ليس الأصحاء بمحتاجين إلى طبيب، بل المرضى ( مت 8 /12)
المعجزات في الكتاب المقدس - تجلى يسوع على الجبل
تجلّى يسوع على الجبل
نصّ الإنجيل
وبعدَ سِتَّةِ أيام مضى يسوعُ بِبُطرُسَ ويعقوبَ وأخيهِ يوحنَّا فانفَرَدَ بِهِم على جَبَلٍ عالٍ وتَجَلّى بمرأى مِنهُمْ، فأشَعَّ وجهُهُ كالشمس، وتلألأت ثيابُهُ كالنُّور. وإذا موسى وإيليّا قد تراءيا لهُم يُكالِمانه،ِ
فقالَ بُطرُسُ ليسوع : " رَبِّ، حَسَنٌ أن نكونَ هَهُنا. فإنّْ شِئْتَ، نَصَبْتُ هَهُنا ثلاثَ مَظالّ : واحِدَةً لكَ وواحِدَةً لِموسى وواحِدَةً لإيليّا ". وبينَما هو يتَكَلَّم ظلّلَهُم غَمامٌ نيِّرٌ، وإذا صَوتٌ مِنَ الغَمامِ يقول : " هَذا هو ابنيَ الحبيبُ الذي عَنْهُ رَضيت، فلَهُ اسمعوا".
فلَمّا سَمِعَ التلاميذُ هذا الصوت، سقطوا على وجوهِهِم وقدِ استولى عَلَيهِم خوفٌ شديد. فدَنا يسوعُ ولَمَسَهُم وقالَ لَهُم : " قوموا، لا تَخافوا ". فَرَفَعوا أنظارَهُم، فلم يَرَوا إلاّ يسوعَ وَحدَهُ. وبَينَما هم نازِلونَ مِنَ الجَبَل، أوصاهُم يسوعُ قال : " لا تُخْبِروا أحَداً بهذه الرؤيا إلى أن يقومَ ابنُ الإنسانِ مِنْ بينِ الأموات ". (متّى 17/1-9)
تجَلّى يسوع أمام ثلاثة من تلاميذه
1- اختار يسوع ثلاثةً من تلاميذه، وهم بطرس ويعقوب ويوحنَّا أخوه، وارتقى معهم جبلاً عالياً وتجلّى أمامهم. هذه هي المرّة الثانية التي يقع فيها اختياره على هؤلاء الثلاثة. فقد اختارهم للمرّة الأولى ليكونوا معه عندما دخل الغرفة التي سُجِّيَت فيها الفتاة الصغيرة الميتة ابنة يائير رئيس المجمع .
أمّا الجبل الذي ارتقاه فنجهله. فقد يكون جبل حرمون (جبل الشيخ)، وعلوّه 3000 متر ، وقد يكون جبل طابور في فلسطين، وعلوّه 920 متراً.
2- تجلّى يسوع على رأس الجبل فيما كان يصلّي، وهو على بعد بضعة أمتار من التلاميذ. فأضاء وجهه كالشمس وتلألأت ثيابه كالنور. فأبصر التلاميذُ جمال وجه يسوع الفائق، وشاهدوا النور المُنبعث منه.
فهل رأى التلاميذ بهاء ألوهيّته كلاّ ! فإنّ ألوهيّة يسوع لا تُبصِرُها العيون لأنّها روحيّة، والعيون البشريّة ماديّة، والروح لا يقع تحت الحواس والمادّة. وهذا ما أشار إليه يوحنَّا الإنجيلي عندما كتب : " اللهُ لم يرَهُ أحَدٌ قطّ ". (يوحنَّا 1/18)
3- لقد رأى التلاميذ مجدَ إنسانيّة يسوع. وبتعبيرٍ أدَقّ، سمحَ يسوع لتلاميذه الثلاثة بأن يَرَوا، لمدّةٍ محدودَةٍ من الزمن، ما كانت إنسانيّته تتمتّع به من مجدٍ سماويّ
لا شكَّ في أنّ يسوع إنسانٌ مثلنا، ولكنّه إلهٌ أيضاً. فكان من الطبيعي أن ينعكس جمال ألوهيّته على إنسانيّته، ويَشعَّ جسده نوراً باستمرار، وهو يمشي بين الناس ويعيش معهم. ولكنّ يسوع أخفى نور إنسانيّته عليهم ليتمكّن من الاختلاط بهم، وخصوصاً ليستطيع أن يتألّم ويُصلب ويموت لأجلِ خلاصهم. فاكتفى بأن يُظهِرَ هذا النور مرّةً واحدة لتلاميذه الثلاثة وحدَهم، وهو منفردٌ معهم على جبلٍ عالٍ لكي لا تُبصِرَهُ عيون البشر.
