Skip to Content

فضيلة الشكر - الانبا مكاريوس الأسقف العام

فضيلة الشكر

Click to view full size image

مكاريوس

الأسقف العام

 

الشكر :

الشكر هو النهج الذي تتبعه الكنيسة في العلاقة مع الله، نبدأ به كافة صلواتنا، سواء الليتورجية منها (الجماعية) أو الفردية

ففي رفع البخور نبدأ بصلاة الشكر وفي القداس وفي الأسرار الكنسية، وفي صلوات السواعي وفي الرسامات وفي افتتاحيات المهرجانات أو المشروعات

وعند تبريك المنازل أو المحال. وفي الزيارات السريعة، وعند الاستعجال وضيق الوقت - إذا كان الاختصار مناسباً - في الصلاة، فستكون صلاة الشكر هي المُرجّحة والطبيعية في مثل هذه المناسبات

بل حتى الصلوات الإرتجالية نبدأها بالشكر، وأول عبارة نلقنها للأطفال كصلاة هي عبارة الشكر...

ذلك حتى يكون الشكر هو الخلفية التي سنتحدث عليها مع الله ونطلب منه، أو نعتذر إليه أو نشكو إليه أو حتى نسبّحه فنقدم تسابيح الشكر

" واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر " (كولوسى 4 : 2).

سواء استجاب لطلباتنا أم لا فنحن نشكره مسبقاً، نعرف أنه يحبنا وسوف يعمل ما فيه خيرنا ولذلك نشكره... ومع أننا نشكره مقدّماً، إلا أننا أيضا نطرح احتياجاتنا عند قدميه....

 

معنى كلمة الشكر:

      في القبطية تبدأ صلاة الشكر بعبارة "Maren]ep\mot  ntotf   mV:  مارين شيب إهموت إنتوتف إم افنوتي"

وتفسيرها فى اللغة العربية نقبل نعمة يد الله، أي أن الشكر:

هو قبول ما يأتي من يد الله لنا، بغض الطرف عن شكل العطية، وهل توافق مشيئتنا وتحوز استحساننا أم لا.

 هناك وجهان دائما ونظرتان لعطايا الله، أحدهما بشرية والاُخرى إلهية، فبينما يعطى الله الخير دائما للبشر، إلاّ أنهم قد يرون – في بعض مما يعطيه الله – عكس ذلك فيتذمرون

وهنا تصطدم مشيئتهم مع مشيئة الله فيحزنون ويتشككون في محبته، غير أن الله لا يشرح دائما (أو في كل مرة) تدبيره، لا سيّما متى كنّا متذمرين،

 

 لذلك قال السيد المسيح لمعلمنا بطرس عندما رفض أن يغسل له قدميه:

" لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد " (يوحنا 13: 7).         

إن قبولنا لعطايا الله يجعل هذه العطايا تزداد فإنه

" ليست عطية بلا زيادة إلاٌ التي بلا شكر" (بحسب تعبير الآباء) والذين يقولون أن " شكر الذي يأخذ يحرّك الذي يعطى ليبذل المزيد".

 

نشكر صانع الخيرات:

 تقول القصة التي دارت فصولها في الستينات، أن رجلا اُصيب في مصنع وفقد "عُقلة" من أحد أصابع يديه، وقد أثر ذلك على نفسيته كثيراً

فدخل في خصومة مع الله ناظراً إلى الأمر على أنه عدم حب وعدم رعاية من الله، وكان يسأل نفسه دائماً:

"لماذا أنا بالذات ولم يكن غيري أو لم تكن الواقعة أصلاً...."

وتوارى في بيته شهوراً قبل أن يخرج ثانية إلى العمل، محاولاً باستمرار مواراة يده التي بها الأصبع المبتور.

