طوبى للخصيِّ الَّذي لم تَفعَل يدهُ إِثماً و لم يفكِّر أفكاراً شِريرةً على الرَّبّ ! فإنَّهُ سَينالُ لأمانتهِ نِعمةً سامِية و نصيباً شَهيَّاً في هيكلِ الرَّبّ (حك 3 /14)
احد الابرار والصديقين 2007 - انجيل المحبة والسلام ورسالة العائلة - المطران بشارة الراعي
الاحد 4 شباط 2007
احد الابرار والصديقين
انجيل المحبة والسلام ورسالة العائلة
من انجيل القديس متى 25/31-46
قال الرب يسوع: " متى جاء ابن الانسان في مجده، وجميع الملائكة معه، يجلس على عرش مجده. وتجمع لديه جميع الامم، فيميّز بعضهم عن بعض، كما يميّز الراعي الخراف من الجداء. ويقيم الخراف عن يمينه والجداء عن شماله. حينئذ يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي ابي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم؛ لأني جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريباً فآويتموني، وعرياناً فكسوتموني، ومريضاً فزرتموني، ومحبوساً فأتيتم إلي. حينئذ يجيبه الابرار قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو عطشاناً فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك، أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم: كل ما عملتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي عملتموه! ثم يقول للذين عن شماله: إذهبوا عنّي يا ملاعين، الى النار الابدية المعدة لإبليس وجنوده؛ لأني جعت فما أطعمتموني، وعطشت فما سقيتموني، وكنت غريباً فما آويتموني، وعرياناً فما كسوتموني، ومريضاً ومحبوساً فما زرتموني! حينئذ يجيبه هؤلاء أيضاً قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعاً أو عطشان أو غريباً أو مريضاً أو محبوساً وما خدمناك؟ حينئذ يجيبهم قائلاً: الحق أقول لكم: كل ما لم تعملوه لأحد هؤلاء الصغار، فلي لم تعملوه. ويذهب هؤلاء الى العذاب الأبدي، والأبرار الى الحياة الأبدية".
**
46
في تذكار الابرار والصديقين تقرأ الكنيسة انجيل " المحبة والسلام الذي عاشوه، والذي سندان عليه. ولهذا سُمّوا ابراراً وصديقين لانهم ينعمون بمشاهدة وجه الله، الذي هو محبة، في مجد السماء، ومن بينهم من رفعتهم الكنيسة على المذابح مثل القديس شربل والقديسة رفقا والطوباوي نعمة الله. ونأمل ان يُرفع على المذابح ايضاً المكرم الاب يعقوب حداد الكبوشي، وخادم الله البطريرك اسطفان الدويهي، والاخ اسطفان نعمه من الرهبانية اللبنانية المارونية، الذين تجري دعاوى تطويبهم حالياً لدى الكرسي الرسولي في روما.
اولاً، شرح النص الانجيلي
1. في المحتاج يتجلى وجه المسيح
يستعمل الرب يسوع صيغة المتكلم ليقول: " كنت جائعاً، عطشاناً، غريباً، عرياناً، مريضاً، محبوساً.... فكل ما صنعتموه الى احد اخوتي هؤلاء الصغار فاليّ صنعتموه" (متى25/35-36، 40). انه يتماهى مع كل محتاج مادياً وروحياً ومعنوياً، في الحالات الست المذكورة. كلها تقتضي منا مواقف محبة وخدمة: نحبهم ونخدمهم اذا كانت فينا محبة الله، ذلك ان " المحبة هي من الله. فمن يحب هو مولود من الله، ومن لا يحب لا يعرف الله" ( 1يو4/7-8). نحبهم ونخدمهم اذا كان فينا ايمان ملتزم بالاعمال: " اذا كان اخ او اخت عريانين، وليس لهما قوت يوم، وقال لهما احدكم: ?اذهبا بسلام واستدفئا واشبعا"، ولم تعطوهما حاجة الجسد، فماذا انتفعا؟ كذلك الايمان وحده، بدون اعمال، ميت" (يعقوب 2/15-17).
