أَحمَدُ الرَّبَّ حَمدا كَثيرًا بِفَمي و بَينَ الجُموعِ أُسَبِّحُه (مز 109 /30)
كتاب : عن أماكن اللهو ومداومة التناول من الأسرار المقدسة للقديس ساويرس البطريرك الأنطاكي - يوسف حبيب
عن أماكن اللهو ومداومة التناول من الأسرار المقدسة
القديس ساويرس البطريرك الأنطاكي
يوسف حبيب، مليكة حبيب يوسف
1 |
عن الذين يذهبون للمسرح بعد الصلاة |
2 |
سباق الخيول |
3 |
الرفق بالحيوان |
4 |
عناية الله بالحيوانات | الضوضاء |
5 |
المسرحيات الهزلية والتمثيل الهابط |
6 |
المسارح الماجنة |
7 |
التوبة والخير والبُعد عن أفعال الرذيلة |
8 |
الابتعاد عن التناول بحجة الخطية |
9 |
الاشتراك في الذبيحة المُحيية |
1- عن الذين يذهبون للمسرح بعد الصلاة
أن رؤية المسرحيات الهزلية مضادة للناموس. يجب أن نتقى بأعمال التوبة الغضب القائم ونشترك فى الأسرار المقدسة مرات كثيرة.
مرة أخرى أتقدم بينما تقصرنى تمام المقدرة عن الكلام أو التعليم، وفيهما نفع جزيل. أرانى فى ظلمة أدركتها سحابة الهموم المادية التى تربط الكنيسة المقدسة غير المادية بطريقة غير لائقة. فبعض الأشخاص يحملونها أحمالاً غريبة لا علاقة لها بالخدمة الدينية. أفلا يضار رجال الدين بإثارة الأضطرابات الخارجية داخل الكنيسة؟ إنى عن إضطرار أشعر أنى مدفوع عنوة بهذه الضرورة الحاضرة، فمثلى مثل إنسان يحترق فى النار. نعم أنى مُجْبَر، ليس عن اختيار.
ما هو العجب إذا كنت وأنا أبرز من نفسى قروحاً عديدة لا تحصى، أتحمل هذا الآلم ولا أستطيع إلى السكوت سبيلا؟ أن أرميا النبي الذى تكرس من بطن أمه، يرى أن شعبه يستهزئون بأقواله بدلاً من أن يحزنوا، وما كانوا يشعرون أو يرتجفون خشية الغضب الذى كان يتهددهم. كاد النبي يركن إلى الصمت، لكنه اشتعل واحترق قلبه واضطر إلى الكلام.
لذلك كان يقول: «لأنى كلما تكلمت صرخت. ناديت ظلم واغتصاب. لأن كلمة يا رب صارت لى للعار وللسخرة طول النهار. فقلت لا أذكره ولا انطق بعد بأسمه. فكان فى قلبى كنار محرقة محصورة فى عظامى فمللت من الأمساك ولم أستطيع» (إر 20: 8-9).
كفى بذلك مثالاً. أن عقدة لسانى ليست محكمة، تأتى زوبعة الحوادث، ويسرد الإضطراب عند الذين يحاربون الكلمة المستقيمة. ولو إنى أفكر مثل أرميا، فإنه بالنسبة لى أيضاً كانت كلمة الرب باباً للإهانة والإستهزاء، وروادنى القول ضرورة، كما قال النبي: «لا أذكره ولا انطق بأسمه» (إر 20: 9). إنى أصلى لكى يوضع على شفتاى باب فأضطر إلى الصمت الكامل، وإلا فإن الضحك والإستهزاء الظاهر على كلمات الرب لن يدعانى اعظ عن الصلوات فى الكنيسة. والدموع، والأعتراف بالخطايا، والصوم، وبالإختصار وضع الأمور فى نصابها وهو مترتب على التوبة، بسبب ما هذه تهددنا عن كتب وتراه فوق رؤوسنا، وأن سماعه مرعب.
