إِنَّ المُتَكَبِّرينَ لَطَّخوني بِالكَذِب و أَنا بِكُلِّ قَلْبي أَرْعى أَوامِرَكَ (مز 119 /69)
اليوم التاسع والعشرون: الظهورات - جنود مريم
اليوم التاسع والعشرون
الظهورات
1. هل يسمح الله للأنفس المطهريّة العودة إلى الأرض؟
أحد أصدقاء القدّيس أغسطين، مطران أوزال، يسأله يومًا: "ماذا تظنّ في ظهورات بعض الأشخاص بعد موتهم، يجيئون ويروحون في منازلهم كسابق عهدهم؟ ماذا تظنّ أيضًا حيث بعض المدافن يسمع ضجيجًا في ساعة متأخّرة من الليل"؟
فأجاب المعلّم الكبير: "أعتقد أنّ هذه الظهورات متكرّرة وطبيعيّة بالنسبة للأموات. وإذا كان ذلك متعلّقًا بهم فلا شكّ سأرى والدتي التقيّة تظهر لي دائمًا. لأنّها لم تكن تفارقني في حياتها أبدًا. لقد كانت تتبعني في البرّ كما في البحر وصولاً إلى المدن البعيدة. لكنّي مقتنع أنّ القدرة الإلهيّة تستطيع أن تسمح لهم أو تسمح لهم بالظهور لحكمة ما وواجبنا أن نحترم ذلك".
لماذا لا يسمح الله للأنفس الراجية العزيزة علينا بالظهور؟ ما زالت تتألّم فتخبرنا بحالها وبعذاباتها وتطلب منّا الرحمة؟
حقيقة إنّ الكتاب المقدّس وحياة القدّيسين، تخبرنا قصصها بظهورات ملحوظة في كلّ زمن وفي كلّ مكان وأمام العديد من الشهود".
لا شكّ يجب الانتباه من بعض الأشخاص السذّج الذين يظنّون أنّهم يشاهدون دائمًا عودة الأموات ويعتبرون رؤية بعض الأشباح واقعيّة جرّاء مخيّلة منفلتة أو آلام أو ذكريات.
لكن احذر أن تنكر إمكانيّة الظهورات إذ إنّ العقل يقول أنّ الله قادر على أمرها. وقد أظهر الاختبار أنّ الله سمح بذلك أكثر من مرّة. إنّها نادرة ولكنّها ممكنة.
2. لماذا يسمح الله بالظهورات
يعلمنا الكتاب المقدّس (التوراة) أنّ صموئيل قد ظهر بعد موته لشاوول يؤنّبه تأنيبًا قاسيًا. أنا لا أخشى القول بصوت مرتفع أنّ من الأسباب المنطقيّة القويّة التي يعتبرها الله حقًّا للأموات هي نكران الجميل من قِبل الأحياء لهم. لأنّهم نَسوهم وشغلوا عنهم بجمع الثروات التي تركوها على الأرض. لقد أهملوهم في عذاباتهم وتخلّوا عن التفكير في خلاصهم من نار المطهر. لذلك تظهر هذه الأنفس للأحياء بحال تثير شفقتهم، وجوههم حزينة، ألسنة اللهب تحيط بهم. يطلقون تنهّدات عميقة وصراخًا وأنينًا مؤلمًا ويؤنّبون الأحياء. أحيانًا يعبّرون عن وجودهم بضجيج قويّ وبإرشادات غير مألوفة. إنّها إشارات ماديّة تثير فينا العجب وتوقظ فينا ذكراهم للصلاة بحرارة من أجل خلاصهم.
مثال
أحد الشبّان، من عائلة مسيحيّة، مؤمنة وحريص على التقوى، إلاّ أنّه أهمل الصلاة من أجل الموتى مدّعيًا ضرورة القيام بفعل المحبّة في مكان آخر أكثر جدوى. وكان يسعى إلى إقناع الآخرين بذلك تحت عنوان "فعل المحبّة حيث يجبّ". وكان يقول: "لماذا الاهتمام بالأموات؟ فهم أمّنوا على سلامهم، لا يستطيعون رفض الله ولا فقدانه". كما أنّه أنكر الظهورات واعتبرها أمرًا سخيفًا.
من أجل إعادته إلى صوابه، سمح الله تعالى للأنفس المعذّبة، الخروج من سجنها والظهور للشاب الذي أساء إليهم، بحالات مرعبة. كانت تطوّقه في كلّ مكان وفي كلّ لحظة مطلقة صراخًا مخيفًا. ملأت عينيه بالأشباح الغريبة. جمّدت روحه من الرعب ولم تتركه يرتاح لا ليلاً ولا نهارًا.
لقد كان هذا الأسلوب فعّالاً. لقد غيّر هذا الشاب تصرّفاته وأقواله وترك العالم المادّي والتحق برهبنة القدّيس دومينيك وأصبح كاهنًا. وضع هذا الكاهن نظامًا مقنعًا من أجل الموتى، أعطى العديد من الناس الرغبة في مساعدة الأموات وكان يسمّى: محامي الأموات. وهكذا كان حقًّا. لقد كانت آراؤه قويّة ومقنعة وكثيرة ومؤكّدة على أنّ الصلاة من أجل الأموات هي من أعظم أفعال المحبّة التي يمكن أن نقوم بها تجاه القريب في هذا العالم.
لقد توفّي هذا الكاهن في رائحة القداسة وصعدت روحه إلى السماء إلى جانب تلك الأنفس الذي ساهم في خلاصها وعذاباتها. فليكن فعل المحبّة هذا مثالاً لنا.
لنصلِّ:
يا ربّ! أنت قادر ومحبّ لترسل إلينا رسلاً فائقي الطبيعة فتذكّرنا بالمؤمنين في الكنيسة المتألّمة وبحاجاتهم. أنت ترغب أن نأتي إلى مساعدتهم.
يا ربّ، كن عونًا لهم وادعُ أبناءك إلى الراحة الأبديّة. ونورك الأزليّ يغمرهم! وليرقدوا بسلام! آمين.
جمعيّة "جنود مريم"