لا تخف أيها القطيع الصغير، لأنه حسن لدي أبيكم أن يعطيكم الملكوت " لو 12 : 32"
سرّ الكهنوت - جنود مريم
سرّ الكهنوت
مقدّمة:
الكهنوت هو السرّ الّذي يكفل استمرار الرسالة الّتي وكلها السيّد المسيح إلى تلاميذه، ناشطةً في الكنيسة حتّى منتهى الأزمنة. هو سرّ الخدمة الرسوليّة ويتضمّن ثلاث رُتَب: الأسقفيّة، الكهنوت والشمّاسيّة.
لقد أنشأ السيّد المسيح بحياته وموته كهنوت العهد الجديد.
وتركّزت الدعوة الكهنوتيّة من حيث المهمّة والرسالة على التبشير بالمسيح والكرازة بإنجيله الإلهيّ، على التعليم والقيادة والتقديس.
تركّزت على توزيع الاسرار والخدمة. على الرعاية والإِرشاد. على تقدمة الذات والشهادة.
كهنوت المؤمنين وكهنوت الخدمة
اتّسمت الكنيسة كلّها بطابع الخدمة الكهنوتيّة. وجميع أعضاء شعب الله هم كهنة، يشتركون في رسالة المسيح: المعلّم والكاهن والملك. إنّه كهنوت المؤمنين المشترك، بالمعموديّة ومسحة الروح القدس. غير أنّ بعضًا منهم تُوكل إليهم مهمّة خاصّة في هذا الجسد الشامل. فما هي المهمّة الخاصّة؟
إنّها الخدمة الكهنوتيّة الّتي تضمن استمرار شعب الله وتعمل على بناء جسد المسيح. هذه الخدمة تتمّ في ثلاثة ميادين: الكلمة، الأسرار، الرعاية.
- خدمة الكلمة تحقّق أمر المسيح :"اذهبوا في العالم كلّه، وبشّروا بالإنجيل الخليقة كلّها" (مر16 / 15).
- خدمة الأسرار : تكوّن جماعة مسيحيّة تحيا في الحياة الإلهيّة الواحدة.
- أمّا خدمة القيادة فتقوم على تجسيد عمل المسيح الراعي الّذي يجمع كلّ المسيحيّن في جماعة شعب الله الواحد. ولذلك يؤّكد المجمع الفاتيكانيّ الثاني على ضرورة تنشئة وإعداد الكهنة إعدادًا كاملاً فيتهيّأوا لخدمة الكلمة وخدمة الصلاة والأسرار وخدمة الراعي .(رقم 4- 21).
تتكوّن رتبة سرّ الخدمة الكهنوتيّة من : وضع اليد والصلاة الابتهاليّة لمنح الروح القدس .
الكهنوت والرسالة:
الرسول هو مبعوث يمثّل المرسِل. هو شخصيّة شخص له مهمّة خاصّة.أُطلق هذا الاسم على تلاميذ يسوع الاثني عشر الّذين اختارهم حتّى يشاهدوا حوادث حياته على الأرض وينتظرونه بعد القيامة ويشهدوا له أمام العالم بعد العنصرة. وصار هذا الاسم يطلق على كلّ معمَّد اشترك بحياة المسيح وموته وقيامته.
لم يكن الرسل من العلماء، بل كانوا من الأَتقياء. علّمهم يسوع تعليمًا روحيًّا بحياته معهم، بمثله وأعماله، لأنّه المعلّم وهم التلاميذ.
السيّد المسيح هو رسول الآب إلى العالم، هو رسالة الحُبّ والحقيقة والخلاص لأنّه وحي الآب، حُبّ الآب، حقيقة الآب هنا، كلمة الآب.
هو الطريق إلى الآب بمثله والحقيقة بتعليمه. والحياة بنعمته. هو الراعي الصالح والباب إلى الآب، «قد جئت لتحيا الخراف» والحياة مختصر كلّ الخيرات.