2- سباق الخيول
أتذهبون إذاً، أو بالحرى كثيرون منكم، -لأنه لا يجب أن أتهمكم جميعكم ـ لمشاهدة سباق الخيل وإلى أماكن التهريج ومسارح الترف وتقولون بأنكم ما انقطعتم عن الصلوات وعن الإجتماعات في الكنيسة وأنتم تشتركون فى مشاهدة المسرحيات؟
ألا سمعت بولس الرسول الذى كتب إلى أهل كورنثوس: «لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس شياطين، لا تقدرون أن تشتركوا فى مائدة الرب وفى مائدة شياطين» (1كو 10: 21) ألم يقل الحكيم حسناً جداً: «واحد يبنى وواحد يهدم فماذا ينتفعان بذلك غير التعب. واحد يصلى وواحد يلعن فصوت أيهما يسمع السيد؟! مُنْ يغتسل من الميت ثم يمسه ماذا انتفع من غسله؟! هكذا الإنسان الصائم عن خطاياه ثم يعود يفعلها ترى من يسمع صلاته وماذا ينفعه صيامه؟!" (حكمة يشوع 31: 23-26).
هذا حال الذين يتصرفون ضد الناموس وهم ممتلئون شراً. يتصرفون أنهم يشتركون فى المائدة المقدسة، وهم يأكلون ويشربون ويفعلون ما يحلو لهم. ويشهد الكتاب المقدس عن أمثال هؤلاء الناس قائلاً: «لأنهم يطعمون خبز الشر ويشربون خمر الظلم» أم 4: 71.
ربما يقول: وأى شر فى النظر إلى سباق الخيل؟
أنه شر مستطير وإنى آت بالرد صراحة. أولاً: أن كل عرض قصد به الولاء لآحد الالهة الذين يسمون بأسم كاذب، ويقام تكريماً له فلنبتون Neptune عرض الخيول، ومرقور Mercure عرض المصارعين الذين يحاربون وحدهم ، ولارتيميس Artémis عرض المصارعين الذين يحاربون الحيوانات، ولباكوس Bacchus الروايات المسرحية.
كيف يرتضى الله مسرة الشياطين؟ كيف تركض نحو هذه المناظر التى انكرناها وفقاً للأحكام حينما انخرطنا فى خدمة المسيح؟
لنشترك فى أعمال الطاعة له، ونكون مستعدين لنستحق العماد الإلهى الخلاصى. هذه المناظر هى فى الواقع من أعمال الشيطان، وتكريم لأعياده التى جحدناها.
يوسف
3- الرفق بالحيوان
ثانياً: حتى إذا قلت: «أن المسرحيات ليس الغرض منها تكريم الشياطين، لكن لأجل سرورنا». فإننا نغضب الخالق إذا كنا نستعمل الحيوانات غير العاقلة بطريقة مضادة لوصاياه. لقد خلق كل حيوان منها لكى يكمل احتياجاتنا فى العالم، وليس لأجل نشوة زائدة وغير نافعة. فالحصان قد أعطى للناس حتى يستطيع من يمتطيه أن يتم تنقلاته بسرعة، فيخرجون ضد المحاربين الذين يأتون إليهم. أنه عون لهم يساعدهم فى الحرب ضد الآعداء. هذا أيضاً ما قاله ذلك الذى كان يكلم أيوب وسط الزوبعة والسحاب. «فأجاب الرب أيوب من العاصفة وقال..» (أى 38: 1) «هل أنت تعطى الفرس قوته وتكسو عنقه عرقاً. أتوثبه كجرادة. نفخ منخره مرعب. يبحث فى الوادى وينفر ببأس. يخرج للقاء الأسلحة. يضحك على الخوف ولا يرتاع ولا يرجع عن السيف. عليه تصل السهام وسنان الرمح والمزارق. فى وثبه ورجزه يلتهم الأرض ولا يؤمن أنه صوت البوق. عند نفج البوق يقول هه ومن بعيد يستروح القتال صياح القواد والهتاف» (أى 93: 19-25).
ومكتوب أيضاً فى الأمثال: «الفرس معد ليوم الحرب. أما النصرة فمن الرب» (أم 21: 31).
جعل هذا الحيوان من أجل خدمة حياة الإنسان وليس لكى تهلكه بأن تجعله يدور حول السيرك سبع مرات، وأنت تخرج العربة تلو العربة، ويسحق رجليه بسرعة العجلات؛ ولا لكى تتهلل وتصفق حينما يسقط سقطة بائسة مؤسفة. ليس هذا ما يأمرك به ويملك إياه الكتاب الإلهى، بل العكس. حينما يفعل هكذا، تنطق عليك الكلمات المكتوبة الدالة على القسوة والظلم القاتلة: «الصديق يراعى نفس بهيمته. أما مراحم الأشرار فقاسية» (أم 12: 10).
