هاهي ذي الفأس على أصول الشجر فكل شجرة لا تثمر ثمرا طيبا تقطع و تلقى في النار (لو 3 /9)
الأمثال في الكتاب المقدس - مثل الخمر الجديدة والأوعية العتيقة
نصُّ الإنجيل
قالَ يسوع : " ما مِنْ أَحَدٍ يضَعُ خمْراً جديدةً في أَوْعيةٍ عتيقةٍ لِئَلاَّّ تَشُقَّ الخمْرُ الجديدةُ الأَوْعيةَ , فتَتْلَفَ الخمْرُ والأَوْعيةُ معاً . ولكنْ لِلْخَمْرِ الجديدةِ أَوعيةٌ جديدةٌ ." (مرقس 2/22 )
الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل
إن الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أن لا وفاقَ بين الدين المسيحي والفرائض اليهوديَّة. فالدين المسيحي خمرٌ جديدة, والفرائض اليهوديَّة أوعيةٌ عتيقة. والأوعية العتيقة لا يمكنها أن تحفظ الخمرة الجديدة من التلَف.
فمن أراد أن يضمَّ إلى الدين المسيحي الفرائض اليهوديَّة العتيقة ليكوِّن ديناً موحَّداً, أفسد الدين المسيحي وعرَّضه للتشويه والضَياع والتلَف. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.
لا وفاقَ بين الدين المسيحي والفرائض اليهوديَّة
لاحظ بعض الناس أن تلاميذ يوحنَّا المَعمدان وتلاميذ الفرِّيسيين يصومون كثيراً, فاعترضوا على يسوع قائلين: " لماذا يصومُ تلاميذُ يوحنَّا وتلاميذُ الفرِّيسيين, وتلاميذُُك لا يصومون ؟ " فأجاب: " أيَستَطيعُ أهلُ العُرسِ أن يصوموا والعَريسُ مَعَهُم ؟ "
لم يرفض يسوع الصومَ بهذا القول. فالصومُ يؤدِّي إلى التوبة. ولكنَّه لم يشأْ أن يفرضه على تلاميذه ما دام مقيماً بينهم. فإن وجوده بينهم يخلق في نفوسهم جوَّاً من الفرح الروحي, كالفرح الذي يُحدثه وجودُ العريس بين أهل العرس. فمتى ارتفع عنهم فحينئذٍ يصومون. (مرقس 2/18-20)
ولكنَّ يسوع لم يكتفِ بفكرة تأجيل الصوم إلى يوم انفصاله عن تلاميذه, بل انتقل إلى عَرْض فكرة أوسعَ منها عبَّرعنها بمثَل الخمر الجديدة والأوعية العتيقة, وهي أنه لن يفرض أبداً على تلاميذه وعلى المسيحيّين المحافظة على الفرائض اليهوديَّة, لأنه لا وفاقَ بينها وبين الدين المسيحي الجديد, كما أنه لا وفاقَ بين الخمر الجديدة والأوعية العتيقة. فما الدين المسيحي وما الفرائض اليهوديَّة
1- ما الدين المسيحي ؟
الدينُ المسيحي هو دينُ الوحي السماوي, والإيمان الحيّ, والنعمة الإلهيَّة الناجمة عن المعموديَّة وعن سُكنى الروح القدس في نفس الإنسان المعمَّد.
وهو دينُ المحبَّة والتقوى الحقَّة التي يغذِّيها يسوع نفسُهُ بكلامه, ومثَل حياته السامية, وإلهامات روحه القدُّوس, وأسراره السبعة المقدَّسة.
وهو دينُ الأخلاق الفاضلة, والطاعة لمشيئة الله, والممارسات الدينيَّة الصادقة.
