يا بُنَيَّ، لا تَرذُلْ تَأديبَ الرَّبّ و لا تَسأَمْ مِن توبيخِه (ام 3 /11)
تريزا الأفيلية، طريقة التأمّل وميزاتها - الأب شاهين ريشا الكرملي
تريزا الأفيلية، طريقة التأمّل وميزاتها
الأب شاهين ريشا الكرملي
(دير سيدة الكرمل الحازمية- لبنان)
المقدّمة
قصة القديسة تريزا الأفيلية مع التأمل هي قصة حياة. فيه عاشت واختبرت سرّ الله، وبسببه عانت القلق والخوف والمحن على أنواعها، وعنه حاججت كبار اللاهوتيّين وقضاة محاكم التفتيش، ولأجل ممارسته قامت بإصلاح الكرمل وتأسيس أديارها، ولتعليمه كتبت مؤلفاتها التي نعرف، حتى صار التأمّل مرافقاً لاسم تريزا الأفيليّة. فلا جَرمَ إنْ أعلَنَتْها الكنيسة، بفم البابا بولس السادس سنة 1970، أوَّلَ معلّمةً للكنيسة جمعاء.
وقد ردّّد البابا يوحنا بولس الثاني صدى صيحتها في آفيلا سنة 1982 قائلاً: "إنّ صرخة تريزا ليسوع، من أجل صلاةٍ محورُها المسيح، لا يزال يصلح لأيامنا هذه، ضدّ طرائق في التأمل لا تستلهم الإنجيل، وتهدف عملياً إلى الإستغناء عن المسيح، في سبيل فراغٍ ذهنيٍّ لا معنى له في المسيحية. وأيّةُ طريقةٍ في التأمّل لا تصحُّ إلا بقدر ما تستلهم المسيحَ وتقود إليه، هو الطريق والحقّ والحياة".
أولاً- مصطلحات في الحياة الروحية والتأمل
التأمل كما يقول القديس اغناطيوس دي لويولا، هو إحدى الرياضات الروحية التي "تعدّ النفس وتؤهّبها لقمع ما فيها من الأهواء المنحرفة وللبحث بعد ذلك عن إرادة الله والإهتداء إليها في تنظيم الحياة لخلاص نفوسنا"، وبلوغِ الإتحاد بالله، وهو الغاية السميا لحياة الإنسان على هذه الأرض. وهذه الرياضة تندرج في إطار الصلاة التي يقسمها الدارسون عادة إلى صلاة لفظية وصلاة صامتة.
الصلاة اللفظية Oratio vocalis
تقوم عادةً بتحريك الشِّفاه وإعلاء الصوت بتلاوة صلوات مكتوبة كالمزامير والأبانا، أو بالترنيم فرديّاً أو جماعيّاً، كالإحتفالات الليترجيّة.
الصلاة الصامتة
يلزم فيها المصلّي السكينة والصمتَ، ويكتفي بالإنتباه النفسيّ أو بالتفكير، وللكتّاب الروحييّن في هذا المجال مذاهب، فيقسمونها حسب أحوالها إلى صلاة فكرية أو تأمل أو صلاة عقلية أو تطلّع...
التأملMeditatio
لهذه الكلمة معانٍ عديدة:
حالة من السكينة والصمت، وعزلة في قاعة أو في الطبيعة.
وقت محدّد (ساعة أو نصف ساعة...) يقضي فيه المتأمل قسطاً من الصلاة الفردية الصامتة دون الإشارة إلى مضمون الصلاة، وتشير تريزا إلى هذا المعنى بكلمة Oraciòn.
طريقة في الصلاة تعتمد على التفكير في حقائق إيمانية أو في نص مقروء، أو التبصّر في واقعٍ شخصيٍ باطنيّ ...وهو معنى الكلمة العربية: "تأمَّلَ أي تلبَّثَ في الأمر أو حقَّقَ النظرَ فيه، وتصوَّرّه بإمعانٍ". وقد يدوم هذا العمل طيلة وقت الصلاة، وقد يُطلق عليها أسماء عديدة:
صلاة تفكيرية Oraison discursive
عمل العقل Opération de l’entendement
الإستدلال العقلي Déduction ou Raison Déductive
وقد تدل هذه الكلمة "تأمل" Méditation على قسمٍ من الصلاة الصامتة في أحد مناهج التأمل، يلي قراءة النص ويسبق الحوار العاطفي، فيكون التأمل Méditation جزءاً من الصلاة العقلية.
الصلاة العقلية Oratio mentalis
يتحدّد معناها حسب مفهوم كلمة Mens اللاتينيّة، التي يختلف معناها باختلاف الكتّاب. فهي:
الذهن أي قوة نفسية يمتاز بها الإنسان تؤهّله للتفكير والتحليل، وهي الفكر أو Ratio أيRaison. وتصبح الصلاة العقلية الصلاة الفكرية Oraison discursive أو Méditation.
العقل طاقة نفسية على إدراك الأمور بالحدس Intuition. ويصبح معنى الصلاة العقلية الإدراك الصافي وهو أسمى من التجريد الفكري، وهو قريب من Contemplation par l’intelligence المشاهدة السريعة بالحدس. وهي في متناول الإنسان المتدرّب.
العقلIntellect pur أو القسم الأعلى من النفس، أو جوهر النفس الصافي، أو الروح الذي يمكنه أن يتّحد بالله الروح المحض.
فالصلاة العقليّة هنا هي الصلاة الروحية أو الإتحاد بالله بأسمى حالات اتطلّعContemplation pure وفي هذا المعنى يقول لاريدو:
"وتجدر الملاحظة أنّ النفس ذاتَها التي أُنشِىءَ أو بُثَّ فيها هذا الحبّ، حين تطير، مثلها مثلَ ملاكٍ بالشعلة والزخم النابِعَين من تلك النار التي تُضرمها، لتستكينَ في إلهها، فطَيرانها يُسمّى روحاً، والروحُ نفسه الذي طار، حين يستريح في مشاهدةٍ ساكنةٍ، يُدعى عقلاً. من هنا إن المشاهدةَ البالغةَ السكون والصفاء تُدعى صلاةً عقليةً، أعني صلاةَ النفس وحدَها بجوهرها الماهيِّ الخالص، بمعزلٍ عن قواها الدنيا. من هنا وجب أن نعرفَ أنّ الصلاة العقلية، بالمعنى المطلق والخالِص، هي، دون غيرها، تلك التي، إذا انحبست النفسُ في سكينتها، لا تُدرِك فيها ما تُشاهد. ولأنها تشاهِد في الله وحدَه، والله صلاحٌ لا يُدْرَك، فهكذا، حين تكون النفسُ في سكينتها الضيّقة، تَنشغل بالحبِّ وحده، ولا تُحسِن التفكيرَ في شيءٍ آخر، في احباسها الماهيِّ ذاك، إلاّ في أن تُحِبَّ. ولا بدّ من ان تعرف أنّ في اختلاء النفس المشاهِدة هذا يقوم الرضا الأوفر، والسرورُ الأكبر، والسعادةُ العظمى التي يستطيع الحصولَ عليها أيُّ تطلُّعيٍّ في هذه الحياة".
