اْرتَفع أَللًهُمَّ على السَّموات و لْيَكُنْ مَجدُكَ على الأرضِ كلها (مز 108 /6)
موت و انتقال مريم العذراء بالنفس والجسد الى السماء - بغديدا
موت و انتقال مريم العذراء بالنفس والجسد
الى السماء
القس : يوسف عبا
يطلّ علينا يوم الخامس عشر من آب في كل عام ليذكرنا بأهم أعياد الكنيسة المقدسة والتي نعيّد فيه ونحي ذكرى موت وانتقال العذراء بالنفس والجسد الى السماء .
لذلك يجدر بنا بهذه المناسبة أن نقدّم للمؤمنين بعض المعلومات تساعدهم في فهم معنى العيد وأصل العقيدة علّها تشفي غليلهم وتبدّد شكوكهم بما يسمعونه هنا وهناك من افتراءات وأكاذيب تريد النيل من عقائد مسيحية تخص أمنا العذراء مريم .
لقد شهد التقليد المسيحي لهذه العقيدة الإيمانية على مر الأجيال ، فلقد انتشر عيد انتقال مريم العذراء إلى السماء في 15 آب منذ القرن الخامس.
لا تستند عقيدة الكنيسة الكاثوليكية بانتقال العذراء الى السماء الى أيّة شهادة تاريخية مقبولة علميا ، لقد وضعت الأناجيل المقدسة القانونية وأعمال الرسل العذراء مريم في الظل . وقلّما تحدثت عنها ، فلا ذكر لرقادها أو موتها أو قيامتها أو صعودها الى السماء ،
ويرى البعض أن الأسفار المقدّسة أتت على ذكر امتيازاتها بطريقة مبطّنة ضمنية ولا سيما في سفر التكوين ( 3: 15 و16 إنتصار العذراء مع ابنها على الخطيئة والموت ) . وفي الفصل الأول من انجيل لوقا ( مريم ممتلئة نعمة ومباركة في النساء ) . ورسالة القديس بولس الى أهل روما ( 8 ) ورؤيا القديس يوحنا الحبيب ( 12 ) .
أما تاريخ التقليد المسيحي مدة القرون الخمسة الأولى ، شحيح بالمعلومات والمعطيات ، ما خلا الاناجيل المنحولة الموضوعة . وإن الحجج التي يستلخصونها من هذا التاريخ غير قاطعة . فعقيدة انتقال العذراء بنفسها وجسدها الى السماء وتمجيدها لا تستند إلا الى النقاط التالية :
1. إيمان الأجيال المسيحية المتعاقبة بهذه العقيدة وقد ورثته من الرسل والآباء القديسين .
2. الحجج اللاهوتية المستنتجة خصوصا من عقيدة الأمومة الالهية .
3. من سلطة الكنيسة لأن المسيح وعدها أن يكون معها الى منتهى الدهــر . ( متى 28 : 20 )
وبالاضافة الى هذه كلها نسأل ولكن لماذا الانتقال ؟. يجيب القديس يوحنا الدمشقي : " كما أن الجسد المقدّس النقي ، الذي اتخذه الكلمة الإلهي من مريم العذراء ، قام في اليوم الثالث ، هكذا كان يجب أن تُؤخذ مريم من القبر، وأن تجتمع الأم بابنها في السماء ".
البابا بيوس الثاني عشر ، رأس الكنيسة الكاثوليكية ، بادر في عام 1946 بأخذ آراء الأساقفة الكاثوليك في العالم أجمع بشأن تحديد عقيدة انتقال مريم العذراء بنفسها وجسدها إلى السماء .
فتهلل العالم الكاثوليكي بأسره آنذاك وتقبّل معظم أساقفته هذه البادرة البابوية بفرح عظيم . وانصبّ اللاهوتيون على درس هذه المسألة باهتمام بالغ .
لأبرشيتنا السريانية الأنطاكية الكاثوليكية شرف وفخر كبيرين باختيار ابنها البار المثلث الرحمة الدكتور المطران مار اثناسيوس بولس هندو رئيس اساقفة بغداد للسريان الكاثوليك والذي اختاره البابا بيوس الثاني عشر بنفسه ليكون من بين اللاهوتيين لهذه الدراسة .
