أُذكُروا عَجائِبَه الَّتي صَنَعها مُعجِزاتِه و أَحكامَ فَمِه (مز 105 /5)
احد تقديس البيعة 2007-2008 - المطران بشارة الراعي
احد تقديس البيعة
الكنيسة مقدسة ومبنية على صخرة الايمان
من انجيل القديس متى 16/13-20
قال متى الرسول: جاء يسوع الى نواحي قيصرية فيليبس، فسأل تلاميذه قائلاً: " من يقول الناس إتي انا ابن الانسان؟". فقالوا: " بعضهم يقولون: يوحنا المعمدان؛ وآخرون: إيليا؛ وغيرهم: إرميا او أحد الانبياء". قال لهم: " وأنتم من تقولون إني أنا؟". فأجاب سمعان بطرس وقال: " أنت هو المسيح ابن الله الحيّ". فأجاب يسوع وقال له: " طوبى لك يا سمعان بن يونا?، لانه لا لَحَم ولا دَمَ أظهر لك ذلك، بل أبي الذي في السماوات . وأنا ايضاً اقول لك: انت هو بطرس، اي الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني بيعتي، وابواب الجحيم لن تقوى عليها. سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الارض يكون مربوطاً في السماوات، وما تحله على الارض يكون محلولاً في السماوات". حينئذ أوصى تلاميذه ألاّ يقولوا لأحد إنه هو المسيح.
الكنيسة جماعة المؤمنين المدعوين، مشبّهة ببيت الله المبني على صخرة الايمان بالمسيح، وهو الايمان الذي اعلنه سمعان ? بطرس: " انت المسيح ابن الله الحي"، والذي يعلنه خليفته بابا روما، والاساقفة خلفاء الرسل المجتمعون برئاسته. " احد تقديس البيعة" هو اعلان الايمان بالمسيح الذي يقدس اعضاءها، واعلان قداستها النابعة من نعمة الفداء وحضور الثالوث القدوس فيها، واعلان التقديس المؤتمن عليها رعاتها. في احد تقديس البيعة تبدأ السنة الطقسية. وتسمى كذلك لان احادها واسابيعها تدور حول سرّ المسيح، شمس الكون، دوران الارض حول الشمس في السنة الشمسية. دوران الكنيسة حول سرّ المسيح يعني التأمل فيه والاستنارة منه واتخاذ القوة للحياة والرسالة.
***
اولاً، شرح نص الانجيل
1. الكنيسة مبنية على صخرة الايمان بالمسيح
في قيصرية فيليبس كشف الرب يسوع حقيقة ذاته بالسؤال: " من يقول الناس، ومن تقولون انتم اني انا ابن البشر؟ ( متى16/13 و15)، وبجواب الايمان من سمعان: " انت هو المسيح ابن الله الحي" ( متى16/16). انه يختلف كلياً عن جواب العقل البشري: " انت يوحنا المعمدان او ايليا او ارميا او احد الانبياء" ( متى 16/14) الذي ربما تقمّص. سرّ المسيح لا يُعرف بالعقل البشري وحده، لان يسوع اله وانسان في آن، بل يُعرف بالايمان الذي ينير العقل. ولهذا " اوصى تلاميذه بألا يقولوا لأحد انه هو المسيح" ( متى 16/20)، قبل ان يعلن لهم كلامه الالهي فينير عقولهم لمعرفته، كما جرى لسمعان. فامتدح الرب ايمانه: " طوبى لك يا سمعان بن يونا، لانه لا لحم ولا دم اظهر لك ذلك، بل ابي الذي في السماء" ( متى 16/17).
هذه العلاقة بين الايمان والعقل توسع فيها خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة: " الايمان والعقل" ( 14 ايلول 1998)، فقال " الايمان والعقل هما بمثابة جناحين يمكنان العقل البشري من الارتقاء الى تأمل الحقيقة والى معرفة الذات ومعرفة الله" ( عدد1). انها معرفة واحدة يبلغ اليها العقل، معتمداً الادراك الحسي والاختبار، ومستنيراً بالايمان الذي يهتدي بالروح القدس، بحيث يجد في بشرى الخلاص " ملء النعمة والحق" ( يو1/14)، النابعين من يسوع المسيح ( انظر عدد9) هذا التلاقي بين الايمان والعقل في الحقيقة الواحدة يتحقق عبر وسيلتين: سماع حقائق الايمان بقبولها في الوحي الالهي الذي تطوّر شيئاً فشيئاً عبر التقليد المتناقل والكتب المقدسة والتعليم الكنسي الحي، وفهم الايمان بتحليل العقل تحليلاً فلسفياً وعلمياً ( الاعداد 64-66).
