لا ينجو المَلِكُ بِجيشه العَديد و لا يُنقَذُ الجَبَّارُ بِبَأسِهِ الشَّديد ( مز 33 /16)
حياة الفضيلة و البر ((9)) - الثمر - قداسة البابا شنودة
حياة الفضيلة و البر ((9))
قداسة البابا شنودة
الثمر ... في حياة الفضيلة والبر
الحياة الروحية لابد أن يكون لها ثمر فى حياتنا بل وفى حياة الآخرين أيضا .
وقد اهتم الرب بهذا الثمر أنا الكرمة الحقيقية وأبى الكرام. كل غصن فى لا يأتى بثمر، ينقيه ليأتى بثمر أكثر... أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذى يثبت فى وأنا فيه هذا يأتى بثمر كثير (يو 15 : 1 - 5 ).
ووصية الإثمار موجودة من بدء الخليقة، إذ قال الرب:
«أثمروا وأكثروا، واملاوا الأرض» (تك ا : 28 ).
وان كانت هذه الآية تتعلق بالإثمار الجسدى أى التوالد، إلا أنها من الناحية الرمزية يمكن أن نتناولها بمعنى روحى... كأنها دعوة إلى المؤمنين أن يثمروا روحيا ويكثر عملهم الروحى حتى يملاوا الأرض...
وفى قصة الخليقة يقول سفر التكوين أيضا أن تنبت الأرض شجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه " شجرا يعمل ثمرا بذره فيه كجنسة" (تك ا : 1 ا . 12 ).
إذن ينبغى أن يكو ن كل منا شجرة مثمرة فى جنة الرب، شجرة ذات ثمر، تمنح ثمرا بذره فيه كجنة...
ومادمنا أشخاصا روحيين، إذن لابد إن يكون ثمرنا روحيا، وليس جسديا .
فالكتاب يقول "من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادا . ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياة أبدية"(غل 8:6 ).
وهكذا يحدثنا الكتاب عن ثمر الروح.
فيقول: وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام،
طول اناة، لطف صلاح، إيمان، وداعة تعفف (غل 22:5 : 22 ).
ويشدد الكتاب على أهمية الثمرة، وعقوبة من لا يثمر، فيقول: كل شجرة لا تصنع ثمرا، تقطع وتلقى فى النار .
هذا قاله السيد المسيح فى العظة على الجبل (مت 7 : 19 ).
ونفس الكلام قاله أيضا يوحنا المعمدان: والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجرة. فكل شجرة لا تمنح ثمرا جيدا تقطع وتلقى فى النار ( 3 :1 )
وقد لعن الرب شجرة التينة التى ليس فيها ثمر (مت 19:21 ).
الثمر الجيد
شدد الرب على اهمية الثمر الجيد، وقال اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها
جيدا لأن من الثمر تعرف الشجرة (مت 12 : 33 ) وقال:
من ثمارهم تعرفونهم (مت 7 : . 2 ).
كل شجرة جيدة تصنع أثمارا جيدة. وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثمارا ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تمنح أثمارا ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارا جيدة
(مت 17:7 . 18 )..
«لأنم لا يجنون من الشوك تينا، ولا يقطفون من العليق عنبا»(لو 43:6 . 44).
قال الرب عن الأرض الجيدة إنها أذأعطت ثمرا: بعض مئة وأخر ستين وأخر ثلاثين (مت 13 : 8 ).
من تواضع الرب أنه ذكر الثمر الذى أعطى ثلاثين... طوبة لأنه ثمر، ولو أنه قليل... إذن لابد أن تعطى ثمرا ولو قليلا...
وماذا يصنع الرب إن وجدك تعطى ثمرا ولو كان قليلا؟: يقول إنه:
ينقيه ليأتى بثمر أكثر (يو 15 :2).