لم يشأْ أن يكونَ معه التلاميذ الآخرون
اختار يسوع التلاميذ الثلاثة المذكورين أعلاه لأنّهم سوف يعاينون وحدَهم نزاعه الأليم في بستان الزيتون قبل أن يتألّم ويُصلب ويموت. فأرادَ أن يشدّد إيمانهم به، على الرَّغم مِمَّا سوف يرون ما سيبدو عليه من علامات الرهبة والحزن والكآبة أمام عذاب الصليب. (مرقس 14/33)
ولم يُظهِر مجده للتلاميذ التسعة الآخرين خشيةَ أن يذيعوا للناس، من دون فطنَةٍ ولا تروٍّ، خَبر تجلّيه على الجبل، فيكون كلامهم عُرضَةً للهزء أو للشكّ، فيشوّهون بذلك شخصيّة يسوع ورسالته الروحيّة تشويهاً بليغاً. فاكتفى بثلاثةٍ من تلاميذه ليضمن كتمان الخبر إلى ما بعد قيامته من بين الأموات.
رأى التلاميذ الثلاثة موسى وإيليّا
1- رأى التلاميذ الثلاثة موسى وإيليّا وسمعوهما يخاطبان يسوع. كان موسى النَّبي المشترعَ الأعظم لبني إسرائيل، وكان إيليّا أكثرَ الأنبياء عندهم شعبيّةً. لقد حضرا في ذلك الوقت ليشتركا في مجد يسوع سيّد الشريعة وكمال النبوءات، ووقفا إلى يمينه وإلى يساره، فانعكس مجده عليهما وغمرهما بنوره وبهائه.
وجرى الحديث بين الثلاثة، وكان موضوعه آلام يسوع وموته وقيامته في مدينة أورشليم. لقد كانا يعلمان أنّه مزمِعٌ أن يحقّق نبوءة الأنبياء، ويتمّم إرادة أبيه السماوي، فيتألّم ويموت ليكفّر عن خطايا البشر، ويفتح في وجوههم أبواب السماء، فأظهرا خضوعهما للتدبير الإلهيّ، وضمّا إرادَتيْهِما إلى إرادة يسوع في الطاعة الكاملة لمشيئة الله الآب.
2- وبعد أن انتهى الحديث بينهم تهيّأا لأن يغادرا الجبل. وشعر بطرس الذي كان يراقب الثلاثة مراقبةً دقيقة بأن موسى وإيليّا مزمعان أن ينصرفا، فعرض على يسوع أن ينصب ثلاث مَظالّ. إنّ السعادة والرهبة اللتين أحسّ بهما، وهو يرى يسوع متجلّياً، وحولَه النبيّان العظيمان، قد دفعتاه إلى أن يقول هذا القول.
الغمام النَيّر النازل من السماء
وهبط من السماء غمامٌ نَيّر وانبسط على يسوع والنبيَّيْن والتلاميذ الثلاثة. ودخل التلاميذ في الغمام وخافوا خوفاً شديداً. ولا عجب أن يخاف الإنسان الضعيف المحدود القوى أمام بهاء مجد الله وعظمته اللاّمتناهية.
إنّ الغمام رمزٌ لحضور الله حضوراً حسيّاً. فقد ظهر عدّة مرّات في تاريخ شعب إسرائيل. ومن أشهر ظهوراته عمودُ الغمام الذي كان يسير أمام العبرانيّين الهاربين من مصر بقيادة موسى النَّبي في أيام فرعون الظالم.