إلى أن جاء يوم مرٌ فيه من مكان مهجور، هناك كان جماعة من السحرة يظنون أنهم عثروا على كنز

وتقول كتب سحرهم أنه لن ُيفتح إلاّ بعد تقديم ذبيحة بشرية، وحالما أبصروا هذا الإنسان حتى انقضّوا عليه مثل النسور وشرعوا في الإعداد لذبحه ولكنهم توقّفوا فجأة عندما اكتشفوا الأصبع المبتور، فعدّلوا عن ذبحه إذْ كان هناك شرط سلامة المقدّم ذبيحة! وهكذا أنقذه الأصبع المبتور، فصارت له تلك الحادثة سبب استحياء لنفسه.

 الله لا يعرف إلاّ الخير ولا يصنع إلاّ الخير، هو صانع العظائم والعجائب

"صانع الإحسان لألوف" (إرميا32: 18)

ونردد على طول الكتاب المقدس أنه صالح، ونسبّحه كل يوم ونشكره لأنه صالح " أشكروا الرب لأنه صالح ولأن إلى الأبد رحمته "

ومن المفيد هنا أن نعرف أن كلمة " أغاثون " والتي تعني في اليونانية صالح، هي نفسها تعني خيّر، فالصالح هو الخيّر.. والصلاح هو الخير..

" اذبح لك منتدباً احمد اسمك يارب لأنه صالح " (مزمور 54 : 6).

 

الرحوم الله:

 قلب الله متحرك دائماً بالرحمة من نحو كل الخليقة، ليس الإنسان فحسب وإنما جميع الكائنات أيضاً:

الوحوش والحيوانات والطيور والزواحف والحياء المائية، يهبها طعامها في حينه، كما يضفي عليها جمالاً أخّاذاً وألواناً بديعةً، إن نظرة متفحّصة لجلد الثعبان أو ألوان الفراشات أو أسماك الزينة، ُتثير العجب والشكر لله المُبدِع، بل حتى زنابق الحقل (العشب) يشير إليه السيد المسيح قائلاً:

" فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غداً في التنـور(الفرن) يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جداً يُلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان (مت6 : 30)

يكسيها الله جمالاً أخاذاً

" تأملوا الزنابق كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم أنه ولا سليمان فى كل مجده كان يلبس كواحدة منها " (لوقا 12: 27).

 هنا وأتعجّب كيف يحب الناس بعض المخلوقات دون البعض الآخر، يدللون نوعاً منها ويصطادون نوعا آخر ويقتلون نوعاً ثالثاً ويتجاهلون رابعاً وهكذا، في حين أن الله يحب الكل ويهتم بالكل...

وبينما يرحمنا الله نحن  ويتغاضى عن ضعفاتنا ويغفر لنا متى ُتبنا، إلاّ أننا نحن فى المقابل:

قساة، لا نرحم بعضنا البعض، ولو كان أحدنا مكان الله لأحرق كل يوم مدناً بكاملها، وفي مثل المديونين نجد أنه وبينما ترك السيد للعبد المديون بعشرة ألاف وزنة

دينه بالكامل لأنه استعطفه واستمهله، فإن هذا في المقابل لم يرحم أخاه المديون له بمبلغ مئة دينار فقط (نسبة الدين 1: 60) بل أخذه ووضعه في السجن، فلما سمع السيد استحضر ذلك القاسي وبكّته قائلاً

" أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إلىٌ، أفما كان ينبغي أنك أنت أيضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا " (متى 33,32:18).

وهكذا إن كنّا نرحم الآخرين فذلك لنحظى برحمة الرب، كما أن رحمة الرب لنا وطول أناته علينا هي التي تدفعنا بالأكثر إلى الإشفاق على الآخرين، إننا نترك القليل جداً لإخوتنا، من أجل الكثير الذي علينا تجاه الله، حقا يقول السيد المسيح

" كونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم " (لوقا 6: 36).

 ليت قلبك يتحرك بالرحمة نحو كل الخليقة، مجرد حركة قلبية داخلية تشفق بها على الكل.. أحشاء رأفة.. قلب حاني رفيق، لا يحتمل مجرد رؤية القسوة أو الضعف أو الألم...

