هب لي الحكمة الجالسة معك إلى عرشك و لا تنبذني من بين أبنائك (حك 9 /4)
اليوم الحادي عشر : قداسة أرواح المطهر: تحب الله ومحبوبة من الله - جنود مريم
اليوم الحادي عشر
قداسة أرواح المطهر: تحبّ الله ومحبوبة من الله
1. إنّها تحبّ الله
تقول القدّيسة كاترين دي جين (Catherine de Gêne)*: "إنّ كلّ نفس منذ دخولها المطهر، ترتفع إلى حالة من الكمال والاتّحاد بالله وقد تصلح مثالاً لكبار القدّيسين في عالمنا". في الواقع، هناك عدد هائل من النفوس الموعودة بالمجد، التي انتصرت على آلامها وعلى العالم وعلى الشيطان من خلال حياة بطوليّة أمضتها في الفضائل وخرجت من عالم المنفى محمّلة بالنِّعم.
إنّها تلمع كنجوم في قبّة السماء الصافية في حال تخلّى ثوبها عن أصغر الشوائب التي حملتها معها من الأرض. إنّها أرواح جميلة، مقدّسة، مائتة من أجل كلّ دنس، والنفس الأقلّ قيمة بينها أغلى من كلّ العالم المادي بعين الله. إنّها تحبّ الله القدّوس بالكامل. هذا الحبّ يجعلها تحبّ آلامها وعدالة الله التي تحجزها في المطهر. إنّه تفضّل البقاء في النار المطهّرة على أن تدخل السماء والقليل من الدنس يلطّخ ثوبها. إنّها تعجز عن شكر الله الذي أحسن إليها فأوجد لها مكانًا تتطهّر فيه من خطاياها، وتفوز هي بالبريق والجمال الذي يناسب زواجها بالله (أيّ الاتحاد به ? المترجم). وهم أعظم من أيّوب في آلامهم، يردّدون: "ليتبارك اسم الربّ".
فلنرأف بهذه النفوس المقدّسة. إنّها بحاجة كبيرة إلى مساعدتنا. يومًا ما تتغيّر الأدوار فتصبح هذه النفوس حاميتنا في السماء، وسيطتنا لدى الله! وهكذا تعيد إلينا ما قدّمناه لها يوم عذاباتها.
2. إنّها محبوبة من الله
يقول أحد الأدباء: "إذا كان الله يحبّنا نحن، الخطأة الفقراء غير الكاملين والمعدَمين من الفضيلة والنعمة؛ فكيف بالحريّ محبّته لتلك النفوس المقدّسة في المطهر. تلك النفوس التي غدت ملكه وحده والتي يرى فيها بريق جمال الذين اختارهم.
إنّه يحبّها بلا نهاية. إنّها زوجاته (التي يتّحد بها)، أبناؤه الأحبّاء، ورثة مجده الذين يمجّدونه إلى الأبد في السماء. إنّها الحجارة التي لبناء أورشليم السماويّة، والتي صقلها البنّاء السماوي وجعلها برّاقة قبل إدخالها المكان المقرّر لها في السماء إلى الأبد. إنّه يحبّها برفق ويتأمّلها بحبّ.
فهو يرغب، بحرارة، الاتحاد بها. إنّ قلبه الأبويّ يتألّم لرؤيتها في منفاها (المطهر) ولكن عدالته وطيبته يمسكانها في أسرها إلى حين تسديد دينها كاملاً.
كم سيكون فرح الآب الرحوم والعطوف عظيمًا إذا وجد صديقًا وسيطًا يقف بين العقاب والخطيئة فيجرّد العقاب من قساوته ويصالح النفس الخاطئة مع الله! لألف سبب وسبب يجب أن نحبّ هذه الأنفس المباركة فنطلب لها الرحمة الواسعة. إنّها جدية بعطفنا!
عندما نقدّم حسنة إلى فقير لا نعرف إن كان يستحقّها أو أنّه خاطئ أو ناكر للجميل. أمّا عملنا على هذه الأرض فيقاس بالأخطاء. الأرض التي نقف عليها أمينة جدًّا لأعمالنا: فكلّ بذرة نزرعها فيها تحصد السماء منها ثمرة فتعود علينا بالبركة.
مثال
القدّيسة جيرترود، وهي في حالة انتقال روحيّ، رأت روح إحدى الراهبات التي عاشت حياة الفضيلة والتقوى، واقفة في حضرة سيّدنا يسوع المسيح. كانت عليها علامات المحبّة ولكنّها لا تجرؤ على رفع نظرها إلى وجه المخلّص البهيّ. فكانت عيناها منخفضتين في وضعيّة من ارتكب جريمة. كانت تصرّفاتها توحي بأنّها ترغب بالابتعاد عن يسوع المسيح المعلّم الإلهيّ.
تفاجأت القدّيسة جيرترود من تصرّفاتها الغريبة ممّا أثار دهشتها ورغبتها في معرفة السبب. فقالت: يا ربّ المحبّة لماذا لا تستقبل هذه الروح بقربك؟ عند هذه الكلمات رأت السيّد المسيح فاتحًا يديه بحبّ وكأنّه يريد أن يجذب هذه النفس إليه؛ ولكن هذه الأخيرة ابتعدت بخجل. فزادت دهشة القدّيسة جيرترود، فسألت روح الراهبة لماذا ترفض حضن هذا الزوج الحنون. فأجابت الروح: لأنّني لم أطهّر كفاية من دنس خطاياي. وإذا الله وهبني دخول السماء مرّة، وأنا في الحالة التي أنا فيها، أشعر أنّني غير مؤهّلة ذلك، مهما ظهرت برّاقة أمام عينيه. فأنا أعرف، وبهذه الحالة، أنّني لن أكون الزوجة المؤهّلة لمخلّصي".
هكذا هي الأنفس المقدّسة تطيل زمن عذاباتها بطيبة قلب وخضوع كامل. لقد تغيّرت في الله تغيّرًا عظيمًا حتّى باتت لا تنقص من عذاباتها النذر القليل، لكي تصبح برّاقة كاملة الطهارة.
إنّها تقبلها بفرح عظيم كلّما اقتربت من نهاية كفّارتها. إنّها أنفس جديرة بحبّنا واحترامنا ورحمتنا.
لنصلِّ: يا ربّ، يا غافر خطايا الخطأة، يا راغب السلام لكلّ البشر؛ أنظر بعين رأفتك إلى الأنفس المطهريّة. إنّها زوجاتك المتّحدة بك، إنهم أبناؤك المختارون. لقد أحبّتك حبًّا عظيمًا وخدمتك بشجاعة كبيرة.
أظهر لهم وجهك القدّوس. يا يسوع كن عونًا لهم! أدعُ أبناءك وأخوتنا إلى ملكوتك والنور الذي لا ينطفئ، ينيرهم! ليرقدوا بسلام!
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة
جمعيّة "جنود مريم"