روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر الفقراء وأرسلني لأعلن للمأسورين تخلية سبيلهم وللعميان عودة البصر إليهم و أفرج عن الـمظلومين (لو 4 /18)
المعجزات في الكتاب المقدس - شفاء عشرة رجال برص
شفى يسوع عشَرة رجال بُرْص
نصّ الإنجيل
وبينَما يسوعُ سائرٌ إلى أورشليم، مرَّ بِجانِبِ السامِرةِ والجليل. وعِندَ دخولِهِ بعضَ القُرى، تلقّاهُ عَشَرَةٌ مِنَ البُرْصِ، فوَقَفوا على بُعدٍ مِنْهُ، ورَفَعوا أصواتَهُم.
قالوا : " رُحْماكَ يا يسوع يا مُعَلِّم ! " فلمَّا وَقَعَ نَظَرُهُ عَليهِم قالَ لَهُمْ : " أُمضوا إلى الكَهَنَة فأَروهُم أنفُسَكُم ". وبينما هُم ذاهِبون بَرِئوا.
فلَمّا رأى واحِدٌ مِنْهُم أنَّهُ قد برِئ، رجعَ وجعَلَ يُمَجِّدُ اللهَ بأعلى صَوتِهِ، وأَكَبَّ لوجهِهِ على قَدَميْهِ يَشكُرُهُ، وكانَ سامريّاً. فقالَ يسوعُ:" أليسَ العشَرَةُ قد برِئوا فأينَ التسْعَة أما كانَ فيهم مَنْ يرجِعُ ويمجِّدُ اللهَ سوى هذا الغريب ؟ " ثُمَّ قالَ لَهُ : " قُمْ فامضِ، إيمانُكَ أبرأَكَ".
(لوقا 17/11-19)
البُرْص المُصابون بالنجاسة الشرعيّة
مَنْ هؤلاء البُرْص العشرة تسعةٌ منهم كانوا يهوداً، وواحِدٌ كان سامريّاً. واليهود والسامريّون أعداء، يرفضون كلّ جِوار، وكلَّ تعايش مشترك، وكلّ زواج مختلط. وعلى الرَّغم من هذه العداوة المتأصّلة فيهم منذ عدّة قرون، فقد انضمّ السامريّ الأبرص إلى اليهود التسعة البُرْص، لانّ المرض المشترك بينهم دفعه إلى أن ينسى العداوة ويعيش معهم .
كان العشرة يقضون حياتهم بمُقتضى شريعة موسى، منعزلين عن الناس وبعيدين عن قُراهم، لا لأنّهم كانوا يعرفون أنّ في البَرَصِ عدوى تنتقل من الإنسان المريض إلى الإنسان الصحيح، بل لأنّ شريعة موسى كانت تعتبر أنّ الأبرَص مُصابٌ بالنجاسة الشرعيّة، وأنّ من كان نجِساً لا يحقّ لـه أن يعيش مع الأطهار الشرعيّين، خشيةَ أن يلمسوه فتنتقل إليهم النجاسة.
وعلى الرَّغم من انعزال هؤلاء البُرْص العشرة عن السكّان، فقد وصلت إليهم الأخبار أنّ يسوع نبيٌّ عظيم، وأنّه يتمتّع بقُدرةٍ فائقة على شفاء الأمراض كلّها، بلمسةٍ واحدة أو بكلمةٍ واحدة يتفوّه بها ولو عن بُعْد.
وبَلَغَهُم أيضاً أنّ يسوع يتجوّل مع تلاميذه بين الجليل والسامرة، في المنطقة التي كانوا يسكنون فيها، يعلّم الناس وهو سائر إلى أورشليم. فتوجّهوا إليه ورأوه من بعيد وهو يدخل قريةً صغيرة.
