مُتَسَلِّطٌ أَنتَ على طُغْيانِ البِحار و أَنتَ تُسَكِّنُ أَمْواجَها عِندَ اْرتفاعِها (مز 89 /10)
إرشادات عمليّة للأب برليو مؤلّف الكتاب - جنود مريم
إرشادات عمليّة للأب برليو مؤلّف الكتاب
بعد انتهائك من قراءات هذا الشهر وصلواته، والتي يمكن أن تقوم بها في شهر آخر غير شهر تشرين الثاني، إسمح لي أن أقدّم لك بعض الإرشادات من صديق وأخ وكاهن:
أ. إذا كانت أنفس المطهر أكثر من كريمة لأجلك، هل أنت متأكّد أنّ الأحياء لن ينسوك سريعًا بعد مماتك؟
ب. لا تنتظر شيخوختك لكي تدوّن وصيّتك الأخيرة.
ج. ادّخر قليلاً من مالك من أجل الأعمال الكنسيّة المتخصّصة من أجل ذكرى الأموات، كالقداديس والصلوات.
1. اتّكل كثيرًا على عرفان الأموات للجميل الذي تفعله من أجلهم لأنّهم حقًّا لا ينسونك واتّكل قليلاً على الأحياء وخصوصًا إذا لم يكونوا أولادك، كما يقول القدّيس فرنسوا دي سال.
قد يقيم لك ورثتك جنازة عظيمة ويقدّمون لك مدفنًا حيث للباطل مجال أوسع من التقوى البنويّة والدينيّة، لكنّهم يدّخرون من أجل الكنيسة مالاً أكثر ممّا بذّروه على المقبرة.
وقد يكون ورثتك أشدّ إلحاحًا للخصام على ورثتك وأن ينفّذوا بفرح عظيم وصيّتك الأخيرة فينتشلوك من نار المطهر.
ألا تعلم أنّ الإنسان سريعًا ما ينسى من يصبح بعيدًا عن نظره فتضمحلّ لديه ذكراه؟ كما يقول المثل الشعبي: بعيد عن العين، بعيد عن القلب.
ألا تعلم أنّ نسيان الموتى يكاد يكون عامًّا في هذا العالم ولا يجب أن تكلّف به إلاّ نفسك؟
استفد إذن من التنبيه الخلاصي الذي يقدّمه لك مؤلّف كتاب التماثل* إذ يقول: "لا تتّكل على أصدقائك أو أقربائك لأنّهم سريعًا ما ينسون، لأنّ لديهم ما يشغلهم عنك من أعمال يديرونها. إذا لم تهتمّ بنفسك الآن؛ من سيهتمّ بك عندما تغيب عن هذه الدنيا؟
2. إذا كان عليك الاهتمام بأملاكك الزمنيّة، فاكتب وصيّتك باكرًا ولا تؤجّلها إلى ساعتك الأخيرة؛ إذ قد تفاجأ بميتة سريعة أو غير منتظرة.
إنّ الخبرة تؤكّد هذه الوصيّة إذ تفيد أنّ العديد من البشر غادروا هذا العالم من غير أن يمكّنهم الوقت من وضع وصيّتهم ومن أن يتمكنّوا من توزيع أملاكهم للجهات التي يجب أن تحصل عليها.
يقول القدّيس أغسطين: "أرجوك، قبل أن تصبح مكبّلاً بالمرض، اهتمّ بوصيّتك، نظّم أعمال منـزلك لأنّك إذا انتظرت إلى نهايتك، ستجبر على ذاك بالتهديد أو بالترغيب وذلك ممّا لا ترغب به".
3. من المناسب أن تترك شيئًا من أموالك للفقراء وللأعمال الدينيّة. عليك أن لا تنسى تحضير المكاسب الروحيّة والتأكّد بإقامة الذكرى السنويّة لوفاتك ووفاة أهلك. فمن يسعى إلى الانتقال إلى مكان بعيد يحضّر نفسه لذلك. أفلا تأخذ معك يا من تسعى إلى الأبديّة بعض الأعمال الخيّرة ليكون ملك الملوك عونًا لك ويفتح لك باب السماء؟
فلتحوّل الأموال التي يمكن أن تبذرها على التفاهات والخطايا، إلى صديق لروحك يوم تكون بحاجة إليها. هذا ليس إرشاد كاهن فحسب، بل إرشاد السيّد المسيح نفسه لاسمه المجد والتعظيم على الأرض حيث العذاب وفي السماء حيث تلتقي العائلة فتتجدّد في السعادة الأبديّة.
مثال
كان لأحدهم ثلاثة أصدقاء، إثنان منهما أحبّهما حبًّا عظيمًا. هذا الرجل اتّهم في يومٍ من الأيّام بجريمة كبيرة وهو منها براء. فسأل أصدقاءه الثلاثة من منكم يأتي ليشهد لبراءتي أمام القضاء؟ اعتذر الأوّل متستّرًا بأشغاله الكثيرة، أمّا الثاني فرافقه حتّى باب المحكمة وتوقّف. فلم يجرؤ على الدخول وعاد إلى منـزله خوفًا من غضب القاضي. أمّا الثالث هو الذي لم يكن يهتمّ المتّهم لأمره كثيرًا، دخل وأعطى شهادة في أخلاق المتّهم الحميدة وسلوكه وبراءته من الجريمة، بكلّ جدارة. أقنعت مرافعته القاضي فحكم ببراءة المتّهم وأعاد له اعتباره وحريّته مع قيمة العطل والضرر جرّاء التّهمة.
في هذا العالم، للإنسان ثلاثة أصدقاء، عندما يدعوه الله ساعة مماته إلى المحاكمة:
- المال، صديقه المفضّل، لا يذهب معه ويتخلّى عنه فلا يفيده شيئًا.
- الأهل والأقرباء، يرافقونه إلى المقبرة، يرمون على ترابه قليلاً من الماء المقدّس للوداع الأخير ويعودون بهدوء إلى منازلهم؟
- الأعمال الحسنة، وهي الصديق الثالث الذي لم يهتمّ به كثيرًا في حياته على الأرجح. هو كلّ الخير الذي أتمّه باسم الله ولمحبّته. فقط أعماله الحسنة تبقى وفيّة له فترافقه إلى أمام السيّد الإلهيّ، تسبقه، تتكلّم لصالحه وتحصل له على الغفران والرحمة الإلهيّة.
أيّها المسيحيّون، في وصاياكم الأخيرة لا تتردّدوا في صرف بعض الخيرات من أجل أعمال روحيّة للكنيسة فيكون لكم أصدقاء مندفعين من أجلكم يفتحون لكم أبواب السماء.
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة
جمعيّة "جنود مريم"