محبة الله تدفع الى الخدمة وتولّد السلام في قلب الانسان، اياً كان، لاعتباره في كرامته كشخص وابن مخلوق على صورة الله. المحبة تتجاوز افق الاخوّة في الايمان، لان " كل انسان هو اخي"، وبخاصة من كان فقيراً، ضعيفاً، متألماً، مظلوماً، فتعرف المحبة ان تكتشف فيه وجه المسيح ووجه الاخ وتحبه (في وظائف العائلة المسيحية، 64). هذه الصفحة الانجيلية هي انجيل الشركة (المحبة) والتقاسم ( الخدمة). مع الغريب والمريض والسجين ندخل في شركة شخصية، قائمة على الاستضافة والزيارة والحوار، مع ما يرافقها من مشاعر انسانية وعلاقة مودة واحترام وتفهّم واصغاء. اما الجائع والعطشان والعريان: فنتقاسم معه ما لدينا من خيرات ومواهب وامكانيات، " لان خيرات الارض معدّة لجميع الناس".
الشركة والتقاسم، في هذا المفهوم، يسميان " المسألة الاجتماعية" الهادفة الى انماء الانسان والمجتمع، انماءً اصيلاً يحترم الشخص البشري ويعززه في كل حالاته الاجتماعية والاقتصادية كجائع وعطشان وعريان ومريض، وفي حالاته الروحية والثقافية والانسانية كغريب وسجين (البابا يوحنا بولس الثاني: في الشأن الاجتماعي،1و34). هذا الانماء الاصيل والشامل هو الاسم الجديد للسلام ( البابا بولس السادس: " ترقي الشعوب" ، فقرة 87).
والمسألة الاجتماعية قضية خلقية تلزم الضمير الذي هو مصدر كل قرار. انها موجب خلقي يطاول القرارات الشخصية والقرارات الحكومية، وهي واجب تضامن يعني " الشعور بالمسؤولية تجاه الاكثر ضعفاً والاستعداد لمقاسمتهم ما نملك، لا مجرد شعور بالشفقة سطحي وعابر، بل يعني قراراً حازماً وثابتاً بالعمل من اجل الخير العام الذي هو خير الجميع وخير كل واحد، ذلك اننا كلنا مسؤولون عن كلنا" ( الاهتمام بالشأن الاجتماعي، 38). التضامن يساعدنا على رؤية الآخر، شخصاً كان ام شعباً ام امّة، لا كاداة او سلعة تُستعمل بل "كشبيه بنا وعون لنا" (تكوين2/18 و20)، فلا استغلال ولا استضعاف ولا تدمير.
والتضامن فضيلة مسيحية مصدرها الحب الذي يميّز تلاميذ المسيح (يو13/35). انها تتخطى الذات وترى في الانسان ليس فقط كائناً بشرياً له حقوقه ومساواته الاساسية، بل صورة الله الحية، المفتداة بدم المسيح، والمقدسة بالروح القدس، ولهذا يُحب ولو كان عدواً (الاهتمام بالشأن الاجتماعي،40)، كما السلام هو ثمرة العدالة (اشعيا 32/17) وثمرة الانماء (البابا بولس السادس)، كذلك هو ثمرة التضامن (البابا يوحنا بولس الثاني، المرجع نفسه،39).
على العدالة الاجتماعية وانماء الانسان والمجتمع والتضامن مع الاكثر ضعفاً وحاجة، سندان، في ضوء انجيل اليوم: " كل ما لم تصنعوه لاخوتي هؤلاء الصغار فلي لم تفعلوه، فاذهبوا عني يا ملاعين" ( متى25/40-41).
2. العائلة ضحية اساسية
" للجوع والعطش والعري والغربة والمرض والسجن" ضحية واحدة اساسية هي العائلة، لان باصابة اعضائها تصاب هي. ومتى اصيبت العائلة يصاب المجتمع والوطن، وتصاب الكنيسة.
