أَعداءَ الإِنسانِ أَهلُ بَيتِه ( مت 10 /36)
الاتحاد الاقنومي في المسيح ـ القديس كيرلس السكندري
القديس كيرلس السكندري
هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة الرسولية الذي يتفق فيه كل الأساقفة في الغرب والشرق:
نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل خالق كل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب أي من جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، له الجوهر نفسه مع الآب، الذي به كان كل شيء ما في السماء وما على الأرض، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل، وتجسد متانساً، وتألم، وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماوات، وتأتي ليدين الأحياء والأموات،ونؤمن بالروح القدس.
ولكن الذين يقولون،
“كان هناك وقت لم يكن فيه الإبن موجوداً”،أو أنه“لم يكن قبل أن يولد “،وأنه “خلق من العدم”،أو أنه “من طبيعة أو جوهر مختلف”،أو أنه“عرضة “للتبدل ” أو “التغير”"،
فأولئك تحرمهم الكنيسة الجامعة الرسولية.
وإذ نتبع-من كل ناحية-إعترافات الآباء القديسين التي صاغوها بالروح القدس الذي كان ينطق فيهم، وإذ نتبع ما في أفكارهم من معاني، وكما لو كنا نسير في طريق ملوكي،
فإننا نقول أنه:هو كلمة الله الوحيد، المولود من ذات الجوهر الذي للآب، إله حق من إله حق، النور من النور، الذي به صارت كل الأشياء، تلك التي في السماء وتلك التي على الأرض، وإذ نزل لأجل خلاصنا، وتنازل إلى إخلاء نفسه، فإنه تجسد وتأنس، أي أخذ جسداً من العذراء القديسة، وجعله خاصاً به من الرحم، وإحتمل الولادة مثلنا، وجاء كإنسان من إمرأة، دون أن يفقد ما كان عليه، ولكن رغم أنه ولد متخذاً لحماً ودماً فإنه ظل كما كان، أي انه من الواضح إنه الله الطبيعة والحق.
ونحن نقول أيضاً أن الجسد لم يتحول إلى طبيعة اللاهوت، ولا طبيعة كلمة الله التي تفوق التعبير، تغيرت إلى طبيعة الجسد، لأنه بصورة مطلقة هو غير قابل للتبدل أو للتغير. ويظل هو نفسه دائماً حسب الكتب.
ولكن حينما كان منظوراً، وكان لا يزال طفلاً مقمطاً، وكان في حضن العذراء التي حملته، فإنه كان يملأ كل الخليقة كإله، وكان مهيمناً مع ذلك الذي ولده .لأن الإلهي هو بلا قيمة وبلا حجم، ولا يقبل التحديد.
وإذ نعترف بكل تأكيد أن الكلمة اتحد بالجسد أقنومياً، فإننا نسجد لإبن واحد الرب يسوع المسيح. نحن لا نجزيء ولا نفصل الإنسان عن الله، ولا نقول انهما متحدان الواحد بالآخر بواسطة الكرامة والسلطة، لأن هذا هراء وليس أكثر.
ولا نسمى كلمة الله مسيحاً على حدة، وبالمثل لا نسمى المولود من إمرأة مسيحاً آخر على حدة، بل نعترف بمسيح واحد فقط، الكلمة من الله الآب مع جسده الخاص.
لأنه حينئذ إنسانياً قد مسح بيننا رغم أنه يعطي الروح للذين يستحقون أن ينالوه، وليس بكيل، كما يقول البشير المغبوط يوحنا (يو 3: 34).
ولسنا نقول أن كلمة الله حل في ذلك المولود من العذراء القديسة، كما في إنسان عادي، لكي لا يفهم أن المسيح هو “إنسان يحمل الله “.
لأنه حتى إن كان الكلمة “حَلَّ بَيْنَنَا” (يو 1: 14) فإنه أيضاً قد قيل أن في المسيح “فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً” (كو 2: 9).
لذلك إذن نحن ندرك أنه إذ صار جسداً فلا يقال عن حلوله انه مثل الحلول في القديسين، ولا نحدد هذا الحلول فيه انه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول في القديسين. ولكن الكلمة إذ إتحد “حسب الطبيعة” ولم يتغير إلى جسد، فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان في جسدها الخاص.
