إياكم أن يضلكم أحد فسوف يأتي كثير من الناس منتحلين اسمي فيقولون: أنا هو قد حان الوقتفلا تتبعوهم (لو 21 /8)
الحكمة - لقداسة البابا شنودة الثالث
الحكمة
لقداسة البابا شنودة الثالث
نشكر الله الذى منحنا أن نعرف الطريق الروحى الذى يوصلنا إليه.
كما وضع لنا علامات الطريق نستدل بها حتى لا نضل.
وقد جعل للطريق الروحى خطوات منتظمة. كل واحدة منها توصل إلى الأخرى.
والكل يقود خطانا إلى الهدف الوحيد الذى هو الله.
فما هى نقطة البدء فى الطريق الروحى؟
إنها مخافة الله حسب قول الوحى الألهى مرتين:
بدء الحكمة مخافة الله (أم 1:9) و رأس الحكمة مخافة الله (مز 10:111)
محبة الله ومخافته ولكن البعض قد لا يروقهم الحديث عن مخافة الله.
وقد أعتادوا أن نكلمهم بأستمرار عن محبته.
وفى الواقع أن محبة الله لا تتعارض مطلقا مع مخافته.
إنما هى درجة أعلى منها تجتازها ولكن تظل محتفظة بها.
تماما مثل تلميذ وصل إلى المرحلة الجامعية وأجتاز مرحلة القراءة والكتابة والحساب
ولكنه لا يزال محتفظآ بهذه المعلومات لا يستغنى عنها.
ولكن الذين يهربون من مخافة الله يحتجون بقول القديس يوحنا الرسول
"لا خوف فى المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج" (1يو 18:4).
وللرد على هذا نقول: من منا قد وصل إلى هذه المحبة الكاملة؟!
المحبة التى تحب بها الرب من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك
(تث 5:6)(متى 37:22)
المحبة التى تملك كل مشاعرك حتى ما تعود تحب شيئآ فى العالم موقنآ أن
"محبة العالم عداوة لله" (يع 4:4)
وأنه "إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1يو 15:2).
هل وصلت إلى هذة الدرجة؟ وهل وصلت إلى الحب الالهى...
الذى يجعلك تصلى كل حين ولا تمل (لو 1:18)
بل تصلى بكل عواطفك وأنت فى عمق الحب وعمق التأمل؟.
. إن وصلت إلى هذه الدرجة فلن تخاف، لأن حبك الكامل لله يطرح الخوف إلى الخارج.
إن كنت لا تزال تخطئ وتسقط وتبتعد أحيانآ عن الله، فلا تنسب إلى ذاتك المحبة الكاملة.
وإن كنت تفتر أحيانآ فى روحياتك، ولست عميقآ فى صلواتك وتأملاتك
فلا شك أنك لم تصل بعد إلى المحبة الكاملة ويفيدك أن تعيش فى المخافة.
وثق أن مخافة الله هى الطريق الذى يوصلك إلى المحبة.
إن كنت تخاف الله، فسوف تخاف أن تخطئ لكى لا تتعرض لعقوبة الله ولغضبه.
وسوف تخاف من السقوط، لأن الخطية تفصلك عن الله وملائكته
وتفصلك عن الملكوت ومجمع القديسين. لذلك فإن مخافة الله تدفعك إلى حفظ الوصايا
وكلما سلكت فى طريق الله، ستشعر يقينآ بلذة فى الحياة الروحية
وتفرح بوصايا الله كمن وجد غنائم كثيرة (مز119).
وتفرح بالقائلين لك إلى بيت الرب نذهب وسوف تفرح بهذة الحياة الروحية،
وتقول للرب "محبوب هو إسمك يارب فهو طول النهار تلاوتى" (مز97:119).
وهكذا تنتقل تدريجيا من المخافة إلى المحبة، ثم تنمو فى المحبة حتى تصل إلى المحبة الكاملة، فيزول الخوف.
إن الله الذى خلق طبيعتنا، والذى يعرف ضعفنا وميلنا للسقوط، كما يعرف قدرة عدونا الشيطان الذى
يجول كأسد يزأر ملتمسا من يبتلعه (1بط 8:5)
إلهنا هذا يعرف تمامآ مقدار الفوائد الروحية التى تكمن فى المخافة
لذلك قدم لنا هذه الفضيلة حتى ننتفع بها، وحتى نتدرج منها إلى المحبة تدرجا طبيعيا سهلآ
ثم ننمو فى المحبة.
فما هى الفوائد الروحية لمخافة الله؟
أولآ:هى حصن من السقوط
إنها رادع لنا يمنعنا من أرتكاب الخطية.
فإن سقطنا، تكون مخافة الله حافزآ لنا على التوبة..
نقول هذا لأن كثيرين قفزوا إلى محبة الله دون أن يعبروا على مخافته، وأصبح كلامهم كله عن الله المحب العطوف المتأنى، الذى لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازينا حسب آثامنا (مز 10:103).
هؤلاء لم يفهموا المحبة فهما سليمآ. ولأنهم لم يتعودا المخافة، قادهم هذا إلى الأستهانة والأستهتار وعدم الأهتمام بالوصية، وبالتالى إلى السقوط
. فما هى المحبة إذن؟
إنها ليست مجرد مشاعر.
