)، و " لا يوجد تحت السماء اسم آخر يمكن به الخلاص" ، الاّ يسوع المسيح" (اعلان بطرس الرسول في اعمال الرسل 4/12). انه يوزّع على الناس روحاً وحياة، بواسطة خدمة الكاهن المثلثة: التعليم والتقديس والتدبير.
اعلن الرب يسوع كلام الله للناس كاشفاً الحقيقة الكاملة والنهائية عن الله والانسان والتاريخ. وسلّم الكاهن هذه الخدمة النبوية: " انطلقوا الى العالم كله، ونادوا بانجيلي في الخليقة كلها. فمن يؤمن ويعتمد يخلص، ومن لا يؤمن يدان" ( مرقس16/15-16). والكاهن يعلن سرّ يسوع المسيح الكلمة الالهي المتجسد لاجل خلاصنا، وينقل تعليمه كما تفسّره الكنيسة بسلطتها التعليمية، الناطقة باسمه: " من سمع منكم سمع مني" ( لو10/16)، ويصوّب كل انحراف للحقيقة والعقيدة او تحريف لها، ويندد بكل تصرف او موقف او تشريع او عمل يتنافى وهذا التعليم.
قدّم الرب يسوع ذاته ذبيحة فداء للآب فكانت به المصالحة بين الله والجنس البشري، ودخلت النعمة الى العالم، وكان الانتصار على الشيطان والخطيئة، وعلى الشر والموت. واسس سرّ القربان ليكون، من خلال الخبز والخمر، ذبيحة خلاص دائمة، وليعطي المؤمنين ذاته الالهية وكل كنوز السماء الروحية، خبزاً سماوياً يقيت الارواح. وسلّم الكاهن الخدمة الاسرارية ليوزّع النعم الالهية بواسطة الاسرار التي هي ينابيع الخلاص الجارية من الحمل المذبوح.
وجمع الرب يسوع بشخصه الكنيسة يوم العنصرة بواسطة حلول روحه القدوس، وارسلها الى العالم نواة لملكوت الله. فانها العلامة والاداة للاتحاد العميق بالله، ولوحدة الجنس البشري. فيها يتم سرّ اتحاد كل انسان شخصياً بالثالوث الالهي وبسائر الناس عبر كلمة الانجيل ونعمة الاسرار. وسلّم الرب مهمة هذا التدبير الالهي الى الكاهن بخدمة المحبة الراعوية.
الامانة والحكمة ميزتا الكاهن
يُطلب من الكاهن ان يتميّز بالامانة للمسيح سيده ومثاله، وللذين اوكلوا الى عنايته، ولخدمته المثلثة: خدمة الكلمة والنعمة والمحبة. الامانة هي تجديد القرار الاول كل يوم. فلا يسأم بداعي رتابة الزمن، ولا يتراجع امام محن الصليب، ولا يستغيب الله بسبب صمته. "طوبى لذلك الخادم الذي يأتي سيده فيجده فاعلاً هكذا". ان الامين على القليل يقام على الكثير: " انه يقيمه على كل ما له". وتقتضي منه الامانة بالاّ يفرّط بشيء، لانه لا يملك ما هو مؤتمن عليه.
ويُطلب منه ان يتميّز بالحكمة التي هي اولى مواهب الروح القدس وفضيلة اساسية عند الكاهن. بها يقف من جهة المسيح-الكاهن، فادي الانسان، الذي أحب حتى بذل الذات، لينظر من منظار المسيح وبنظرته، فتعبر محبة المسيح للخراف من خلال قلب الكاهن وفكره وارادته وقوته. لولا فضيلة الحكمة، لاعتبر الوكيل ان سيده سيتأخر في المجيء، فيبدأ يضرب عبيده، ويأكل ويشرب ويسكر. تذكّره الحكمة بوصية بطرس الرسول: " اسهروا على نفوسكم وعلى القطيع الذي اقامكم عليه الروح القدس رعاة، لترعوا كنيسة المسيح التي اقتناها بدمه" (اعمال20/18).
الروح القدس، الذي حلّ على الكاهن ومسحه وكرّسه، جاعلاً منه اداة حية بيد المسيح الكاهن الازلي، ليعمل باسم المسيح وبشخصه، ويواصل العمل الكهنوتي العجيب لفداء البشرية وتقديسها بقدرة الروح السامية. انه يقوم مقام المسيح، ويُعطى نعمة خاصة، تخوّله، من جهة، السعي الى كمال من يمثل، من خلال خدمته الامينة والحكيمة، وتمكّنه، من جهة ثانية، من ان يجد الشفاء بفضلها لضعفه البشري، بقداسة من صار لاجلنا الكاهن الاسمى والقدوس والبريء، الذي لا عيب فيه، المنزّه عن الخطأ[1].
