لِيَخْزَ المُعادونَ لِنَفْسي و يَفنوا ولْيَلنحِفِ العارَ و الفَضيحةَ طالِبو مَساءتي (مز 71 /13)
عيد القديس انطونيوس البدواني 13 حزيران
لقد ولد في ليشبونة سنة 1195 بكرا لعائلة شريفة وقوية وغنية، وسمي فرناند.
كبر فرناند واصبح شاباً وسيماً وكبرت أيضا في عيلته، المخاوف على مستقبله، لرفضه القبول بمهنة دنيوية مجاراة لها. لن يعمّر فرناند طويلاً، لن يعطى سوى 36 سنة. كان متوقد الذكاء وذا طبع لجوج. ففي الخامسة عشرة من عمره، بعد ان فكر مليّاً واستنار بالصلاة غادر بيته الفخم، وطلب الدخول في دير القديس منصور، قرب ليشبونة، حيث كان كهنة مار اغسطينوس القانونيّون. غير ان العالم الذي هجره القديس فجأة عاود الكرة واخذ يحوم حول الدير. فالأهل والاصدقاء يهاجمونه لالهائه عن مقصده وايقاعه في التجربة. فقد أصبحت حياته هنا صعبة جداً، ممّا عكّر صفو نفسه. فلا بدّ له من التوقف فورا.
وها هو شابنا فرناند، بالاتفاق مع رؤسائه، يغادر ليشبونة قاصداً كوامبر، عاصمة البرتغال انذاك، ليقيم في دير اخر من اديرة رهبنته. وانه الان في هدوء هنا، ولا يزعجه شيء، سيسام كاهناً في الخامسة والعشرين من عمره.
نحو افاق جديدة
لقد كان يتوق الى حياة جديدة حيث الايمان ليس حياة راكدة رتيبة. قرع يوماً باب الدير رهبان فرنسيسكان من المنسك القريب من اوليفيه طالبين صدقة. فاستفاد فرناند من هذه المقابلة وجهاً لوجه مع الفرنسيسكان ليعرض عليهم قصده بأنه سيغادر كهنة مار اغسطينيوس القانونيين للانضمام اليهم، الى الرهبنة الفرنسيسكانية.
نال الموافقة بصعوبة كبرى. فغيّر اسمه باسم انطونيوس, ليقطع كل صلة بحياته السابقة. فانتابه مرض غريب. وعوض ان يذهب الى الساحات للتبشير بالمسيح اضطر الى التمدد على سرير حقير فريسة الملاريا هكذا تبدد حلمه الكبيرفي القيام بالرسالة.
توجه انطونيوس المريض في جسده ماشياً الى اسيزي. هناك يلتقي فرنسيس سنة 1221، كان لقداسة "الفقير الصغير" تأثير عظيم على التلميذ المجهول. فخرج انطونيوس من هذا اللقاء اكثر سلامة واستنارة. من اسيزي الى رومانية الى منسك "مونته باولو" قرب فورلي. ولأي عمل وجّهوه؟ ليكون الرجل الذي يتكلم مع الرب وجهاً لوجه , ليصبح قديساً لله.
ربيع الكنيسة
دعي يوماً للنزول الى المدينة ليحضر رتبة سيامة كهنوتية. وفي اللحظة الأخيرة لم يكن الواعظ حاضراً. فترجو انطونيوس ليلقي على الكهنة الجدد بعض الأفكار. واذا بهم يكتشفون مؤهلاته، موهبة الوعظ عنده. ومنذ ذلك اليوم أخذ رؤساؤه يرسلونه الى طرق ايطاليا وفرنسا ليبشّر المسيحيين، ناقلاً بشرى الانجيل السعيدة.
النور فى الظلمات
في سيرة فرنسيس عظة للعصافير, وفي سيرة انطونيوس عظة للسمك حيث حدث ذلك على شاطئ في ريميني، كانت المدينة تحت وطأة الهراطقة. وفور وصول الواعظ اليها، اعطى الزعماء كلمة الامر بأن يصيبوا المرسل باليأس عن طريق الصمت، فكان ما أرادوا.
لم يجد انطونيوس احداً ليوجّه اليه الكلام ولا أحد يصغي اليه. فاقترب انطونيوس من البحر نادى جمهوره " تعالي انت ايتها الاسماك الى سماع كلمة الله، طالما ان الرجال المتكبرين يرفضون". أقبل السمك بالمئات، بل بالألوف، وبكل ترتيب.
اخذت الفضولية مأخذها لدى الهراطقة حتى انهم تجاوزوا تنبيهات زعمائها، وتبع الفضولية عواطف انذهال وحماس. وقادت التأثرات الى الندامة والرجوع الى الكنيسة .
الى ملاقاة الرب
ساعة مغادرة انطونيوس هذا العالم الى الآب كانت تقترب. ظهر يوم الجمعة الموافق 13 حزيران نزل انطونيوس من قلايته المعلّقة بين اغصان الجوز لتناول الغذاء . وما ان جلس الى المائدة حتى انتابه الم شديد افقده جميع قواه. وبصوت كالخيط رجا اخوته ان ينقلوه الى بادوا. وكان المريض على آخر رمق كان منهكاً ولكن محافظاً على كامل وعيه، لمّا طلب سر المصالحة، وسرّ القربان الأقدس وسرّ المرضى.
بعد ذلك، ومع آخر نفس، بدأ نشيداً للعذراء :
وكان القديس ينظر أمامه، وعيناه شاخصتان. "أبت , ماذا ترى؟" سأله صديقه لوقا، "ارى ربي" تمتم المحتضر بصعوبة ولفظ الروح.
قدّيس العالم كله
نقل جسد قدّيسنا، بناءا على طلبه، الى الكنيسة الصغيرة، كنيسة القديسة مريم
شاركت المدينة كلها بتشييعه. وفي الليلة ذاتها نوّرت العجائب على ضريحه، فتوافدت الجماهير من كل صوب نحو بادوا. واهتمت السلطات الكنسية حالاً بهذا الحدث. قبل مرور عام واحد على موت رسولنا العظيم.
أقرّ البابا, في 30 أيار 1232، وفي كنيسة القبة في سبوليتو منح كرامة المذابح لانطونيوس البادواني.
شرع رفاق القديس بمساعدة سكان بادوا وجميع الزوار تشجيعهم، ببناء البازليك الفخمة حيث سيوضع باستحقاق وإكرام، رفات القديس انطونيوس. أخيراً، سنة 1263، نقل قبره الى الكنيسة الجديدة بحضور القديس بونا فونتورا، وعند فتح النعش وجد لسان قدّيسنا سليماً. فانتشر التكريم والتعبّد اكثر فاكثر. واصبح التكريم عالمياً.