تطلّع: ترجمة كلمة Contemplation
يختلف مفهوم هذه الكلمة باختلاف الفلاسفة والكتّاب. وتُتَرجَم عادةً بكلمة مشاهدة، وهي النظرة الباطنية الصافية إلى حقيقة روحيّة أو لاهوتيّة.
وقد تتأتّى من تدرّب فكريّ أو من استغراقٍ روحيّ، أو من مبادرةٍ ربّانية. ونترجمها بكلمة تطلّع من "تطلّعه أي نظر إلى طَلعته نِظرةَ حبّ"، وهذا هو المفهوم السائد في مؤلفات القديسة تريزا والروحانية الكرملية، ونَقصِر كلمةَ مشاهدة على الهدف السامي النهائي في مرحلة الحياة الروحية السميا.
فالتطلّع اثنان: إنساني يبلغه العقل بقوته الذاتية، وسامي أي نتيجة مبادرةٍ إلهية تفاجىء الإنسان على غير استعداد، ولا يستطيع بلوغَها بقوته الذاتية.
والصفة "التطلّعي" تُنسَب إلى كلِّ شخصٍ أو شيءٍ يمتْ إلى التطلّع بصلة.
وقد قَصَرنا استعمالَنا على كلمة تأمّل، لنشمل بها مناهج التأمّل الفكرية أو التطلّعية على حدّ سواء، دون تمييز مضمونها الباطني.
ثانياً: طريقة تأمل القديسة تريزا
التأمل الذي مارسته
قبل دخولها الدير، وقبل أن تقرأ تريزا أيّ كتابٍ في التأمل، مارسته دون أن تعرف ما هو، عندما كانت طفلةً تتأمل في عظمة الله وفي سعادة القديسين الدائمة أو عندما كانت تتأمل قليلاً قبل الرقاد في مشهد البستان (سيرة 4،9).
ونظير فتيات عصرها، تعلّمت مبادىء القراءة والكتابة وشغفت بالمطالعة لكنها لم تدرس اللاهوت لتكتسب قدرةً على التفكير والتحليل ونظرة شاملة إلى عقائد الإيمان.
ورغم أنّ الكرمل رهبانيةٌ تطلّعية، محورُ فرائضها "أن يَلْزَم الراهبُ قلاّيته متأمّلاً في شريعة الرب ليل نهار وساهراً في الصلاة" (قانون 6)، لم تأخذ تريزا مبادىء التأمّل عن مرشد، بل اكتفت بما عرفت بواسطة الكتب.
ومع ذلك فقد مارست التأمل في السنتين الأوليين من حياتها الرهبنية، بالطريقة التي فهمتها، والتي تختصرها في التقرير الرابع:"منذ العام الأول، بدأَت تفكِّر في آلام سيدنا يسوع المسيح بواسطة الأسرار وفي خطاياها... إذ انصبَّ تفكيرُها على الخلائق والأشياء التي كانت تستخلص منها سرعة زوال العالم". وطريقتها هذه معروفة في كتب التأمل المختلفة نختصرها بالخطوات التالية:
الاستعداد بالحضور إلى مكان التأمل والتزام الصمت ورسم إشارة الصليب وفحص الضمير والإقرار بالخطايا، كما هو معروف في كتاب ثيسنيروس Cisneros
قراءة في كتاب روحي.
إعمال الفكر في أسرار آلام الرب أو في خطاياها أو في الخلائق أو في سرعة زوال العالم (تقرير 1،4).
هذه الرياضة تُقام ساعتين يومياً صباحاً ومساءً.
نلاحظ أنّ هذه الطريقة التي تقرّ تريزا بأنها كانت تتّبعها، تفتقر إلى ما تلحّ عليه كتبُ التأمل وهو الدعوة إلى أعمال الإرادة برفع ابتهالات وصلوات تعبّر عن حبِّنا لله والشوق إلى الإتحاد به بالتطلّع والرغبة في عمل مشيئته.
كما أنّ تريزا لا تنفكّ تتذمّر من قصورها عن النجاح فيها، وقد سبّبت لها كثيراً من الآلام واليبوسة وتشتّت الذهن والمخيّلة، "إذ تحوّل تأمّلها إلى عذاب دائم".
وسنة 1538 اهتدت إلى ضالّتها. فقد أُخرجت من الدير مريضةً للإستشفاء في منطقة ريفيّة. ولدى مرورها على عمّها التقيّ بدرو في أورتيغوسا Ortigosa ، أهداها كتاب الأبجدية الروحية الثالثة لأوسونا، وقد تكلمنا عليه. وما أن بدأت تطالعه حتى سُرَّت أيّما سرور بهذا الكتاب الذي يحاول تعليم التأمل والإختلاء...
"وعزمتُ على أن أتبعَ بكلّ قواي الطريقة التي يوصي بها" (سيرة 4، 7). "وسرعان ما شرع الرب يدلّلني في هذا الطريق حتى أنه حباني نعمةَ تأمل السكينة وأحياناً تأمل الإتحاد". وهما نعمتان ساميتان جداً في طريق التأمل. فكأن تريزا ارتاحت جدّاً إلى هذه الطريقة التي بدّدت عذابها السابق. ومع ذلك تكتب، في أماكن عدّة من كتاب السيرة، أنها مدة 18 سنة لم تتعلم التأمل ولم تجد مرشداً يفهمها.
لقد أراحت طريقة أوسونا حقّاً الراهبة تريزا إذ وفّرت عليها إعمالَ العقل المرهق "وعقلُها بليد"؛ وألحَّت عليها بممارسة أفعال عاطفيّة، وهذا ما يلائم طبعها كل الملاءمة. لكنَّ التماسَها بإلحاح التعزيات الروحية وحصرَ أمانتها على التأمل بهذه المشاعر الرقيقة وفيضِ الدموع، عندما تتوافر، أضرَّها أيَّما ضرر، إذ جعلها تعاني أوقاتٍ طويلةًُ من اليبوسة والملل مما أقعدها عن متابعة عزمها. فراحت تتراجع، وتنتقل من أُلهوَّةٍ إلى أُلهوَّة (سيرة 1،7)، وتجاري الأخوات في عاداتهنّ، كالمحادثات في قاعة الاستقبال، والحياة المرفّهة والخروج من الدير...ورغم هذا التقلّب ظلّت تحاول العودة إلى التأمل لأن الله لم يحرمها مَن يذكِّرُها بأمانته.
وقدّر لها أن تطَّلع على طريقة التأمل الأغناطية، سنة 1555، عن يد راهب يسوعي شاب هو دييغودي ثتينا Diego de Cetina، وكانت منن الربّ الخارقة قد بدأت تُفاض عليها، وتسبِّب للمرشدين حيرةً وشكوكاً. فأصغى هذا الراهب إليها، وفهم بدقّة ما تعاني فأرشدها بلطفٍ وداية؛ وأشار عليها:
بالعودة إلى التأمل كل يوم في مرحلة من آلام المخلص.
بمقاومة الإختلاء والعذوبات حتى إشعار آخر.
بالتفكير في ناسوت المسيح.
بالطاعة للمرشد.
بممارسة بعض الإماتات البسيطة تدريجياً (سيرة 16،23).