لكن الرب يسوع كشف ايضاً حقيقة الكنيسة، المعروفة " بالمسيح الكلي" حسب تعبير القديس اغسطينوس، وأظهر حقيقة كل انسان مؤمن، فانتقل بالتلاميذ من " المسيح التاريخي" الى " المسيح السري". فالمسيح والكنيسة واحد: " لقد اصبحنا لا مسيحيين فحسب، بل المسيح اياه، فهو الرأس ونحن اعضاء جسده. هذا هو ملء المسيح، " المسيح الكامل" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 795). هذه الحقيقة السرّية عن الكنيسة " المسيح السرّي والكلي" شبهها في انجيل اليوم بالبيعة اي " مبنى الله" اساسه صخرة الايمان بيسوع المسيح، الذي اعلنه سمعان، فسماه " صخرة يبني عليها كنيسته" ( متى16/18). اما حجارة هذا المبنى فهي كل انسان يعلن ايمان بطرس: " انت هو المسيح ابن الله الحي". ان المبنى الحجري علامة الهيكل الروحي المؤلف من المؤمنين بالمسيح، حيث اتخذ الله الثالوث سكناه. " فلن تقوَ عليه ابواب الجحيم" )متى 16/18)، اي قوى الموت والشر.
وكشف الرب يسوع ايضاً ان الكنيسة تراتبية من خلال رئاسة سمعان ? بطرس،المشبّه بالصخرة التي تعني مسؤولية حماية الايمان وحفظه بدون شائبة وتثبيت الاخوة فيه ( انظر لوقا 22/32)، ومن خلال السلطة الموكولة اليه وهي سلطة "مفاتيح ملكوت السماء للحلّ والربط" )متى16/19). ان " سلطان المفاتيح" يعني السلطة لادارة بيت الله الذي هو الكنيسة، وقد ثبّتها يسوع بعد قيامته بجعله راعي القطيع كله: " ارع خرافي" (يو21/15-17). اما سلطان " الحلّ والربط" فيعني السلطان على غفران الخطايا، واصدار احكام عقائدية، واتخاذ قرارات تهذيبية في الكنيسة (التعليم المسيحي، 552-553). واوكل الرب يسوع سلطان " الحل والربط" الى جماعة الرسل المتحدين برئيسهم. وهو يتواصل من بعدهم في شخص قداسة البابا والبطاركة والاساقفة ومعاونيهم الكهنة. المسيح نفسه هو ينبوع الخدمة في الكنيسة، فيعطي السلطة والرسالة، التوجيه والعناية ( التعليم المسيحي،874): انه يعطي سلطة العمل بشخصه وباسمه في قيادة الكنيسة، ويوكل رسالة خدمة جسده كله الذي هو جماعة المؤمنين، ويوجّه الخدم وفقاً لمواهب الروح القدس من اجل خير الجماعة، شعب الله والبلوغ به الى الخلاص ( الدستور العقائدي في الكنيسة،18؛ التعليم المسيحي،874-875). تتميز السلطة التراتبية بانها شخصية وجماعية، وخدمة قائمة على بذل الذات، اقتداءً بالمسيح الراعي والخادم والفادي (المرجع نفسه، 876-879).
2. قداسة الكنيسة
تقديس البيعة اعلان عن ان الكنيسة مقدسة في الاساس بمحبة الآب ونعمة الابن وحلول الروح القدس. وقد ظهرت قداستها في والدة الاله الكلية القداسة مريم، وفي الرسل والقديسين، من جيل الى جيل. وتنتظر ان تتجلى قداستها في ابنائها، من خلال ثمار النعمة التي ينتجها الروح القدس في المؤمنين من السيد المسيح، بادىء القداسة ومتممها: " كونوا كاملين كما ان اباكم السماوي كامل هو" (متى 5/48). ويؤكد الدعوة عينها بولس الرسول: " اجل، ان ما يريده الله هو تقديسكم" ( اتسالونيكي4/3؛ افسس 1/4). ويشرحها آباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ويرسمون خطها والسبيل اليها في الدستور العقائدي في الكنيسة "نور الشعوب" (الفصل الخامس: الدعوة العامة الى القداسة في الكنيسة).