أن قول بولس الرسول: «ألعل الله تهمه الثيران» (1كو 9: 9). له معنى آخر وفعلاً حينما كان يكلم أهل كورنثوس كان يقول أنه يلزم: «أن الدين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون» 1؛ و 9: 41، «من تجند قط بنفقة نفسه. ومن يغرس كرماً ومن ثمره لا يأكل. لعلى أتكلم بهذا كإنسان أم ليس الناموس أيضاً يقول هكذا. فإنه مكتوب فى ناموس موسى لا تكم ثوراً دارساً. ألعل الله تهمه الثيران» 1كو 9: 7-9.
هكذا إذاً تضمنته الوصية القانونية التى تأمر بألا نكم ثوراً دارِساً. وما جعل الله الناموس لمجرد العدل نحو الثيران. أى مكروه إذن وما يضيرنا لو نستبدل حلبة السباق بالخدمة الخاصة بها بعناية ولا نسرف فى الأهتمام بملء بطونها فى غير مناسبة.
أنه بهذه الوصية يعملنا أنه من العدل أن الذين يعملون يتغذون من نتاج تعبهم. لذلك يضيف بعد ذلك: «أم يقول مطلقاً من أجلنا. أنه من أجلنا مكتوب لأنه ينبغى للحراث أن يحرث على رجاء وللدارس على الرجاء أن يكون شريكاً فى رجائه» (1كو 9: 10).
4- عناية الله بالحيوانات | الضوضاء
من الواضح جداً أن الله يعتنى بكل شئ ويهتم بكل شئ ويحب كل شئ يقول داود النبى فى المزامير: «تفتح يدك فتشبع كل حى رضاً» (مز 145: 16). ويقول الحكيم أيضاً: «وترحم الكل لأنك قادر على الكل وتعرض عن خطايا الناس متوخياً التوبة» (حكمة 11: 24). وكتب أيضاً: «رحمة الإنسان على قريبه وأما رحمة الرب فهى على كل ذى جسد» (حكمة يشوع 18: 13).
ليس لأن بعض أنواع الحيوانات قد أعطيت للناس لكى يقتلوها ويأكلوها، لا يلزمنا أن نعاملها برفق فى حياتها، ونشفق عليها، ولا نجعل من تعب الجياد وإنهاكها وموتها تجارة باطلة، لأجل لذة أو لعبة شيطانية. وعلينا نحن الذين يجب علينا أن نقتدى بالله أن نكون رحماء. «فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم» لو 6: 36.
أن عرض الجياد عن طريق التفنن فى المشاهدة الماكرة من الشيطان يمارس فيه هذا التنافس الذى يشبه السحر وضرب من ضروب القتل القاسية غير القانونية يقوم بها المحترفون اللذن يظهرون أنفسهم شجعاناً ضد الصغير الضعيف. هذه المناظر يمكن أن تغضب الله جداً . أنها تستحق رعوداً وبروقاً ملتهبة. حتى إذا كان اللعب لا تشوبه مثل هذه الأشياء، فإننا نحكم حسب ثماه. «لأن من الثمر تعرف الشجرة» مت 12: 23. هذا قرار المسيح الرب الصادق. ولكن ما هى ثمار معارك الجياد هذه؟ أنها خلافات وتجديف، معارك وإضطراب، ضجيج وهجمات بقذف الحجارة، حرب بين المواطنين، حريق وقتال.
ولطالما سقط الأبرياء من المشاهدين فى إحدى الخطايا. إما أن يصرخ، أو يتشاجر، أو يجدف، أو يترك نفسه يستبد به الغضب بما لحقه من الأهانة. فأى عقاب يكون لذلك؟ عندما يحيد الإنسان عن الله ويبتعد عنه، هل هناك من عقاب أشد؟
وأسمع بخصوص الضوضاء التى تعتبر أقل الأشياء الأخرى: «وقال الرب أن صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيتهم قد عظمت جداً» تك 18: 21. هذا يكفى لكى يبين عاقبة الضوضاء يقول الرب أيضاً بواسطة النبى أشعياء: «أن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل وغرس لذته رجال يهوذا. فأنتظر حقاً فإذا سفك دم وعدلاً فإذا صراخ» أش 5: 7.