العائلة هي خلية المجتمع القائم على الشركة بين الاشخاص وتقاسم الخيرات، وفيها يختبر الفرد الشركة والتقاسم ويتدرب عليها، وتلعب العائلة دوراً كبير الاهمية في الحياة الاقتصادية. بما ان الانسان فرد حي في المجتمع، نستطيع القول ان الانسان "عائلة": يولد في عائلة، يؤسس عائلة، يستهلك في عائلة. لذلك لا يجوز انكار البعد الاجتماعي وتعظيم الفرد، ولا التركيز على المجتمع وسحق الشخص. في كلا الحالين تبقى الاسرة هي اياها الضحية. ينبغي ان يكون الاقتصاد عائلياً: اعني ان تكون غايته خير العائلات وازدهارها وسلامها. ان مجتمعاً بدون عائلة محكوم عليه بالموت. فالعائلة، بحكم تأسيسها، تسبق كل مجتمع وكل عمل اقتصادي. وهذا البعد الاجتماعي-الاقتصادي للعائلة شكلّ موضوع ( اللقاء العالمي الثالث للعائلات في ريودي جنيرو سنة 1997، وكان بعنوان:"العائلة بشرى سارة للالفية الثالثة". في التوصيات الختامية لهذا لمؤتمر تبينت العائلة انها بشرى سارة للحياة تحميها وتعززها منذ اللحظة الاولى للحبل بها حتى آخر نسمة منها؛ وانها بشرى سارة للفقراء بتثمير قدرات الارض لعيشهم الكريم لا بالحد من النسل عبر الاجهاض والتعقيم ووسائل منع الحبل؛ وانها بشرى سارة للشبيبة بتعزيز حاضرها وضمانة مستقبلها كقوى حية وتجددية في المجتمع والوطن والكنيسة، فهي " اكليل الزواج" وخميرة البشرية، فلا تُهمل؛ وانها بشرى سارة للعالم تحمل اليه انجيل الحب والحياة، وتبني جماعة الوحدة والسلام، وتطبعه بثقافة المسامحة والتضامن؛ وانها بشرى سارة للكنيسة، لانها "الكنيسة البيتية " الاولى التي تتلقى الانجيل وتعلنه، وفيها تبدأ شركة الاشخاص مع الله وفيما بينهم بالصلاة والحوار، وفيها يتم تقاسم الخيرات والمواهب.
ان الفساد المستشري في لبنان على صعيد السياسة والادارة والرقابة والقضاء والانتخابات النيابية، وهذا الامعان في تسخير المؤسسات والشأن العام للمصالح الفردية والفئوية وما يخلف كل ذلك من ازمات اقتصادية واجتماعية تولدّ البطالة والهجرة والانحرافات الخلقية، انما يضرب العائلة في صميمها. وباتوا يتحدثون عن " ثقافة الفساد في لبنان" (مقال للدكتور سليم الحص في النهار 4 شباط 2003). هذا امر مخزٍ وجرم كبير بحق العائلة، لا يجوز ان يتمادى فيه المسؤولون او يتغاضوا عنه. وإلا زادوا من عدد الجائعين والعطشى والفقراء والمرضى والغرباء في ارضهم والمحرومين والمساجين.
العائلة وحدها حفظت لبنان عندما تفككت الدولة وتشرّد المجتمع بالتهجير، والعائلة وحدها كفيلة، اذا حافظت على هويتها وادّت رسالتها كبشرى سارة، بأن تعيد بناء الاسرة الوطنية اللبنانية. هذا يقتضي تنشئة لها من الكنيسة، وحماية من الدولة، والتزاماً من قبلها بالصلاة لتعيش ما يجب ان تكون.
