شَفَتا البارَ تعرِفانِ المَرضِيَّ و أَفْواهُ الأَشرْارِ تَعرِفُ الخَدائع (ام 10 /32)
حياة الأنبا أنطونيوس الكبير و بدأ رهبنته
حياة الأنبا أنطونيوس الكبير
وبدأ رهبنته
تنيح القديس الانبا
انطونيوس عام 356
١- قيل عن القديس
أنطونيوس: إنه كان من أهل صعيد مصر من جنس الأقباط، وسيرته عجيبة طويلة، فلنذكر اليسير
من فضائله: إنه لما توفي والده دخل عليه وتأمله، وتفكر كثيرا وقال: ?تبارك اسم الله،
أليست هذه الجثة كاملة ولم يتغير منها شيء البتة إلا توقف هذا النفس الضعيف؟! فأين
هي همتك وعزيمتك وأمرك وسطوتك العظيمة وجمعك للمال؟ أرى أن الجميع قد بَطُل وتركته،
فيا لهذه الحسرة العظيمة والخسارة الجسيمة?!
ثم نظر إلى والده
وقال: ?إن كنت أنت قد خرجت من العالم بغير اختيارك فلا أعجبن من ذلك، بل أعجب أنا من
نفسي إن عملت كعملك? ? ثم إنه لهذه الفكرة الواحدة الصغيرة ترك والده بغير دفن وترك
كل ما خلفه من مال ونعيم وخدم وحشم وخرج تائها (هائما) على وجهه قائلا: ?أخرج أنا من
الدنيا طائعا ولا يخرجونني مثل أبي كارها? ?
وظلَّ سائرا حتى
وصل إلى شاطئ النهر، فوجد هناك جميزة كبيرة وعندها بربا فسكن هناك ولازم النسك العظيم
والصوم الطويل وكان بالقرب من ذلك الموضع عربان فاتفق في يوم من الأيام أن امرأًة جميلة
الصورة من العرب نزلت مع جواريها إلى النهر لتغسل رجليها، ورفعت ثيابها وكذلك جواريها،
فلما رآهن أنطونيوس حول نظره عنهن وقتا ما ظناً منه أنهن يمضين، لكنهن بدأن في الاستحمام،
فقال لها القديس:
?يا امرأة أما تستحين مني وأنا رجل راهب ؟? أما هي فقالت له: ?اصمت يا إنسان، من أين
أنت راهب؟ لو كنت راهباً لسكنت في البرية الداخلية، لأنه ليس ههنا مسكن رهبان?!
فلما سمع أنطونيوس
هذه الكلمة لم يرد عليها جواباً، وكثر تعجبه لأنه لم يكن في ذلك الوقت قد شوهد راهب
ولا عرف اسمه، فقال لنفسه: ?هذه الكلمة ليست من هذه المرأة، بل هذا هو صوت ملاك الرب
يوبخني?. ولوقته ترك ذلك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية وأقام بها متوحدا، لأنه لم
يكن في ذلك الموضع أحد غيره في ذلك الوقت، وكانت سكناه في قريةٍ عتيقةٍ مندثرةٍ في
جبل العربة، صلاته تكون معنا آمين.
٢- ذكر القديس أثناسيوس
في كتابه ?حياة القديس أنطونيوس? قصة ترك أنطونيوس للعالم هكذا:
بعد وفاة أبيه
وأمه ترك وحيدا مع أختٍ واحدة صغيرة تدعي ديوس، وكان عمره ١٨ أو ٢٠ عاما، فألقيت عليه
مسئولية العناية بالبيت والأخت، ولم يمضِ على وفاة والديه 6 أشهر حتى ذهب ذات يومٍ
كعادته إلى بيت الرب، وفي ذلك اليوم ناجى نفسه وتأمل وهو سائر كيف أن الرسل تركوا كل
شيء وتبعوا المخلِّص(مت 20:4)،
وكيف ُذكر عنهم
في أعمال الرسل أنهم باعوا ممتلكاتهم وأتوا بأثمانها ووضعوها عند أرجل الرسل لتوزيعها
على المحتاجين (أع 34:4-35)، وكيف وضع لهم رجاءٌ عظيم في السماء.
وإذ كان يتأمل
في هذه الأمور دخل الكنيسة، وأثناء قراءة الإنجيل سمع الرب يقول للغني: ?إن أردت أن
تكون كاملا فاذهب وبِع أملاكك وأعطِ الفقراء وتعال اتبعني فيكون لك كنز في السماء?
(مت 2:19)،
وكأن الله قد ذكَّر
أنطونيوس بالقديسين، ممتلكات آبائه، وكانت 300 فدان من أجود الأراضي، لكي لا تكون عثرًة
في سبيله هو وأخته، وباقي المنقولات باعها، وإذ توفرت لديه أموال كثيرة أعطاها للفقراء
محتفظا بالقليل لأخته، دخل الكنيسة ثانية، وسمع الرب يقول في الإنجيل: ?لا تهتموا للغد?