نقطة تحوّل: اختيار التأمل نهائياً
لم يكن سهلاً أن تختار طريقَ تأمل الاختلاء منهجاً روحياً لها ولبناتها ولكلِّ من ابتُليَ مثلها "بذهنٍ بليد ومخيّلة شرود". فإضافة إلى حربها ضد ذاتها لتمارسه، عانت من حرب لمرشدين عليها وعلى "شياطينها"، وحرب محكمة التفتيش على المتنوّرين، وحرب اللاهوتيّين أو "المثقفين" على الروحانيّين، متّهمين إياهم، بكشف أسرار التطلّع العسيرة "لأشخاص بسطاء وزوجات النجارين". وقمةُ هذه الحرب نشرُ لائحة فرنان فلديس التي تمنع الكتب الروحية باللغة الاسبانية سنة 1559، وأكثرها كتب تعلّم التأمل. وأدهى ما في الأمر أنّ الشكوك راحت تحوم حول كلِّ من يمارس التأمل أو يعلّمه أو يكتب فيه.
فما كان موقف تريزا في هذه الحرب، وهل كان يمكنها أن تقف موقف الحياد؟
نقول اليوم إنها خاضت الحرب بعزم وانتصرت لأنّ المحارب فيها هو آخر، وهو مَن اختار لها التأمل الصوفيّ، وكيف؟
بازدياد منن الله لها وخاصة منه رؤية الكاروبيم يطعنها في قلبها ويشعله بنار حبّ لا تطفأ (1560).
بإصرارها ضد معظم مرشديها المشكّكين، على أنّ الظواهر الخارقة فيها هي من الله، لأن كل شيء فيها يدل على ذلك.
بتبنّي إنشاء دير تقف الراهبات أنفسهنّ على ممارسة التأمل بالفقر والطمأنينة.
بإقدامها رغم الصعوبات والمعاكسات على تأسيس دير القديس يوسف في آفيلا حسب القانون القديم لممارسة التأمل وعيش الفقر الشديد.
باستجابة طلب راهباتها في الدير المذكور تعليمَهنّ ممارسة التأمل رغم غضب اللاهوتيّين واختفاء الكتب الروحية عن التداول. فتكتب لهنّ "طريق الكمال"، وتعلّمهنّ التأمل على طريقتها بدءاً بالصلاة اللفظية أي صلاة الأبانا؛ وتحتجّ بشدة دفاعاً عن النساء وعن الكتب التي طالعتها، وعن التأمل. وتقول في صيغة الكتاب الأولى : "هذا الكتاب لن يستطيعوا انتزاعه منكنّ". ولم يضرّ حضورُ المسيح مريمَ أمَّه التي كانت تتأمل فيه ليل نهار: أَوَليست هي أيضاً امرأةَ نجار؟
طرائق ذكرتها في كتبها
إذا كانت مسيرة تريزا في التأمل رغم تقلباتها تتجه نحو الإختزال والتبسيط كما يقتضي الإختلاء والإرتقاء إلى المشاهدة السامية، فإنّ تعليمها يحمل طابع التنوّع والتوسّع؛ وبما أنها تضايقت من منهجيّة الكتب وصرامة المعرّفين، فلم تحرص في كتاباتها على ذكر طريقة واحدة، وإن كانت تبدي إيثارها لهذه على تلك. فنتيجة لاختبارها العميق وماناتها الشديدة فقد آثرت لبناتها الحرّية مع العناء، على طريق منهجيّ سويّ لا يترك لله حريّة العمل. فكيف يمكنه العملُ ورفعُ النفوس إلى الإتحاد به إن أغلقت، هي، في وجهه بابَ اللقاء الحيّ وانحبست في عنادها ورفضت أن تصدِّق أن بإمكان الله صُنعَ المعجزات فيها رغم إنكار الفهماء وحذر المشكّكين ؟ سنستعرض إذاً الطرائق التي ذكرتها في كتبها، ونتوقف بنوعٍ خاصّ عند طريقتها المفضلة.
الصلاة اللفظية
إنه واجب على كل مسيحي أن يمارسها منفرداً أم مشاركاً في جماعة رهبانية أم في رُتَبٍ كنسية. ولكن ما قيمة الكلمات دون انتباه الذهن؟ فإذا حَرَّمَ القضاةُ على الراهبات ممارسة التأمل، فلهنَّ في الصلاة اللفظية مخرجٌ لائق. "يكفي أن نفكّر في مَن يسمعنا ومَن هو أبونا ونفطن إلى ما نقول له حتى تصبح اللفظية تأملاً". والخبرة خيرُ دليل على ذلك. ولهذا السبب تشرح تريزا صلاة الأبانا، كما فعل كثيرون قبلها، بطريقة تُدخِل في التأمل، وتأمل الإختلاء. وتوصي الجميع بالعودة إلى هذه الصلاة من وقت لآخر.
القراءة البطيئة
لقد مارست هي نفسها هذه الطريقة واستفادت منها أية إفادة في أوقات اليبوسة. لا بل إنّ الكتب الروحية تساعد على جمع الفكر والإختلاء. لكن يجب أن تصحبَ القراءةَ الصلاةُ، فنتوقّف من وقتٍ لآخر لنناجيَ الذي يتمُّ لقاؤنا به عبر الكتاب. والأفضل أن يكون كتاباً يحوي تأمّلاتٍ وأفكاراً يستعين بها مَن لا يستطيع التفكير والإستنتاج؛ فالكتاب هنا ركيزةٌ للإنطلاق ودرعٌ ضدّ الكسل والتشتّت.
الصلاة الفكرية
قلّما تشرح الطريقة بترتيب جميع أقسامها، بل تكتفي بذكر ميزتها وفوائدها. "إنها طريقة مفيدة وجيّدة للذين يستطيعون إعمال الفكر"،..."والمثقفون خاصة" (سيرة 4،12)، وتعرضها في صيغ عديدة:
التأمل في أسرار الآلام
"طريقة التأمل التي يجب أن يبدأ بها الجميع ويتابعوها وينتهوا إليها: لنتأمل سراً من أسرار الآلام : يسوع مربوطاً على العامود. فالعقل يمضي باحثاً عن دوافع هذا التعذيب، وعن الآلام والحزن التي عاناها جلّ جلاله في تلك الوحدة، وأمورٍ أخرى كثيرة يمكن أن يستخرجها العقل من هذا المشهد إذا كان يعمل" (سيرة 12،13).
وتنصح "الذين يبالغون في استخدام العقل فيستنتجون من موضوعٍ تصوراتٍ وأفكاراً كثيرةً: ألاّ يقضوا وقت التأملكلّه في التفكير"، بل "فليتمثّلوا ذواتهم في حضرة المسيح، وليناجوه ويُفصِحوا عن سرورهم بقربه دون أن يُجهِدوا العقل ويُتعِبوا أنفسهم بصياغة خطب..." (سيرة 11،13). فليمارسوا النهج حيناً وذاك حيناً آخر.
نلاحظ هنا أنها تحاول شرح الطريقة، وتمزجها من عندها بأسلوب خاص هو الحديث الودّي.
طريقة الدرجة الأولى
"مَن كان في هذه الدرجة...