3. انجيل السلام
انجيل الدينونة يؤكد اننا سنُدان في الآخرة على السلام الذي وطّدناه او لم نوطدّه في اخوتنا الصغار: الجائع والعطشان والغريب والعريان والمريض والسجين. ذلك اننا، عندما نعتني بهم مادياً او روحياً او معنوياً ونلبي حاجاتهم، انما نضع السلام في قلوبهم، ونرمّم روابط الاخوّة معهم، ونصبح ابناء الله حقاً، على ما يقول الرب يسوع في انجيل التطويبات، دستور الحياة البشرية: "طوبى لفاعلي السلام، فأنهم ابناء الله يُدعون" ( متى 5/9).
السلام ثمرة العدالة. والعدالة تقتضي ان نعطي هؤلاء " الاخوة الصغار" حقوقهم. ليست محبتهم شأناً اختيارياً بل هي واجب، اذ عليك ان تعطيهم حقوقهم، وإلاّ قتلتهم.
يذكّرنا البابا الطوباوي يوحنا الثالث والعشرون، في رسالته العامة " السلام على الارض"، بان السلام الحقيقي هو القائم على نظام الهي، وضعه الله لخلقه وكتبه في طبيعة الانسان، وان الشخص البشري هو في اساس هذا النظام (فقرة1).
نقرأ في هذه الرسالة " ان كل انسان هو شخص، اي ذو طبيعة مزيّنة بالعقل والارادة الحرة، ولذا هو صاحب حقوق وواجبات تنبع مباشرة من صميم طبيعته، ولا تقبل اي تنازل عنها" ( فقرة9). ما هو حق لي هو واجب عليك. وما هو حق لك هو واجب عليّ. انجيل الدينونة يكشف حقوق اخوتنا الصغار وواجباتنا تجاههم. هذه الحقوق النابعة من صميم طبيعتهم وحالة جوعهم وعطشهم وغربتهم وعريهم ومرضهم واسرهم، هي الحقوق الاساسية التي تسردها الرسالة البابوية " السلام على الارض".
للانسان الحق في الحياة وفي السلامة الجسدية، وفي اسباب المعيشة اللائقة، ومنها المأكل والملبس والسكن والراحة والعناية الطبيّة، والخدمات الاجتماعية الضرورية المستوجبة للفرد من الدولة. وبناء عليه، فان للانسان الحق في التمتع بالعون في حال المرض او الاعاقة او العجز او الترمّل او الشيخوخة او البطالة، او في حال اي افتقار آخر الى الاسباب الضرورية في ظروف خارجة عن ارادته (فقرة 11).
اعطاء الانسان حقوقه واجب تمليه العدالة وتحرّكه المحبة، فيرسي السلام في داخل الانسان، ويوطّد السلام الاجتماعي. على هذا سنّدان.
***
ثانياً، ابرار عاشوا انجيل المحبة والعدالة والسلام
نذكر وجهاً مشرقاً من لبنان هو المكرّم الاب يعقوب حداد الكبوشي ( اول شباط 1875-26 حزيران 1954) مؤسس جمعية راهبات الصليب الفرنسيسكانيات. سلك طريق القداسة على خطى شفيعه القديس فرنسيس الاسيزي، رسولاً للمحبة على كل جبهاتها، مواجهاً الآم الناس الحسيّة والنفسية والمعنوية، مكرّساً كل وقته وطاقاته ومواهبه وعلمه وديناميته الراعوية للتخفيف من اوجاع الاجساد والنفوس. اليوم، وقد اصبحت دعوى تطويبه في مرحلتها الاخيرة، مرحلة درس الاعاجيب، نصلي لكي يتمجد الله برفعه قديساً على مذابح الكنيسة.