إن هناك أُناسا حركتهم الرحمة القلبية تجاه المرضى، فأسست فلورانس نايتنجل نظام التمريض، وآخرين أسسوا جمعيات الرفق بالحيوان، وآخرين أعلنوا مناصرتهم للبيئة والأحياء، وصنعوا المحميات الطبيعية..

"طوبى للرحماء لأنهم يرحمون" (متى 5 : 7).

 

ولكن لماذا الشكر؟

  اتفقنا أن نشكر الله على كل حال ومن أجل كل حال وفى كل حال، والمقصود بالطبع:

+ على كل حال مرّ بنا.

+ ومن أجل كل حال نحياه.

+ وفى كل حال سوف نُوجد فيه.

فالشكر لله دائم وقد أصبح تسبحة في أفواهنا كل يوم، كل اليوم.. ولكن لماذا الشكر(1)؟:  

إن صلاة الشكر التي نرددها في القداس ثلاث مرات (عشية وباكر وتقدمة الحمل) ونرددها في صلوات الأجبية سبع مرات، وفي سائر الأوقات والمناسبات كما قلنا سابقاً، هي لتذكير المُصلي بأنه لا يشكر الله تفضُلاً

أو خضوع أجوف لسلطانه، ولكننا نعترف بأنه مستحق للشكر لأنه:

سترنا وأعاننا وحفظنا وقبلنا إليه وأشفق علينا وعضّدنا وأتى بنا إلى هذه الساعة، والآن لنرى معاً هل تستحق هذه الحيثيات الشكر بالفعل دائماً ؟:

 

لأنه سترنا:

 الله يعرف جيداً ما صدر عنا.. فهو لا يخفى عليه شيء

"طرقهم أمامه في كل حين فهي لا تخفى عن عينيه" (سيراخ13:17)

ولكن الله يهتم بأن تكون صورتنا قدام الناس حسنة وجيدة، فُيظهر فقط فضائِلنا بينما يُخفى ضعفاتنا.

يستر علينا بمعنى أنه يجعل ستاراً فيما بين الناس وبين خطايانا وتجاوزاتنا، حتى لا يحتقرنا الآخرين، إذ قد يتسبب ذلك في أن نيأس.. وقد يدفعنا اليأس إلى مزيد من الخطايا.

ومن المؤسف أن الإنسان كثيراً ما يستغلّ ستر الله ولطفه معه ودفاعه عنه فيتكبر ويتشامخ قلبه ويدين الآخرين على بعض ما يظهر عليهم من ضعفات (ينسى الخشبة التي في عينيه وينتقد القذى في عيون الآخرين).

 لذلك فإن الله قد يستخدم الملاطفة أو التشهير، التلميح أو التجريح، ولكن التشهير والتجريح بعدما يتمادى الإنسان في غيّه ويحتاج من ثمّ إلى عتاب من الله ليخلص، البعض يأتي بالتلميح والملاطفة والبعض الأخر يتمادى فيناسبه العقاب وهكذا..

لذلك فمن الأهمية بمكان أن تكون هناك وقفات (غربلة) مع النفس في كل يوم

وعلى الإنسان اليقظ أن يقول لنفسه:

"ان كان ذلك التصرف الذي صدر عنى اليوم، ولم يعاتبني عليه الله كما لم يلحظه الناس أيضا، إلاّ أنني لن أمرّره وأتسامح فيه مع نفسي"، يقول الآباء " إن ذكرنا خطايانا ينساها لنا الله وإن نسيناها يذكرها لنا".

 ومن المُلاحظ بهذا الصدد أننا كثيرا ما نُعاقَب أو يأتي علينا ظلم أو ضيق فنتذمر، ولكن الأحرى بنا أن نعود بالملامة على أنفسنا قائلين:

نحن بعدل جوزينا "أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا " (لو41:23)

لأننا كثيرًا ما أخطأنا في الماضي ولم نُعاقب ولم يستوقفنا الله أو الآخرين، فهذا حق وعدل.