إذن لابد أن تكون أرضك جيدة، وتعطى ثمرا. وماذا أيضا, يقول الرب:
«أنا اخترتكم وأقمتكم، لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم»(يو 15 : 16 ). ومع دوام هذا الثمر، ينقيه الرب ليأتى بثمر أكثر. إذن ينبغى أن يكون لك ثمر دائم، غيرمنقطع
وما أبشع الصورة التى رسمها القديس يهوذا غير الأسخريوطى، إذ قال :
«أشجار خريفية ، بلا ثمر ميتة» (يه 12 ). فاعتبر ان الشجرة التى بلا ثمر هى شجرة ميتة... ولقبها بشجرة خريفية، أى من النوع الذى يتساقط ورقه فى الخريف.
ولذلك حسن قيل عن الشجرة الجيدة فى المزمور الأول
«تعطى ثمرها فى حينه، وورقها لا ينتثر» (مزا : 3 ).
في حينة اي لاتتاخر في العطاء الثمر او حينة بمعني ان يعطي الثمر في وقتة المناسب ...ولماذا وصف الشجرة بهذا الوصف الجميل ؟ يقول لانها مغروسة علي مجاري المياه ... وهنا نتحدث عن عوامل الاثمار
عوامل الإثمار
1 - لكى تعطى الشجرة ثمرا، لابد أن تكون الأرض جيدة، وهذا ما قاله الرب فى مثل الز ارع، فقال عن البزار «وسقط البعض على أرض جيدة فأعطى ثمرا...» (مت 8:12 ). فلا تكون الأرض محجرة، على الطريق ولا مملوءة بالاشواك، ولا ضحلة بغير عمق، كما ورد فى المثل...
فالكلام الذى قاله الرب للشاب الغنى، لم يقع على أرض جيدة، وانما على نفسية محبة للمال، لذلك سمع الشاب الكلام «ومضى حزينا» (مت 22:19 )... بينما نفس العبارة سمعها فى الكنيسة شاب أخر غنى، ولكن أرضه جيدة، فمضى وباع كل أملاكه ووزع المال على الفقراء. وصار له ثمر كثير.. عشرات الآلاف من الرهبان ومن النساك، تبعوا طريقه، وسلكوا مثلة، لأن بذره كان يصنع ثمرا كجنسه (مك 11:1 ).
الأرض الطيبة تعنى أن الإنسان يميل إلى الخير بطبيعته، يقبل كلمة الرب بفرح وباستعداد للعمل، ويعطى ثمرا.
أما الأرض المحجرة، فتمثل القلب القاسى الذى لا يتأثر بسرعة وربما لا يتأثر إطلاقا، مهما سمع من عظات، ومهما قرأ من كلام روحى.
لذلك يقول الرسول عن نداء الله فى القلب «إن سمعتم صوته. فلا تقسوا قلوبكم»
(عب 8.7:2 ).
الأرض الطيبة. تكون من الداخل غير محجرة ومن الخارج لا تحيط بها الأشواك وتخنق زرعها.
سليمان الحكيم كان أرضا طيبة. ومع ذلك أحاطت به الأشواك، أعنى زوجاته الأجنبيات غير المؤمنات «اللائى أملن قلبه وراء ألهة أخرى»، فلم يعد قلبه كاملا أمام الرب وأخطأ كثيرا، وأقام مرتفعات لآلهة الأمم»(امل 4:11 : 8).
وشمشون فى أول حياته ،ابتدأ روح الرب يحركه (قض 25:12 )، وحل عليه روح الرب (قض 6:14 ). ثم أحاطت الأشواك بهذه الأرض الجيدة أعنى صاحبته دليلة، حتى فقد نذره وقص شعره، وقلعوا عينيه، صار يطحن فى بيت السجن (قض 21:16 ). وقيل وقتذاك «إن الرب قد فارقه».
2 - ومن عوامل الإثمار أن يتمتع الشجر بالغذاء والري.