وهو دينُ حَمْلِ الصليب اليومي الذي تضعُهُ يدُ الله على كاهلنا, فنحمله خاضعين لتدبيره الإلهي بثقة ومحبَّة, ونضمُّ آلامَنا إلى آلام يسوع المصلوب, فنكفِّر بها عن خطايانا الكثيرة التي أهانت جلال الله تعالى وعن خطايا الآخرين.
2- ما الفرائض اليهوديَّة ؟
الفرائض اليهوديَّة هي ممارسةُ الختان الجسدي, والامتناعُ عن أكل اللُّحوم التي تعتبرها نجسة, والقيامُ بالوضؤ قبل تناول الطعام, وغسلُ الكؤوس والأباريق والأوعية النحاسية والأَسِرَّة.
وهي النهيُ المطلق عن القيام بأيِّ عمل في يوم السبت, حتى وإنْ كان هدفُهُ خدمةَ الآخرين المحتاجين ومؤازرةَ المرضى والمتألِّمين.
وهي الاحتفالُ الخارجي بأعياد قوميَّة, لبعضها طابع تاريخي, كعيد الفصح اليهودي, ولبعضها طابع زراعي, كعيد العنصرة الشعبي.
الفرق بين الدين المسيحي والفرائض اليهوديَّة
إنَّ الفرق عظيم جداً بين الدين المسيحي والفرائض اليهوديَّة. ففي الدين المسيحي الروحُ والإيمان والمحبَّة, وفي الفرائض اليهوديّة الأعمالُ الجسديّة والمظاهر الخارجيَّة والأحكام البشريَّة.
فهل يُمكن أن يقوم الوفاق بين الروح والجسد ؟ وبين الإيمان الحيّ والمظاهر الجامدة و بين المحبَّة المتفانية والأحكام القاسية كلا.
حذارِ من جعل الدين المسيحي فرائض يهوديَّة
1- الدين المسيحي دين الإيمان والمحبَّة
إن الدينَ المسيحي دينُ الإيمان والمحبَّة. فليحذر المسيحي أن يطفئ في نفسه نور الإيمان وشُعلة المحبَّة بسلوك سيرة فاترة تتميَّز بالأنانية والانطوائيَّة واللاّمبالاة والتراخي في القيام بالواجبات الدينيَّة والعيش في جوٍّ مشحون بالخطيئة, وأَن يكتفي بالأعمال الخارجيَّة, وإلاَّ انقلب دينه المسيحي كالفرائض اليهوديَّة مجموعةً من الأحكام والمظاهر الفارغة العديمة الحياة.
2- الدين المسيحي دين الجهاد الروحي
إن المسيحي المؤمن والمُحبّ لا يكتفي بالممارسات الدينيَّة الخارجيَّة, بل يجاهد بقوّة وعزم في سبيل الحفاظ في قلبه على فضائل الإيمان والرَّجاء والمحبَّة, ولا يهدُر بالخطيئة جمال النعمة الإلهيَّة التي نالها بالمعموديَّة المقدَّسة, ولا يتوقَّف عن الانطلاقة الروحيَّة التي حظي بها بفضل سُكنى الروح القدس فيه, بل يقتدي بيسوع المثال الأعلى للفضائل كُلِّها. ومتى مارس الجِهاد الروحي بقيَ فيه الدينُ المسيحي حيَّاً فعَّالاً كالخمر الجديدة الفوَّارة التي تُفرِّح قلب الإنسان.
(مزمور 103/15)
التطبيق العملي
حافظْ في قلبك باستمرار على ما يطلُبه منك الدين المسيحي من جهادٍ روحيّ, وإيمان حيّ, ورجاء ثابت, ومحبَّة فعَّالة, وتضحية سخيَّة في بيئتك وكنيستك,
ولا تكتفِ بالأعمال الخارجيَّة التي لا تُنعشُها الحياة الروحيَّة. واطلُبْ من يسوع نعمة الثبات لتحافظ على مقاصدك وتبقى دوماً هيكلاًً مقدَّساً لسُكنى الروح القدس فيك.