 إن ستر الله علينا أيضا يشبه عين الإنسان والتي يتغنى الناس بجمالها، من جهة لونها أو اتساعها أو فتحتها، ومن العين أيضا يمكن اكتشاف الشخصية.

هذه العين، لو ُاتيحت لك رؤيتها من الداخل، ستجدها كرة بيضاء تميل إلى الزرقة ومليئة بالشعيرات الدموية الدقيقة، لا جمال فيها ولا تختلف عن بقية أعين الآخرين، ولكن هذا من الداخل يخفيه الله ليظهر ما هو جميل وبهيج من الخارج فقط..

ولكن ما رأيك في عين جميلة ولكنها لا تبصر ؟.. وجسم سليم من الخارج بينما تنتشر فيه الأورام من الداخل..

 

لأنه أعاننا، وعضدنا:

إن الفرق بين العضد والعون، هو أن الإنسان يحتاج أحياناُ إلى سند، إلى عضد، بينما يحتاج في أحيان أخرى إلى العون، أي يحتاج أن يحمل عنه الرب الحمل كله، عندما لا تُعد فيه قوة

" أومن يا سيد فأعن عدم إيماني" (مرقس 9: 24)

العضد أن يضيف الله إمكانيات إلى إمكانياتنا.. إلى مساندة .. إلى تأييد

"عضد إسرائيل فتـاه ليذكر رحـمة" (لوقا 1: 54).

فإنه بينما تعني الإعانة القيام بكافة النفقات          

"لأن الأجنة قد دنت إلى المولد ولا قوة الولادة" (2مل3:19).

فإن العضد هو المعونة الإضافية أو المساندة.

لعل ذلك يذكرنا بالقصة الطريفة بعنوان "آثار الأقدام"

تقول القصة أن شخصاً كان يسير في الصحراء وطلب معونة الله له، وبين الفينة والفينة كان يلتفت إلى الخلف فيرى آثار أربعة أقدام فيطمئن إلى أن الله سائر معه، ولكن الطريق ازداد ُوعورة وشعر بالإجهاد

فلما نظر إلى الخلف فوجئ بأن الآثار أصبحت لقدمين فقط لا أربعة، وهنا تذّمر وعاتب الله كيف وعندما كان قادرا على السير كان الله يسانده

والآن وقد فارقته قوته يتخلى عنه. وإذا بصوت الله الحنون يطمئنه بأنه لم يتخلى عنه، بل أن القدمين اللتين تظهر آثارهما الآن هما قدميه هو.. 

في الحالة الأولى احتاج إلى العضد فسانده الله، أمّا في الحالة الثانية فقد احتاج إلى من يرفع الأمر كله عنه، ففعل الله أيضا.

 إن الله يراقبنا مثل أم حنون، وفى اللحظة التي نتعرض فيها للخطر، يهب مسرعاً ليلتقطنا فى الوقت المناسب.

 

لأنه حفظنا:

نحن نعرف فقط المتاعب والضيقات والأمراض التي وصلتنا بالفعل، وأنقذنا الله منها، ولكننا لا نعرف أن هناك أضعاف ذلك كان في الطريق إلينا

غير أن الله أبعدها عنا وأعفانا منها وتعامل هو معها قبل أن تصل إلينا.. قام بعملية غربلة لها!!.

 سواء أكان ذلك بالنسبة لمضايقات الآخرين لنا أو حروب الشيطان التي يسمح بها لنا.

 فعندما اشتكى الشيطان على أيوب البار، لم يسمح له الله إلاّ بأن يجربه في حدود معينة، وهكذا

ومع أن الشيطان يستفيد بمبدأ تكافأ الفرص الذي منحه الله لكل الخلائق، إلاّ أن يده لم تكن مطلقة لفعل ما يريد ومع من يشاء دون ضوابط.

خذوا مثلاً في الهواء المحيط بنا، إنه ملئ بالميكروبات والفيروسات المسببة لعشرات الآلاف من الأمراض العادية والخطيرة، ولا فضل لأحد في عدم الإصابة بها، بل هي حماية إلهية، وحتى هؤلاء الذين يصابون، يكون ذلك بترتيب منه لمحبته لهم ولفائدة أبعد.       