فالمسيح واحد، وهو إبن ورب، ليس بمعنى أن لدينا إنساناً حقق مجرد إتصال مع الله، كإله، بواسطة اتحاد كرامة أو سلطة .
لأن المساواة في الكرامة لا توحد الطبائع، فإن بطرس ويوحنا يتساويان في الكرامة الواحد مع الآخر، فكل منهما رسول وتلميذ مقدس إلا أن الإثنين ليس واحداً .
كما أننا لا نرى أن طريقة الاتصال هي بحسب المجاورة لأن هذه لا تكفي لتحقيق الاتحاد الطبيعي، ولا نحسب مشاركة إعتبارية مثلما اننا نحن نلتصق بالرب كما هو مكتوب فنحن روح واحد معه بل بالحري نحن نرفض تعبير “الاتصال” لأنه لا يعبر كافياً عن الاتحاد .
حتى لا نجزيء أيضاً المسيح الواحد والإبن والرب إلى إثنين، ولكي لا نسقط في جريمة التجديف بأن نجعله هو إلهه وربه. وكما قلنا سابقاً، فإن كلمة الله قد اتحد بالجسد “أقنومياً”، فهو إله الكل ورب الجميع، وليس هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه. وأن يعتقد أحد بهذا ويقوله فهذا أمر غير معقول كما انه بالأحرى أمر عديم التقوى.
لأنه قال أن الله أباه، رغم انه هو إله بالطبيعة ومن جوهر أبيه. ونحن لم نجهل انه مع بقائه إلهاً فإنه قد صار إنساناً أيضاً خاضعاً لله حسب القانون الواجب لطبيعة الإنسان. لكن كيف يمكنه هو أن يصير إلهاً أو سيد لنفسه؟
وطالما أن الأمر يختص بما هو لائق بحدود إخلائه لنفسه، فإنه هو نفسه خاضع لله مثلنا. وهكذا فهو أيضاً “مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ” (غل 4: 4)، ورغم انه تكلم بالناموس وهو معطي الناموس كإله.
ولكننا نرفض أن نقول عن المسيح:“بسبب ذلك الذي ألبسه الجسد أعبد اللابس الجسد”، “وبسبب غير المنظور أجسد للمنظور”. انه أمر مرعب أن يقال أيضاً “ان الله الممتلك(المأخوذ)، يدعى بإسم الذي امتلكه (اتخذه)”.
كل من يقول هذه الأشياء، فإنه يقسم المسيح الواحد إلى اثنين، وبالتالي فإنه يضع كلاً من الناسوت واللاهوت على حده.
وهو ينكر الاتحاد الذي بمقتضاه يجسد للواحد مع الآخر وليس أن الواحد في الآخر وبالتأكيد فإن الله لا يشترك مع آخر، ولكن المقصود هو واحد:المسيح يسوع، الإبن الوحيد، الذي يكرم بسجدة واحدة مع جسده الخاص.
ونحن نعترف أنه هو الإبن المولود من الله الآب، والإله الوحيد، ورغم أنه غير قابل للتألم بحسب طبيعته الخاصة، فقد تألم بجسده الخاص من أجلنا حسب الكتب. وهو غير قابل للتألم جعل آلام جسده خاصة له عندما صلب جسده، لانه بنعمة الله ولأجل الجميع ذاق الموت، بإخضاع جسده الخاص للموت
رغم انه حسب الطبيعة هو الحياة وهو نفسه القيامة لكي بواسطة قوته التي تفوق الوصف إذ قد داس الموت أولاً في جسده الخاص صار “بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ” (كو 1: 18) و“بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ” (1 كو 15: 20)،ولكي يعد الطريق إلى قيامة عدم الفساد أمام طبيعة الإنسان، وبنعمة الله، كما سبق أن قلنا حالاً، ذاق الموت لأجل الجميع،
ولكنه قام في اليوم الثالث بعد أن سلب الجحيم حتى إن كان يمكن أن يقال عن قيامة الأموات أنها صارت بواسطة إنسان، فلا نزال نعني أن هذا الإنسان هو الكلمة الولود من الله،
وأن سلطان الموت قد إنحل بواسطته، وهو سيأتي في الوقت المناسب كالإبن الواحد والرب في مجد الآب ليدين المسكونة بالعدل كما هو مكتوب.
