أَللَّهُمَّ اْرتَفع على السَّمَوات و لْيَكُنْ مَجدُكَ على الأَرضِ كُلِّها. (مز 57 /6)
قصةوعبرة : موجو لا يَرضَى بحاله - قصة
منذ سنوات سحيقة في القِدَم، عاش في الصين شاب اسمه ?موجو?، كان يكسب رزقه من تكسير الأحجار من الجبل. وبالرغم من قوة جسمه وسلامة صحته؛
إلاَّ أنه لم يكن راضياً بنصيبه في الحياة، وكان دائم الشكوى كل يوم مما هو فيه، حتى أنه جدَّف على الله، مما دفع ملاكه الحارس أن يظهر له.
قال له الملاك: ?أنت متمتع بالصحة والعافية، وها هي حياتك مزدهرة أمامك. وكل الشباب مثلك يبدأون حياتهم بنفس نوع العمل الذي تقوم به. فلماذا أنت دائم الشكوى؟?
أجابه الشاب: ?إن الله يُعاملني معاملة جائرة، ولم يُعطني الفرصة لأنمو وأكبر?.
إذ عَلِمَ الملاك ذلك، ذهب وسأل الرب المشورة، ورجاه ألاَّ يرفع حمايته عن هذا الشاب لئلا تهلك نفسه.
وقال له الرب: ?افعلْ ما يتراءى لك، وكل ما يريده "موجو"، أَعطِه له?.
في اليوم التالي، كان ?موجو? يعمل كعادته في تكسير الأحجار من الجبل، حينما شاهد عربة تعبُر أمامه يركبها رجل من النبلاء وقد تحلَّى بالمجوهرات. وبينما هو يمسح عرقه عن وجهه المُعفَّر بالتراب، قال بمرارة: ?لماذا لا أكون أنا أيضاً رجلاً من طبقة النبلاء؟ ولكن هذا هو نصيبي!?
وتمتم ملاكه وهو مبتهج: ?ليكن لك ما تريد!?
وأصبح ?موجو? من طبقة النبلاء، وصار يمتلك قصراً منيفاً بعزبة متسعة الأرجاء، وبها الخَدَم والحَشَم، والجياد المُطهَّمة.
وكان يخرج كل يوم ووراءه رتلٌ من الأتباع، وكانت متعته أن ينظر إلى رفقائه القدامى مُلقين على جانبي الطريق، يُحدِّقون فيه باحترامٍ بالغ.
وفي أحد أيام الصيف، كانت الحرارة بعد الظهر شديدة غير محتملة، حتى وهو مُحتمي تحت مظلته الذهبية، وكان يعرق أكثر مما كان أيام تكسيره الحجارة من الجبل.
حينئذ أحسَّ أنه ليس هو الرجل المهم، إذ كان يرأسه أُمراء وأباطرة، ولكن كل هؤلاء كانت الشمس هي أعلى منهم جميعاً، وهي لا تخضع لأحد. فالشمس كانت هي الملك الحقيقي.
وبأنين توجَّه ?موجو? بالحديث لملاكه: ?يا ملاكي العزيز، لماذا لا أكون أنا الشمس؟ فهذا ما يجب أن يكون نصيبي?.
وبسرعة فاه الملاك مؤيِّداً طلبه، ومحوِّلاً حزنه إلى هذا الطموح المبالَغ فيه. وصار ?موجو? هو الشمس كما أراد!
وبينما كان يشعُّ في السماء، مفتخراً بقوته الفائقة أنه يُنضج الحبوب أو يحرقها بأشعته كما يحلو له؛ لاحَظ بقعة سوداء تتحرك من بعيد نحوه، وهذه البقعة السوداء أخذت تنتشر حوله وتكبر شيئاً فشيئاً. وتحقَّق ?موجو? أن هذه سحابة تُحيط به، حتى أنه لم يَعُد قادراً على رؤية الأرض.
وصرخ ?موجو?: ?أيها الملاك، إن السحابة أقوى من الشمس! إن ما أُريده أن يكون نصيبي هو أن أكون سحابة!?
وردَّ الملاك: ?ليكن لك ما تريد!?
وتحوَّل ?موجو? إلى سحابة، وظن في نفسه أنه قد حقَّق حلمه أخيراً.
وهتف وهو يحجب نور الشمس: ?أنا قوي جداً?. وصرخ: ?أنا مَن لا يغلبه أحد ولا الشمس?، بينما كان يُظلِّل على الأمواج.
ولكن على شاطئ المحيط الشاسع، كانت تقف صخرة هائلة من الجرانيت، قديمة قِدَم العالم نفسه. وظن ?موجو? أن هذه الصخرة تتحدَّاه، فأطلق عاصفة لم يَرَ العالم مثلها من قبل، واندفعت الأمواج ثائرة على الصخرة، وهي تحاول أن تزحزحها عن الأرض وتُلقيها في أعماق البحر؛ ولكن الصخرة في ثباتها وعدم تأثُّرها بالأمواج، بقيت حيثما كانت.
وتنهد ?موجو? وهو يبكي: ?أيها الملاك، إن الصخرة أقوى من الغيمة! ليت مصيري يكون صخرة!?
وتحوَّل ?موجو? إلى هذه الصخرة.
وتكلَّم مفتخراً: ?مَن يستطيع أن يتغلَّب على الصخرة الآن؟ أنا أقوى مخلوق على الأرض!?
ومرت أعوام وأعوام، حتى أتى يوم، وفي الصباح أحس ?موجو? بشيء ما يطعن في أحشائه الصخرية، وأعقب ذلك ألم في باطنه شديد، وكما لو كان جزء من نسيجه الجرانيتي يتحطَّم إلى قطع من الحجارة. ثم سمع خبطات شديدة ومتوالية، أحس بعدها بألم مُرعب.
وفي خوف تحوَّل إلى جنون، صرخ: ?أيها الملاك، إن شخصاً ما يحاول أن يقتلني! إنه أكثر قوة مني، إني أريد أن أصير مثله!?
وصرخ الملاك وهو يبكي: ?ليكن لك ما تريد!?.
وهكذا رجع ?موجو? في النهاية إلى تكسير الحجارة، كما كان!
+ «كونوا مكتفين بما هـو عندكم» (عب 13: 5).