صرخة الإيمان شفت المرضى
ما كاد البُرْص العشرة يرونه حتى أخذوا يصرخون عن بعدٍ بأعلى أصواتهم: " رُحماكَ يا يسوع المعلّم ". لقد فهم يسوع معنى هذه الصرخة. إنّهم كانوا يطلبون منه مُعجِزةً تشفيهم وتخلّصهم من آلام البَرَص وعار النجاسة، وتُمَكّنهم من العودة إلى بيوتهم وأُسَرِهم.
وسمع يسوع أصواتهم والتفت إليهم فرآهم فرقَّ لحالهم وأمرهم بصوتٍ عالٍ أن يذهبوا إلى الكهنة ويعرضوا عليهم أمر شفائهم، وهذا ما كانت تأمر به الشريعة الموسويّة. فمن نال الشفاء من بَرَصه، لا يحقّ له أن يرجع إلى بيته إلاّ بعد أن يطّلع الكهنة على حقيقة شفائه ويحظى منهم بشهادة شرعيَّة تُثبت شفاءه.
ولمّا سمع البُرْص العشرة أمر يسوع بالذهاب إلى الكهنة آمنوا بكلامه وتوجّهوا إلى مجمع تلك المنطقة ليُطلعوا الكهنة على شفائهم. وما كادوا يسيرون بضعَ خطوات حتّى شعروا بأنّ آلام البَرَص قد زالت عنهم، وأنّ أجسادهم أصبحت نقيّة سليمة، لا أثر فيها للبُقَع السوداء ولا لتآكل المرض الخبيث.
هكذا كان مفعول صرخة الإيمان. لقد حرّكت عاطفة الرأفة في قلب يسوع فأشفق عليهم وشفاهم.
أليس العشرة قد برئوا ؟ فأين التسعة ؟
شفى يسوع البُرْص العشرة. فلم يشعر منهم بضرورة تمجيد الله ورفع عاطفة الشكر إلى يسوع إلاّ واحِدٌ فقط، وهو السامري. فترك رفاقه ورجع إلى يسوع وارتمى على قدمَيْه وشكر لله نعمته بصوتٍ عالٍ.
فتأثّر يسوع بما أبداه من عاطفة رقيقة ومعرفة الجميل، فقال:" أليسَ العَشَرةُ قد برئِوا فأينَ التسعة"
لم يكن يسوع يريد بهذا القول أن يَفرُضَ على البُرْص التسعة الذين طهروا العودةَ إليه والتعبيرَ عن شكرهم لإحسانه، بل كان يريد أن يرفعوا الحمد لله على النعمة التي حصلوا عليها من ابنه يسوع المسيح.
إيمانُكَ خلّصَكَ
وأوضح يسوع للسامري أهمّية الإيمان فقال له : " إيمانُكَ خلّصكَ ". وقد أراد بذلك أن يقول لنا إِنَّ مَنْ طَلبَ بإيمان نال الخلاص.
والخلاص الذي ذكره يسوع لا يعني الخلاص من مرض الجسد فحسب، بل الخلاص من مرض النفس، وهو الأهم، لأن خلاص النفس يؤدّي بالإنسان إلى السعادة الأبديّة التي أعَدَّها الله منذ الأزل ليتمتّع بها بعد حياته على الأرض.
الإشارات الثلاث الكبرى
لمّا شفى يسوع البُرْصَ العشرة أبدى ثلاث إشارات كُبرى لفت إليها انتباه المسيحيّين، وهي :
الإشارة الأولى : ضرورة الإيمان بيسوع.
آمن البُرْص بكلام يسوع فنالوا الشفاء. اغتنم يسوع هذه المناسبة وأوضح أهمّية الإيمان فقال للسامري الذي برئ:" إيمانكَ خلّصكَ ". لقد أراد بهذا القول أن نؤمنَ بشخصه الإلهي وقُدرته اللاّمحدودة، ونحيا حياةً روحيّة سليمة لا يشوّهها بَرَصُ الخطيئة ، ونعبّرَ لـه عن إيماننا بما قاله البُرْص العشرة " رُحماكَ يا يسوع المُعلّم ". إنّها صرخة الإيمان نرفعها إلى يسوع صديقنا الأعظم فيُعيد إلينا صحّتنا الروحيّة المفقودة، بشرط أن يكون إيماننا به إيماناً فعّالاً.