( سفر الخروج 13/13) وظهورُهُ لموسى على جبل سيناء وهو يتلقّى الوصايا العشر. (سفر الخروج 19/16) وظهورُهُ في هيكل أورشليم العظيم يومَ دشّنه سليمان الملك. (سفر الملوك الأول 8/10)
هذا هو ابنيَ الحبيب. فله اسمعوا
ولم يكتفِ الله الآب بأن يُعلن حضوره على الجبل بالغمام النَيّر، بل تكلّم كما تكلّم يومَ تعمّد يسوع في نهر الأردنّ فقال : " هذا هوَ ابنيَ الحبيبُ. فلهُ اسمعوا ". وازداد خوف التلاميذ لمّا سمعوا صوت الله الآب يكلّمهم، وسقطوا على وجوههم. لقد شعروا في تلك اللحظة الرهيبة شعوراً عميقاً بأنّ يسوع ليس نبيّاً على مثال موسى وإيليّا فحسب، بل هو ابنُ الله، وبأنّ مقامه يفوق عند الله مقامهما بما لا يُقاس.
وقد عبّر بولس الرسول عن هذا الشعور الداخلي بسموّ مقام يسوع عندما أقام مقابلةً بين مجد يسوع ومجد موسى، وبيَّن أنّ مجد يسوع يفوق مجد موسى " لأنّ موسى كانَ قيِّماً على بيتِ الله. أمّا المسيحُ فهوَ ابنُ الله ". (الرسالة إلى العبرانيّين 3/1-6)
لا تُخبِروا أحداً بالرؤيا
لمّا توقّف الله الآب عن الكلام أقبلَ يسوع على التلاميذ ولمسهم قائلاً : " قوموا. لا تخافوا ". فرفعوا أنظارهم فلم يرَوا إلاّ يسوع وحده.
هل دامت الرؤيا السعيدة مدّةً طويلة لا يُمكِنُنا أن نُحدِّد لها وقتاً ثابتاً. وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم يسوع بأن يلازموا الصمت خشيةَ أن يثير الخبر استغراب الناس فلا يصدّقون ما رآه التلاميذ ويصفونهم بأنهم يستسلمون إلى خيالاتهم
التطبيق العملي
1- إنّ هذه المعجزة تبيّن لنا بوضوح شخصيّة يسوع الذي ظهر على الجبل متألّقاً بالمجد الإلهي، وهذا ما لم يحدث لمّا تعمّد في النهر. فيسوع إلهٌ مجيد وإنسانٌ مجيد. وهذا ما يدفعنا إلى أن نرفع إليه المجد في كلّ ظرفٍ هامّ مِنْ ظروف حياتنا.
2- إنّ السعادة التي شعر بها بطرس لمدّةٍ قصيرة وهو على الجبل ، سوف نشعر بها مدى الأبديّة عندما نكون في السماء ، ونحن نتمتّع بجمال يسوع الرائع، من دون أيّ خوف على فقدانه. فالتجلّي يذكّرنا بمستقبلنا السعيد في الملكوت السماوي.
3- صرّح الله الآب بأن يسوعَ ابنُه الحبيب وأمرنا بأن نسمع له، أيْ أن نحفظ وصاياه. إنّ صوت الآب دعوةٌ موجّهة إلى كلّ واحدٍ منّا ليحاسب ضميره، ويطرح على نفسه بعض الأسئلة : هل أحفظُ وصايا يسوع بدقّة أم أُخالفُها ولا أُبالي بالمخالفة؟
- هل أرى في وجه الإنسان المُعذَّب بالمرض والفقر والجوع وجهَ يسوع المشرق على الجبل ؟
- هل أُحاربُ ما فيَّ مِن ميول شرّيرة تدفعُني إلى نسيان وصية يسوع الكبرى وهي محبّة الآخرين ؟
- هل أُحِبُّ الكنيسةَ، عروسَ المسيح، فأكون فيها عضواً فعّالاً ؟
- إن الأجوبة عن هذه الأسئلة تُطلعُني على حقيقة حياتي.