يمكنه أن يتمثل ذاته في حضرة المسيح،
ويتعوّد أن يهيمَ بناسوتِه المقدس،
ويستحضرَه دائماً
ويخاطبَه،
ويسألَه ما يحتاجه،
ويشكوَ إليه همومَه،
ويفرحَ معه حين يكون مستغرقاً في أفراحه فلا ينساه بسببها،
ولا يحاولْ مخاطبته بصلواتٍ متكلّفة، بل فلتكن كلماتُه مطابقةً لرغائبه وحاداته".
"إنها لطريقة ممتازة للإستفادة منها بأسرع ما يكون. فمن جدّ في العيش بصحبة هذا الرفيق العزيز، وأحسنَ الإستفادة منها، واستمدّ منها حبّاً صادقاً لهذا الربِّ الذي ندين له بالكثير الكثير، تقدَّمَ أيَّ تقدُّم، برأيي، في طريق التأمل" (سيرة 2،12).
"وهذه الطريقة، (بتمثّل الذات في حضرة المسيح وصحبته)، تفيد في جميع الحالات، وهي وسيلةٌ مضمونةٌ كلِّ الضمانة للتقدّم في الدرجة الأولى من التأمل وللوصول في وقتٍ وجيزٍ إلى الدرجة الثانية".
(سيرة 3،12).
طريقة المبتدئين
"...يتعبون في جمع حواسِهم التي اعتادت التشتّت،
وعليهم اجتنابُ رؤيةِ شيء أو سماعِه، أو عملِه، بالأحرى، في ساعات التأمل، بل أن يلزموا الوحدة والعزلة،
ويفكّروا في حياتهم الماضية..."
"وعليهم أن يسعوا للتأمل في حياة المسيح وإن كان ذلك يُتعب العقل..." (سيرة 9،11).
طريقة كالخبز في الطعام : معرفة الذات
"يجب ألاّ تُهمَلَ البتة معرفةُ الذات.
"فتذكُّر خطايانا ومعرفةُ الذات هما الخبزُ الذي يجب أن نتناولَ معه سائرَ الأطعمة، مهما طابت مذاقاً، في طريق التأمل هذا، ومن دونه لا تستطيع النفوس أن تتغذّى". (سيرة 15،13).
طريقة طرح الأسئلة
أعود إلى حديثي عن التأمل بالمسيح مربوطاً إلى العمود فأقول:
يستحسن أن نفكِّر برهة ونتأمل العذابات التي قاساها هناك، ولماذا قاساها، ومَن هو الذي تحمّلها، وبأيَّ حبٍّ كابدها. لكن لا نتعبنّ أنفسنا دائماً في البحث عن هذه الإعتبارات، بل يكفي أن نبقى هناك معه، منقطعاً عقلُنا عن التفكير" (سيرة 22،13).
هذه الطريقة تذكِّرنا بأسئلة توما الكمبيسي، وقد انتقلت إلى كتب التأمل جميعها، ونجدها موسَّعة في كتاب لويس دي غرانادا، وقد أشرنا إليها سابقاً.
طريقة النظر والحديث
"وإذا أمكن فلنُشغل العقل بأن ننظرَ أنه ينظر إلينا، ونرافقه، ونخاطبه، ونسأله، ونتواضع أمامه، ونبتهجَ برفقته، ونقرَّ بأننا لسنا أهلاً لأن نكون هناك" (سيرة 22،13). وقد خصَّت بهذه الطريقة فصلاً من كتاب طريق الكمال.
تأمل مواضيع عامة
"كما أنّ في السماء منازل كثيرة، كذلك هناك طرق كثيرة:
فالبعض يستفيدون من تصوّرهم أنفسهم في جهنم.
ويستفيد البعض ممن يحزنهم التفكير في جهنم، بتصوّر أنفسهم في السماء.
والبعض الآخر يستفيد من التفكير في الموت.
آخرون إذا كانوا رقاقَ القلوب، يتعبون من التأمل دائماً في الآلام ويتمتعون ويستفيدون من النظر في قوة الله وعظمته في الخلائق وفي الحبّ الذي أحبنا به والذي يتمثّل في جميع الكائنات. إنها لطريقة رائعة، إذا لم يُهمَل التأمل في حياة المسيح وآلامه"...(سيرة 13،13).
التأمل بامور السماء وآياتها، وبالله وحكمته العظيمة (سيرة 4،12).
الإعتماد على الكتب
تذكِّرُ راهباتها في كتاب طريق الكمال: "بأنَّ العقول المنظَّمة والنفوسَ الدَرِبَة، القادرة على الإختلاء بذاتها، لديها كتبٌ كثيرة غاية في الإتقان، دبَّجها أشخاصٌ قد يبدو إزاءَهم حماقةً أن تأخذوا برأيي في شأن التأمل؛ فبحوزتكنّ، كما قلت، كتبٌ وُزِّعت فيها، على أيام الأسبوع، أسرارُ حياة المسيح وآلامه وتأملات في الدينونة والجحيم، وفي أننا عدم، وفي كثرة ما ندين به لله؛ وهي ممتازة في تعليمها ونُصحها لبدءِ التأمل وإنهائه. فمن استطاعَ واعتادَ اتّباع هذه الطريقة في التأمل، لا بدّ من الإقرار بأنه، عبر هذا الطريق المأمون، سيفضي به الرب إلى ميناء النور، وحَسَب هذه البدايات الصالحة تكون النهاية؛ وكل الذين يسلكون هذا الطريق يجدون راحةً وأماناً، لأنه إذا ضُبِطَ العقل نسير بارتياح..." (طريق الكمال 1،19)
ملاحظة:
ولدى عرض كل طريقة، تعقِّب القديسة دوماً بأنّ هذه الطريقة صالحة لمن استطاع إعمال العقل، أو بصيغة شبيهة، تبدو معها تريزا كأنها تتحسّر على حرمانها من طاقة عقلها. فلا تخدعنّ بهذه الإعتبارات السهلة، لأن تريزا لم تصف هذه الطرائق إلاّ من باب العرض الواسع الشامل وبغية إيفاء الموضوع حقَّه، ورغبةً في إرضاء مرشديها. قد نظنّ أنها لا تكتب إلا لمن كانوا مثلها "بليدي العقل"، "جهّالاً" أغبياء، بسطاء"...
تأمل الإختلاء
أما إذا أنعمنا النظر في دوافعهما العميقة، وتحرِّينا أسباب اختيارها الصريح لتأمّل الإختلاء لوجدناها ماضيةً في عزمها، صريحةً في مقالها، جادّةً في تحريضها، خبيرةً في تعليمها، غيورةً على إظهار نير الربّ ليِّناً وحملِه خفيفاً. قتريزا لا تعلّم إلاّ ما خَبِرَت، وأفضلَ ما خبِرَت. وأيةُ غايةٍ أفضلُ من الاتحاد الأسمى بالله؟ وأيُّ معلم أفضل ممّن يعلّم الطريقَ الأقصر والأسرعَ إلى هذا الهدف السامي؟ فتأمّل الإختلاء، كما يقول أوسونا، "هو الكريق الأقصر والإستعداد الأسرع لتلقّي محبّة الله وأفضاله، ولأنّ النفس تسمو به أكثرَ نقاوةً وأخلصَ حبّاً لله...بالحبِّ الذي كلما اشتدّ كلّما قلَّت كلماتُه... وبالصمتِ يأتي عظائم" (أوسونا).