فقام سيادته ولمدة عشر سنوات يتفحص الكتب المقدسة واقوال الآباء وقدّم دراسات طويلة للفاتيكان عن كل ما ذكر عن العذراء في الآداب والطقوس السريانية استعدادا لأعلان عقيدة انتقال العذراء الى السماء ، فجاء عمله متكاملا ومتميزا نال تقدير قداسته فانعم عيله البابا وسمّاه مقدما في البلاط البابوي . وجدير بنا ان نذكر ايضا بأن العذراء استجابت على طلب سيادته في أن تكون وفاته يوم عيد انتقالها الى السماء فتوفي في بيروت في 15 آب 1954 . وذلك مكافأة لأتعابه لتحضير تلك الدراسات حول عقيدة انتقالها والتي ساعدت على اعلان عقيدة الانتقال الى السماء .
وفي الأول من تشرين الثاني 1950 أعلن قداسة البابا بيوس الثاني عشر انتقال العذراء مريم بنفسها وجسدها إلى السماء عقيدة إيمانية :
" إنها لحقيقة إيمانية أوحى الله بها ، أن مريم والدة الإله الدائمة البتولية والمنزهة عن كل عيب ، بعد إتمامها مسيرة حياتها على الأرض نُقِلَت بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي ".
تتفق الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية بانتقال العذراء نفسا وجسدا إلى السماء فبالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية موضوع انتقالها إلى السماء نفسا وجسدا هو تقليد أبوي إيماني ،
وبالنسبة إلى الكنيسة الكاثوليكية هو عقيدة لاهوتية . أما بالنسبة للإصلاحيين ، فقد اكتفى لوثر بالقول في 15 آب 1522 : " لا نستطيع من الإنجيل أن نستنتج طريقة وجود العذراء في السماء ومصير القديسين ، بل تكفي معرفتنا أنهم يحيون مع المسيح:
( ما كان الله إله أموات بل إله أحياء - متى 22 : 32 )" كتب بولينجر عام 1565 : " لنكتف بالإيمان بأن العذراء مريم هي فاعلة الآن في السماء مشتركة في كل السعادة."
وكتب عام 1568 " لقد انتقلت بالنفس والجسد في عربة من نار ، ولم يدفن جسدها في أية كنيسة بل صعد إلى السماء . "
إن مريم بانتقالها إلى السماء تدعونا اليوم لنعيد النظر في نوعية إيماننا وصلاتنا ومحبتنا . إنها تريد أن ننتقل من اليأس إلى الرجاء ، من الخطيئة إلى البرارة ، من الحقد إلى المسامحة ،
إنها تدعونا لكي نزيل الحواجز من أعماقنا فننفتح على الله وعلى الآخرين بالمحبة والتسامح والغفران ، وخاصة الذين يجمعنا معهم الايمان الواحد ، وان لا نجعل من الألفاظ والتعابير الفلسفية واللاهوتية وحتى من الطقوس والمذاهب والقوميات حاجزا يبعدنا ويفرّقنا عن بعضنا بل نتمسّك بما يوحدنا جميعا ، جوهر ايماننا الذي لا يختلف عليه مسيحي حقيقي واحد يعيش في العالم ...
ألا وهو يسوع المسيح ابن الله مخلص البشرية ... انجيل واحد .. معمودية واحدة ... وذبيحة الاهية واحدة تضمنا جميعا الى جسد يسوع السري ، الذي يتمثل بكنيسة واحدة ، جامعة ومقدسة ورسولية ، فنعيش بالمحبة والاخوة ونحقق رغبة يسوع في الوحدة المسيحية الحقيقية الشاملة لنبني معا ملكوت الله على الأرض .
----------
المصادر : كتاب السلاسل التاريخية لسيادة المطران ميخائيل الجميل ، الزائر الرسولي لأوربا.
كتاب ( مريم العذراء .. في لاهوت الكنائس الانجيلية ... للمطران كيرلس سليم. )
كتاب ( انجيلك نور لحياتي للأب لويس كويتر المخلصي ).