3. الكاهن خادم مائدتي كلمة المسيح وجسده ودمه
المسيح هو الذي يغذي الكنيسة وابناءها على مائدة كلمته ومائدة جسده. والمؤمنون مدعوون "لتناول" الكلمة اولاً بالايمان والرجاء والمحبة لكي يغتذوا حقاً من جسد الرب. فكلام الله، بما له من قوة وقدرة، يشكل عوناً للمؤمنين والكنيسة، وثباتاً في الايمان، ونبعاً لا ينضب للحياة الروحية، وغذاءً للنفوس بخبز جسد الرب القرباني ودمه الذي يصيّرنا ما نقبل، كما يقول القديس كيرللس الاورشليمي؛ ويجعلنا اعضاء حية في جسد المسيح، ويحفظنا في الاتحاد به وفي الوحدة مع بعضنا البعض، على ما يقول القديس اغناطيوس الانطاكي؛ ويجدد، بقوة الروح القدس، الكنيسة بحيث تصبح شبيهة اكثر فأكثر بسيدها[2]. الكاهن هو خادم هاتين المائدتين: كلمة الرب وجسده.
***
ثانياً، الصلاة من اجل وحدة المسيحيين
نواكب في هذا الاسبوع الكنائس في الصلاة من اجل وحدة المسيحيين، متأملين في الموضوع الذي اختير لهذه السنة: " عن هذه الامور، انتم شهوداً" ( لو24: 48). انها الشهادة للمسيح القائم من الموت، نؤديها بوحدتنا وتضامننا ومصالحتنا، فيؤمن العالم بالمسيح اساس وحدتنا، والشاهد لمحبة الله لنا، وحامل الكلمة التي توحّدنا حول الحقيقة المطلقة.
ان مسيرتنا نحو الوحدة متأصلة في ايماننا المشترك بقيامة يسوع المسيح. انه يغني حياتنا الطبيعية، وهي هبة من الله الآب، بالحياة الجديدة التي يقدمها لنا بانتصاره على الموت. نشهد في هذا الاسبوع ودائماً لقيمة كل حياة بشرية ونصلي من اجل نموها وكمالها بالحياة الجديدة، ونقوم بمبادرات انسانية وثقافية وانمائية، تمكن حياة الذين نعيش معهم من ان تنمو بكل ابعادها المادية والروحية والخلقية.
تقتضي شهادتنا للمسيح ولايماننا بالله ان نتقاسم الخبرات الشخصية ونسمع بعضنا بعضاً باحترام وانتباه، بحيث نلتقي الله في الشخص الذي نعيش معه هذا التبادل. ان تقاسم بعضنا بعضاً ما اعطانا الله من ايمان ومعرفة وخبرة، هو واجب ووسيلة لكي يعرف الناس كلمة الله ومقاصده في التاريخ، كما كان الله نفسه يطلب من الانبياء، وكما فعل تلاميذ المسيح في الكنيسة الناشئة (انظر ارميا: 1/4-8؛ اعمال 14/ 21-23).
نشهد للمسيح، شهادة تؤدي الى وحدة المؤمنين به، عندما نقدّر الارث الروحي الذي تركه ابناء الكنائس ونقلوه الى الاجيال المتعاقبة، وشكلوا منه حضارة مسيحية طبعت مجتمعاتها بقيم ثقافية واجتماعية.
ان المسيحيين، من كل الكنائس، مدعوون بمناسبة اسبوع الصلاة من اجل وحدتهم، ليعودوا الى كلام الله في الكتب المقدسة، من اجل ان يقتربوا من بعضهم البعض، ويتصالحوا، وينظروا الى الحقيقة المطلقة التي كشفها المسيح للعالم، حقيقة الله والانسان والتاريخ. اذا تدارسوا معاً الكتاب المقدس، نموا سوية في الايمان. في هذا الاسبوع المخصص للتأمل والصلاة من اجل وحدة المسيحيين، نصلي نحن ايضاً لكي يسيروا بخطوات جديدة نحو هذه الوحدة من خلال سماعهم المشترك لكلمة الله، وجهدهم لفهمها وعيشها معاً.
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تتناول الخطة الراعوية من النص المجمعي 22: الكنيسة المارونية والاعلام، القسم الاول من الفصل الثالث: الواقع الحالي للاعلام الزمني في لبنان، في مختلف وسائله.
واقع الاعلام المكتوب ( الفقرة 13).