مفهوم التأمل عند تريزا
تقول في كتاب السيرة:
"ما التأمل في رأيي، إلاّ حديثُ صداقةٍ نُجريه غالباً على انفراد مع مَن نعرف أنّه يُحبُّنا". (سيرة 5،8).
هو حديث أي حوار وكلمات تُوَجَّه إلى شخصٍ حيٍّ بصيغةِ المخاطَب الحاضِر لا بصورة الغائب؛ هو حوار Dialogue وليس حوار مع الذات Monologue، بل الحاضر يجيب في الأعماق وعندما يشاء.
صداقة: هذا الحاضر أكنّ له حبّاً عميقاً صافياً كحبِّ الصديق لصديقه، فأُحدِّثه بثقةٍ ودالّةٍ وجرأة.
نجريه على انفراد: تعبير عن العزلة المادية بالمكان والأجواء الهادئة، والعزلة الباطنية باستجماع القوى النفسية في موضوع الحبّ أو في ذات المحبوب.
"وهدف الإختلاء هو أن يقودَ النفس إلى هيكل الله الحميم".(P. Marie Eugène)
مع مَن نعرف: هذه المعرفة تتأتّى من الإيمان، ومن الذاكرة التي تعيد إلينا ما صنعه الله لأجلنا بالخلق أو بالفداء,
أنه يحبّنا : وجودُ الله ليس مجرّدَ وجود، بل حضورُ مُحبّ، حضورُ شخصٍ حبيبٍ يحرّك حضورُه أعماق الصديق الوجدانية فيستجيب لنداءِ الحبّ.
برهان عملي
تدافع تريزا عن مفهومها للتأمل ببرهانٍ علميّ. فالفرق الكبير بين الله السامي الجلال والقداسة وبين الإنسان الخاطىء والعدم، يجعل الحوار بين الإثنين شاقاً جداً إن لم يكن مستحيلاً. لكن الأهمّ ليس المساواة المستحيلة بين الله والإنسان، بل أن يتبصَّر الإنسانُ في عِظَم حبِّ الله له، وأهميّة صداقة الإنسان لله. والمبتدىء بحاجة إلى أن يتعرّف الطريقة الأنفع له؛ وذلك كلّه يتمّ في التأمل وبواسطته.
مختصر طريقة الإختلاء
الإستعداد العادي: برسم إشارة الصليب وفحص الضمير والإعتراف بالخطايا ومعرفة الذات والإنسحاق أمام الله.
استجماع القوى: تستجمع النفس قواها جميعاً وحواسَّها المشتّتة وتدخل في ذاتها Entrar en sì مع الله المقيم في داخلها (طريق 4،28).
فقد أعلن المسيح في الإنجيل أنّ الثالوث يقيم في المؤمن (يوحنا 14،23). ومن أفضل الوسائل لاستجماع الفكر: كتابٌ صالح، صلاة لفظية، صلاة الأبانا، ممارسة التناول، صورة جذّابة، إغماض العينين، العزلة، الصمت، تركيز الفكر في المسيح...
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ جميع الطرائق التي ذُكرت، قد تساعد على استجماعِ قوى النفس؛ لكن يجب الإقرار مع تريزا أنّ هذا العمل يفوق عادةً طاقةَ الإنسان البشرية.
تمثُّل الذات في حضرة المسيح
هذه الحقيقة الإيمانية الموضوعية تتمثلها المخيّلة قدر المستطاع، وتعبّر عنها تريزا بأسلوبٍ عاطفيّ إذ تقول:
"إذ نرانا وحدَنا فلنبحث عن رفيقٍ، وأيُّهم أحَبُّ إلينا من صحبة هذا المعلّم الصالح؟".
"وإزاء هذا الحضور تتساءل النفس : مَن هي ؟ وإلى مَن تتكلم، وماذا تطلب، وممّن تطلب؟" ( 1 منازل 7،1).
فالإختلاء الذي تدعو إليه تريزا ليس كسلاً فكرياً، يُفرِّغُ الفكرَ من كل شيء، بل تصويب القوى كلِّها نحو الصديق الذي يجذب إليه القوى الروحية والنفسية كلّها، وكلاًّ منها بطريقتها الخاصة. فالحضور أمام هذا الصديق مدعاة للحوار والمناجاة.
وربما يقتصر تأمل الإختلاء على النظر إلى المسيح ينظر إلينا، وتريزا تحثُّ بناتِها على الشخوص إليه، وتثبيت النظر فيه. وبالتركيز على النظر الباطني يصبح تأمل الإختلاء تطلّعاً. أوَليس التطلّعContemplation، النظر إلى طلعة المحبوب نظرة حب؟ فقد بدأ التطلّع ببدء التأمل والإختلاء، شرط أن نستطيع تحمّل قوة نظر الله.
وليس من الضروري إجهادُ المحليّة كثيراً للقيام بهذا الإستحضار، بل يكفي "انتباهٌ بسيطٌ لطيفٌ إلى الله وحده" (أوسونا). ونلاحظ أنّ هذه الطريقة في تأمل الإختلاء تُدخل الطريقة التريزية مباشرة في إطار التطلّع ممارسةً وغاية.
الحوار الودّي
تأمل تريزا هو وقت الحوار أو الحديث الودّي. فلا فائدة من كل الأعمال السابقة إن لم تبلغ بنا الى الحوار.
"فالتأمل لا يقوم على كثرة التفكير، بل على كثرة الحبّ"، وكل ما يدفعنا إلى أن نُحبَّ أكثر، فلنفعلْه (4 منازل 7،1).
وهذا الحوار قد يتمّ بطريقتين حسب الحالة:
عندما تندفع العاطفة يتم الحوار بيُسرٍ فتسكب النفسُ ذاتَها أمام الله.
وقت اليبوسة تجفّ القريحة. ويجب استعمال العقلِ وطاقاته، والمخيّلة وصُوَرِها كي تتَّقد الإرادة، فتبادر إلى الحوار الودّي.
وفي هذا الباب تندرج طرائق التأمل التي ذَكَرَتْها. قهي وسائلُ إنسانية توقظ الحبَّ ليبادرَ إلى الحوار الودّي. والتامل الناجح ليس الوقت الذي فيه تتحقَّق تأملاتٌ دقيقة أو تَتِمُّ الخطوات العمليّة بحذافيرها، بل ذاك الذي أتاحَ لنا ممارسة حبِّ الله. وأفضل السبل لذلك التأملُ في آلام المسيح.
ممارسة استحضار الله
هذا ما تلحُّ عليه العادات الرهبانية، وهو استمرار أو امتداد للعلاقة الحميمة في أثناء النهار، ومزاولة عناصر الإختلاء وسط الإنشغالات، و "بين الطناجر" كما تقول تريزا، فنتذكر في لحظةٍ عابرة من يصحبنا دائماً، ونعبِّر له عن حبِّنا بفعل إيمان أو بصلاةٍ قصيرة سريعة عُرفت بالصلاة السهمية:Oraison jaculatoire, ou acte anagogique
وتؤكد تريزا أنَّ مَن سلك هذا الطريق يصل بسرعة إلى الغاية أي الإتحاد بالله؛ ولأن الله يُسرع فيفيض نِعَمِه على عبده ويرفعه إليه، "فلا يرفعنَّ أحدٌ نفسه"... أي هنا تبدأ مراحلُ التأمل الفائقة الطبيعة، أو الدينامية الباطنية، التي يطغى عليها عملُ الله؛ وقد برعت تريزا في وصف مراحلها وتقلّباتها وأحوالها وتجاربها.
