نَجُّوا الكَسيرَ و المِسْكين و أَنقِذوه مِن أَبدي الأَشْرار (مز 82 /4)
الكاهن مسيح آخر
الكاهن مسيح آخر
ترجمها بتصرف عن الإيطالية الأب د. يوأنس لحظي جيد
ومن لا أيدي له اختارك لتوصل نعمه... اختارك وفي كل اختيار دليل على الحب، فمن لا يحب لا يختار.
"هذا هو جسدي، هذا هو دمي"، وكأنه هو الذي يقول من خلالك. ففي الذبيحة، في كل ذبيحة، تصير أنت والمسيح واحدا، وتقدم لله الآب جسدك ودمك تماما كما فعل الابن في عشائه الأخير... أنت تقدم الذبيحة،
وأنت نفسك تصير الذبيحة، تصير تلك القربانة التي تقدمها، لأنك تصير مع الحمل واحدا... إنها عظمة تدعو للرهبة، عظمة لا تفهم إلا من خلال الحب الهي المجاني لك، نعم لك أنت باسمك وشخصك وضعفك وقوتك.
أما أنت فكل يوم تجسد "الله الكلمة" فوق المذبح، ففوق مذبحك يولد المسيح، كم ولد من أحشاء العذراء في بيت لحم.
المسيح ولد مرة واحدة من مريم العذراء، الكاملة القداسة والطهر،
ولكنه يولد من خلالك كل يوم كل مرة ترفع فيها قداسك.
فلا الملائكة أو رئيس الملائكة ولا الشرابين ولا السرفيم يستطيعون أن يغفروا الخطايا "فالله وحده هو الذي يغفر الخطايا"، وقد اختارك وأعطاك هذا السلطان فأصبحت، منذ لحظة رسامتك، تشارك الله سلطان مغفرة الخطايا.
في حين أن ابسط كاهن يستطيع أن يحيا مع المسيح آلامه، يستطيع أن يصطحب المسيح في طريق الجلجثة، طريق الصليب.
لكم هو عظيم أن تشارك من احبك، ومن تحبه، آلامه. إن سر الآلام إذا ما فهم على انه مشاركة الحبيب آلامه يتحول من سبب حزن إلى ينبوع فرح ورجاء.
فمن خلال يديك يحول الله الخبز والخمر لجسد ودم ابنه الحبيب. ومن خلالهم يعطي غفرانه للخاطئين. إنهما يدان يحرران النفوس المقيد بسلاسل الخطيئة، يوصلان حرية ورحمة وغفران الله.
والقديس فرنسيس الأسيسي: "إذا رأيت ملاك من الملائكة وكاهن، اسجد أولا للكاهن ثم بعد ذلك اسجد للملاك".
فالكهنوت هبة المسيح للبشرية تلك الهبة التي بها يواصل حضوره بيننا، فالكاهن، كل كاهن، هو موضوع حب الله، لأن الله يري في وجهه وجه ابنه.
ولذا فالكنيسة، الأم والمعلمة، أعطت طوال تاريخها وتقليدها المقدس مكانة عالية لسر الكهنوت، واعتبرت دائما أن الكاهن هو "مسيح أخر". لأن الكاهن عندما يبارك يبارك الله، وعندما يغفر يغفر الله، وعندما يصلي يتجسد الله، فالكاهن هو وكيل المسيح وتلميذه،
ولهذا قال القديس توما الأكويني Tommaso d'Aquine : "إن عظمة وكرامة الكهنوت تفوق عظمة وكرامة الملائكة".
فالكاهن هو الخليقة الأكثر عظمة بين كل خلائق الله العظيمة.
والكاهن الذي لا يعرف كونه خاطئ ومحتاج للغفران، ولا يطلب الغفران من الله، لا يستطيع أن يعطى الغفران للآخرين. والكاهن الذي لا يتكلم مع شعبه ولا يحيا معه ولا يعرفه لا يستطيع أن يقدمهم لله أو أن يقدم الله لهم.
فأصبحت منذ لحظة رسامتك تابع له، تلميذ لديه، رسولا له... فحياتك واختياراتك وأفكارك ومشاعرك وأفراحك وآلامك وأحزانك ليس لك وحدك بل له أيضا.
وقد كتب الأب بيوPadre Pio : "الكاهن يجب أن يكون مسيح آخر، مفكرا دائما في المذود، يجب أن يكون متواضعا وفقيرا، لأنه كلما صار كذلك كلما أعطى مجدا أكثر لله، يجب أن يكون متحررا من كل شيء"،
فسر نجاح الكاهن يكمن في فهمه لسر آلام المسيح، فكاهن يهرب من الصليب كجندي يهرب من الحرب، فبلا صليب لا قيامة، وبلا آلم لا انتصار.
بل عندما انحنى وغسل أرجل تلاميذه: "أنت تدعوني ربنا ومعلما وحسنا تفعلون لأني هكذا"...
"لم آتى لأخدم بل لأخدم"،
"أليس العظيم من يجلس على المائدة، ولكني بينكم كالذي يخدم".