الكنيسة مقدسة، لان مؤسسها هو " المسيح ابن الله الحي"، ولانها مبنية على " صخرة الايمان" المتمثلة ببطرس الرسول، ولذلك تبقى ثابتة، منيعة على قوى الشر، حتى يعمّ ملكوت الله كل شعوب الارض. وهي مقدسة، لانها هيكل الروح القدس المفاض على كل ذي جسد من موت المسيح وقيامته، بواسطة المعمودية والتثبيت وسائر الاسرار. هذا الروح عينه يحوّل الخبز والخمر الى جسد المسيح ودمه، ويجعل جماعة المؤمنين جسد المسيح السرّي. وهكذا كل من يقبله يختبر اختبار بولس الرسول: " لست الآن انا الحي، بل المسيح هو الحيّ فيّ وان كنت الآن حياً بالجسد، فانا حيّ بايمان ابن الله الذي احبني وبذل نفسه من اجلي". (غلاطية 2/20).
في الكنيسة المقدسة توجد وسائل التقديس وهي:
الانجيل وحقائق الايمان، الاسرار الخلاصية ونعمتها، القوانين وهدفها الاسمى تقديس النفوس.
المسيحيون مدعوون ليكونوا جماعة كنسية، مبنية على الايمان بالمسيح، تغتذي من جسد الرب، ، الخبز النازل من السماء على مائدة الكلمة. وتعيش باتحاد القلب والحياة مع الله اتحاداً غير مشروط، وتسلك في استقامة النوايا، وتصبر على المحنة، وتشهد للمحبة والرحمة نحو البعيدين والقريبين، وتخضع بالعقل والارادة لكلام الله في الصلاة وفي الشركة مع رعاة الكنيسة.
****
ثانياً، الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة
الكنيسة المقدسة تعلن قدسية الحياة البشرية وكرامة الانسان المخلوق على صورة الله، والمفتدى بدم المسيح والمهيأ ليصير هيكل الروح القدس، والمدعو ليعاون الله في اعلان الحقيقة وتحقيق تاريخ الخلاص.
" معجم التعابير الملتبسة والمتنازع فيها حول الاسرة والحياة والقضايا الاخلاقية"، الذي اصدره المجلس الحبري للعائلة، يقدّم لنا تعليم الكنيسة حول هذه المواضيع.
نعرض اليوم ما تسميه الكنيسة " اعتراض الضمير". يتبسط فيه المعجم تحت عنوان "اعتراض الضمير في السياسة"، كتبه المونسنيور Michel Schooyans.
اعتراض الضمير قديم التاريخ مارسه سقراط، الذي اتُّهم بانكاره للدين الوثني. لقد وضع فوق شرائع المدينة الطاعة للصوت الداخلي، صوت ضميره الشخصي الذي كان يقوده في معرفة الحق والخير. والضمير هو صوت الله في اعماق الانسان. بطرس الرسول، عندما امرته السلطة السياسية بعدم الكلام عن يسوع المسيح، اجاب: " الله اولى بالطاعة من البشر" (اعمال 5/29 ). الاستشهاد، في تاريخ المسيحية هو التعبير المسيحي بامتياز عن اعتراض الضمير. ففعل الايمان بالرب يسوع فعلٌ حرٌ كامل يجعل المؤمن ملتزماً بعلاقة شخصية مع الله. فلا يحق لاي سلطة ارضية ان تتدخل فيه. في زمن الامبراطورية الرومانية، كان الاباطرة يريدون انتزاع الايمان باله من دون وطن ليحموا وحدة الامبراطورية وتماسكها. فكانوا يعدمون المسيحيين وبخاصة الجنود عندما يرفضون تقديم العبادة للديانة المدنية الوثنية. فكان المسيحيون امام واحد من بديلين: إما جحود الايمان وإما الموت. القديس الشهيد توماس مور، رئيس الوزراء البريطاني، واحد منهم ( 1478-1535)، وغيره كثيرون من بعده.