هنا أيضاً النفسُ بحاجةٍ إلى دليلٍ خبير؛ فكأنَّ هَمَّ تريزا ليس تعليم الإختلاء بل إعداد النفوس إلى تلقّي انسكاب نِعَمِ الله، فتصف التحوّلات بدقة، وتُكثر من النصائح لئلا يضلَّ أحدٌ في مجاهل هذا الطريق. فإلى هذه المعلمة نقودُ القارىء بدورِنا، ونُنهي بحثَنا بميزات طريقة التأمل التريزية.
ثالثاً – ميزات طريقها في التأمل
إنها الخبرة الشخصية
الكتّاب الروحيّون كلّهم، يدوِّنون في كتبهم ما اختبروه. لكن قلّما اجتمعت، في شخصٍ واحد، خبرة صوفية عميقةٌ وغنية، وموهبةٌ أدبيةٌ رفيعة، وطاقةٌ بشرّية على التربية وجذب النفوس كتلك التي اجتمعت في تريزا.
لذلك يُمكننا التمييز بين أن يعلّم المعلّم طريقةً ويرتِّبَها نظاماً فكريّاً أساسُه الحقيقة والمنطق، وأن تضعَ تريزا بكلِّ صدقٍ وعفوية، وغيرةٍ رسولية، شخصَها نفسَه، وحياتَها نفسَها، وخبرَتَها نفسها طريقةً في التأمل تَصلُحُ لجميعِ الناس، والبسطاءِ منهم على الأخص.
طريقتها في التأمل ليست مبتكرة
لقد ذكرت في كتاباتها طرائقَ كثيرة استقت تفاصيلها وموضوعاتها من الكتب التي طالعتها لتتعلَّم عليها ممارسةَ التأمل أو للتقدم في الحياة الروحية.
وما تأمل الإختلاء إلا ما يدعو إليه أوسونا في كتابه الأبجدية الروحية، وما تُدخل تريزا عليها من تعديلات مناسبة. وهذا لا يضيرها، إذ سُرَّت به أيَّما سرور، لأن هذا التأمل كان يلائم طبعها.
طريقتها تلائم طبعها
لقد أقرَّت بكل صراحة، أنّ طرائق كثيرةً في التأمل مارستها فأوقعتها في عذاب دائم. فلا نعجبنَّ إن فتَّشَت عن طريقةٍ تلائمها وطارت من الفرح يوم وجدتها في كتاب أوسونا.
ولما جلست بدورها معلِّمةً دعت كل متأمِّل إلى اختيار الطريقة التي تلائم طبعه، والموضوعَ الذي يرتاح إليه، بكلِّ حرية وفرح. أليس ذلك أساساً لاختيار الدعوة الخاصة بفرح، إن تبيّنّا أنَّ طريقة التأمل تحدِّد الدعوةَ المسيحية؟
الحرية في اختيار المنهج واتّباعه
مع تشديد القديسة تريزا في تعليمها على اختيار الطريقة بحرّية تتلاءم والطبعَ الفرديّ، تدعو إلى تعلّم الطريقة بدقّة، كي لا يبدأ السائر طريقه بالتردّد والضياع، فالمنهج يحمي من العفوية المتقلّبة والإستسلام للأنانية الذاتية، والإلحاح على التعزيات الخارجية ومظاهر الورع. لكنه قد يصبح عائقاً أمام الغاية.
فاتِّباع المنهج بصرامة قد يخفي قلَّة اكتراثٍ لعمل الله ولتحوّلات النعمة في النفس. لذلك يدعو الكتّاب الروحيّون، وأصحابُ المناهج إلى التخفيف من هذه الصرامة حسب الأوقات والأطباع والأحوال الروحيّة والصحيّة. أما مقياس تريزا لهذه الحرية أمام تقنية المنهج فترتبط:
بالطباع المتقلّبة
بالتحوّلات الروحية
وخاصة بحريّة عمل الله التي تفوق أيَّ تصوُّر وقد تعاكس أيَّ انتظار. وهنا تبدو تريزا حازمةً في تأكيدها على عبثيّة التقنية أمام حرية الله المطلقة. فالطريقة هي استعداد شخصيّ، أمّا علم الله فمِنَّةٌ مجانية غير مشروطة.
الخبرة مقياس الحقيقة
كان الإختلائيون، أمثال أوسونا ولاريدو، يدعون إلى التخلّي عن الجسديّات ومنها ناسوت المسيح، من أجل الإرتقاء إلى المشاهدة الروحية الخالصة. ولما حاولت تريزا تطبيق هذا التعليم مُنِيَت بخيبة أمل، وتضايقت من الملل والفراغ. فكتبت تدافع بقوة خبرتها عن خطورة التخلّي عن ناسوت المسيح وضرورة التأمل بالآلام.
ورغم أنها لم تكن تستطيع الإعتماد على قوة الإدراك للتفكير في حقائق الإيمان أو "لاستنباط أفكارٍ من أخرى"، إلا أنها نقضت فكرة إسكات العقل، وعدم التفكير في شيء، كما فَهِمَتها، كي يرفعَ الإنسانُ نفسَه إلى التطلّع السامي برغبةٍ شخصية، فقد خبرت في نفسها أنَّ هذه الرغبة والمحاولة عديمةُ الجدوى، وتنطوي على كبرياء وطموحٍ لا يوافق التواضع ومعرفةَ الذات والإنقياد لعمل الله السرِّيّ في النفس.
الليونة لا الصرامة
قد تبدو الليونة التي تدعو إليها تريزا نتيجةً عادية لافتقارها إلى الثقافة اللاهوتية، والدقَّة في استعمال التعابير الروحية والصوفية في وصف حالات النفس أو قواها أو عناصرها، فنخالها أحياناً غموضاً فكرياً أكثر منه موقفاً تربوياً رصيناً.
لكنَّ ما عانته من صرامة المعلّمين، كتّاباً أو مُرشدين، كفيلٌ بردعِ تريزا، وقد صارت هي معلِّمة، عن أن تدعوَ إلى الأسلوب نفسه. فقد دعت بصراحةٍ إلى اعتماد ما يلائم النفس، وحالاتها، وإعطائها عطلةً من وقتٍ لآخر أو "يومَ أحد"؛ وكما ألحَّت في اعتماد التفكير في البداية والنهاية، كذلك دعت إلى الإنقياد لعمل الله الحرّ في كلّ نفسٍ بتواضعٍ وجرأة؛ لأنّ الليونةَ تلائم ملاءمةً أوفر عملَ الله، كما أنه لا فائدة من مقاومة عمله متى أراد أن يرفع النفس إليه.
الغاية من التامل هي التطلّع
لا يمكن ان يكون للمتأمّل التريزيّ هدفٌ آخر، فميزتها السابقة تحتِّمه. فإذا قادها تأمل الإختلاء إلى اختبار سرّ الله بالتطلّع، فهذه هي غاية التأمل الذي تعلِّمه. ألم تدعُ إلى جمع مرتا ومريم، الحياة العملية والحياة التطلّعية؟ (المنازل السابعة 13،4). والوسائل التي تضعها في متناول القارىء هي الأنجع للوصول إلى هذا الهدف: أي النظر إلى الحبيب بحبّ.
