فإن الرب عالم بطريق الأبرار و إن إلى الهلاك طريق الأشرار ( مز 1 /6)
يسوع المسيح راعي الشعوب كلها
يسوع المسيح راعي الشعوب كلّها
نصُّ الإنجيل
قالَ يسوع : " أَنا الراعي الصالح . الراعي الصالح يبذِلُ نفسَهُ في سبيلِ الخِراف .
وأَمَّا الأجيرُ , وهو ليسَ براعٍ وليستِ الخِرافُ لهُ , فإِذا رأَى الذئبَ مُقبلاً , تَرَكَ الخِرافَ وهَرَب . فيخطَفُ الذئبُ الخِرافَ ويُبَدِّدُها , وذَلِكَ لأنَّهُ أَجيرُ لا يُبالي بالخِراف .
أَنا الراعي الصالح . أَعرِفُ خِرافي , وخِرافي تعرِفُني , كما أَنَّ أَبي يعرِفُني وأَنا أَعرِفُ أَبي . وأَبذِلُ نفسي في سبيلِ الخِراف . ولي خِرافٌ أُخرى ليستْ مِنْ هذهِ الحظيرَةِ , فتِلكَ أَيضاً لا بُدَّ لي مِنْ أَنْ أَقودَها, وستُصغي إلى صوتي , فتكونُ هناكَ رعيَّةٌ واحِدَةٌ وراعٍ واحد
."(يوحنا 10/4-16 ).
الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه
إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه هي أنَّ يسوع المسيح, الراعي الصالح, ليس راعي شعبٍ واحدٍ معيَّن, بل راعي شعوب الأرضِ كُلِّها. فهو يعتني بها جميعاً, ويعرف اسم كلِّ فردٍ منها, ويقودها في طريق الخلاص.
فقد بذل ذاته لأجلها على الصليب, وهو يوفِّر لها كُلَّ إمكانيَّات الحياة السعيدة في صداقة الله على هذه الأرض وفي نعيم السماء مدى الأبديَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.
مَهمَّة رئيس الشعب
إنَّ تشبيه رئيس الشعب بالراعي تشبيه شائع في كتب الأنبياء. لقد شبَّه الأنبياءُ رئيسَ الشعبِ بالراعي لأنَّ موسى, رئيس الشعب الأوَّل والأكبر, كان راعياً قبل أن يدعوه الله إلى إنقاذِ شعبه من عبوديَّة فرعون، وإنَّ داؤد الملك كان هو الآخر راعياً قبل أن يُنَصِّبه الله ملكاً على شعبه،
وإنَّ معظم أفراد الشعب كانوا رُعاةً في البريَّة قبل أنْ يُمارسوا المِهَن الصناعيَّة ومهنة الزراعة. وقد بقيَ هذا التشبيهُ عالِقاً في أذهانهم حتى بعد أن تركوا البادية وتبنَّوا حضارة المدن وعاشوا فيها, ومارسوا المِهَن المتنوِّعة.
وهذا ما حمل يسوع على أن يشبّه نفسه بالراعي الصالح, مع أنَّه كان يتنقَّل بين المدن والقرى البعيدة عن مراعي قطعان الغنم.
ولمَّا ورد هذا التشبيه في الكتاب المقدَّس عدَّة مرَّات, فقد ألِفَتْهُ الشعوب المسيحيَّة, وأخذت تُسمِّي رؤساءها الروحيين والمدنيين رُعاةً لها.
يسوع الراعي الصالح
قالَ يسوع عن نفسه: " أَنا الراعي الصالح ." إنَّه الراعي الصالح:
1- فهو يعرف خرافه, ويدعو كُلَّ واحدٍ منها باسمه. إنَّه يعرف جميع المسيحيين معرفةً شخصيَّةً وفرديَّة. يعرف اسم كلِّ مسيحيٍّ, ويهتمُّ بكلِّ واحدٍ من المسيحيين, فلا ينسى أحداً, ولا يُهمل أحداً, ولا يتوانى عن خدمة أحد.