ولا يكونُ إيمانُنا إيماناً فعّالاً قادراً على التأثير في قلب يسوع إلاّ إذا كان مقروناً بالمحبّة، أيْ محبّة الله ومحبّة الآخرين (غلاطية 5/6) . والمحبّة لله لا تقوم بالكلام والعاطفة، بل بحفظ الوصايا وتقديم الخدمة التي يحتاج إليها إخوتنا المتألّمون.
الإشارة الثانية : ضرورة إبداء الشكر ليسوع
عندما نكون محتاجين إلى نعمةٍ ضروريّة نسأل يسوع بإلحاح أن يستجيب لنا، ونطلبها منه أحياناً بالبكاء والصراخ. ولسنا على خطأ عندما نعرض طلبنا عليه. فقد قال لنا " اطلُبُوا ". ولكن متى حصلنا عليها ننسى، في غالب الأحيان، أن نقول لـه:" نشكر لك يا يسوع حبّك لنا وعطفك علينا".
إنّ صلاة الطلب، وإنْ هي محبّبةٌ إلى قلبه، تقتضي منّا أن نقوم بعد نيل النعمة المطلوبة بصلاة الشكر. فيسوع يريد أن نرفع آيات الشكر والحمد لا ليمجّد ذاتَه، بل ليمجّد آباه السماوي. لقد مدح السامري الذي ارتمى على قدمَيْه وشكر لله نعمته، واشتكى من نكران الجميل الذي أبداه البُرْص التسعة بعد شفائهم من مرضهم.
ويجدر بنا أن نلمّح هنا إلى موقف الكثيرين من المسيحيّين الذين يتناولون القربان الأقدس، ثمّ يخرجون فوراً من الكنيسة من دون أن يتفوّهوا بكلمة شكرٍ ليسوع الذي أحبّهم وجاء إليهم وسكن في قلوبهم.
الإشارة الثالثة : بلوغ الخلاص الأبدي
ذكر يسوع هذه الإشارة عندما قال للسامري " إيمانُكَ خلّصكَ ". إنّ الخلاص في قول يسوع لا يعني التخلّص من المحنة الأرضيّة التي نتألّم منها فحسب ، بل يعني بنوعٍ خاص بلوغ الخلاص، أيْ التمتّع بالسعادة الأبديّة في السماء، بعد سلوك الحياة النقيّة على الأرض.
التطبيق العملي
1- إنّ النجاسة الشرعيّة لا تزال قائمة في الدين اليهودي. أمّا في الدين المسيحي فلا وجود لها إطلاقاً. فإنّ كلّ ما خلقه الله طاهِرٌ نقيّ لا ينجّس الإنسان. وقد أشار بولس الرسول إلى نواهي الدين اليهودي الشرعيّة " لا تأخذْ، لا تذُقْ، لا تلمُسْ " فقال فيها إنّها وصايا ومذاهب بشريّة لا قيمة لها لأنّها غير صالحة إلاّ لإرضاء الأهواء البشريّة.
(قولُسّي 2/22)
2- ليس للكاهن المسيحي أيُّ دورٍ طبّي كما كان للكاهن اليهودي. إنّ للكاهن المسيحي دوراً أسمى، وهو دورٌ روحيّ، فيشفي النفوس المريضة بالخطيئة، ويؤمّن حاجات المؤمنين الدينيّة، ويشجّعهم على تتميم واجباتهم الروحيّة.
3- تمسّكْ في سلوكك الفردي بالإشارات الثلاث التي ذكرها يسوع، وهي الإيمان والشكر والسعي للخلاص الأبدي. إنها تساعدك على أن تعيش حياةً مقدّسة.