وماذا تطلب تريزا من بناتها ؟ فلنسمعها تقول:
"لا أطلب إليكنّ الآن، أن تفكِّروا فيه (الله) أو تستنبطوا خواطر عديدة أو أن تكدّوا الذهن في اعتبارات عميقة أنيقة: لا أطلب إليكنّ أكثر من أن تشخَصْنَ بأبصاركنّ إليه. فمن يمنعكنَّ من أن تحوِّلن أعين النفس، ولو لطرفة، إن لم تستطعن أكثر، إلى هذا الرب؟ (طريق 26).
فمنذ بدء التأمل تضع تريزا بناتها في اول درجة من التطلّع، وتسير بهنّ بالطريقة عينها إلى أعلى درجاته، او بالأحرى، تضع القارىء في حالة استعداد لأن يرفعه الله إلى الإتحاد به.
وهذه الطريقة تختلف عن أية طريقة فكرية أخرى. فطريقة التأمل الأغناطية، مثلاً، تلحّ على العمل ومراجعة الأعمال والإستعداد لأعمال جديدة.
أما تَمَثّل المسيح، وتصوّره والنظر إليه، كما تدعو تريزا، لا يهدف إلى استجماع الفكر كي يوغل المتأمل في التحليل والإعتبارات والتصوّرات، بل إنّ التفكير والإعتبارات والتصوّرات هي قاعدةٌ لينطلق المتأمل إلى نظرة الحب؛ ومتى تحرّكت العاطفة واندفع الحوار الحبّي يتوقّف الجهدُ الفكريّ وسائرُ قوى النفس.
"العزم العازم"
مهما كانت الطريقة في التأمل، فالأهم الأهم هو "العزم العازم" على :
الدخول في علاقة حيّة مع الله،
الرغبة الشديدة في حبّ الله،
اختيار التأمل مهما كلّف الأمر (طريق 2،21)
قبول مسبق بكلّ التحولات المحتملة.
فالتأمل هو باب الدخول إلى القصر الملكي، حيث يقود الله النفس الأمينة حتى مُخدّعِه السّريّ في أعمق أعماق النفس، بطرائق تلائم النفس، لكنها تختلف بين نفسٍ وأخرى.
خاتمة
كان بودِّنا أن نبيّنَ في هذا البحث موقع القديسة تريزا بين معلّميّ التأمل السابقين واللاحقين.
لقد أشرنا إلى السابقين لماماً، لضيق اطّلاعنا، وأوجزنا ما أخذت عنهم تريزا علما وخبرةً وتعليماً.
ورغم أن كتاباتها موجّهة إلى بناتها الراهبات أو إلى مرشديها، إلا أنّ قوة الحياة الإلهية المتدفّقة في شخصيّتها، طبعت أسلوبها بجاذبية شديدة وتأثير عميق فاق تأثير معلّميها. وقد يسمح ما أوجزناه عن ميزاتها من استيضاح مدى هذا التاثير في الكتّاب اللاحقين أمثال القديسين يوحنا الصليب، وفرنسيس السالسي وألفونس دي ليغوري وغيرهم.
وأمنيتنا أن نسهم في إيقاظ الهمّة لتفهّم روح تريزا، وفي دفع الكثيرين إلى "العزم العازم" على الدخول في علاقة حميمة مع الله القائم في أعمق أعماق النفس.
ونختم بمديح القديس بونا فنتورا للتأمل، وقد أوردها لويس دي غرانادا في كتاب الصلاة والتأمل. (1554):
"إن أردت أن تتحمّل بصبر دواهي الحياة وبؤسها، فمارس التأمل.
وإن أردتَ أن تكسبَ فضيلةً وقوةً لقهر تجارب العدو، فمارس التأمل.
وإن أردت أن تُميتَ في فضيلتك جميعَ أهوائِها وشهواتِها، فمارس التأمل.
وإن أردت أن تتبيّن حيلَ الشيطانِ وتأمَنَ حبائله، فمارس التأمل.
وإن أردت أن تعيشَ بفرح وتسير بدعةٍ في سبيل التوبة والعمل، فمارس التأمل.
وإن أردتَ أن تنفضَ عن نفسك لحاجة ذبابات الأفكار الباطلة والهموم، فمارس التأمل.
وإن أردت أن تغذِّيً نفسك بنعمة التقوى وتملأها دوماً بصالح الأفكار والرغبات، فمارس التأمل.
وإن أردتَ أن تشدِّدَ قلبَك وتثَبِتَه في سبيل الله، فمارس التأمل.
وأخيراً، إن أردتَ أن تجتثَّ من نفسك كلّ الرذائل، وأن تزرعَ في مكانها الفضائل، فمارس التأمل، لأن به تقتبل مَسحة الروح القدس ونعمتَه، وهو يعلِّم كل شيء.
وعلاوة على ذلك، إن أردت أن ترتقيَ إلى سمو المشاهدة، وتتمتع بعذوبة لقاء العريس، تمرّس بالتأمّل لأنه الطريق الذي ترتقي النفسُ به إلى المشاهدة ومتعة الأمور السماوية".
ملحق
يقول أوسونا في مقدّمة الأبجدية الروحية الثالثة، في موضوع المسيح والمشاهدة الكاملة:
"...إذا كانت الخلائقُ كلُّها سلّماً كي ترتقيه أقدامُ الحكماءِ صعوداً إلى الله، فإنّ ناسوتَ المسيح الأقدس لهو أكثرُ من ذلك (سلّم)، لأنه طريق، وحقٌّ، وحياةٌ، وهو جاءَ لتكونَ لنا حياةٌ، وحياةٌ أوفر (يوحنا 10،10)، حتى إذا ما دخلنا في لاهوتِهِ وخرجنا إلى ناسوتِه الأقدس، نجِد مَرعى".
"وإنه لسرٌّ أن تُرَتِّلَ الكنيسةُ أننا نعرف الله معرفة بصريةً لِنُخْتَطَفَ بالحبِّ عن الأشياء المرئية. فإذا كانت الأشياءُ الأخرى المرئيّةُ تدفعنا إلى حبِّ الله وتطلُّعِهِ، فإنّ ناسوتَه الأقدس يختَطِفُنا، وقد يُرغِمُها على ذلك. ولهذا يُقال عن المسيح في حزقيال النبي (9،3) إنّ له جبهةً كالماس، وهو جذّابٌ، وكالصوّان يُوقِدُ، بقدحةٍ صغيرةٍ من التأمل، نارَ حُبٍّ تشتعلُ بها القلوب الذابلةُ والمستعدةُ لاستقباله".
"...ولئن كانت الأشياءُ التي رأيتَ حقيقةً كلَّ الحقيقة، فإنه مكتوبٌ أنّ الذين يريدون الوصول إلى المشاهدة الأسمى والأصفى يناسبهم أن يتخلّوا عن الخلائق وعن الناسوت ليرتقوا إلى مزيدٍ من السموّ ويتلّوا تلَقِّياً كاملاً كاملاً الإتصال بالأشياء الروحية الصِّرف، وفق ما يقول القديس قبريانوس :"إنّ ملءَ الحضور الروحيّ ما كان لتحقّق ما دام حضورُ المسيح الجسدي كان ملازماً لامتثال الجسدِ الرسولي".