ينوّه النص بدور الصحافة اللبنانية في الدفاع بأغلى الاثمان، بما فيه ضريبة الدم، عن حريتها المميّزة في العالم العربي. لكنه يشير ايضاً الى معاناتها المتنوعة: التبعية السياسية المفرطة، النقص في القدرة على الاحتفاظ بالمسافة الموضوعية والنقدية اللازمة، الضغوط المالية عليها بسبب الضائقة الاقتصادية، التي تفقدها قسطاً كبيراً من حريتها وموضوعيتها، طغيان الاعلام المرئي، منافسة الكم الكبير من الدوريات السطحية التي تعتمد الاثارة وتتوخى اهدافاً تجارية لا غير.
2. واقع الاعلام المرئي والمسموع ( الفقرات 14-16).
يشير النص الى ان هذا القطاع بحتاج الى مزيد من تنظيم بحيث يتلاءم " قانون تنظيم الاعلام المرئي والمسموع مع " الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية" الذي صادق عليه لبنان سنة 1972. ومعلوم ان " القانون " اللبناني يرقى الى العام 1994، وقد انتقدته لجنة حقوق الانسان المولجة بمراقبة احترام هذا الميثاق من قبل الدول الموقعّة. ان ما نتج عن فانون 1994 هو توزيع تراخيص لمحطات تلفزيونية واذاعية على اساس من المحاصصة المذهبية والزعامية.
أما ما يعني الكنيسة فهو ان تحافظ هذه المحطات على مقتضيات البث الاخلاقية، ومعالجة قضايا انسانية مصيرية بالانسجام مع المبادىء المسيحية والقيم المدنية المعاصرة المتعلقة بحقوق الانسان والعائلة والمرأة والولد والاعاقة وتعزيز التربية والتعليم والعدالة الاجتماعية وتنمية الشعوب والتضامن بين الشعوب والدول وصيانة البيئة وبناء السلام على قواعد الحقيقة والعدالة والحرية والمحبة.
وشكّل نشوء الفضائيات تطوراً بالغ الاهمية، ما جعل الفضاء الاعلامي منفتحاً امام الافراد والجماعات في لبنان، وصار النتاج الاعلامي اللبناني في متناول العالم باسره. فبات من واجب الكنيسة الافادة من هذه الوسيلة الجبّارة لنشر الثقافة الروحية والدينية والاخلاقية. وعليها ان تساعد المربين والوالدين لتوعية الاجيال الطالعة على استخدام الفضائيات بحكمة وفطنة وتمييز.
3. واقع الاعلام الالكتروني (الفقرتان 17 و18)
تشكّل الشبكة الالمترونية مصدراً كبيراً لفوائد عظيمة، ووسيلة فضلى لتبادل الخبرات بسرعة، ولايصال أحدث المكتشفات العلمية الى قلب كل بيت. لكن بعضاً منها يحتوي على مواقع تحضّ على الكراهية وتحقير المجموعات الدينية والامنية، ومنها ما يمسّ الكنيسة نفسها. فلا بدّ من ضبط حرية التعبير من خلالها ضمن حدود الاخلاقية.
4. واقع قطاع الاعلان (الفقرتان 19 و20)
يشكّل قطاع الاعلان مرفقاً حيوياً في لبنان، وأحد المواقع الاكثر انتاجاً في قطاع الخدمات. ان استعماله الغالب عندنا سلبي في الشكل والمضمون اذ فيه ما يمسّ الذوق والقيم الاخلاقية.
من الضروري ان تتآزر جميع قطاعات المجتمع، العامة والخاصة، الدينية منها والزمنية، لتوجيه هذا القطاع لتقديم ما هو موضوعي للمستهلك ولتحقيق مستوى من المعيشة اكثر انسانية للجميع، ولتعزيز الاعلانات الزاخرة بالقيم الاخلاقية والوطنية وروح التضامن والترابط.
***
صلاة
ايها الكاهن الازلي، ربنا يسوع المسيح، قدّس الكهنة بنعمة روحك القدوس، لكي يؤدّوا بالامانة والحكمة خدمتهم المثلثة: التعليم والتقديس والتدبير. أعطهم ان يدركوا جسامة مسؤوليتهم، فقد جعلتهم وكلاء اسرار الله، ليوزعوها خبزاً سماوياً، خبز الكلمة الالهية، وخبز جسدك ودمك، قوت الارواح وعربون الحياة الآتية. اننا نواصل الصلاة، التي هي صلاتك، ايها المسيح، من اجل وحدة المسيحيين، فيكتمل جسدك السرّي ويشفي من جراح الانقسامات. ألهم بانوار روحك القدوس العاملين في وسائل الاعلام والاعلان، لكي يجعلوها في خدمة الحقيقة، وتكوين عالم سليم، وفي تعزيز كرامة الشخص البشري. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.
[1] . راجع رسالة البابا يوحنا بولس الثاني: اعطيكم رعاة، 19-20.
[2] . رجاء جديد للبنان، 39 و42.