إن الله يضع دائماً خطاً فاصلاً يراقبه عن بعد، يمكن أن نسميه خط الخطر أو الخط الأحمر.. للمرض.. للخطايا.. للأذية.. الخ.

وأتذكر أن شاباً بينما كاد يقود سيارته في إحدى شوارع القاهرة المنتشرة فيها الأشجار وإذا بإحدى تلك الأشجار تسقط على مقدمة سيارته، غير أنه لم يُصب بأذى، ومع ذلك تذمر متسائلاً لماذا سقطت على سيارته دون سواها !!

ويهنئه المارة بأنه بخير، ولكنه استمر في استنكاره كيف يحدث هذا لسيارته هو.. وهكذا شغله هذا الفكر الرديء عن شكر الله الذي حفظه..

 

قبلنا إليه:

 قبلنا بكل ما فينا من خطايا ونجاسات، ولم يتأفف منا ولم ينظر إلى شيء من وسخنا.. مثل الأم التي تنكفئ فوق طفلها الباكي الرافع يديه نحوها مسترحماً، فتتلقفه بين يديها ضامّة إياه إلى صدرها بحنو يفوق الوصف

وتقبّله دون أن تنظر إلى شيء من وسخه. فهي تحبه كله.. كيانياً، وليس على مستوى الشكل أو الرائحة.

ولعل من أجمل ما ُوصف به الله من تشبيهات:

الأم "كإنسان تعزيه أمه هكذا أعزيكم أنا " (إشعياء 3:66)

"هل تنسى الأم رضيعها فلا ترحم ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك" (إشعياء15:49).

ولقد ثبت بالدليل القاطع وعلى مر الزمن، أن الأمومة معجزة.. وأنها أعلى الغرائز جميعاً، فكم وكم يكون الله.

الذي وضع هذا الحنو وهذا الحب داخل الأمهات، ولكن الشيطان والذي يعرف ذلك جيداً يشككنا.

إن نجاساتنا لن تسئ إلى الله بل نحن نطهر حالما نرتمي في حضنه، هل إذا سقط شعاع الشمس فوق كومة من القمامة يتلوث؟

أم يطهرها من الميكروبات، فإذا أوعزت إليك الأفكار بألاّ تدخل الكنيسة ما لم تتب وتتنقى أولاً، فكيف يتم ذلك بعيداً عن الكنيسة ؟!

إن ذلك يشبه شخصاً ينزل إلى البحر ليستحم، فهل يتلوث البحر منه أم يتنقى هو بالأولى!

لنضع الله بيننا وبين خطايانا ونجاساتنا، لا أن تفصلنا خطايانا عنه..

 

أشفق علينا:

أنه يعرف طبيعتنا وضعفنا ومسكنتنا، فهو خالقنا وجابلنا، عندما نخطئ يلتمس لنا الأعذار، يدافع عنا بإعتبارنا مستهدفين من الشيطان

لا يقبل الشكاية علينا ولا يغير رأيه فينا ولا يتخذ منا موقفاً.

حتى عندما قرر الله ألاّ يقضي للإنسان "فقال الرب لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد لزيغانه هو بشر"(تك3:6)

أي أنه ضعيف يميل إلى الشر، وهذا ليس إعفاء للإنسان من مسئوليته، وإنما شفقة عليه، ومع أن الله يقرّر أن لا يتصرف نيابة عن الإنسان (يدين روحه فيه، أي يقضى له) فإنه لا يتخلى عنه.

ومع أن إبراهيم أب الآباء قد كذب على فرعون والمصريين، فإن الله لم يتخلّ عنه بل دافع عنه عندما تعرض للخطر من قبل فرعون(تك11:12-20)

هذا لا يعفينا من المسئولية ولكن الله يؤدبنا فيما بيننا وبينه..

