إِنَّكَ تُشفِقُ على كُلِّ شيَء لأنَ كُلَ شيَء لَكَ أيُّها السّيدُ المُحِب لِلحَياة (حك 11 /26)
خامسًا: بعض الاعتبارات الختاميّة - حقيقة الشيطان وظاهرة عبادته - جنود مريم
خامسًا: بعض الاعتبارات الختاميّة
بين الأسئلة المتعدّدة التي يمكننا أن نطرحها حيال ظاهرة التعبّد للشيطان، هناك السؤال حول إمكانيّة اعتبار الشيطان كائنًا فاعلاً من خلال أولئك المستحوذ عليهم والذين يشاركون في الطقوس الشيطانيّة. إنّي أعتبر أنّ عمل كهذا يتّضح كثيرًا في إبراز ظاهرات سابقة للزمان والتاريخ (Préternaturels)، إلاّ من خلال الكُره الساخط ضدّ الله والمسيح، والعذراء مريم والكنيسة وجميع المقدّسات.
إنّ حالات الاستحواذ الشيطاني التي قد تحصل بين أولئك المشاركين برضاهم في العمل الشيطاني، تمثّل في الصيغة الفعليّة لا الانفعاليّة فقط، نتيجة الحدث أنّ هؤلاء الأشخاص هم يقدّمون ذواتهم بملء حريّتهم إلى الشيطان.
ومهما كان الأمر، إنّ المعضلة الاجتماعيّة الأخلاقيّة والثقافيّة المتعلّقة بقبول التفكير والممارسات الشيطانيّة، هي أنّنا نصل منها إلى الموافقة على قلب كامل للقيم: وهكذا يكون الأمر المغلوط موضوعيًّا، والعاطل وغير المرتّب أخلاقيًّا، قد قُبِل بمثابة المثال الصحيح والمحرّر المطروح على الآخرين.
وبالإضافة إلى ذلك، إنّ تبنّي الشعار القائل: "اصنع ما تريد تكن قد وفيت كلّ الشريعة"، يقود الإنسان ضرورة إلى الإيمان بأنّ حريّته لا تتوقّف حيث تبدأ حريّة الآخرين. ويمكننا أن نستنتج بعد ذلك، أنّ الإنسان ? الذي يؤلّه المادة ويعتبر ذاته إلهًا، واضعًا شخصه محل الخالق ? هو ضرورة مدفوع إلى الاصطدام بواقع محدوديّته وعجزه البشريّ المرير والمحتّم، وإلى تحمّل صدمات تقود إلى نتائج نفس ? فيزيائيّة (Psycho-Physiques) خطيرة، مع مخارجها الضعيفة والواهنة.
إنّ التعبّد للشيطان يكشف عن شحنة عاطفيّة قويّة، وعن هروب في اللامعقول؛ شحنةٍ مُتخفيّةٍ تحت بعض المظاهر بغطاء شبه عقلانيّ ومبرّر. ويبدو فيها شرّ عميق تحت مظاهر ودوافع شخصيّة وغامضة. ويعبّر عن ذاته متجسّدًا في الخطايا الشخصيّة، وهو يضيع من خلال طقوسه ورموزه ومعتقداته المتعدّدة، مفهوم الاستقامة والبرارة إلى جانب الجرح العميق في نزاهة الشخص الإنسانيّ.
إنّه جرح يظهر في الشذوذ الجنسيّ، في التعطّش إلى السلطة، والتفتيش المفرط عن المال والنجاح في مآربه، وفي حبّ ذاتي نرسيسيّ صاخب. إنّها عناصر متعدّدة تخدم الهرب من محبّة الله والقريب، وتسعى إلى الابتعاد عن الصالح الفرديّ والعام.
أمّا في هذا العالم حيث يبدو الشرّ وكأنّه انتصر على الخير، فتبقى الضرورة الملحّة أشدّ الإلحاح، في ترداد إرشاد الأب الأقدس القائل إلى جميع البشر:
"لا تخافوا!" وإنّ هذا الاطمئنان لا يستطيع أن يصدر إلاّ عن معرفتنا بأنّ التحرّر من الشرّ، وإنّ عمل الخلاص، يمرّان في قلب العمل الفدائي الذي حقّقه يسوع المسيح، المخلّص الوحيد للإنسان.
من كتاب : حقيقة الشيطان
وظاهرة عبادته في المجتمع المعاصر
جمعيّة "جنود مريم"