في قَلْبي أَخفَيتُ أَقْوالَكَ لِكَي لا أَخطاً إِلَيكَ (مز 119 /11)
رسالة من كاهن الاب مارتين لازارتي الى الصحافة
أخي الصحافي، أختي الصحافية
أنا كاهن كاثوليكيّ بسيط، وأنا سعيد وفخور بدعوتي. أحيا كمرسل في أنغولا منذ عشرين عاماً.
يؤلمني جدّاً هذا الشر الكبير، أن يكون الأشخاص الّمدعوّوين لأن يكونوا علامة حبّ الله، قد أضحوا خنجراً في حياة الأبرياء. لا توجد كلمات يمكنها أن تبرّر أعمالاً كهذه. وممّا لا شكّ فيه أن لا يمكن للكنيسة إلاً أن تكون الى جانب الضعفاء، وغير المحميّين. وبالتالي فإن كافة التدابير التي يمكن اتّخاذها في سبيل حماية كرامة الأطفال وصونها تبقى دوماً أولويّة مطلقة.
أشاهد في الكثير من وسائل الإعلام، وبنوع أخصّ في جريدتكم، توسّعاً مَرَضّياً لهذا الموضوع، باحثين بالتفاصيل في حياة بعض كهنة إعتدوا على أطفال. وهكذا ظهر واحد في مدينة من مدن الولايات المتّحدة، في سبعينيّات القرن الماضي، وآخر في إستراليا في الثمانينيّات، وهكذا دواليك حتى حالات أكثر حداثة... لا شكّ أنّها كلّها حالات مدانة. لا شكّ أنّنا نجد تحقيقات صحافيّة موضوعيّة ومعتدلة، وأخرى مبالغة، مملوءة أحكاماً مسبقة، وحتّى حقداً.
عجيبة ضآلة الإعلام، وعدم الإهتمام بأخبار الآلاف والآلاف من الكهنة الّذين يبذلون ذاتهم في سبيل الأطفال والمراهقين، والفقراء في أربعة جهات العالم! أفترض إن لا يهم وسيلتكم الإعلاميّة حقيقة أنّني كنت أنقل شخصيّاً، عام 2002، وعبر طرقات مزروعة بالألغام العديد من الأطفال يعانون من سوء التغذية من كانجومبي لغاية لوينا في أنغولا، لأن الحكومة لم يكن الأمر يعنيها، والمنظمّات غير الحكومية لم تكن تملك الأذن بالتحرّك. لا يعنيكم أيضاً أنّ وجب عليّ إن أدفن العشرات من الأطفال الموتى من بين النازحين بسبب الحرب، ومن بين أولئك العائدين. لا يعنيكم أنّنا أنقذنا حياة الآلاف من الأشخاص في موكيكو من خلال المركز الطبّي الوحيد في مساحة 90،000 كلم مربّع، وعبر توزيع الغذاء والحبوب. لا يعنيكم أنّنا أفسحنا إمكانيّة التعليم لأكثر من 110،000 طفل في غضون السنوات العشرة هذه... هو ليس أمر مثير للإهتمام أن قد كان علينا، بمعيّة كهنة آخرين، أن نعين حوالي 15،000 شخص خلال الأزمة الإنسانيّة في مخيّمات المقاتلين، بعد استسلامهم، لأنّ المواد الغذائيّة من قبل الحكومة ومن قبل المنظّمات غير الحكوميّة لم تكن تصل. هو ليس خبر مثير للإهتمام أن كاهناً في الخامسة والسبعين من العمر، الإب روبرتو، كان يجوب شوارع لواندا ليعتني بأطفال الشوارع، يحملهم الى بيت ضيافة، لكيما يعالج إدمانهم على الكاز، أو أنّهم أزالوا الأمّية بين آلاف المساجين. وأن كهنة آخرين، مثل الأب استيفانو، يديرون بيوتاً تأوي الأطفال المعنّفين، المساءة معاملتهم حتى الإغتصاب، والّذين يفتّشون عن مأوى. ولا يعنيكم أيضاً الأخ ماياتو، أبن الثمانين عاماً، يدور من بيت الى بيت، يعزّي المرضى والفاقدي الرجاء. هو ليس خبر يستحقّ النشر أن 60،000 ألفاً من بين ال 400،000 كاهن ومكرّس، قد تركوا أرضهم وعائلتهم ليخدموا إخوتهم في مشفى للبرص، في عيادات، في مخيّمات لاجئين، في مياتم تأوي أطفالاً أبناء أشخاص متّهمين بالشعوذة، أو أبناء أهل قضوا بسبب السيدا، وفي مدارس مفتوحة لأفقر الفقراء، في مراكز نتشئة مهنيّة، في مراكز عناية بأشخاص إيجابيّي المصل... ولكن بنوع أخصّ في رعايا وإرساليّات، يحفّزون الشعب على الحياة وعلى المحبّة.
هو ليس خبر مثير للإهتمام، أن الإب ماركوس أوريليو، لكيما ينقذ مجموعة شبّان خلال حرب أنغولا، نقلهم من كالولو الى دوندو، وفي طريق العودة الى مركز إرساليّته، تمّ إطلاق النار عليه في الطريق؛ وأنّ الأخ فرنسيسكو ومعه خمسة سيّدات تعلّمن التعليم المسيحيّ، قضوا جميعاً في حادث سير فيما هم ذاهبون لمساعدة الناس في الأماكن النائية؛ وأنّ عشرات المرسلين في أنغولا قد ماتوا بسبب نقص الإسعاف الصحّي، بسبب مجرّد ملاريا؛ وأنّ آخرين قد تطايروا في الهواء بسبب لغم أرضيّ بينما هم ذاهبون لافتقاد ناسهم. في مدافن كالولو موجودة قبور أوّل كهنة وصلوا الى المنطقة، ولا واحد منهم تخطّى سنّ الأربعين.
هو ليس خبر مثير أن ترافقوا كاهن "عاديّ" في حياة كلّ يوم، في مصاعبه وأفراحه، يبذل حياته في سبيل الجماعة التي يخدمها.
ولكن الحقيقة هي أنّه لا يهمّنا أن نصبح خبراً، ما يهمّنا فقط هو أن نحمل الخبر السّار، هذه البشرى التي بدأت ليلة الفصح دون ضجيج. فشجرة تسقط تخلق ضجيجاً أكبر من غابة تنمو.
لا أبتغي الدفاع عن الكنيسة وعن الكهنة. الك?هن ليس بطلاً ولا هو مريض نفسيّ. هو رجل عاديّ، بإنسانيّته يفتّش عن اتّباع يسوع وعن خدمة أخوته. فيه مآس وفقر وضعف كما في كلّ كائن بشريّ، وفيه أيضاً جمال وطيبة كما في كلّ خلائق الله...
إن الإصرار بطريقة مهووسة ومضطَِهدة على موضوع، وفقدان الصورة الشاملة، يخلق صورة هزليّة ومهينة للكاهن الكاثوليكيّ، صورة أشعر عبرها بأنّني مهان.
أسألك فقط، صديقي الصحافيّ، أن فتّش عن الحقّ، وعن الجودة وعن الجمال. فهذا يجعلك نبيلاً في مهنتك.
بالمسيح،
الأب مارتين لازارتي الساليسياني
أنغولا- أفريقيا
تعريب الأب بيار نجم