ولكن من الضروري أن نضيف هذا أيضاً, وإذ نكرز بموت ابن لله حسب الجسد أي موت يسوع المسيح،
ونعترف بقيامته من بين الأموات وصعوده إلى السموات، فإننا نقدم الذبيحة غير الدموية في الكنائس، وهكذا نتقبل البركات السرية ونتقدس،
ونصير مشتركين في الجسد المقدس، والدم الكريم للمسيح مخلصنا جميعا ونحن نفعل هذا لا كأناس يتنالون جسداً عاديا، حاشا، ولا بالحقيقة جسد رجل متقدس ومتصل بالكلمة حسب إتحاد الكرامة،
ولا كواحد قد حصل على حلول إلهي، بل باعتباره الجسد الخاص للكلمة نفسه المعطي الحياة حقاً، وبسبب أنه صار واحداً مع جسده الخاص أعلن أن جسده معطي الحياة، لأنه حتى وإن كان يقول لنا:
“الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ” (يو 6: 53) فلا نستخلص من هذا أن جسده هو جسد واحد من الناس مثلنا, لأنه كيف يكون جسد إنسان ما محيياً بحسب طبيعته الخاصة ؟،
ولكن لكونه بالحقيقة الجسد الخاص للإبن الذي صار إنساناً ودعى إنساناً لأجلنا.
وأيضاً نحن لا ننسب أقوال مخلصنا في الأناجيل إلى أقنومين أو إلى شخصين منفصلين،لأن المسيح الواحد الوحيد لا يكون إثنين، حتى لو أدرك أنه من اثنين ومن كيانين مختلفين إجتمعا إلى وحدة غير منقسمة،
وكما هو طبيعي في حالة الإنسان الذي يدرك على أنه من نفس وجسد ولكنه ليس اثنين .ولكن لأننا نفكر بطريقة صحيحة فإننا نعتقد أن الأقوال التي كإنسان أو تلك التي قالها كإله هي صادرة من واحد.
فحينما يقول عن نفسه كإله:“اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ” (يو 14: 9) و “أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ” (يو 10: 30) فنحن نفكر في طبيعته الإلهية التي تفوق الوصف إلى بحسبها هو واحد مع أبيه بسبب وحدة الجوهر، وهو أيضاً صورته ومثاله وإشعاع مجده.
ودون أن يقلل من شأن ملء قامته الإنسانية، قال لليهود، “وَلَكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ” (يو 8: 40)، وأيضاً من جهة قامته البشرية فنحن نعرف الكلمة -ليس بدرجة أقل- إلهاً مساوياً للآب ومماثلاً له. فإذا كان من الضرورة أن نؤمن، أنه رغم كونه إلهاً بحسب الطبيعة،
فقد صار جسداً، أي صار إنساناً محياً بنفس عاقلة، فأي سبب يدعونا للخجل من أقواله إن كانت قد صدرت منه كإنسان لأنه لو كان قد تحاشى الكلمات التي تناسب الإنسان، فما الذي أجبره أن يصير إنساناً مثلنا؟
فلأي سبب يتحاشى الكلمات المناسبة للإخلاء، وهو الذي تنازل إلى الأقوال التي في الأناجيل إلى شخص واحد، إلى أقنوم الكلمة الواحد المتجسد، لأن الرب يسوع المسيح هو واحد حسب الكتب.
ولكن إن كان يدعى:“رسول ورئيس كهنة إعترافنا” (عب 3: 1) ككاهن يقدم لله الآب إعتراف إيماننا المحمول، إليه، بواسطة الله الآب، وأيضاً إلى الروح القدس، فإننا نقول ثانية انه نفسه الإبن الوحيد الذي لله حسب الطبيعة.
ونحن لا ننسب إلى إنسان آخر غيره اسم وحقيقة كهنوته، لأنه صار وسيط الله والإنسان، ومصالحاً للسلام إذ قدم نفسه لله الآب رائحة طيبة.
لذلك فهو نفسه قد قال ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً، بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر،
ثم قلت هانذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عني، لأفعل مشيئتك يا الله (انظر عب 10 : 5-7 + مز 40 : 7-9). لأنه قد قدم جسده الخاص رائحة طبية لأجلنا وليس لأجل نفسه. فأي قرابين أو ذبائح يحتاجها لأجل نفسه، وهو الله الذي هو أسمى من كل خطية؟ لأنه “الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ.” (رو 3: 23) لذلك فنحن معرضون للإنحراف، وطبيعتنا لعنت بسبب الخطية.