(مت 34:6) فلم يستطع البقاء أكثر من ذلك، بل
أعطى ذلك القليل أيضا للفقراء،
وإذ أودع أخته
لبعض العذارى المعروفات الأمينات لتنشأ في بيت العذارى، تفرغ للنسك خارج بيته محترسا
لنفسه ومدربا ذاته بالصبر، إذ لم تكن هنالك حتى ذلك الوقت أديرة في مصر، ولم يعرف أي
راهب على الإطلاق أي شيء عن البراري البعيدة، بل كان على كل من أراد أن يحترس لنفسه
أن يتدرب على النسك في عزلةٍ بجوار قريته، في ذلك الوقت كان في القرية المجاورة شيخ
عاش عيشة النسك منذ شبابه، وبعد أن رأى أنطونيوس ذلك الرجل اقتدى به في التقوى. وفي
أول الأمر ابتدأ يقيم في أماكن خارج القرية، وبعد ذلك كان كلما سمع عن رجل صالح في
أي مكان خرج يطلبه مسرعا كالنحلة النشيطة، ولا يرجع إلى مكانه إلا بعد أن يراه، فيعود
بعد أن يتزود من صلاح الرجل بالزاد الكافي لارتحاله في طريق الفضيلة.
وإذ أقام هناك
في بداية الأمر صمم على عدم العودة إلى أماكن إقامة آبائه، أو العودة إلى ذكر أقربائه،
بل عقد النية على إكمال النسك. وعلى أي حال فقد كان يعمل بيديه إذ كان قد سمع أن الكسول
لا يأكل (2تس 10:3)، وكان ينفق جزءا لأجل القوت ويعطي الجزء الآخر للفقراء، وكان مثابرا
على الصلاة، عالما أن المرء ينبغي أن يصلي في السر بلا انقطاع (مت 7:6 ، 1تس 17:5)
لأنه كان يتمسك بما يقرأ بحيث لم يسقط منه إلى الأرض شيء مما ُ كتب، بل تذكر الكل،
وبعد ذلك أغنته ذاكرته عن الكتب.
وإذ سلك أنطونيوس
هكذا أصبح محبوبا من الجميع، وكان يخضع بإخلاص لكل من زارهم من الصالحين، وعرف تماما
أين كان يفوقه كل منهم في الغيرة والنسك: لاحظ لطف هذا وصلاة ذاك بلا انقطاع، وعرف
تحرر هذا من الغضب ورقة ذاك. لاحظ هذا وهو يسهر وذاك وهو يدرس.
أعجِب من هذا من
أجل قوة احتماله، وبذاك من أجل صومه ونومه على الأرض. راقب باهتمامٍ وداعة هذا وطول
أناة ذاك، كما لاحظ تقوى الجميع نحو المسيح ومحبتهم المتبادلة ? وهكذا إذ امتلأ كان
يعود إلى مكان نسكه ويجاهد لاكتساب صفات الجميع، وتاق إلى إبراز فضائل الجميع في حياته.
ولم يحاول منافسة نظرائه في السن سوى في أمرٍ واحدٍ، هو أن لا يكون أقل منهم في الأمور
الأسمى، وهذا فعله بحيث لا يجرح شعور أي واحدٍ، بل جعلهم يفرحون به وهكذا عندما رآه
بهذه الحال كل أهل تلك القرية والأشخاص الصالحون الذين تودد إليهم، صاروا يدعونه حبيب
الله، ورحب به البعض كابن وغيرهم كأخ.
استلامه للحياة الرهبانية بيد ملاك
قيل عن القديس
أنطونيوس: إنه ذات يوم وهو جالس في قلايته أتى عليه بغتة صغر نفس وملل وحيرة عظيمة
وضاق صدره، فبدأ يشكو إلى الله ويقول: ?يا رب، إنني أحب أن أخلص والأفكار لا تتركني،
فماذا أفعل؟? وقام من موضعه إلى موضعٍ آخر وجلس، وإذ برجلٍ جالسٍ مقابله وعليه اسطوانة
(أي هالة) ومتوشح بزنار صليب مثال الإسكيم، وعلى رأسه كوكلسة شبه الخوذة، وكان جالسا
يضفر الخوص، ثم قام ذلك الرجل عن عمله
ووقف يصلي، ثم
جلس يعمل أيضا، ثم قام أيضا وصلى، وأيضا جلس يعمل، وكان ذلك الرجل هو ملاك الله أُرسِل
لعزاء القديس وتقويته. فقال له: ?يا أنطونيوس، افعل هكذا وأنت تستريح?.
فلما سمع كلام
الملاك امتلأ فرحا وتعزية، ومن ذلك الوقت اتخذ أنطونيوس ذلك الزي الذي هو شكل الرهبنة،
وصار يصلِّي ويعمل أيضا الضفيرة، ولم يعد الملل يضايقه بشدة، واستراح بقوة الرب يسوع
المسيح له المجد وقيل إن أنبا أنطونيوس هو الذي سلَّم الزي الرهباني للرهبنة بعد أن
رأى الملاك مرتدياً إياه