ومن أمثلة هذا الغذاء، ما قيل عن الشجرة التى لم تصنع ثمرا ثلاث سنوات اتركها هذه السنة أيضا حتى أنقب حولها وأضع زبلا: فإن صنعت ثمرا، وإلا ففيما بعد تقطعها (لو 8:13 . 9 ). والزبل هو من أجود أنواع السماد البلدى. إن كل إنسان يحتاج إلى غذاء روحى لكى يثمر...
كذلك التأملات الروحية، والتداريب الروحية، والصلاة والتناول من سر الإفخارستيا المقدس... لقد قيل عن الشجرة التى لا تعطى ثمرها فى حينه «إنها مغروسة على مجارى المياه»، والماء يمثل عمل الروح القدس فى القلب (يو 38:7 ). إنه الماء الحى الذى يروى النفس.
«الذى يثبت فى وأنا فيه، هذا يأتى بثمر كثير... إن كان أحد لا يثبت فى، يطرح خارجا كالغصن، فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار، فيحترق» (يو 4:15 - 6 ).
تثبت فى الله معناها أن تثبت فى محبته (لو 9:15 )، ومعناها أيضا أن تشترك مع روحه فى العمل، فتدخل فى شركة الروح القدس ( 2 كو 14:12 ).
فهل حياتك الروحية مغروسة على مجارى المياه؟
وهل باستمرار تمتص من الله الماء الحى (أر 2 )
هل تأخذ منه الماء الذى وعد به المرأة السامرية؟ (يو 4 : « 1 . 11 )
هذا الماء الذى ينبع إلى حياة أبدية»... وهل أنت مستمر على غذ ائك الروحى، لا ينقطع عنك بل تنمو به نفسك... وماذا أيضا.
3 - لكى تعطى الشجرة ثمرا، لابد أن تمنع عنها الآفات سواء الآفات الحشرية، أو الأعشاب المتطفلة المؤذية، أو الأمراض الزراعية» وهكذا تتنقى الأرض ويتنقى الشجر، فيثمر ولا يتلف ثمره...
افحص نفسك، ما هى الآفات التى تعطل ثمرك الروحى؟
وهل أنت تلاحظ نفسك، وتحرص أن تتنقى باستمرار من هذه الآفات سواء كانت أخطاء روحية أونفسية أوفكرية، أوعادات مسيطرة عليك أوصداقات تجرك إلى أسفل... وتذكر قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إذ كنت تبنيه وغيرك يهدم ؟!
ما فائدة أن تعطى أرضك الطيبة غذاءها الروحى، ثم يأتى الطير فيلتقط ثمرها، أوتحل عليه لطع تفسد الثمر. أو تدخل الديدان فتأكله أو تتعرض لقول الكتاب إن :
" المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة " (اكو 33:15 ).
فهل تتعرض إلى عثرات تفسد كل تأثيراتك الروحية؟
لابد أن تموت نفسك عن كل أمور العالم، وكما يقول الكتاب عن حبة الحنطة إنها إن ماتت تأتى بثمر كثير (يو 24:12 ).
ثمار متعددة
هناك أنواع كثيرة من الثمر فى حياة الإنسان: بعضها نافع له والبعض غير نافع.
هناك ثمر عقلانى، مجرد فكر يعمل ، وله إنتاج فكرى، ولا علاقة له بالروح، وليس له ثمر فى حياة الإنسان الروحية، وهناك ثمر اجتماعى، إنسان دائب العمل داخل المجتمع ومشاكله، وقد يكون لهذا النشاط الاجتماعى ثمرفى حياته، وقد لا يكون.
وهناك ثمر روحى، وهو خاص بروحك، أو بعلاقتها بالله، أو علاقتها
بالناس:
فالخاص بعلاقتك بالله هو المحبة والايمان.
والثمر الخاص بك هو الفرح والصلاح.
والثمر الخاص بالناس هو الوداعة والتعفف واللطف، وطول الأناة، والمحبة أيضأ.