اعتراض الضمير مطروح اليوم على البرلمانيين المشرّعين الذين يسنّون قوانين تشرّع الاجهاض والقتل الرحيم. كما يلحق ايضاً بالاطباء والجسم الطبي والتمريضي الذين يمارسون الاجهاض والقتل الرحيم. من واجب هؤلاء جميعاً ان يمارسوا اعتراض الضمير. هذا الواجب مطروح كذلك على السياسيين الذين يقررون التعدي على الشخص البشري، لاي سبب كان، وعلى اي مستوى اكأن التعدي على جسده او كرامته او املاكه او مصيره، وباي نوع أكان حرباً او اغتيالاً او قهراً او حرماناً او اهمالاً. فمن واجب كل واحد منهم، ولو كان مرتبطاً بحلف معيّن او كتلة سياسية ام حزبية، ان يمارس اعترالض الضمير. ان موافقته على مثل هذا التعدي يضمّه الى موكب تجار الموت. والاحجام عن ممارسة اعتراض الضمير اهمال خطير يجعل صاحبه شريكاً في الجرم.
ان المشرّعين الذين يسنّون قوانين تشرّع الاجهاض والاشخاص، الذين يقررون قتل انسان والذين ينفذون، يرتكبون خطيئة في غاية الجسامة، ويقعون في الحرم الكبير، والحلّ من الخطيئة والحرم محفوظ لمطران الابرشية ( ق 1450 و728 بند2).
وتذّكر الكنيسة بأن احترام الحياة البشرية، عند اي انسان وفي اي مرحلة من مراحل وجوده منذ الحبل به حتى آخر نسمة من عمره، هو في اساس الهوية المسيحية، وبأن الاقرار بالقيمة اللامتناهية التي ينعم بها كل شخص بشري امر جوهري في الخلقية المسيحية، وشرط اساسي للانتماء اليها.
لكن الدفاع عن الحياة البشرية ليس حكراً على المسيحيين، بل هو تعليم اخلاقي اساسي في جميع الاديان والتقاليد الخلقية في البشرية وفي كل الحضارات، وقد حددته الشرعة العامة لحقوق الانسان ( 1948) في المادة الثالثة. ان حق الانسان في الوجود والحياة الكريمة من صلب وجوهر كل مجتمع ديموقراطي. في ضوء هذا الحق، لا يمكن القبول بشريعة القوي على الضعيف. وكل سلطة تستقوي على الضعيف والبريء انما تنحرف الى الديكتاتورية والتوتاليتارية.
يرتكز اعتراض الضمير على القيم العليا وعلى الشرائع الداخلية في الطبيعية البشرية وغير المكتوبة. ان مخافة الله التي كانت تمنع المسيحيين القدامى من تقديم الذبائح لالهة المدينة القديمة، هي اياها تمنع المسيحيين اليوم من "التقديم لاصنام الوثنية المعاصرة"، وهي السلطة والمال والسلاح والكراسي والمصالح. من واجب المسيحي ان يظهر في مجتمعه " كآية للخصام"، كما تنبأ سمعان الشيخ عن يسوع الطفل ( لو2/34). ومن واجبه ان يتذكر بأنه ينتمي بحكم معوديته الى شعب نبوي. الانجيل يدعوه للصمود بوجه الشرّ المنزل بالانسان.
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
مع تذكار سرّ الكنيسة، في أحدي تقديسها وتجديدها وفي زمن المجيء، تتناول الخطة الراعوية تقبّل النصوص المجمعية والعمل على تطبيقها في السنة الثانية من خطة الخمس سنوات التي وضعتها الامانة العامة ولجنة المتابعة. فنبدأ بالنص الخامس وعنوانه: "البطريركية والابرشية والرعية".
1. من الناحية التاريخية، البطريركية الانطاكية رسولية لانها ترتكز على اول كرسي انشأه بطرس الرسول في انطاكية، وقد ثبّتها مجمع نقية سنة 325، ثم مجمع خلقيدونية سنة 451. وسلطان البطريرك سلطان اسقفي مألوف ومكاني على كل كنيستة داخل النطاق البطريركي، وسلطان شخصي على ابنائها اينما وجدوا، يمارسه بروح مجمعي مع اساقفة كنيسته وبالشركة التامة مع اسقف روما رأس الكنيسة الجامعة وراعيها.