بعد نشاط واسع في الرهبنة الكبوشية، انطلق الى رسالة خدمة المحبة والرحمة على تلة الصليب في جل الديب، حيث رفع الصليب كأساس لهذه الرسالة الاجتماعية والكنسية والراعوية العظيمة، ووضع الحجر الاساس سنة 1921، وبنى مزار سيدة البحر. بالاتكال على العناية الالهية باشر اولاً خدمة الكهنة العجزة في دير الصليب سنة 1926. وبموهبة خاصة من الروح القدس اسس جمعية راهبات الصليب 1930، ليتمكن من خدمة " الاخوة الصغار" في تنوع حاجاتهم. فأنشأ في حياته العديد من المؤسسات، واكملت الجمعية من بعده انشاء مؤسسات اخرى على مختلف الاصعدة.
- الاستثفاء من الامراض الجسدية والعقلية والعصبية ومن الاعاقات ( مستشفى دير القمر للبنات المعوقات 1933، مستشفى السيدة انطلياس للعجزة والامراض المزمنة 1946، مستشفى الدوره 1948، مستشفى الصليب للامراض العقلية وللاطفال والاولاد المعاقين 1951، دار المسيح الملك للكهنة المرضى والمسنين 1952، بيت سلطانة الحبل بلا دنس للبنات المعوقات في اجدبرا 1977، دير سيدة الزروع للمسنين في شليفا 1989، مؤسسة للمعاقين في حلبا 1992، بيت العناية الانسانية للعجزة في الاردن 1995.
- التعليم والتربية في المدارس ودور الايتام: مدرسة مار فرنسيس جل الديب 1919، التي اصبحت في مكان آخر من جل الديب مدرسة فال بيرجاك 1979، مدرسة راهبات الصليب برمانا 1950، مدرسة راهبات الصليب حراجل 1957، ثانوية مار فرنسيس غزير 2003.
- الرسالة والخدمة الراعوية: بيت مار مخايل بشعله 1977، مركز سيدة البير للرياضات، بيت سيدة الوردية للرسالات حلبا 1992، بيت بتدين اللقش- جزين 1995، بيت مار الياس كفرتيه 1999.
- التنشئة الرهبانية: دير سيدة البير في بقنايا للمبتدئات والراهبات الناذرات 1941؛ دير الرئاسة العامة في بقنايا، الوكالة الرهبانية في روما 1976.
- خدمات كنسية واستشفائية واجتماعية في مؤسسات خاصة: السفارة البابوية في لبنان 1943، السفارة البابوية في سوريا 1974، ميتم زغرتا 1975، بيت الكهنة للعجزة في المعادي، مصر 1988، ميتم الفرنسيسكان في القدس 1993، دير القديسة لوسيا في الاسكندرية، مصر 1996.
تعدّ جمعية الراهبات حالياً 244 راهبة، و2010 موظفين، وتشمل خدمتهم حسب امكنة المؤسسات: 1530 مريضاً ومعاقاً،700 عجوز،170 حالة اجتماعية، 300 مريض، 3200 تلميذ.
سرّ الاب يعقوب حداد الكبوشي، المعروف " بأبونا يعقوب" سرّ حبّة الخردل، وهي اصغر الحبوب، التي تصبح شجرة كبيرة يعشعش فيها طيور السماء. بها يشبّه الرب يسوع ملكوت السماء.
انه رجل الصليب ورسوله وحبيبه. انه قلب ملتهب حباً بالصليب وعطوف على تعساء الارض وحنون على الخطأة، وشامل بؤس الانسانية جمعاء فوق فوارق الدين والجنس والانتماء. شعاره: " لنتشبّه بالينبوع: انه لا يسأل العطشان: قل لي قبل ان اسقيك من اي بلد انت؟".
انه رجل الرجاء بالله، لا ينتظر اية مكافأة على الارض، لان الله وحده يكفيه. وكان يردد: " كل ما تزرعه على الارض، تحصده في الابدية".
انه رجل الايمان، سعى، في مؤسساته ونشاطاته الروحية وتنقلاته الرسولية، الى تعزيز الايمان في القلوب، وبخاصة بواسطة العائلة، وشهود الايمان العلمانيين الذين يعيشون الانجيل بالتزام، ولاسيما بواسطة رهبنة مار فرنسيس الثالثة. وكان يقول بمرارة ومسؤولية: " لبنان المزروع بالوف القصور، يزداد جمالاً في الظاهر، اما نفوس سكانه فتفقد ايمان اجدادها اكثر فأكثر. فيجب تخليص الايمان المهدد".