«كما أرسلني الآب أرسلكم أنا ( يو20/21) اذهبوا إلى العالم وتلمذوا جميع الامم وعمّدوهم... وعلّموهم أن يحفظوا كلّ ما أوصيتكم به. من سمع إليكم سمع إليّ ومن أعرض عنكم أعرض عنّي ومن أعرض عنّي أعرض عن الّذي أرسلني». اختارهم ليكونوا معه. يبشّروا بالإنجيل، يطردوا الشياطين، يشفوا المرضى. أعطاهم سلطانه ليشهدوا لقيامته وينشروا حضوره وكلامه .
هكذا أسّس السيّد المسيح الكنيسة الّتي هي شركة الحياة الالهيّة بين البشر واللـه وبين البشر ذاتهم. وأعطاها بنية اجتماعيّة منظورة قوامها الكهنوت المسيحيّ الشامل الموضوع تحت رعاية الخدمة الرسوليّة المتوّجة بالخدمة البطرسيّة. فالرسالة عمل ووظيفة. والكنيسة، في حقيقتها، هي المسيح الحاضر، الفاعل في العالم. وفي امتدادها هي كلّ الشعوب والأمم. في غايتها هي مكان الخلاص، ومهمّتها أن تقدّم المسيح إلى العالم وتصيّره متجسّدًا دائمًا، حاضرًا، فاعلاً وحيًّا فيها إلى الأبد. رسالتها أن تعدّ البشر إلى قبول المسيح وتشهد له وتكمّل إنجيله، تحقّق خلاصه وتقود الكون إلى معاده.
السيّد المسيح رسول الآب ورسالته. هو سرّ الآب. والرسل رسالة المسيح إلى الكنيسة والكنيسة والرسل هم سرّ المسيح في العالم، يعني أنّهم علامة حضوره وعمله وخلاصه؛ مهمّتهم أن يوصلوا المسيح إلى العالم ويشهدوا له لأنّه رسالة الكنيسة إلى العالم .
حاولت الكنيسة أن تكون سرّ المسيح إلى العالم، من خلال ثلاث مميّزات:
1- المواظبة على تعليم الرسل وتفسير الكتب على نور القيامة.
2- المواظبة على المشاركة واقتسام الخيرات والاختبارات.
3- المواظبة على كسر الخبز والصلوات.
بعد هذا العرض حول الكهنوت، سنتوقّف عند البُعد العمليّ والاختباريّ:
أوّلاً: إذا كان الدين هو أقدم تقليد في التاريخ والأكثر تأثيرًا بالانسان لأنّه يتناول كلّ الانسان وقطاعات حياته وعلاقته واختباراته، فإنّ رجُل الدين هو الاكثر تأثيرًا وخصوصًا بذهنيّة شعبنا الشرقيّ ونظرته إلى الكاهن؛ دوره تقريريّ في تربية إيمان الشعب وتوجيه مسار حياته ومصيره.
ثانيًا: منبر الكاهن هو المنبر الاكبر والأفضل في علاقاته ومعاملاته لأنّ شعبنا ما زال يربط ويجمع بين وجه الكاهن ووجه يسوع المسيح. فإمّا يحبّ اللـه ويرتاح إليه أو يعاديه ويرفضه من خلال الكاهن. ولأنّه هكذا فرضت على الكاهن مسؤوليّة خطيرة أن يكون وجه يسوع المسيح في علاقته مع الناس. ومن شروط نجاح الكاهن أن يكون مقبولاً من الرعيّة ولكي يكون مقبولاً يجب أن يتجنّب ثلاثة منـزلقات يرفضها الناس في شخصيّته ومنها:
1- التكالب على المال والتجارة بالكهنوت، بغية الربح المادّيّ.
2- المغامرات العاطفيّة (الهرقة، الدلعة، الموعة، والخفّة) وتخصيص الزيارات وتكرارها لأشخاص أو لبيت معيّنين. عملاً بالقول المأثور " لكلّ مقام إلزام, ولكلّ مكان لباسه".