أما هو فليس هكذا، ونحن بسبب هذا أقل من مجده. فكيف إذن يبقى أي شك في أن الحمل الحقيقي قد ذبح من أجلنا وعوضاً عنا؟. ولكن القول بأنه قد قدم نفسه من أجل نفسه ومن أجلتا لا يمكن بأي حال إلا أن يكون له نصيب في تهمة الكفر.
إنه لم يخطيء بأي شكل، وبالتأكيد لم يفعل خطية فأية قرابين يحتاج إليها إذن، بينما ليست هناك أية خطية من أجلها يكون معقولاً جداً أن تقدم ذبيحة.
ولكن حينما يقول عن الروح:“ذَاكَ يُمَجِّدُنِي” (يو 16: 14) فنحن، بصواب، لا نفهم أن المسيح الواحد الإبن، بسبب انه في إحتياج إلى مجد من آخر، إكتسب مجداً من الروح القدس، وذلك لأن روحه ليس أسمى منه ولا هو فوقه.
ولكن حيث أنه، للتدليل على ألوهيته مسح بالروح القدس لأجل القيام بالأعمال العظيمة، فإنه يقول انه قد تمجد منه، مثلما يقول أي واحد منا، عن أية قوة في داخله أو عن فهمه لموضوع معين:
“ذَاكَ يُمَجِّدُنِي” (يو 16: 14) . لأنه حتى إن كان الروح يوجد في أقنومه الخاص، ويعرف بذاته حيث انه هو الروح وليس الإبن، إلا أنه مع ذلك ليس غريباً عن الإبن،
لأنه يدعى الحق والمسيح هو روح الحق، والروح ينسكب منه، كما بلا شك من الله الآب أيضاً. لذلك فإن الروح صنع عجائب بأيدي الرسل القديسين بعد صعود ربنا يسوع المسيح إلى السماء، وبذلك مجده.
لأننا نؤمن انه الله حسب الطبيعة، وأيضاً أنه نفسه يعمل بروحه الخاص. ولهذا السبب فقد قال أيضاً:“لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ” (يو 16: 14).
ونحن لا نقول مطلقاً أن الروح حكيم وقوي نتيجة المشاركة، لأنه كلي الكمال ولا ينقصه أي صلاح .ولكن حيث أنه روح قوة الآب وحكمته أي روح الإبن، فهو بالحقيقة الحكمة والقوة.
وحيث أن العذراء القديسة ولدت جسدياً، الله متحداً بالجسد حسب الأقنوم، فنحن نقول أنها والدة الإله، ليس أن طبيعة الكلمة تأخذ بداية وجودها من الجسد
لأنه “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ” (يو 1: 1)، وهو نفسه خالق الدهور، وهو أزلي مع الآب، وخالق كل الأشياء. لأنه كما سبق وقلنا انه إذ وحد الإنساني بنفسه إقنومياً، فإنه احتمل الولادة الجسدية من بطنها. وبسبب طبيعته الخاصة (كإله) لم تكن هناك ضرورة تحويه إلى ميلاد في الزمن وفي آخر الدهور.
لقد ولد لكي يبارك بداية وجودنا نفسها، وإذ قد ولدته إمرأة موحداً نفسه بالجسد فسوف ترفع اللعنة إذن عن كل الجنس (البشري)وهذه (اللعنة) كانت ترسل أجسادنا التي من الأرض، إلى الموت، وبواسطته أبطل القول:
“بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً” (تك 3: 16) لكي يظهر صدق قول النبي : الموت إذ قوى قد ابتلعهم(راجع هو 13: 14 س)، وأيضاً:
الله مسح كل دمعة من كل الوجوه (انظر اش 25: 8) وبسبب هذا نقول أنه حسب التدبير قد بارك الزواج بنفسه وحضر حينما دعى إلى قانا الجليل مع الرسل القديسين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
+ من الرسالة الثالثة الي نسطور (الرسالة السابعة عشر)
+ ترجمها عن اليونانية د. موريس تاوضروس و د. نصحي عبد الشهيد
المصدر : مدونة كتابات الآباء القديسين