النظام البطريركي مجمعي قائم على الشركة الكنسية التراتبية، وفقاً للقاعدة التي يمارسها القانون 34 من قوانين الرسل ( سنة 381): " على الاسقف (البطريرك) ان لا يفعل شيئاً دون موافقة المجمع. كما على الاساقفة ان يعرفوا الاسقف الاول في ما بينهم (البطريرك)، ويعتبرونه رأساً، وألاّ يفعلوا شيئاً من دون الاخذ برأيه". يتحقق النظام المجمعي في سينودس اساقفة الكنيسة البطريركية، وفي المجامع الاقليمية والمسكونية التي تعالج مختلف الامور العقائدية والادارية المشتركة بين الكنائس. ان سينودس الاساقفة والمجامع الاقليمية والمسكونية تعبير في آن عن الشركة في الايمان، وعن رابط الاتحاد الذي يجمع الاساقفة في ما بينهم، وعن شركة المحبة الاخوية التي تخيّم على علاقاتهم المتبادلة، وعن غيرتهم على الرسالة الشاملة التي قبلوها من الرسل.
بهذه الروح المجمعية، يشترك كل اسقف، بحكم مسؤوليته عن كنيسته الخاصة، مع سائر الاساقفة في المسؤولية عن الكنيسة الجامعة في اتحاد تام مع اسقف رومية والبطريرك (الفقرات 3-8؛ القرار المجمعي في مهمة الاساقفة الراعوية،3).
2. من ناحية الوضع الراهن للكنيسة البطريركية المارونية، قد اجرى المجمع اللبناني المنعقد في دير سيدة اللويزه سنة 1736 اصلاحاً في بنيتها، تلبية للحاجات الراعوية الجديدة، فأنشأ ابرشيات ذات كيان قانوني وجعل على كل واحدة منها مطراناً ذا ولاية شرعية عليها وفرض عليه ان يقيم فيها، وبالروح المجمعية لا يكتفي بعيش مهمات ابرشيته وهمومها، بل يحمل ايضاً مع ابناء ابرشيته همّ الابرشيات الاخرى وهمومها (الفقرتان 9 و10).
البطريرك ذو سلطان مزدوج: الاول بصفته اسقفاً راعياً لكرسيه البطريركي يسوس ابرشيته المحلية ككل اسقف ابرشي بسلطان خاص ومألوف ومباشر، وبصفته بطريركاً يدير كنيسته الخاصة كأب لها ورئيس، ممارساً عليها سلطاناً حقيقياً وفقاً للقوانين الكنسية في اطار الهيكلية المجمعية. يمارس شخصياً السلطة التنفيذية والادارية، وسينودسياً السلطة التشريعية. يحرص على وحدة كنيسته، ويحافظ عليها وعلى الشركة في الايمان. والشركة في الرئاسة الكنسية مع الكرسي الرسولي الروماني ومع باقي الكنائس ( فقرة 12).
تعمل البطريركية المارونية على بناء الوحدة الكنسية في تعددية وجودها في لبنان والنطاق البطريركي وفي عوالم الانتشار، وفي تعددية الكنائس التي تعيش معها، ما يقتضي تشاوراً وتنظيماً في سبيل الخير المشترك، كما يقتضي تنظيم الدوائر البطريركية والاسقفية وتحديثها، واعادة توزيع الابرشيات وفقاً لحاجات المؤمنين.
ويشدد النص المجمعي على اهمية المركزية البطريركية ووحدة البنية البطريركية التي تضمن الوحدة في التعددية، وجمع الجهود من اجل تعزيز المجمعية الاسقفية، والسعي الى توثيق عرى الشركة بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية من جهة والكرسي الرسولي من جهة ثانية، ومواجهة تحدي الانتشار بوعي ودراسة وتنظيم من اجل تأمين التواصل والشركة لتحقيق وحدة البنية البطريركية شرقاً وغرباً (الفقرات 11-16).
***
صلاة
ايها الرب يسوع، لقد انشأت كنيستك في العالم اداة خلاص، وقدّستها بحضورك فيها، وسلمتها الانجيل والاسرار والسلطان لتقديس المؤمنين. قدّسنا بروحك القدوس، واعطنا ان نشهد لله وللحق وللمحبة. هبنا الشجاعة لندلي باعتراض الضمير على كل ما يخالف ارادة الله وشريعته. ادخلنا برباط الروح في الشركة الكنسية لنبني الوحدة ونشدّ اواصر التعاون والتضامن لخير كل انسان، ولمجدك ايها الاب والابن والروح القدس وتسبيحك وشكرك الى الابد. آمين.