3- الدخول في السياسة المحلّيّة، مع فريق ضدّ آخر، فيصير الكاهن فريقًا. وتنقسم الرعيّة عليه وتفشل المهمّة. أمّا نجاح كاهن الرعيّة في مجتمعنا فله ثلاثة شروط جوهريّة منها:
1- أن يحبّ رعيّته مثل عيلته. ويربّيها بالمحبّة والصدق وأن يتعرّف عليها ويزورها لأنّ الراعي الصالح يعرف رعيته والرعيّة تعرف راعيها.
2- التضحية في سبيلها: فلا يتردّد بأن يكون المحرقة والفدية على مذبحها. وأن يكون اختياره خطّ النار للدفاع عنها لأنّه الراعي الصالح الّذي يبذل نفسه في سبيل خرافه ويواجه العدوّ ويضحّي بذاته لإنقاذهم وحمايتهم. ومن واجباته أن يتبنّاها ويتضامن معها ولا سيّما في أوقات الخطر والمحنة.
3- حضوره الدائم فيها ومشاركتها مناسبات الحياة والاختبارات. يشاركها بالفرح والحزن والصعوبات بالبساطة والعفويّة والأبوّة.
ولأنّه معنيّ بها وليس متعدّيًا على المهام. وهكذا يتمكّن من إشراك الرعيّة بكلّ المشاريع والنشاطات والهموم والمهام.
ولكي يكون المرجع المُطاع، يُطلب منه التحلّي بالصفات التالية:
أن يكون مهذّبًا ويحترم أبناء رعيّته ويستقبلهم بالبشاشة ولا يطالب بما لا يمارس.
أن يكون نظيفًا ولائقًا. ولأنّ الكاهن هو مرجع الرعيّة تُعرض عليه مشاكل العائلات ويعرف أسرارها، فيصير لزامًا عليه أن يحفظ السرّ ويقود حملة المصالحات ويحاول أن يحلّ مشاكل الرعيّة. لأنّه حافظ السرّ ودوره فريد. ولا يمكن سواه أن يقوم به.
من صفات كاهن الرعيّة الناجح:
اليقظة، حتّى يراقب ما يدخل إلى الرعيّة وماذا يحصل فيها ويواجه الصرعات والشعوذات والّتيارات الفكريّة والعقائديّة والأخلاقيّة الّتي تؤثّر سلبًا على سلامة الفكر والعقيدة والأخلاق.
من هنا يطلب منه أن يكون مُلِمًّا بتيّارات زمنه الفكريّة والعقائديّة وصرعات البيئة الاجتماعيّة وإفرازاتها.
على الكاهن المعاصر أن يكون رسول المعرفة والحقيقة، ينكبّ على الأبحاث والعمل الفكريّ ولا يطلّق الكتاب.
أن يتحلّى بجرأة الموقف والقرار، فلا يساوم على الحقيقة والرسالة والمصلحة العامّة. من مسؤليّاته تنقية التقاليد وتصحيح المفاهيم بالتعاون والتضامن مع الرعيّة.
إذا كانت علاقة الكاهن بالرعيّة علاقة ضميريّة وتوزيع أسرار ، فيصير لزامًا عليه، أن يقتدي بمواقف المسيح.
أن يكون أخًا وطبيبًا وعالمًا نفسيًّا يستقبل الخاطئ بحنان ورجاء، ويتحمّل معه ألمه ويبحث عن حلول لمشاكله.
كاهن الرعيّة، وخصوصًا إذا كان وحيدًا, وليس له معاون، فلا يسمح له أن يتعب ولا يمكنه أن يستقيل من خدمته ولا يقدر أن يمرض، فهناك حتميّات تفرض عليه: وفيات، أعياد، مشاكل، عمادات، أكاليل. راحته في التعب وسعادته أن يخدم. لأجل الرعيّة يعيش ويقدّس ذاته.
في النهاية، الكاهن هو القدّاس بذاته، هو إِتقان الأسرار، لأنّ فشله جماعيّ ونجاحه جماعيّ. فهو القادر أن يجعل من رعيّته برج بابل جديدًا أو رعيّة وثنيّة معادية للكنيسة. كما أنّه يقدر أن يجعل منها علّيّة صهيون جديدة تعيش دائمًا مناخات العنصرة وهبوب الروح: علّيّة محبّة وإلفة، صلاة وروحانيّة مشعّة تتقن لغة الحُبّ ووحدة الحال. والمشاركة.على كاهن الرعيّة أن يتمرّس بالفشل وينتظره ولا يسمح لذاته بالحرد والخصام وبردّات الفعل الانفعاليّة بحيث يخسّر الكنيسة أولادها.يمكن للكاهن أن يذبح ذاته على مذبح الرعيّة ومع هذا تبقى الحملات المسعورة والمهاترات تُمارس ضدّه وعليه: من الأجهزة المشبوهة، المحافل، المافيات والمنظّمات المعادية، وعليه أن يتوقّع ذلك.يتعلّم الكاهن الناجح من رعيّته الإيمان، وفيها يجد شخصيّته الكهنوتيّة ويعيش إيمانه؛ يمتلئ عاطفيًّا وهو يربِّي صغارها ويحبّهم وينجح في قيادة حياة الرعيّة الاجتماعيّة والفكريّة والروحيّة وهكذا تصير الرعيّة عيلته الكبيرة.
ممنوع على الكاهن الضعف اللامعذور الّذي يشوّه ويشكّك ويبلبل حياة الرعيّة، لأنّه ضعف مجرم إلى جسد السيّد المسيح. وخصوصًا لأنّه جماعيّ.على الكاهن، باسم سلطانه ومسؤوليّاته، أن يجمع كلّ يوم أتعاب الناس وجهادهم, نشاطهم وأوجاعهم، أحلامهم وأمراضهم وقضاياهم ويرفعها ويكرّسها مع القرابين؛ فيكرّس ويقدّس البشريّة والكون بأسره خليقة جديدة مخلّصة بدم الحمل الإِلهيّ. ويقدّم ذاته قربانًا وذبيحة مع الحمل الذبيح.
عليه أن يبقى الكائن الزاهد الفقير، رجل الصلاة والخدمة، الحاضر الغائب.
معاني أواني التقديس والملابس الكهنوتيّة :
1- المذبح: يرمز ويشخّص جبل الجلجلة حيث صلب المسيح.
2- الطبليت: يرمز إلى القبر حيث وضع جسد السيّد المسيح.
3- أغطية المذبح ترمز إلى أغطية القبر.
4- الصمدة: ترمز إلى الكفن الّذي لفّ فيه.
5- الإسفنجة: ترمز إلى الإسفنجة الّتي سقاه بها الصالبون الخلّ والمرّ.
6- النوافير: ترمز إلى اللفائف الّتي لفّ بها .
7- الصينيّة: ترمز إلى الصليب الّذي ذبح عليه .
8- الكأس: ترمز إلى الآلام الّتي شربها وكأس العهد الجديد.
9- الكتّونة: ترمز إلى القميس الّذي اقترع عليها الجند.
10- الزنّار والبطرشيل والزنود: ترمز إلى الحبال الّتي ربطوه بها على العمود .
11- المنصفة : ترمز إلى المنديل الّذي غطّوا به رأسه .
12- البدلة: ترمز إلى البرفير الّذي ألبسوه إيّاه، استهزاءً به.
13- البخور: يرمز إلى الطيب الّذي تطيّب به جسده الطاهر، وإلى صلاة المؤمنين المتصاعدة إلى السماء .
14- الشمع: يرمز إلى المسيح نور العالم.
7- سرّ مسحة المرضى
ماهيّة السرّ وتسميته:
هو أحد أسرار الشريعة الجديدة السبعة، شرَّعه السيِّد المسيح لمنح المريض الحاصل في خطر الموت خلاص النفس وشفاء الجسد أيضًا، بدهنه بالزيت المبارك وبواسطة صلاة الكهنة وتشفُّع الكنيسة.
ليست «مسحة المرضى» سرّ الّذين يكونون في خطر الموت الشديد فقط، وعليه فإنَّ الزمن الموافق لاقتبالها يكون ولا شكّ قد حان، عندما يبدأ المؤمن يدخل في خطر الموت، بسبب المرض أو الشيخوخة. (دستور في الليتو. عدد 73). منذ الجيل الثامن عمَّ استعمال هذه المسحة في آخر رمق من الحياة لذلك أطلق عليها، وقتئذٍ، اسم «المسحة الأخيرة»، لأنَّها آخر مسحة على لائحة المسحات: عماد، تثبيت، كهنوت، ولا تعني مسحة آخر الحياة.
أمّا تسميتها «مسحة المرضى»، فتتجاوب أكثر مع تاريخ استعمالها ومع فاعليّتها الجسديّة والروحيّة. فمسحة المرضى ليست طقس تكريس، بل هي عمل يشفي روحيًّا وجسديًّا تحمل الشفاء والغفران معًا.
في العهد الجديد:
أرسل يسوع الرسل للبشارة: «اشفوا المرضى، أقيموا الموتى، طهِّروا البرص، اطردوا الشياطين» (متّى 10/7-8).
البرهان الكتابيّ على أصالة هذا السرّ:
إنجيل مرقس:
إنَّ القدِّيس مرقس الإنجيليّ تفرَّد بذكر المسح بالزيت في أيّام يسوع حيث قال: «كانوا يطردون شياطين كثيرة ويدهنون مرضى كثيرين بالزيت فيشفون.» (مر6/13).
يخبر مرقس: 6 /12-13: المسح بالزيت كان معروفًا كوسيلة شفاء لدى اليهود والوثنيّين، أخذ يسوع هذه الطريقة وأعطاها قوّة روحيّة. فشفاء المرضى، بالإضافة إلى كونه عملاً جسديًّا، هو في الوقت ذاته ظاهرة مسيحانيّة، ترتكز على قوّة المسيح ضدّ الشرّ في سبيل الحياة.
رسالة القدّيس يعقوب:
يعطي القدّيس يعقوب في الفصل الخامس 14-15، عدّة نصائح بالنسبة للظروف وصعوبات بعض أفراد الجماعة المسيحيّة، من هذه النصائح المرتبطة بتاريخ الخلاص:
« هل فيكم مريض فليدع كهنة الكنيسة، وليصلّوا عليه ويمسحوه بالزيت باسم الربّ، فإنَّ صلاة الإيمان تخلَّص المريض، والربّ ينهضه، وإن كان قد ارتكب خطايا تُغفَر له، إنَّها فاعليّة إيمان وصلاة الكنيسة والكهنة والحاضرين مع المريض ».
يقصد القدِّيس يعقوب هنا مريضًا طريح الفراش، لذلك يدعى الكهنة الّذين أعطوا قوّة خاصّة على الشفاء بفضل صلوات الإيمان الّتي ترافق المسحة بالزيت باسم الربّ أيّ بأمره وقوّته، وبهذا يخلص المريض ويُعطى نعمة حياة جديدة جسديّة وروحيّة.
يمكن استثمار المرض كاشتراك طوعيّ بآلام السيِّد المسيح وموته وتضامن مع آلام المعذّبين في الأرض وكفّارة عن الخطايا. السيِّد المسيح « أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا» (متّى17:8)، وسلّم تلاميذه، انتدبهم، ليشفوا المرضى باسمه. هو طبيب الأرواح والأجساد، مخلّص الأشخاص. بشفائه المرضى أخذ على عاتقه شرّ البشريّة الجسديّ والروحيّ، لذلك عاشت الكنيسة مسحة المرضى ومارستها منذ أوائل المسيحيّة.فالمسحة هي سرّ المرضى، والقربان سرّ المنازعين. والمسحة والمصالحة والمناولة تؤلِّف الأسرار الأخيرة.