***
ثالثاً، الخطة الراعوية
ان الخطة الراعوية، عبر الهيكليات في الرعايا والمنظمات والحركات والمجالس واللجان، وعبر العائلة والمدرسة والجماعة الديرية، والنوادي، تواصل التفكير معاً في مضمون النص المجمعي الماروني الثاني وعنوانه: " هوية الكنيسة المارونية ودعوتها ورسالتها"، وتتوقف بوجه التحديد عند العنصر السادس المكوّن لهويتها، اعني: انها كنيسة متجسّدة في بيئتها اللبنانية والمشرقية وفي بلاد الانتشار.
1. ان تكون كنيسة متجسّدة في بيئتها، هذا يعني اثنين: نفح قيم الانجيل في الثقافة والحضارة المحليتين؛ وخدمة تدبير الله الخلاصي لكل الناس في الزمان والمكان ( فقرة 36).
الدعوة هي ان تكون الكنيسة حاضرة وفاعلة في بيئتها من خلال ابنائها وبناتها ومؤسساتها. اما الرسالة فتتمحور حول الانسان، اي انسان، وتتجه الى بناء مجتمع يؤمن بكرامة الانسان، ويحفظ حقه في الاختلاف الديني والثقافي للشهادة على الحرية، ويصون حقوقه السياسية الاساسية. تكللت هذه المسيرة باعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920، الذي اصبح جمهورية مستقلة سنة 1943. لم تشأه الكنيسة يوماً "وطناً للمسيحيين"، بل وطناً لجميع ابنائه، المسيحيين والمسلمين، على قدم المساواة والاحترام المتبادل.
ترمي الخطة الراعوية الى ايجاد المبادرات لتحقيق هوية لبنان الحقيقية التي اطلقها البابا يوحنا بولس الثاني: " لبنان اكثر من بلد. انه رسالة حريّة، ونموذج في التعددية للشرق كما للغرب" ( فقرة 38).
2. بحكم كون الكنيسة متجسّدة في بيئتها، تقتضي الخطة الراعوية ان يجدد الموارنة ايمانهم برسالتهم الكنسية النابعة من " تدبير الله الخلاصي". فانهم مرسلون الى العالم، مزوّدين بقوة الروح ليحملوا بشرى الخلاص بيسوع المسيح ( فقرة 39). وفي الواقع هكذا فعلوا عندما امّوا جبال لبنان مع تلاميذ مار مارون، وفي طليعتهم ابراهيم القورشي وسمعان العامودي في القرن الخامس ( حاشية 24).
تقتضي الخطة الراعوية ان يواصل الرهبان والراهبات والعلمانيون ان يواصلوا الشهادة الرسالية، وايجاد السبل لها في الرعايا وفي اماكن تواجدهم ( فقرة40). هذه الشهادة تعني ان كنيستنا ليست من اجل ذاتها، بل تسعى لتكون حاضرة في بيئتها، ومتعاونة مع شركائها في المصير الواحد على ارساء اسس المجتمع التعددي، ومساهمةً في ترقّي الشخص البشري والمجتمع، من خلال النشاطات التربوية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية ( فقرة 41).
***
صلاة
ايها الرب يسوع اعطنا النعمة وفضيلة العطاء بسخاء لنساعد " اخوتنا الصغار"، من اي لون او دين او جنس او من اي انتماء كانوا. ضعنا على طريق الفقراء والضعفاء والمهملين، واجعلنا نشعر بمسؤوليتنا عنهم، لاخراجهم من حالة بؤسهم. فندرك في قرارة نفوسنا " ان في العطاء فرحاً اكثر منه في الاخذ". لك المجد مع ابيك المبارك وروحك الحي القدوس الى الابد، آمين.