فالرب يقول: من يحبنى يحفظ وصاياى (يو3:14).
والقديس يوحنا الرسول الذى قال
إن المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج
هو نفسه الذى قال فى نفس رسالته
"لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق" (1يو18:3)
.فما هى هذه المحبة العملية؟
إنه يقول "إن هذه هى محبة الله أن تحفظ وصاياه" (1يو3:5)
طبعا نحفظها عن حب
ولكن هذه درجة عالية، يسبقها أن نحفظ الوصايا عن طريق المخافة...وطبيعة الناس هكذا:
لم يولدوا قديسين، بل جاهدوا بمخافة الله، وبالتغصب وقهر النفس
حتى وصلوا إلى المحبة. وهكذا يقول القديس بولس الرسول
"مكملين القداسة فى خوف الله" (2كو1:7).
أذن كيف نكمل القداسة فى خوف الله؟ وكيف نطيع أيضا القديس بطرس الرسول فى قوله
"سيروا زمان غربتكم بخوف" (1بط17:1).
.يبدأ الانسان حياته الروحية بالحرص الشديد من السقوط فى الخطية
يخاف من العثرات ومن الأغراءات ومن حروب الشياطين
وغير مغتر بقوته ومقاومته واضعا أمامه قول الرسول
"لا تستكبر بل خف" (رو20:11).
وهو أيضا يخاف أن يغضب الله، ويضع أمامه قول السيد المسيح له المجد
"لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد
بل خافوا بالحرى من الذى يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما فى جهنم" (متى28:10).
"نعم من هذا خافوا" (لو5:12).
هذا هو الخوف من عقوبة الله، يبدأ به الإنسان، وقد يستمر معه طول الحياة
وقد قال أحد الآباء
"أخاف من ثلاثة أوقات: وقت خروج روحى من جسدى، ووقت وقفى أمام منبر الله العادل، ووقت صدور الحكم على".
.ولا شك أن هذه الأوقات الثلاثة مخيفة لكل إنسان
إلا للذين عاشوا فى محبة الله الكاملة، وتمتعوا بعشرته المقدسة فى أعماقها، ولم يعد ضميرهم يبكتهم على شئ.
أما الذى يخشى أن ينكشف فى حياته شئ يوم تفتح الأسفار، فهذا لابد أن يخاف.
والخير أن يخاف الانسان ههنا، من أن يخاف فى يوم الدينونة
.لأنه خوفه ههنا إنما يقوده إلى التوبة وإلى الصلح مع الله إن أراد.
أما ذلك الخوف فى يوم الدين، فإنه خوف خرج عن حدود الأرادة البشرية.
الخوف ههنا يعطينا حياة الخشوع، وحياة الدموع، ويعطينا الأرادة فى الرجوع.
ويكون سياجا لنا فى الطريق حتى لا ننحرف.
ونحن نقول فى صلاة الشكر "أمنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس وكل أيام حياتنا، بكل سلام مع مخافتك".
عجيب أن أشخاصا يخافون من الناس
ولا يخافون الله....يخافون أن يخطئوا أمام الناس لئلا يصغر قدرهم فى أعينهم. ويخافون أن تنكشف خطاياهم أمام الناس، خوفآ من الفضيحة.
ولكنهم مع ذلك يرتكبون أية خطية أمام الله بلا خوف ما دام الأمر فى خفية عن الناس. أنهم يستغلون طيبة الله ومحبته!!!
ويستغلون إيمانهم برحمة الله وحنوه وتسامحه ومغفرته وقلبه الواسع الذى غفر للزانية وللناكر
ويقودهم هذا للأسف الشديد إلى التساهل فى كل حقوق الله عليهم!
ويعيشون فى حياتهم الروحية بلا جدية وبلا التزام!!
وكأن الله إن كان لا يعاتبنا، ولا يعاقبنا، فلا أهتمام من جانبنا ونصل بهذا إلى اللامبالاة
إن المحبة الكاملة التى تطرح الخوف هى للقديسين الكبار
وليس للمبتدئين فى التوبة أو المقصريين فى روحياتهم.
لذلك عش فى مخافة الله، ولا تقفز قفزآ إلى المحبة، بطريقة نظرية تدعى فيها ما ليس لك
ولا تحتقر مخافة الله كدرجة بسيطة لا تصلح لك!!
إنما ثق تماما أنك إذا كنت أمينآ فى القليل الذى هو المخافة فسيقيمك الله على الكثير الذى هو المحبة.
إذن سر فى حياتك الروحية بنظام يوصلك إلى الله. وبخطوة سليمة تقودك إلى خطوة أخرى بطريقة عملية.
دون أشتهاء لمظهرية لها صورة الروحانية ولا توصلك!!
إن قمة الحياة الروحية هى حقآ المحبة الكاملة.
ولكنك لا تبدأ بالقمة، إبدأ بالمخافة حينئذ تصل إلى القمة دون أن تعثر
وبخاصة فى هذا الجيل المستهتر الذى كثرت فيه الخطية والذى كثرت فيه الشكوك والعثرات