خادم السرّ:
إنَّ خادم سرّ المسحة هو الكاهن الّذي يَسِمُهُ الأسقف بسمة الكهنوت وليس إلاّ. ويتَّضح هذا من قول يعقوب الرسول 5/14 « هل من مريض فيكم فليدع كهنة الكنيسة ليصلّوا عليه ويمسحوه بالزيت».
والمجمع اللبنانيّ يحدِّد بقوله:« إنَّ خدمة هذا السرّ، من حيث الصحّة، تناط بالكهنة والأساقفة دون غيرهم». «فإنَّ الصلاة مع الإيمان تخلِّص المريض والربّ ينهضه».
صورة سرّ المسحة:
«أيّها الآب القدّوس، الطبيب السماويّ للنفوس والأجساد، يا من أرسلت ابنك يسوع المسيح يشفي كلّ مرضٍ ويولي النجاة من الموت، اشف، بهذه المسحة المقدّسة، عبدك هذا من كلّ مرض في النفس والجسد، بنعمة مسيحك الّذي يليق بك المجد معه ومع الروح القدس ، الآن وكلّ آنٍ وإلى الأبد».
من يمكنه قبول السرّ ؟
المؤهّل لقبول هذا السرّ إنَّما هو الخاطىء المصاب بمرض خطر وأن يكون خطر الموت متأَتّيًا عن مرض باطنيّ كالجرح والشيخوخة والولادة المتعسِّرة، التسمّم، وذلك لصحّة إعطاء السرّ.
وعليه فلا يُعطى إلى النافرين إلى ساحة القتال والمسافرين ولا المتعرِّضين إلى غير ذلك من الأخطار، ولا المجرمين المحكومين بالموت، ولا الأطفال، وذلك لانتفاء اقتراف الأطفال خطيئة فعليّة، ويحَرَّم إعطاء هذا السرّ مَن كانوا معتوهين منذ الولادة وكلّ عمرهم، لانتفاء اقترافهم خطيئة مميتة، وغير التائبين والمحرومين وغير المعمَّدين، وعند الريب، يمسح المريض بصورة شرطيّة.
فوائد هذا السرّ وثماره:
يمنح سرّ المسحة:
1- النعمة المبرّرة والنِعم الحاليّة المختصّة به والتعزية والسلام والإغاثة الّتي تخوِّل المريض فرجًا وتقويةً على مواجهة تجارب إبليس ومقاومتها وعلى عبور الجسر إلى الحياة بثقة ورجاء.
2- غفران الخطايا الّتي لم تكن بعد غُفرت وإن كانت مميتة.« وإن كان قد ارتكب خطيئة ما تغفر له».
3- التنقية من فضلات الخطايا وآثارها وعواقبها في النفس، تعطي صحّة النفس نظرًا لتوبة المنازع وإيمانه.
4- عودة المريض إلى الصحّة إن كان ذلك ملائمًا لخلاص النفس، والمساعدة في خلق جوّ التسليم للعناية الإلهيّة والمرافقة الروحيّة والأخويّة والصلاة.
خــــلاصــــة:
وهكذا يبدو سرّ المسحة سرّ الأمل بالحياة والرجاء بالقيامة والسعادة الأبديّة والاتِّحاد بآلام المسيح، ويبدو خادم السرّ رسول المريض يمثِّل موقف الآب الحنون وطبيب آخر لحظة.
فهل يجوز بعد الخوف من اقتبال هذا السرّ ورفض حضور الكاهن ساعة الضرورة، والحرمان من هذا المدد الإلهيّ ؟؟؟