 إن طول أناه الله هي التي أنجبت لنا آلاف القديسين، فماذا لو أتخذ الله موقفاً من موسى العبد الشرير ومريم الفتاة الساقطة وشاول الفريسي المضطهد ؟!..

كنا سنخسر واحداً من أروع وأقوى أمثلة التوبة، وأخرى أصبحت نموذجاً لكل فتاة تتوق إلى حياه نقية مقدسة، وكارزاً هو الأعظم في تاريخ الكنيسة..

حقا إن الله ينظر إلينا باعتبار ما هو قادم، وليس بإعتبار ما هو قائم.

 

أتى بنا إلى هذه الساعة:

لعل أعظم عطية لنا من الله الآن، هي أننا مازلنا أحياء حتى هذه اللحظة، فبعض الذين نعرفهم، ومن لا نعرفهم، كانوا بيننا العام الماضي والآن ليسو موجودين

والبعض كان موجوداً منذ شهور والآن في عداد المنتقلين، والبعض الثالث كان موجوداً منذ ساعات، ولكنه ليس معنا هذه الساعة

أما نحن: فقد اتى بنا إلى هذه الساعة، أعطانا فرصة جديدة لنعوّض ما فاتنا..

إن سكان الجحيم يتمنون الآن يوماً من هذه الأيام التي نقضيها، وهم يتعجبون كيف نضيع السنين والشهور والأيام من بين أيدينا هكذا.. هذا أدركه الغني في مثل الغنى ولعازر وطلب من أبينا إبراهيم القيام بأي عمل لأجل إنقاذ أسرته..    

تخيلوا لو أنه ُاتيحت الفرصة لواحد من الذين في الجحيم الآن

أن يعود إلى الحياة لمدة أيام، ترى ماذا عساه أن يفعل وكيف يسلك فيها.. ألا تكفيه أيام قليلة لكي يقدم توبة نقية..


ذكرني ذلك براهب قديس، اجتمع حوله الرهبان عند نياحته فوجدوه يبكى، فلما سألوه عن سبب ذلك، قال أنه يتمنى لو يطيل الله أناته عليه

ويمنحه بعض الوقت، فتعجبوا لعلمهم بأنه مجاهد وقديس، فسألوه كم من الوقت تود أن يمنحك الله أيضا قبل النياحة، أجاب أريد ولو يوم واحد، سألوه: فماذا تصنع فيه، أجاب بأنه وان لم يستطع تقديم جهادات كثيرة، فيكفيه أن يبكى فقط طوال ذلك اليوم..

وهكذا يمكن لشخص ما في ساعة واحدة أن يحقق الكثير ويتقدم على كثيرين ممن سبقوه

إذا كان نشيطاً حاراً بالروح.. وأتخيل أن الله في كل صباح يهب كل إنسان أربع وعشرون ساعة ! كرصيد يتاجر به ويعوض ما فاته..

 

أخيراً:

فإن الشكر في الشدة يعين على الخلاص منها، والحياة التي تخلو من الشكر والتسليم تتحول إلى جحيم لا يطاق، في حين أن السعادة هي رد الفعل التلقائي للتسليم والشكر1)...

كما أن الشكر ُيعتبر ذبيحة

" من قدّم السميذ فقد وفىّ بالشكـر، ومن تصٌدق فقـد ذبـح ذبيحـة الحــمد" (سيراخ4:35)

" وليذبحوا له ذبائح الحمد (الشكر) وليعدوا أعماله بترنم"(مزمور22:107).

ولقد كان بنو إسرائيل يقدمون باستمرار ذبائح الشكر تعبيراً عن شعورهم بالامتنان من نحو الله (لاويين12:7 وإرميا 11:33)2).

"واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر" (كولوسي2:4)

 

-----------------------------------

(1) يمكنك الرجوع لكتيب "حياة التسليم" للمؤلف.

(2) كما سميت ذبيحة الافخارستيا بذبيحة الشكر، لأن الصلاة الرئيسية التي كانت تقدم فيها كانت صلاة شكر لله على خلقته للعالم بكل ما فيه.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +