فاسهروا مواظبين على الصلاة (لو 21 /36)
الصوم ـ القمص ميخائيل جرجس صليب
عندما سأل تلاميذ يوحنا السيد المسيح قائلين
"لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراً وأما تلاميذك فلا يصومون.
فقال لهم يسوع
هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا مادام العريس معهم. ولكن ستأتى أيام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون"(1).ـ
وعندما تكلم عن شروط الصوم قال
"ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين.
الحق أقول لكم إنهم استوفوا أجرهم وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكى لا تظهر للناس صائماً بل
لأبيك الذى فى الخفاء فأبوك الذى فى الخفاء يجازيك علانية"(2).
والمسيح له المجد صام عنا..
ويقول الإنجيل
"ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً "(3).
إننا نصوم لكى يغفر لنا الرب خطايانا
ولكن المسيح صام عنا لكى يعلمنا الصوم ولكى نستعد للجهاد الروحى.
وهناك صلة وطيدة بين الصوم والتذلل أمام الله فداود النبى يقول
"أذللت بالصوم نفسى وصلاتى إلى حضنى ترجع"(4).
وهناك صلة قوية بين الصوم والتذلل فى أيام الضيقات فيذكر لنا سفر الأعمال أن بولس وبرنابا بشرا فى دربة وتلمذا كثيرين
"ثم رجعا إلى لسترة وأيقونية وأنطاكية يشددان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا فى الإيمان .. وانتخبا لهم قسوساً فى كل كنيسة ثم صليا بأصوام ..."(5).
وفى العهد القديم صـام الأنبياء.. فنحميا النبى أمر بصوم لجميع الشعب "وفى اليوم الرابع والعشرين من هذا الشهر اجتمع بنوا إسرائيل بالصوم وعليهم
ـ (1)- (مت9: 14، 15). (2)- (مت6: 16- 18). (3)-(مت4: 1، 2).ـ
ـ (4)- (مز35: 13). (5)- (أع14: 21- 23).ـ
مسوح وتراب. وانفصل نسل إسرائيل من جميع بنى الغرباء ووقفوا واعترفـوا بخطاياهم ..."(1).
ويقول داود النبى
"وأبكيت بصوم نفسى .. جعلت لباسى مسحاً وصرت لهم مثلاً"(2). ويقول أيضاً
"ركبتاى ارتعشتا من الصوم، ولحمى هزل عن سمن"(3).
ويقول عزرا النبى
"وناديت هناك بصوم على نهر أهوا لكى نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقاً مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا"(4).
ولكى نقتنى فضيلة الصوم حاول تطبيق التدريبات الآتية :
ـ1- الصوم ضبط لشهوات الإنسان لكى لا تنحرف عن مسارها الطبيعى
والتذلل أمام الله والتوبة عن الخطايا كما فعل أهل نينوى.
ويقول الكتاب
"فآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً (تذللوا) من كبيرهم إلى صغيرهم. وبلغ الأمر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلـس على الرماد.
وليتغـط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذى فى أيديهم.
لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك. فلما رأى الله أعمالهم إنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذى تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه"(5).
ـ2- الصوم أيضاً ضبط لحواس الإنسان، فليس هو مقصوراً على الجسد بل على الروح أيضاً كقول يوئيل النبى
"قدسوا صوماً نادوا بإعتكاف إجمعوا الشيوخ جميع سكان الأرض إلى بيت الرب إلهكم واصرخوا إلى الرب"(6).
ويقول أيضاً
"يقول الرب ارجعوا إلىّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم
وارجعـوا إلى الرب إلهـكم لأنـه رؤوف رحيم بطئ
(1)- (نح9: 1، 2). (2)- (مز69: 10). (3)- (مز109: 1، 2).
(4)- (عز8: 21). (5)- (يون3: 5- 10). (6)- (يوئيل1: 14).
يونان النبى يعظ الشعب للتوبة والصوم
الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر"(1).
ـ 3- الصوم أيضاً يقترن بالعطف على الفقراء والمساكين كما يقول أشعياء النبى
"أليس هذا صوماً أختاره حل قيود الشر فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحراراً وقطع كل نير. أليس أن تكسر للجـائع خبزك وأن تدخـل المساكـين التائهين إلى بيتك إذا رأيت عرياناً أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك"(2).
ـ4- الصوم فى العهد الجديد أى بعد مجئ المسيح له المجد نُظم بواسطة الكنيسة وبإرشاد الروح القدس بحيث يكون لمناسبات خاصة بالسيد المسيح، فصوم الميلاد لاستقبال بشارة الخلاص بميلاد السيد المسيح، والصوم الكبير لأن السيد المسيح صامه، وأسبوع الآلام لنتذكر آلام المسيح عنا
وصوم الرسل لأن الرسل كانوا يصومون لأجل الخدمة .. يقول سفر الأعمال "وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى ثم أطلقوهماـ ـ"(3).
أما الأصوام الأخرى فهى لمناسبات معينة، فالثلاثة أيام التى تسبق صوم الميلاد فهى تذكار للمعجزة التى تمت بنقل جبل المقطم من مكانه إلى خارج القاهرة فى ذلك الوقت فى أيام المعز لدين الله الفاطمى والبابا ابرآم بن زرعة (4)، والقديس سمعان الخراز.
وصوم أهل نينوى معروف أنه تذكار لنجاة أهل نينوى من الهلاك بعد توبتهم وصومهم ثلاثة أيام فى أيام يونان النبى(5).
أما صوم العذراء فصامه الآباء الرسل لكى يتحققوا
من صعود جسد العذراء إلى السماء بعد أن رآه توما وحده وأخبرهم بذلك. ففى نهاية المدة
رأوا منظراً سمائياً لصعود جسد العذراء تحوطه الملائكة، فتأكدوا من الخبر.
وهناك أصوام خاصة تُعلن عنها الكنيسة عند الحاجـة إليها .. عندما تقع فى ضيقة أو لحل أى مشكلة كبيرة تتعرض لها فيستجيب الله للطلبات.
5- هناك صلة وثيقة بين الصـلاة والصـوم، لذلك قال المسـيح له المجد
(1)- (يو2: 12، 13). (2)- (أش58: 6، 7). (3)- (أع13: 2، 3).
(4)- البطريرك رقم62 فى سلسلة الآباء البطاركة. (5)- (يون 3: 10).
لتلاميذه "
هـذا الجنـس (الشياطين) لا يمكن أن يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم"(1).
وفى أيام أستير الملكة عندما ختم الملك الأمر بإبادة اليهود "شـق مردخاى (عم أستير) ثيابه ولبس مسحاً برماد، وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مُرة ..
كانت مناحة عظيمة عند اليهود وصوم وبكاء ونحيب"(2).
ونفس الموضوع حدث فى أيام دانيال النبى فيقول
"فوجهت وجهى إلى الله السيد طالباً بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد. وصليت إلى الـرب إلهى واعترفت
وقلت أيها الرب الإلـه العظيم المهـوب حافظ العهد
والرحمة لمحبيه وحافظى وصاياه. أخطأنا
وأثمنا وعملنا الشـر وتمـردنا وحـدنا عـن وصاياك وعن أحكامك ..."(3).
ويروى لنا القديس لوقا عن نبية تدعى حَنَّة بنت فنوئيل من سبط أشير "وهى أرملة نحو أربعة وثمانين سنة
لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً"(4)
ـ 6- إن الأصوام الخاصة مفتوحة لكل إنسان يدخل فى ضيقة ويشعر أنه محتاج أن يصوم لكى تحل هذه المشكلة مع صلوات كثيرة وتذلل أمام الله فيستجيب الله فى الوقت المناسب، وتكون هذه الأصوام بإرشاد أب الاعتراف.
ـ7- قسمت الكنيسة الأصوام إلى درجات حسب أهمية مناسبة الصوم، فالصوم الكبير، وأسبوع الآلام، وصومى الأربعاء والجمعة، وصوم أهل نينوى من الدرجة الأولى
أن يصام فيها إلى الساعة الثالثة بعد الظهر ولا يؤكل فيها السمك أو منتجاته.
أما أصوام الميلاد والرسل والعذراء، فيصام إلى الساعة 12 ظهراً، ومسموح فيها بأكل السمك ومشتقاته لأنها من الدرجة الثانية.
هذا من ناحية الحد الأدنى للصوم الإنقطاعى، وكل شخص مع نفسه يستطيع أن يصوم أكثر إذا كانت ظروفه تسمح بذلك.
(1)- (مر9: 29). (2)- (أش4: 1- 3).
(3)- (دا 9: 3- 5). (4)- (لو2: 37).
دانيال يتذلل أمام الله بالصوم والصلاة
أما من ينذر أياماً للصوم زائدة فهى تحتاج إلى إرشاد أب الاعتراف ليقدر ما تحتاجه حسب إمكانياتك الروحية.
وكما ذكرنا سابقاً أن الصوم ليس عن الطعام فقط
فهناك صوم الحواس (النظر والفكر واللمس ... إلخ)، والصوم والصلاة .. مع التسامح والتواضع والمحبة ...إلخ، فما منفعة الصوم وأنت فى خصام مع أسرتك أو أصدقاءك ؟!ـ
حتى فى الطعام النباتى لا يجب أن تأكل أكثر من صنف أو تكثر من الأكل .. فيجب أن تضع فى اعتبارك صنف واحد فقط وبقدر معقول حتى لا تكسر الصيام.
ـ8- يجب أن تعلم أن الصوم النباتى لا يضعف الجسد، بل هو يضبطه لأن هناك أمهات كثيرات تمنع أولادهن من الصيام خوفاً عليهن من الضعف خصوصاً أيام الدراسة.
وكثير من الأطباء يصرحون أن الصوم النباتى يجعل الذهن متقداً واعياً أكثر من الأكل ذو الدهون الكثيرة الذى قد يتعب القلب ويسد الشرايين ..إلخ.
فلا تعثروا أولادكم وعودوهم على أن يأكلوا كل ما يقدم لهم، ويدربوا أنفسهم على الصوم.
وممكن التدرج فى مدة الصوم ابتداء من فترة الدراسة الإبتدائى حتى يصل إلى كمال الصوم.
ـ9- الكنيسة أعطت استثناءات من الصوم بالنسبة للسيدات الحوامل والمرضعات والشيوخ كبار السن وبعض المرضى (بالنسبة لفترة الانقطاع) ويمكن أخذ رأى أب الاعتراف فى هذه الموضوعات كل حالة على حدة.
ـ10- الصوم بركة للإنسان، والله عندما أمر بالصوم كان لحكمة إلهية سامية لصالح الإنسان، والقديس يعقوب السروجى له تأمل فى ذلك
فيقول [ إن العناصر الأربعة التى خلق منها الإنسان، وهى (الهواء والتراب والماء والنار) يحتاج الإنسان إلى عشرة أيام لضبط كل عنصر ـ 4 = 40 يوم، وهذه مدة الصوم الذى صامه موسى النبى وبعض الأنبياء5فيكون المجموع 10 ].ـ