"...فما دام أنّ الرسلَ وافَقَهُم التخلّي، لبعضِ الوقت، عن تطلُّع ناسوتِ الربّ ليتفرّغوا تفرُّغاً تامّاً إلى تطلّعِ لاهوته، فيبدو هذا الأمر مناسباً أيضاً، لبعض الوقت، للذين يرغبون في الإرتقاء إلى حالةٍ أسمى، لأن الناس، على العموم، لا ينتقلون من الحالة الناقصة إلى الحالة البالغة الكمال، دون أن يمرّوا بالحالة الوسطى وهي الحالة الكاملة".
ويقابله لدى القديسة تريزا المقاطع التالية:
البحث عن الخالق عبر المخلوقات
لا شك في أن الإبتعاد عمّا هو جسدي يجب أن يكون صالحاً، إذ إنّ كثيرين من الروحانيّين يؤكدون الأمر. غير أنّ النفس، في نظري، يجب أن تكون متقدمة جدّاً، إذ من الواضح أنه، قبل بلوغ هذه الحالة ، يجب أن نبحث عن الخالق عبر المخلوقات. وهذا كلّه حسب النعمة التي يمنحها الربّ كلَّ نفس؛ وأنا لا أتدخّل فيه. ما أودّ تبيانه أنّ ناسوت المسيح المقدّس يجب أن لا يدخل في هذا الحساب. ولتُفهم جيداً هذه النقطةُ التي أودُّ أن أُحسِنَ جلاءها.
محاذير الإبتعاد عن ناسوت المسيح
عندما يريد الله أن يعطِّلَ القوى كلَّها، كما رأينا في أنماط التأمل التي تحدَّثنا عنها، فمن الواضح أن يفوتَنا هذا الحضور على رغمنا. وعندئذٍ نِعْمَ الفَوات ! ما اسعَدها خِسارةً لتزداد مُتعتنا بما نخالُ أننا خسرناه، لأنّ النفسَ، عندئذٍ، تجتهد بكلّيتها في أن تُحبَّ مَن كَدَّ العقلُ في معرفته، وتحبّ ما لم تفهمْه، وتستمع بما لم يكنْ لها أن تستمتعَ به بهذا القَدْرِ لو لم تخسرْ ذاتها، كما قلتُ، لتربَحَها في حال أحسن. أما ما لا أراه حسناً فأن نتعوَّدَ، بعنايةٍ وبراعةٍ، على أن لا نحاول بكلِّ قِوانا استحضارَ هذا الناسوت المقدّس (جعلَه الربّ حاضراً دوماً)؛ فإنّ النفس في هذه الحال تعيشُ في الهواء، كما يقولون إذ كأنها لا تجد لها سنداً مهما تصوّرت ذاتَها ممتلئة من الله. وإنه لأمرٌ عظيمٌ، ما دُمنا بشراً نعيش على الأرض، أن نأتيَ بسندٍ بشري. هذا هو المحذورُ الثاني الذي تحدّثْتُ عنه؛ أما الأول، فقد قلتُ إنه قِلَّةُ التواضعٍ من النفس إذ تريد أن ترتفعَ قبل أن يرفَعَها الربّ، ولا تكتفي بأن تتأمّل موضوعاً ثميناً كهذا الموضوع، وتودُّ لأن تكون مريمَ قبل أن تكون قد عملت مع مرتا. عندما يريدها الربّ أن تكون كذلك، ولو من اليوم الأول، فلا خوف عليها؛ لكن علينا، نحن، بالإعتدال، كما سَبق وقلتُ، على ما أظن. إنّ شائبةَ قلّةِ التواضع هذه، ولو بدت غير ذاتِ بالٍ، تُحدِثُ أذى كبيراً يعوق التقدُّم في التطلّع. (كتاب السيرة 22).
حذار الهرب من ناسوت المسيح، مثل مريم
أعتقد أن قد صار مفهوماً كم يناسبهم، مهما بلغت روحانيّتهم، أن لا يُمعِنوا في الهرب من الأشياء الجسميّة وكأنَّ ناسوتَ المسيح الكليّ القداسة يؤذيهم. وهم يحتجّون بما قاله الربّ لتلاميذه أن خيرٌ لهم أن يذهب. لست لأطيق هذا. فمن المؤكَّد أنه لم يقل هذا القولَ لأمِّه الكليّة القداسة لأنها كانت راسخةً في الإيمان، وتعرف أنه إلهٌ وإنسان، وهي، وإن كانت تُحبُّهُ أكثر من حبِّهم إياه، فقد كان حبُها كاملاً أيّ كمال فيقوّيها. وما كان الرسل آنذاك راسخين في الإيمان رسوخهم فيما بعد، وكما يجدر بنا أن نكون الآن راسخين. أقول لكنّ، يا أخواتي، إنني أعتبر هذا الطريق خطِراً، وإن الشيطان قد يبلغ به الأمر أن يُفقدكُنَّ التعبُّد للقربان الأقدس
(المنازل السادسة 14،7)
___________________________
المصادر والمراجع
بالعربية:
تريزا الأفيلية – كتاب السيرة (بيروت 1986)
تريزا الأفيلية – المنازل (بيروت 1991)
أ. تانكيريه – خلاصة التصوّف المسيحي، ترجمة يوسف فرج، 3 أجزاء. المطبعة الكاثوليكية (يروت 1956).
بالأجنبية:
TERESA DE JESUS- Obras, Ed. BAC, N 212, Madrid, 1979,6 édition.
TERESA DE JESUS- Obras Completas, Ed. Monte Carmelo, Burgos, 1978, 5 édition.
Misticos Francescanos- Ed. BAC, N 38- 44- 46, Madrid
Francisco de Osuna- Tercer Abecedario Espiritual, Ed. BAC, N 333, Madrid 1972
Malquiades ANDRES- La Teologia Esapnola en el siglo XVI, 2 vol.,Ed. BAC, SM N 13-14, Madrid 1976.
Maximiliano Herraiz- La Oracion, Pedagogia y proceso, Ed. Narcea, Madrid 1985.
William Johnston- La musica callada, Ed. Paulinas, Madrid 1980.
Gabriele di Santa Maria Maddalena, OCD, Santa Teresa, Maestra di vita spirituale, Lib. Pont., Milano 1935.
AA.VV. L’Orazione mentale, Ed. Teresianum, Roma 1965.
AA.VV. Santa Teresa Maestra di Orazione, Ed. Teresianum, Roma 1963.
Jesus Castellano, Spunti di dottrina teresiana, Ed. Dominicane Italiane, Napoli 1970.
La Meditazione cristiana, Congregazione della dottrina della Fede, Roma 1989.
Emmanuel RENAULT, La manière d’oraison thérésienne, in RHS, 51 (1975) pp. 43-72.
P. Marie-Eugène, OCD, Je veux voir Dieu, Ed du Carmel, Tarascon 1979, 2 ed.
Dictionnaire de Spiritualité, art. : Osuna, Oraison, Méthodes, Méditation,Cisneros.