أن الصراخ موضوع الأتهام. وهل يستحق التشاجر المديح؟ ليس هذا أبداً.أنظر كيف يضعها الله، بواسطة حزقيال النبى، موضوع اللوم الكبير حينما يقول: «لكن بيت إسرائيل لا يشاء أن يسمع لك. لأنهم لا يشاؤون أن يسمعوا لى. لأن كل بيت إسرائيل صلاب الجباه وقساة القلوب» حز 3: 7.
ربما تقاتل لماذا تحب المشاجرة من العصيان وقساوة القلب. أن بولس الرسول يضع كل هذه الرذائل معاً كأنها من طبيعتها أن تحزن وتغضب الروح القدس. وهو يكتب فعلاً: «ولا تحزنوا روح الله القدوس الذى به ختمتم ليوم الفداء. ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث» أف 4: 30-31.
لماذا إذاً نذهب إلى عرض سباق الخيول؟ إننا نفعل ذلك لكى تحملنا كل هذه الرذائل أشبه شئ بتيار فاسد وسط بحيرة، ولا نذهب لكى تصلى لله فى هدوء أن يغفر لنا خطايانا. ننشغل بأمور العالم ونحرف ضد إرادتنا إلى الضوضاء أو إلى كلمة التجديف أو إلى الغضب.
5- المسرحيات الهزلية والتمثيل الهابط
لكن إذا سمحتم، لنفحص المسارح والأماكن المخصصة للعرض، وسترى أنها ضارة ومفسدة، وليست كما يحسبونها موضوع لهو ومرح. إنى أترك جانباً الفرقة الموسيقية، والرقص الجماعى الصاخب الذى يسئ إلى رجولة الرجال، وتلك الأغانى التى تعلم الميوعة، وتحل قوة الروح، وتزرع فيها سعير الأهواء، فتطوقها حتى تنوء تحت عبء المجرن والملذات. وماذا تقول عن المشاهدين للتمثيل الهزلى ومنهم المستهزئون؟ يثيرون سخط الله وغضبه، نضحك لدى رؤيتنا رجلاً يصفع آخر قد خلقه الله، ونفخ فى وجهه نفخة الحياة، وقد شرفه كلمة المتأنس لأجلنا أيضاً، حينما قام من الأموات ونفخ فى وجه تلاميذه قائلاً: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» (إنجيل يوحنا 20: 22)؛ وأن من كان موضع تكريم كثير يضرب ويهان ويزدرى به.
نعتقد أن ذلك يثير شيئاً كثيراً من الرهبة والرعب حتى عند القوات السمائية. ثم قل لى، اتضحك على الأشياء التى يجب أن تبكى منها وتنتحب عليها؟
أين الأتحاد المكرم، أيصبح موضع مزاح؟ أين المجتمع العفيف؟ أنه مثل الزانى تسحقه السخرية (والشفقة). فهل تكون أعضاء الجسد وانجاب الأطفال وبقاء جنسنا موضع استهزاء بطريقة مشينة كريهة؟ فأين السر الملئ بالحياة والطهارة؟
أحترم شكلك الذى خلقه الله أيها الإنسان، أحترم شكلك الذى خلقه الله الأحترام كله. احترم الخليقة الثانية الإلهية التى من أجلها شاركك كلمة الله بأتخاذه جسداً من العذراء. لماذا تضحك من ذاتك، مثل أولئك المجانين الذين يمزقون أجسادهم ويأكلون لحمهم بدون شعور؟
لماذا إذاً تنوح لدى سماع أخبار الجرائم وتود لو هلك المخطئ جزاءاً وفاقاً لما أرتكبه من زور، وتحزن وأنت ترى مطلع الشمس. إنى أخالك تظن أن كل شئ قد أنقلب رأساً على عقب ...
أنك تكتب ضد الزانى حكماً بالسجن وتقرر أن الموت عقاب خفيف له ... لكن حينما تشاهد المسرحيات الفاسدة فى مسارح اللهو الممقوت، فإنك تنفجر ضاحكاً، وتظهر شعورك لاهياً وتزعم أن العرض باعث للسرور والمرح.
- المسارح الماجنة
بأي عين سوف تنظر إلى زوجتك حينما تدخل البيت؟ كيف تطالبها بالطاهرة وأنت تشاهد الفسق الظاهر في تلك العروض الماجنة غير اللائقة. لقد جمعت العديد من الأهواء، وغذيت عقلك بصور الرذائل وهي مثل النار المحرقة. ربما يقول قائل: "ماذا أعمل ومسرح الألعاب مفتوح يناديني لمشاهدة العرض".
لو كان مغلقاً ما لزم السؤال. انه بذلك تكون الضرورة أوجبت عدم الذهاب وليست الإرادة. وبما أن المسرح مفتوح، فمر أمامه راكضاً بثبات وحزم، ودع اللاهيين لا تزرهم وان كانوا وقوفاً على قدم الاستعداد. اظهر أن كل هذا باطل وليس له منفعة. فإذا كانوا يعدون المسرح ويجهزونه ويجذبونه من يأخذون مكانهم فيه يحميه ويخدعونهم، لا يكفي عذراً. أن من يسرق الملابس يستطيع أن يقول أيضاً أنه رأى الملابس والذهب وكان مجرباً بالإغراء مخدوعاً. ومن ينظر نظرة الشهوة دون حذر، يعتذر بجمال النساء. أبذلك نعتبره غير مذنب؟ ولكننا لا نجهل أن من يبتعد بثبات عن الإغراء ما استطاع إلى ذلك سبيلاً يستحق الاكليل ومجازاة النصر لأنه يمارس الفضيلة. فاهرب إذن بكل قوتك من مشاهدة العروض التي فيها اختناق الروح. انها هوة الشيطان بما يزينه من المكر ويدبره من الخسارة التي نتحملها دون أن نشعر. وان فيها الهلاك المؤكد بسهولة.
إذا كان أحد يجرك إلى ذلك، فجره في اتجاه مضاد إلى الكنيسة قائلاً له كلمة الكتاب المقدس هذه: "لا تمل يمنه ولا يسره. باعد رجلك عن الشر" (أم4: 27). اظهر له بفيض الكلام الفرق بين الطريقين، مبيناً نهاية كل منهما. ادحض الميل إلى اللهو القصير المدى، أن حالته فانية. اجعل فيه المخافة، صف له محكمة المسيح القادمة. وقده إلى رجاء الحياة الأبدية السعيدة المعدة للصديقين. واحطه بعنايتك، لا تجعله يخسر خلاصه. من تراه يقاوم كثيراً في الجهاد، ويجتهد أن يكسب بمكر أو بعنف يحاول أن يجرك إلى الرزيلة، حينئذ ألجأ إلى الزجر وأرفض بعض الصداقة أو بعض الصحبة الشريرة، أسرع بالهرب من الشرير. تذكر المشرع الروحاني الذي يأمرك بأن تغضب وليس أن تخطئ هكذا غضب فينحاس، وعندما ضرب الزناة وطعنهم بحربته، حينئذ توقفت الآفة.
"فلما رأى ذلك فينحاس بن ألعازار بن هرون الكاهن قام من وسط الجماعة وأخذ رمحاً بيده ودخل وراء الرجل الإسرائيلي إلى القبة وطعن كليهما الرجل الإسرائيلي والمرأة في بطنها فامتنع الوباء عن بني إسرائيل" (عد 25: 7- 8).
هكذا غضب موسى أكثر الناس وداعة واتضاعاً، ضد الذين كانوا يتعدون وصايا الله، بينما كان يتحمل بوداعة وتواضع إهاناته الشخصية. حينما قامت عليه عائلة داثان وأبيرام وجميع عائلة قورح بطريقة مهينة بسبب الحسد، سقط رئيس مشرعي الشعب على وجهه على الأرض أمامهم، وهو يرجو شاتميه ألا يعرضوا أنفسهم للغضب الآتي من فوق. ولما استمروا في عصيانهم وكبريائهم، أرسلوا في النهاية إلى جهنم (عد 16: 24) الخ.
يجب علينا أن نتحمل باتضاع وبنزعة فلسفية الإهانات والظلم الذي يصيبنا، أما تلك التي تكون موجهة ضد الله وضد مجده فيجب علينا أن نكون متيقظين لمحاربتها بأقسى ما يمكن. لذلك قال أحد الأنبياء: ليصبح الإنسان محارباً شجاعاً.. أن التواضع والوداعة في غير فهم هما من خواص الخراف وليس من خواص العقلاء. لذلك وجد الغضب في نفوسنا، لكي يحثنا نحو الشجاعة، لنستعمله ضد ميوعة الأهواء، ونجاهد به من أجل نواميس الله ومن أجل الحق أيضاً.
7- التوبة والخير والبُعد عن أفعال الرذيلة
لكني لا أعرف لماذا أراني بعد العظة التي ألقيتها عليكم في الكنيسة، وكنت أتوقع أن آراكم تفعلون أعمالاً حسنة، لا أزال عن وسائل تجنب الشر، متحدثاً عن الفضيلة والرزيلة. أننا نحتاج أن نمارس الأعمال الحسنة كثيراً لكي تنجو من ذلك الغضب العتيد الذي يتخذ طريقه الآن إلى مدن أخرى. لم يبتعد بعد عن مدينة الإسكندرية ولا يزال يلتهم الناس الاصحاء، انه يزداد وينتشر. لتعودوا إلى التوبة فتمقتون ليس فقط المسارح، بل الكباريهات ومتاجر الخمور، ومحال اللحوم النيئة والمطبوخة والأطعمة الفاخرة من كل نوع. وفي الحداد تتغذون فقط بالخبز والخضروات اليابسة، لا تفعلون شيئاً آخر سوى أن تتضرعوا إلى الله كل الأيام بصلوات حارة.
لنتمسك إذاً بهذه الضراعة لكي تظهر التوبة عن طيب خاطر، وعلاوة على منفعة تجنب الغضب، ننال الثواب المجزي ونتجنب الغضب الآتي، ولا اتجاه نحو الخير إلا وله ثوابه. ان كنا عرضه لمثل هذه الأهوال نصيبنا، فماذا نحن فاعلون لكي نهرب منها؟ قبل أن تقع تلك الأهوال فلنعكف ساهرين في حكمة. فإنه إذا كنا بهذا التأديب والمخافة لا نتوب، أفلا نكون جهلاء وغرباء عن الله، ونسلم للهلاك الكامل، ونسقط في الجب العميق؟ هذا نجده بديهياً في قول أرميا النبي، فهو يقول: "تأدبي يا أورشليم لئلا تجفوك نفسي لئلا اجعلك خراباً أرضاً غير مسكونة" (أر 6: 8).
اني في رعب وارتجاف أتوقف عند هذه الكلمات: ناطقاً بصوت عال بهذه الآية من كتب بولس الرسول: "فإذا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان" غل6: 10. اننا في حاجة شديدة لكثير من بعد النظر. اننا نتوقع صدمة الشياطين ضدنا، لنتقوى بجدار المعونة الإلهية التي هي مخافة الله. "ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" مز34: 7.
ان ملاكاً واحداً حافظاً حولك لهو بمثابة قوة جيش كبير، فهو يقوم مقام جمع من العسكر. وهناك أيضاً ملاك حارس موكل يحفظ كل من يخاف الرب. لذلك حينما نتكلم عن أناس ذوي عفة نقول: (في سفر عمال الرسل ص 12) الملاك حينما قرع بطرس على باب البيت وكان مقبوضاً عليه وموضوعاً في السجن بأمر هيرودس، قال الناس في الداخل للفتاة التي كانت تنبئ بحضوره وهم غير مصدقين وفي حيرة: أنه ملاكه. وما العجب في ذلك؟ إن لكل طفل صغير ملاكه الحارس المعين الخاص به. ويقول الرب في الإنجيل: "انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار لأني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات" مت18: 10 وليس وجه الله مرئياً. كيف نرى الكائن غير المرئي؟ لكنها عادة الكتاب المقدس أن يدعو العمل الذي يعمله الله لأجلنا وجهاً. هكذا قال المرتل: "وجهك يا رب اطلب، لا تحجب وجهك عني" (مز27: 8- 9). "أضئ بوجهك على عبدك" مز31: 16، إذاً الملائكة ينظرون أي يتأملون في أعمال الله وعنايته بالأطفال الصغار، فيحفظونهم بسهرهم بعناية ويقظة.
افهمن إذاً أيتها النساء، أي ضرر لهؤلاء الأطفال الصغار تتسببنَ فيه حينما ترسلهم إلى المسارح؟ أنتن تحرمن من تحبينهم من المعونة والحفظ الملائكي، وتعدونهم لنصيبهم خسارة الخبيث. هذا من أعمال الأعداء وليس شأن الأمهات. لنركض إذن كلنا إلى الكنيسة، الشبان والشيوخ، والرجال والنساء، الجميع من كل نوع حتى بذلك نجعل حفظ الملائكة لنا غير مضطرب، وبالأخص باشتراكنا في الأسرار المقدسة التي تتطهر بمقدرتها وتتقوى. حينئذ يبقى الملائكة قريبين ليس فقط لأجل حفظنا، بل إكراماً لسيدهم، ويكونون ثابتين ومواظبين على حفظ أرواحنا وأجسادنا مثل مساكن ملائكية يسكن فيها ملك الملوك.
- الابتعاد عن التناول بحجة الخطية
لا يقل لي أحد: "أني أخشى التناول من الأسرار المقدسة وأفرز نفسي عنها. أن بولس الرسول يستوقفني فعلاً حينما يقول: لأن الذي يأكل ويشرب بدون إستحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب" 1كو11: 29 ولهذا السبب أتقرب بحذر مرة أو مرتين في السنة من المائدة الرهيبة".
قل لي "أهذا تعتبره مانعاً أن يقول بولس الرسول بأن تطهر نفسك كل يوم فتتمتع بهذا الطعام الخالد الذي يجب ألا تأكل وتشرب منه بدون إستحقاق؟ إذا كانوا يذكرونك حينما تذهب لمقابلة ملك بأنه يجب عليك أن تدخل بطريقة لائقة وبمظهر متواضع، فاننا لا نقول انهم بذلك يبعدونك عن مسكن الملوك" بل بالحري انهم يشجعونك على الدخول والتمتع بالكرامة بتقدمك بطريقة لائقة.
وأيضاً حينما تتقرب مرة واحدة في السنة، فأنك لا تتطهر مقدماً لطول السنة، بطريقة لائقة بهذا اليوم الذي فيه تريد أن تتقرب. وإن لم يكن الأمر كذلك فما معنى تفكيرك الخاطئ؟
فانك حينما تكون قد جمعت دنس شهور عديدة وكومت الخطايا، فأنك بالأحرى تتقرب بطريقة غير لائقة. لأن من يتقرب باستمرار، يعرف انه مستعد تماماً لكي يتقدم أمام ملك الملوك ويحييه ويقبله في داخله. فهو يتجنب خطايا كثيرة بكل قوته وكل مقدرته. أما أنت بعد أن تحدد مرة واحدة تتناول فيها ثم تتمتع بعد ذلك، فانك تواجه مهله طويلة، وفي اطمئنان بدون خوف تأتي ما تستمرؤه حتى ذلك اليوم، فلا يكون مدخلاً لملك الملوك، إذ يجد مسكنك مغلقاً.
يجب علينا إذن أن نتطهر على قدر الإمكان ونتقدم باستمرار من الطاهر وحده. أن الشمس تراها العيون السليمة، لكن هذا ليس عاصماً لمن كان نظرهم ضعيفاً، بل هم يحتقرون علاج أنفسهم ويحرمون كلية من ضياء أشعتها.
9- الاشتراك في الذبيحة المُحيية
ألا تعرف أن هذه الذبيحة الروحانية غير الدموية كانت ترمز إليها الذبيحة التي كانت تتم قديماً بواسطة الدم، حينما كانوا كل صباح وكل مساء يقدمونها تكفيراً عن الخطايا؟ فيجب أ، نعرف أنه لا يوجد سوى ذبيحة واحدة هي ذاتها التي كانت حسب الناموس تقدم في الصباح وفي بدء معرفة الله، وهي حسب الإنجيل قد ذبحت حتى نهاية العالم بطريقة روحية أكثر كمالاً. وكانت تدعى أيضاً ذبيحة دائمة بدون انقطاع؟
لو حذا الناس حذوك فتقدموا مرة واحدة في السنة، لكانت الذبيحة بلا تقدمة، ولانقطعت صفة الاستمرار، الكفارة تتوقف، والمذبح يظل بدون خدمة. من يحمل خطية العالم الذي يحتاج إلى التطهير في كل وقت؟ ترى في كم من الأمور غير المقبولة كنا نسقط لو أطعنا ما تمليه عليه خواطرنا الداخلية بدلاً من أن نطيع الناموس.
إذن فلنشغل أنفسنا بالأعمال الحسنة بكل الوسائل، ونشترك في الذبيحة المحيية. لأنه لا يمكن لأحد أن يؤمن ولا يشترك فيها.
من يريد أن يحيا الحياة الحقيقية لا يستطيع أن يحيا بدون أن يستنشق الهواء. فإننا نحن الذين آمنا بالمسيح نحيا به ونتحرك. "فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن اننا سنحيا أيضاً معه" رو6: 8" لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن" رو14: 8. له المجد الدائم إلى الأبد آمين.
المصدر : موقع الانبا تكلا