2- وهو يقود خِرافَهُ في طريقِ الخلاص. فلا يكتفي بأن يعرف أسماء كلِّ المسيحيين, بل يمشي قُدَّامهم: " فإذا أَخرَجَ خِرافَهُ جميعاً سارَ قُدَّامها , وهي تتبَعُهُ لأنَّها تعرِفُ صوتَهُ ." (يوحنا 10/4)
إنَّ طريق الخلاص ليس طريقاً رحْباً وسهلاً, بل طريقٌ ضيِّق وصاعد وشاقّ, وهو الذي يصِلُ بالمؤمنين الذين يتبعون يسوع إلى قِمَّة جبل الجلجلة حيث يرتفع الصليب. ومن جبل الجلجلة يقودهم يسوع إلى مجد القيامة وإلى سعادة الصعود إلى السماء.
3- إنَّ يسوع لم يكتفِ بأن يعرِفَ خِرافَه ويمشي قُدَّامها, بل بذل حياتَهُ على الصليب في سبيل سعادتها. قال يسوع: " أبذِلُ نفسي في سبيلِ الخِراف
."( يوحنَّا10/15 )
فما أسعدنا بهذا الراعي الصالح الذي يقودنا برعايته إلى سعادة الملكوت الأبدي
يسوع راعي الشعوب كلِّّها
لن يبقى يسوع راعيَ عددٍ محدود مِنَ المسيحيينَ المُنتشرينَ في العالم, بل سيكون راعيَ جميع الشعوب. فإنَّ جميعها ستُصغي إلى صوته وستؤمن به وتكون رعيَّةً واحدة تحت قيادة راعٍ واحد. ولا بُدَّ من أن تتحقَّق نبوءة يسوع.
(يوحنا 10/16)
الرعاة الروحيُّون والمدنيُّون
قبل أن يصعد يسوع إلى السماء سلَّم رعيَّته إلى رُعاةٍ يمثِّلونه على الأرض, ويتكلَّمون باسمه, ويقودون أفراد الرعيَّة قيادةً أمينة في طريق السماء. هؤلاء الرعاة هم الرعاة الروحيُّون. إنَّهم الرسل، ومن بعدهم رؤساء الكنيسة الذين يهتمُّون بنفوس أبناء الرعيَّة باسم يسوع.
ومن أبرز رعاة الكنيسة وأقربهم إلى الشعب المسيحي الكاهن, راعي الكنيسة المحليَّة. إنَّه خوري الرعيّة ويحمل لقب "الراعي" لأنَّه قد عُهِدَ إليه في الاهتمام المباشر بأبناء رعيَّته من النواحي الدينيَّة والخُلُقيَّة والتربويَّة وحتى الاجتماعيَّة. وهذا الاهتمام الموكول إليه هو خدمةٌ سامية ذات مسؤوليَّةٍ رفيعة عِنْدَ الله وفي الكنيسة, وسيؤدِّي عنها الحساب يومَ الدينونة.
هذا وإنَّ للشعوب المسيحيَّة, كسائر شعوب العالم, رعاةً مدنيين يتولَّون سياسة أمورهم المدنيَّة, وعليهم تقع مسؤولية كبيرة أمام الله والشعب. فعليهم أن يكونوا رُعاةً مُخْلصين يعملون كلَّ ما في وسعهم لإسعاد شعوبهم وتوفير السلام والرفاهيَّة لبلادهم.
التطبيق العملي
1- يسوع هو الراعي الصالح, فمن تَبِعَهُ لا يمشي في الظلام, بل يكون له نور الحياة. فاتبعْ يسوع دوماً بالمحافظة على وصاياه وتوجيهاته الروحيَّة السامية التي تقودك في طريق النور والحقِّ والحياة.
2- يسوع يعرِفُ اسمك ويعرف رغبات قلبك. فعندما تشعر بحاجةٍ تختلجُ في فؤادِكَ, توجَّهْ إليه واعرضْها عليه, فإنَّه واقفٌ أمامكَ ليسمع ما تقوله لـه, ومستعدٌّ كلَّ الاستعداد لأنْ يلبِّي كلَّ رغبةٍ في نفسك تؤدِّي بك إلى السعادة.